وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الخميس

٢٣ مارس ٢٠٢٣

٥:٢١:٠٨ م
1353691

الإسلام دين دقيق في توازنه

يوازن دين الإسلام بين العمل والراحة، وبين الحاجات المادية والحاجات المعنوية، فلا يغلِّبُّ جانباً على جانب، كما إنه لا يُبيحُ للمُسلم أن يهمل حاجاته المختلفة.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِنَّ لَيْلَكَ وَنَهارَكَ لا يَسْتَوْعِبانِ حاجاتِكَ فَاقْسِمْهما بَيْنَ راحَتِكَ وَعَمَلِكَ".

نعمتان عظيمتان، قد تكونان مجهولتين لمعظمنا لتكرِّرهما وإلفتنا لهما، ومن يألف الشيء لا يدرك أهميته إلا إذا فقده، النعمتان هما الليل والنهار، الليل ننام فيه ونرتاح ونسكُنُ ونتخفَّف من متاعب النهار، ونعيد ترميم أبداننا وأفكارنا، ونستعيد فيه طاقاتنا، والنهار ننتشر فيه في الأرض، نسعى ونعمل، ونبني ونعمر، ونبحث ونكتشف، ونطلب رزق الله وعطاء الله.

والليل والنهار محدودان منقضيان، ما إن يبدأ أحدهما حتى ينتهي، وحاجاتنا كثيرة، خصوصاً في أيامنا هذه حيث تكثر الحاجات، وتتعدد المسؤوليات، وتزداد الواجبات، بحيث نحتاج إلى المزيد من الوقت للقيام بها وإنجازها، ولَمّا كان الوقت محدوداً وجب علينا أن نُقَسِّمه ونُنظِّمه ونلحظ فيه الأهَمَّ فنقدمه على المُهِمِّ، ونحرص على إنجاز ما يتقدم في الأولوية على سواه.

"إِنَّ لَيْلَكَ وَنَهارَكَ لا يَسْتَوْعِبانِ حاجاتِكَ فَاقْسِمْهما بَيْنَ راحَتِكَ وَعَمَلِكَ" إن الإمام أمير المؤمنين (ع) يدعونا إلى تقسيم ساعات النهار والليل، بين ساعات للراحة وهي عموماً ساعات الليل، وساعات للعمل في النهار في الأعم الأغلب لدى معظم الناس، إن هذا التقسيم يراعي حاجاتنا كلها، ولا يقدِّم واحدة على الأخرى، كما لا يهتم بواحدة على حساب الأخرى، فكما أن الحاجات التي نحصل عليها نهاراً ضرورية لنا، فيلزم أن نعمل ونكدَّ، كذلك حاجات الليل ضرورية أيضاً، سواء كانت إراحة للبدن، وهذا واجب، لأن البدن لا يقوى على العمل في النهار إن لم يأخذ القسط الكافي من النوم والراحة في الليل، أو كانت حاجات روحية معنوية عادة ما يحصل عليها المرء في الليل، كصلاة الليل والتهجُّد في الأسحار وهي من أهم أوقات الخلوة مع الله تعالى.

ونقلا عن اكنا، مما سبق يتبين أن الإسلام دين دقيق في توازنه، يوازن بين العمل والراحة، وبين الحاجات المادية والحاجات المعنوية، فلا يغلِّبُّ جانباً على جانب، كما إنه لا يُبيحُ للمُسلم أن يهمل حاجاته المختلفة، فكما يوجب عليه أن ينتشر في الأرض ساعياً وراء رزقه ومنافعه المختلفة، كذلك يوجب عليه أن يُريح بدنه، وأن يُغذِّي حاجاته النفسية والعاطفية، والفكرية والإيمانية، والروحية والمعنوية.

ونلاحظ فيما رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه دعا إلى تقسيم زمن الراحة إلى التالي، حيث قال: "عَلَى العَاقِلِ مالَمْ يَكُنْ مَغْلُوباً عَلَى عَقلِهِ أَنْ يَكونَ لَهُ سَاعَاتٌ: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيْها رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَاعَةٌ يُحاسِبُ نَفسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيْما صَنَعَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيهِ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيْها بَحَظِّ نَفْسِهِ مِنَ الحَلالِ، فَإِنَّ هَذِهِ السّاعَةَ عَوْنٌ لِتِلْكَ السّاعاتِ وَاستِجمامٌ لِلقُلُوبِ".

وفي حديث آخر قال (ص): "يَنبَغي لِلعاقِلِ إذا كانَ عاقِلاً، أن يَكونَ لَهُ أربَعُ ساعاتٍ مِنَ النَّهارِ: ساعَةٌ يُناجي فيها رَبَّهُ، وساعَةٌ يُحاسِبُ فيها نَفسَهُ، وساعَةٌ يَأتي أهلَ العِلمِ الَّذينَ يُبَصِّرونَهُ أمرَ دينِهِ ويَنصَحونَهُ، وساعَةٌ يُخَلّي بَينَ نَفسِهِ ولَذَّتِها مِن أمرِ الدُّنيا فيما يَحِلُّ ويَجمُلُ"

وعن الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) أنه قال: "اجتَهِدوا في أَنْ يَكونَ زَمانُكُم أربَعَ ساعاتٍ: ساعَةً لِمُناجاة اللّهِ، وساعَةً لأَمْرِ المَعاشِ، وساعَةً لِمُعاشَرَةِ الإِخوانِ والثِّقاتِ الَّذينَ يُعَرِّفونَكُم عُيوبَكُم، ويُخلِصون لَكُم فِي الباطِنِ، وساعَةً تَخلونَ فيها لِلَذّاتِكُم في غَيرِ مُحرَّمٍ".

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
........
انتهى/ 278