عقب الحوادث الأخيرة في البلاد والأحداث المريرة التي شهدتها محافظة سيستان وبلوشستان خلال الأشهر الأخيرة، جرى توكيل الوفد المُرسل من قائد الثورة الإسلاميّة إلى محافظة سيستان وبلوشستان برئاسة رئيس الشورى لوضع السياسات لأئمّة الجمعة، حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد جواد حاج علي أكبري، بالتوجّه إلى المحافظة والاستماع لشكاوى الناس وهواجسهم، ومتابعة تدابير سماحته ضمن إطار أربعة محاور: «تحرير المُعتقلين الذين لم يرتكبوا جريمة كُبرى ومؤثّرة» و«التعامل بحزم ودون تسامح مع المخطئين»، و«متابعة أحوال المتضرّرين» و«منح صفة "شهيد" للأبرياء من الضحايا بعد متابعة مؤسسة الشهيد الملفّات المُشكّلة لهم».
ضمن هذا الإطار، أجرى موقع KHAMENEI.IR الإعلامي حواراً مفصّلاً مع حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد جواد حاج علي أكبري، تطرّق فيه إلى تفاصيل هذه الزيارة.
كانت الأحداث خلال الوقائع الأخيرة هناك مختلفة عن الأحداث كلّها في سائر نقاط البلاد. فأحداث البلاد التي انطلقت في أيلول/سبتمبر الماضي كانت تدور حول موضوع آخر، والمواضيع داخل المحافظة انطوت على ماهيّة أخرى. لذلك إنّ أساس الأمر لم يكن مرتبطاً بالأحداث الأخيرة وزعزعة الأمن وأعمال الشغب. القضيّة التي تُطرح هناك هي حادثة وقعت قبل مدّة في تشابهار (چابهار) وتخلّلتها قضيّة قتل عائليّة. ضمن متابعة هذه القضيّة يبدو أنّه وقعت حادثة سيّئة لإحدى اللواتي كنّ على اطّلاع على القضيّة، ثمّ طرحت تلك السيّدة بعض الادّعاءات. كان مسار المتابعات هناك قد طال، وقبل أن تنتهي المتابعات – طبعاً أُنجزت بعض الأمور – طرح أحد السادة الموضوع على مستوى خطبة صلاة الجمعة، وهو مولويّ. وانتهى طرح هذه القضيّة أمام الرأي العام – نظراً إلى أنّه توجد حميّة شديدة أيضاً تجاه هذه القضيّة في تلك المنطقة – بردود فعل كانت ذروتها ما حدث في 30/9/2022 أثناء صلاة الجمعة في مدينة زاهدان. فبعد الصلاة ينطلق تحرّك تحت عنوان الاحتجاج، ويبدو أنّ تلك الحركة كانت مخطّطة مسبقاً أيضاً، ثمّ تتوجّه نحو مخفر الشرطة القريب من محلّ إقامة صلاة الجمعة والمصلّى، ويتبع ذلك أحداثٌ جرى تناقل روايات عدّة بشأنها.
ما هو مسلّمٌ بالنسبة إلينا، بناء على الدراسة المُعلنة التي أجريت، هو أنّ الخطأ مُؤكّدٌ هناك، لكنّ أبعاد الأمر شيءٌ جرت دراسته ضمن آليّة محدّدة، وكانت النتيجة أنّ بعض الأبرياء هناك ممن قُتلوا أو جُرحوا كانوا من الذين لم يشاركوا في الهجوم على المخفر بل على بُعد مسافة معيّنة وأُصيبوا بطلقات الرصاص، وكانت إصاباتهم خلال الدفاع عن محيط المخفر. هذا ما حدث هناك.
بعد عرض التقرير حول هذه الحادثة من هذه الناحية، تذهب [المؤسسات الحكوميّة ذات الصلة في البلاد] وتبدأ تحليل الأمور ودراستها، ومن ناحية أخرى تبدأ يوم الجمعة الذي تلى تلك الحادثة اعتراضات في خاش وسائر صلوات الجمعة تدريجياً ويجري التعبير عن الانزعاج مما وقع. هذه الاعتراضات في خاش، وأثناء الهجوم ضدّ مقرّ قيادة الشرطة وسائر المراكز هناك، أدّت إلى مقتل عدد من الأشخاص، وقد استفاد من هذه الفرصة عناصر الخارج والحركة الإرهابيّة والانفصاليّون والذين كانوا يترقّبون مثل هذا الأمر جميعاً، فقد استغلّوا الأوضاع من أجل إشعال الأجواء وتأجيج النيران واستغلال هذه القضايا.
