وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الجمعة

١٦ سبتمبر ٢٠٢٢

٢:١٨:٥٠ م
1305930

الشيخ عبد المنعم قبيسي في حوار له؛

الأربعين هو المؤتمر العالمي للتمهيد للإمام المهدي (عج) عبر جهاد التبيين

علينا من منبر المؤتمر العالمي الذي أراده الإمام الخامنئي أن نبدأ بالسير والسلوك باتجاه أن نعاهد الإمام الحسين (ع) على البقاء في ساحة جهاد التبيين من أجل أن نمهّد بهذا الجهاد، جهاد التبيين، للإمام المهدي (ع) كما نمهد بالجهاد العسكري.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي نصّ الحوار الذي أجراه مع الأستاذ في الحوزة العلميّة سماحة الشيخ عبد المنعم قبيسي حول جهاد التبيين الذي اعتبره سماحة الإمام الخامنئي «فريضة حتميّة وفوريّة»، وكذلك دور الأربعين كمحطة رئيسية في أداء هذه الفريضة.

أكّد قائد الثورة الإسلاميّة على فريضة التبيين وجهاد التبيين، برأيكم، ما هي أسباب وخلفية طرح موضوع «جهاد التبيين» من قبل قائد الثورة الإسلامية في هذه المرحلة من الزمن؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته. من إبداعات الإمام القائد - حفظه الله - الولي الناصح الإمام السيد علي الخامنئي - حفظه الله وأبقاه - أنه دائماً يضفي على الأمة بياناً جديداً يضع فيه النقاط على الحروف، في عملية المواجهة الكبيرة كأمانةٍ حملها تحت عنوان ولاية الفقيه، ليدير بها الحفاظ على منظومة تاريخية من إنجازات الأنبياء والأولياء والأئمة (ع)، وتلك الجهود العظيمة المتراكمة على مرّ التاريخ. لكنَّ هذا السيد القائد كان بالمرصاد، وهذه المرة بإطلاق مفهوم جديد وتسليط الضوء على أولويات الحياة الإنسانية الثقافية الاجتماعية بأبعادها كافة، ألا وهو «جهاد التبيين».

جهاد التبيين ليس فكرة جاءت من لا شيء، لأنَّ ثقافة السيد القائد وعمق روحه شمسٌ تبعث على الضياء، وهو من الذين يملكون عمقاً قرآنياً، والأصالة الفكرية تأتي من عمق الآيات الواضحة للعالم، فهو بذكائه وحكمته وبصيرته، استطاع أن يعطي لهذه المرحلة سلاحاً جديداً للأمة وأفرادها تحت عنوان جهاد التبيين الذي هو ضرورة للحفاظ على الأمانة الإلهية لحركة التوحيد، فكان السيد القائد أميناً على تلك الجهود، لأنه ينظر إلى الإسلام الذي يحكم أنه منظومة قيمية تقوم على مجموعة من الأصول العقدية والأخلاقية والإيمانية المرتكزة على التوحيد والغيب.

لذلك الأهداف التي تحملها الجمهورية الإسلامية هي عينها أهداف القرآن، وعينها المراد الإلهي، وتدفع الأمة إلى بناء ذاتها والاستقامة والدفاع وأيضاً الهجوم. فالسيد القائد يرى أنّه لصيانة أهداف الثورة الإسلامية عندما تكون في خطر، لا بدَّ أن يُشهر سلاح التبيين، لتُحدد النقاط وتوضع على الحروف، ولنقرأ في كتابٍ واحد ونواجه عدواً واحداً بأشكالٍ متعددة. من هنا، يقترح السيد القائد أنَّ هذه الحياة الطيبة، هذه الحياة الإنسانية، الإيمانية، القرآنية، الإسلامية... خاصةً الحياة الموالية لتربية مدرسة أهل البيت (ع)، التي لا تفقد شيئاً من عناصر القوة والإضاءة والبصيرة، هذه الحياة، يراها السيد القائد حياةً عقديةً وجهادية في الوقت نفسه، حياة العقيدة والجهاد.

جهاد التبيين هو من الجهد الذي هو بذل أقصى الطاقة الجسدية والعقلية والروحية والفيزيائية والإمكانات كافة، أي أقصى طاقة للبذل والعمل الميداني، ولكنه ليس مطلقاً إنما مقترن بمواجهة العدو. إذاً، الجهاد المسمى بالتبيين هو حركة مواجهة للعدو: نقاط قوته لإضعافها، ونقاط ضعفه لزيادتها. إذاً، تحصين الأمة من جهة، والهجوم على هذا النمط الجديد الذي ليس جديداً في التاريخ لكنه مستحدث، واليوم صار خطره أقوى لأنَّ وسائل وآليات وأدوات التحدي كانت واسعة جداً ومنتشرة عبر الفضاءات المعنوية: وسائل التواصل، الأساليب التقنية... فصار العالم كله قرية من المعلومات السريعة التي يمكن أن تنتشر انتشار النار بالهشيم. السيد القائد – حفظه الله - عندما يبيّن ويقول إنّ هذا الجهاد جهاد التبيين، [أي] تبيين خطط العدو، مكر العدو، تشويه العدو، يعني أن هناك مرتكزات عند العدو يحاول أن يضرب بها نقاط قوة هذه الأمة بأبعادها المختلفة. من هنا، نرى بصورة جلية أنَّ السيد القائد - حفظه الله - كان يركز على [مواجهة] الوسائل المنحطة. يعني مثلاً موضوع الكذب، موضوع قلب الحقائق، موضوع تثبيط الإرادة والعزيمة، تيئيس الأمة، نشر الشائعات... هذه المفردات كلها العدو يبدع في إتقانها وإخراجها ويمتلك ترسانة من الأدوات والإمكانات المالية والمادية والتقنية منها، ما يجعله متفوقاً على الجميع في الدهاء والمكر والتلبيس وتشويه الصورة وقلب الحقائق.