خلال القضايا المطروحة، طال مسار المتابعة وكانت هذه الاضطرابات قائمة. بعد ذلك تُرسِل شورى التأمين في المحافظة ومعها ممثّل وليّ الفقيه تقارير تؤدّي إلى صدور تعليمات ومقرّرات في «المجلس الأعلى للأمن القومي»، وتحظى أيضاً بموافقة قائد الثورة الإسلاميّة. يجري تنفيذ بعض هذه التعليمات والمقرّرات، ومنها التغيير في قيادة القوى الأمنيّة في المحافظة. هذه التغييرات كانت على مستوى المحافظة والمقاطعة أيضاً، تماماً كما جرى ذلك سابقاً في جابهار، مع اعتقال ذاك الذي كان مُتّهماً. هذه الأعمال جرت في مركز المحافظة واتخذت هذه القرارات من أجل اتفاق 30 أيلول/سبتمبر. بعد ذلك، يبعث علماء المحافظة رسالة إلى سماحة القائد العظيم الشأن يطرحون فيها بعض المطالب.
عليه، نجد أنّ الإمام الخامنئي ارتأى أنّه إضافة إلى هذه الخطوة، وغير الأمور التي تمّت وأُدرجَت ضمن مسار المتابعة، من الضروري اتخاذ تدبير منفصل. وانطلاقاً من معرفة سماحته بظروف المحافظة وجوانب هذه القضيّة، خاصّة مع اطلاعه على قضيّة مقتل بعض الأبرياء وجرح آخرين – لقد تألّم سماحته من هذا الأمر – جرى توكيلنا بالذهاب ضمن إطار وفد برفقة شخصيّتين تملكان سوابق العمل في ساحة أهل السنّة والمحافظة نفسها. جرى توكيل مجموعتنا بأن نُبلّغ بداية سلام سماحته ومحبّته إلى الجميع وأهالي هذه المحافظة خاصّة. فعلى أيّ حال، تألّم الناس إثر هذه الأحداث وكان من الواضح انزعاج الجميع من وقوع من هذا الأمر هناك، أي لم يكونوا يتوقّعون حدوث أمر شبيه.
ثانياً مواساة الذين تضرّروا، وإضافة إلى هذا الاستماع لأقوال أولئك الذين يعتقدون بأنّ كلامهم لم يُسمع ومتابعة تحقيق مطالبهم. تقرّر أن ننصت بقلوبنا ونستمع لكلّ ما يُقال، وأن نتلقّى كلّ كلام من كلّ من يرغب في الكلام، إضافة إلى أن نُبلّغ تلك التدابير التي تمّ إقرارها ونُفّذت، ومنها إطلاعهم على أنّ الأبرياء الذين قُتلوا وتمّ إثبات براءتهم سيُعدّون كافة في عداد الشهداء، وأنّ أولئك الذين يُعانون من جراح خاصّة ستتكفّلهم مؤسسة الجرحى. كما طُلب منا متابعة سائر الأشخاص وتعويض كلّ من توجد حاجة إلى تعويضه في هذا الإطار من بين العائلات.
في ما يتعلّق بالسجناء لا بدّ لي من القول أيضاً إنّهم كانوا يطالبون بتحرير الجميع، لكنّنا قلنا: هذا المطلب ليس منطقيّاً، لكن أولئك الذين تتوفّر الأرضيّة للعفو عنهم ولم يرتكبوا جرائم حقيقيّة، فسيجري تحريرهم، أي أولئك الذين تحمّسوا وشاركوا دون ارتكاب جريمة، وإنما شاركوا في هذه الاعتراضات. تحرّر بعض هؤلاء أثناء وجود وفدنا هناك.
أكّد سماحته على قضيّة الاستماع والإنصات أساساً، ولذلك جهّزنا أنفسنا كلياً لنستمع. لقد كنّا نحضر في الجلسات وكان بعضهم يطرحون ما لديهم من كلام بطيب خاطر ويقولون ما تختلجه أنفسهم. طبعاً عقدنا جلسات أيضاً من أجل مواساة عائلات شهداء الأمن ومن لحقت بهم الأضرار.
وصل الوفد مساء السبت (12 تشرين الثاني/ نوفمبر) إلى زاهدان، وبعدما أجرينا لقاء منذ بداية الصباح مع كبار المسؤولين في المحافظة، كان لدينا موعدٌ مع العلماء. كان مقرّراً لقاؤنا في تمام التاسعة في مبنى «ممثليّة قيادة الثورة الإسلاميّة» الخاصّة بمتابعة شؤون أهل السنّة في سيستان وبلوشستان. وعدد من لقاءاتنا كان في ذلك المكان، ولذلك اتفقنا مع السادة أيضاً أن يجري اللقاء في ذلك المكان. حانت التاسعة صباحاً، أي موعد الجلسة، ولاحظنا أن أحداً لم يأتِ. جاء عددٌ قليلٌ جدّاً ممن جرت دعوتهم. وبعد متابعة الأمر، اتضح أنّ الذين تمّت دعوتهم موجودون في مسجد «مكّي»، وقد كانت لديهم جلسة أخرى قبل الجلسة معنا وأخبرونا بأنّ السادة يقولون إنّنا لن نحضر الجلسة، وإذا كان الوفد يرغب في لقائنا، فليأتِ إلى المسجد.
أجبنا بأنه لم يُدرج في برنامجنا شيء شبيه، وكان من المقرّر أن نبقى في مبنى الممثليّة ونلتقي مختلف الفئات هناك ونعقد الجلسات معها، وذاك المكان مرتبطٌ أيضاً بمتابعة شؤون أهل السنّة لدى قائد الثورة الإسلاميّة.
نعم، أُعلن بالكامل وتحدث ممثل قائد الثورة الإسلامية مع الأشخاص كلهم. أُعلن مكان الاجتماع وموعده في التاسعة صباحاً، لكن السادة لم يحضروا. هنا ضاع بعض الوقت، وكانت هناك محادثات وحركة أفراد من نحو التاسعة إلى ما بعد صلاة الظهر، أي 13:30 ظهراً. من بينهم جاء أشخاص عدة من المسجد وعقدوا اجتماعاً مفصّلاً مع السيد محامي، ممثل الإمام الخامنئي هناك. نوقش في هذا الاجتماع سبب تغيبهم وتوجيه ملاحظة إليهم. هم قدموا تقاريرَ عن الخلافات في وجهات النظر هناك وطلبوا أن يتوجه وفدنا إلى مسجد «مكي» للقاء والحوار.
نحن قلنا إن اجتماعنا يجب أن يكون هنا وهذا غير قابل للتغيير لكن ليس لدينا مانع من الذهاب إلى هناك بضع دقائق من باب الاحترام للقاء السادة وتعزيتهم. في الواقع، وافقنا على الذهاب بضع دقائق، أي من أربع إلى خمس أو عشر مثلاً، ثم العودة مرة أخرى للاجتماع في المكان المحدد. هذا الاقتراح، رغم أنه من قبل هؤلاء السادة، لم تتم الموافقة عليه مرة أخرى وقالوا إنهم يتوقعون عقد الاجتماع هناك أيضاً.
بعد ذلك، استمرت المحادثات التي أجراها هؤلاء الأصدقاء مع أنفسهم، وفي نهاية المطاف، كان الاقتراح الذي وصلناه أنهم قالوا لنا أن نذهب إلى مكان ثالث لعقد الاجتماع. قلنا: نعم، ليس لدينا مانع. وافقنا على مكان ثالث. كان المغزى أننا لا نريد أن ندخل في السجالات. كان هدفنا سماع آراء علماء أهل السنة وأسئلتهم ومقترحاتهم ثم عرضها على سماحة الإمام. في نهاية المطاف، صار مكان الاجتماع في منزل أحد السادة البلوش من أهل السنة، وكان متوافقاً عليه عند الطرفين.
في البداية، ذكرت أننا جاهزون بما يكفي للاستماع لكلام السادة... والآن يمكنكم التحدث بقدر ما تعتقدون أنه ضروري. أولاً بدأ إمام جمعة مسجد «مكي» في بيان محاورهم ونقاطهم، ثم تحدث شخص آخر، وأعتقد أنه كان إمام جمعة خاش. طرحَ إمام الجمعة في «مكي» الأشياء نفسها التي ذكروها سابقاً في رسالتهم، وكانت مطالبهم تتمحور أساساً على حادثة «8 مهر» (30/9/2022) التي وقعت في «مكي». ذكروا روايتهم الخاصة ورواية قوى الأمن وكذلك الأمور التي وقعت على هامش هذه القضية، وقالوا أيضاً إنهم يتوقعون متابعة هذه القضية.
من النقاط التي طرحها - رأيت في ما بعد أنهم يتطرقون إليها باستمرار في خطبة الجمعة وقبلها وبعدها - قضية التمييز مع أهل السنة كما قال، وأننا لا نقوم على المسؤوليات ولا نستطيع أن نقوم عليها وما إلى ذلك. لقد جرّوا هذا النقاش إلى الموضوع المذهبي للشيعة والسنة، ورأوا أن الحادث الذي وقع نابع من هذه القضية، وقالوا إن هنا (في المحافظة) إشكالية هيكلية تتعلق بهذه القضية، وهي تعود إلى ذلك أيضاً. كذلك، تحدث الصديق الآخر أيضاً في نفس السياق إنما بمرارة.
ثم جاء دوري، ونقلت إلى السادة تحية سماحة الإمام ومحبته ومودته. أكملت فقلت إننا جئنا لنستمع لمطالبكم، وإن شاء الله، فسنستفيد منها. قدمت توضيحات لازمة بشأن النقاط التي أثيرت، وشرحت التدابير المتخذة ورأي قائد الثورة. تحدثنا حول موضوع الشهداء والمصابين، وبشأن متابعة القضية، قلنا: لو كان أحد مقصر فسوف تجري متابعة ذلك، إن شاء الله. وفي موضوع السجناء: إذا لم يكونوا قد ارتكبوا جريمة، فسوف يجري العفو عنهم ويُطلق سراحهم.
النقطة المتبقية أنني أخبرتهم أنني لا أرى أن من الصواب ربط مسألة التمييز بين الشيعة والسنة وما إلى ذلك بالأحداث الأخيرة، وأني أرى طرح هذه القضايا أمراً خطيراً، فينبغي ألّا ترددوا هذا الكلام. النظام لا يضع مثل هذه الاختلافات في تدابيره. في بعض المواضيع هناك وجهات نظر مختلفة وقد يكون لديكم توقعات لا تمكن تلبيتها من الناحية السياسية، ولكن عامة الخدمات التي قدمها النظام إلى أهل السنة فريدة من نوعها في تاريخ البلاد بأكمله: المساجد التي بُنيت، وصلوات الجمعة التي لم تكن موجودة من قبل، والمدارس العلمية، وما إلى ذلك - قيلت هذه الأمور كلها – وصولاً إلى سائر الخدمات في المناطق السنية كما الشيعية. بالمناسبة وفي تلك الأيام التي كنا فيها هناك، افتُتح خط سكة الحديد [حاش-زاهدان] إضافة إلى مشاريع أخرى كبيرة جداً، مثل شواطئ مكران. هو مشروع ضخم يجري تنفيذه في تلك المناطق، وكثير من الأعمال الأخرى التي أنجزت ولا يسعنا التفصيل الآن.
النقطة التي تجدر الإشارة إليها أن في محافظة سيستان وبلوشستان ثمة جزء سيستان، وهو الذي يقطنه الشيعة والأكثر حرماناً، وبالمناسبة خدمات البنية التحتية والأساسية للنظام موجودة أساساً في بلوشستان.
ثمة لقاءات مع المثقفين والأكاديميين ورؤساء العشائر في زاهدان وخاش وسراوان وتشابهار وزابل وإيرانشهر ودلكان... طبعاً، كان مجمل اجتماعاتنا في مركز المحافظة لكننا ذهبنا للقاء الأعزاء في هذه المدن. هذه المناطق مرتبطة بالأماكن التي يقطنها إخواننا من أهل السنة بشكل أكبر. مع أن دلكان تقع في منطقة البلوش، فإن الغالبية فيها هم الشيعة. كانت معظم لقاءاتنا هناك مع الأهالي. وفي زابل، كان لقاؤنا مع الأهالي أيضاً.
في هذه الاجتماعات، كان معظم وقتنا مرتبطاً باحتياجات المحافظة، أي لم يعودوا يتطرقون إلى هذه المواضيع والأحداث الأخيرة. في خاش، تحدث مولويان اثنان بحماسة شديدة وطرحا الكلام نفسه الذي يثيره بعض الأشخاص باستمرار. لكن في سائر الاجتماعات كان الجزء الرئيسي - ربما أكثر من 70% أو 80% من الموضوعات التي جرت مناقشتها - يتعلق بقضايا المحافظة وصعوبات العيش في المحافظة والاحتياجات الحالية والمشاريع وما شابه؛ أي ثمة فضفضة وأرادوا أن يُستفاد من هذه الفرصة لتصل إلى قائد الثورة الإسلاميّة. كان لدينا اجتماعان خاصان في مدينتين أيضاً: اجتماع في سراوان عقدناه مع جناب المولوي عبد الصمد ساداتي بركزار الذي ربما كان أكبر شيوخ تلك المنطقة، وقد كان والده الفاضل من الثوار قبل الثورة وأحد العلماء البارزين، واجتماع في تشابهار مع جناب المولوي عبد الرحمن ملا زهي الذي يعدّ أحد كبار أهل السنّة في المحافظة وربما أبرز نخبة علمية لديهم. ما إن جلسنا، حتى أظهر لنا بشوق كبير رسالة خطية كتبها الإمام الخامنئي عام 1358 (1979-1980) مخاطباً فيها المولوي عبد الرحمن، وسمعنا ذكريات أخرى تتعلق بهذه المواضيع.
أستطيع أن أقول لكم على نحو قاطع وجازم إن هذا التيار يقدم بصورة غير منصفة رواية غير صحيحة بل مزيفة عن الأجواء الداخلية في المحافظة. وروايته هذه تقدم مقطعاً مغلوطاً من فئة هي أقل القليل، فالنسيج العام للمحافظة نسيج متمسك بالنظام بشدة. قد لا تكون كلمة «بشدة» التي أقولها قابلة للتوصيف. لقد كان الناس والنخب ورؤساء العشائر والسادة العلماء وغيرهم مستائين جداً ومتضايقين للغاية من استخدام كلمة «انفصاليين» بشأن محافظتهم. كان الشخص يحترق لوعة حين يقول في الاجتماع معنا: إن مثل هذه التهمة تُطلق عليها ونحن حراس هذه الحدود وقد دفعنا الدم من أجلها. كانوا يقدمون تقارير عينية: عشيرتنا عملت على هذا النحو للدفاع عن حدود البلاد طوال هذه السنوات من الأيام الأولى حتى الآن، وقدمنا الشهداء من أجل ذلك. ثم راحوا يذكرون شهداء سيستان وبلوشستان، فقالوا: قدمنا آلاف الشهداء من أجل هذا الوطن، ثم نصير انفصاليين!
أنا بدوري قلت بصراحة في اجتماعين أو ثلاثة وفي مقابلة تلفزيونية هناك إن كل من قال ذلك أخطأ صنعاً. وقلت في مكان آخر: لقد تمادى في الخطأ! كلام كذلك بشأن محافظتكم هو محض افتراء. نعم، يوجد في هذه المحافظة مجموعة مناهضة للثورة مرتبطة بالتيار الانفصالي، لكن لا علاقة لأهالي المحافظة بالأمر.
أهالي المحافظة يحترمون رؤساء عشائرهم ووجهائهم كثيراً، ونأمل أن يستمر ذلك. كان الجميع دون استثناء يقولون: أبلغوا سلامنا إلى سماحة الإمام، وإننا نكنّ له المحبة، وإننا حاضرون ونحمي الحدود و[أخبروه] ألّا يقلق.
لذلك، يجدر أن أقول إن هذه المحافظة فيها كثير من الناس الطيبين، فالمرء ينجذب إليهم، وهذا الشعور الذي يتحدث عنه سماحة الإمام في ذكرياته هو عين الواقع الذي يراه المرء من كثب عندما يلتقيهم. إنهم أناس كريمون جداً ومفعمون بالمحبة والصفاء.
عموماً كان ملموساً أن هذه الزيارة التي حملنا فيها تحيات سماحة الإمام وحبه وعنايته تجاه المحافظة كان لها تأثير مهم للغاية في أجواء الرأي العام في المحافظة. كان واضحاً أن الروحية تحسنت كثيراً. كانت هذه القضية ملموسة للغاية. في رأيي، هذه الزيارة كان لها أثر كبير في تعزيز الأمن في المحافظة. اتصل بنا المسؤولون الأمنيون في المحافظة فوراً وأعربوا عن تحسن المستوى الأمني للمحافظة على نحو ملحوظ.
لقد حيّدنا عن هذه الحادثة مسألة قوات الأمن التي تحمي الأمن العام للمحافظة والبلاد. ذهبنا إليهم وحيينا جهودهم وكانت محادثاتنا مفيدة جداً بشأنهم، فقد كانوا تحت ضغط هائل. لو افترضنا أن شخصين أو ثلاثة من قوى الأمن ارتكبوا خطأ، فإن من الخطأ تعميم ذلك على هؤلاء الأفراد العاملين في حرس الحدود كافة وفي تلك الظروف، فحياتهم معرضة لخطر دائم، خاصة من يقدمون الشهداء باستمرار في الاشتباكات مع مهربي المخدرات والمجرمين. الأهم من كل ذلك أننا قمنا على واجبنا واستمعنا للأقوال ونقلنا مجموع هذه المحادثات إلى [مربع] اتخاذ القرارات.
.........
انتهى/ 278