من هنا، نجد أنَّ سماحة الأمين العام - حفظه الله - السيد حسن نصر الله أخذ هذا المنوال، يعني بنفس المنهجية والعناوين العامة، وركّز عليها بطريقة تغنينا في ميدان التطبيق. يبدو أنّ مشكلتنا اليوم هي مشكلة تطبيق. من هنا، يأتي تعريف هذا الجهاد البياني والأسباب التي جعلت السيد القائد يتصدى لهذا العنوان بقوة وفي كل محفل، وذلك لتفويت الفرصة على العدو الذي يريد إفشال أمتنا التي باتت اليوم محورها أقوى ومتماسكاً وعلى أبواب الإنجازات.

أي من المفاهيم والمواضيع لها الأولوية في «جهاد التبيين»؟

السؤال الذي يطرح نفسه هو حول هذه الفريضة التي يراها القائد فريضة مستمرة وواجبة وضرورية وشاملة. نحن اليوم نريد أن نسلّط الضوء على الموضوعات التي تحتل أولويات مشتركة عند الأمة، وقد يكون هناك أولويات بحسب كل ظرف، وكل منطقة، وكل صنف من أصناف التحدي، لأنها تتفاوت.

إذاً، مجالات جهاد التبيين متعددة، منها العلمي، والاجتماعي، والسياسي، والعسكري وأيضاً الأخلاقي، ومنها الأسري، والإعلامي الذي يؤثر تأثيراً مباشراً في الرأي العام، وحتى السلوكي والأخلاقي، وحتى المنطق الذي تدار به هذه الحرب وهذا الجهاد. نحن اليوم إذا جئنا إلى هذه المجالات العلمية والاجتماعية والسياسية والعسكرية وبقية الجوانب، نجد أنّ الأولويات التي يجب أن نركّز عليها في جهاد التبيين هي الشبهات التي تزعزع البعد العقدي والفكري والنفسي، ويجب أن تتصدى الفئات الواعية لذلك. تجدر الإشارة إلى أنّ المتصدّين ليسوا [أصحاب] الاختصاصات [فقط]. على كل إنسان مكلّف أن يتصدى بمقدار وسعه ليكون في المكان المناسب وليضفي قوة على هذه المواجهة.

الشبهات والردود العقدية والفكرية والأخلاقية، وحتى تشويه التاريخ الذي سأشير إليه لاحقاً، ذلك كله علينا أن نمتلك مقابله بياناً واضحاً وسلاحاً فكرياً منطقياً عقلانياً نستطيع به أن نجيب عن السموم التي يمارسونها من أجل ضرب المسلّمات عند المسلمين والمجتمع المؤمن، كالحجاب مثلاً. الآن عملية تشويه الحجاب وإفراغه من مضمونه عملية مركزة، ولا يأتون إليه من باب الإهانة، بل من باب التشكيك في الأدلة والشواهد. حتى الإنسانة المحجبة التي لا تمتلك ثقافة دفاع ووعياً لا تستطيع أن تدافع عن قناعاتها لأنه ليس لديها أدلة ولا ثقافة واسعة فتضعف وتنهزم وتنكفئ. هذه حرب ضروس اليوم تشن على العفة والمرأة والمجتمع من أجل تفكيك عناصر العفة والمنعة الداخلية على المستوى الأخلاقي والاجتماعي. ثانياً من القضايا المشتركة في جهاد التبيين أن علينا أن نمتلك أيضاً سلاح الإقناع، وهذا يرتبط بالأسلوب والمخاطبين وبما يتأثرون وكيف يفهمون لغة الخطاب. يجب أن يكون الخطاب منسجماً مع مستوى ولغة وطبيعة فهم الناس، لأنّ لكل مجتمع عاداته ولغته وثقافته. عملية الإقناع للمخاطب تحتاج مهارة أيضاً عند المخاطِب. يعني ذلك أن الإنسان الذي يتصدى للبيان يجب أن يمتلك سلاح الإقناع والعقل والمنطق وأيضاً التهذيب والأخلاق، وبالتي هي أحسن، حتى لا يتحول الصراع إلى فشة خلق أو مناكفة وجدل عقيم؛ {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

نحن نمتلك رصيداً قوياً في عملية الإقناع، ونمتلك أدلة متينة ونمتلك شواهد، ونمتلك أيضاً تجارب وعندنا شواهد ميدانية نستطيع جلبها. يجب أن نعمل على تحضير الخطاب المتناسب مع احتياجات المخاطبين، وهم الشريحة الاجتماعية الكبيرة في الأمة، وثانياً يجب أن يكون أصحاب الخطاب متخصصين بالإتيان بالشواهد والعلاجات على نحو دقيق وحكيم حتى يُشبع هذا المستمع والمخاطب بالفكرة ويقتنع. يجب أن يكون الخطاب إقناعياً. ثالثاً من الأولويات التي يجب أن ننتبه إليها في الإعلام حالياً موضوع الكذب، موضوع الشائعات، موضوع استهداف نقطة القوة نتيجة إنجازات محور المقاومة ونتيجة الإخفاقات عند العدو. يحاول العدو أن يرمم ضعفه وخوفه ورعبه وفشله ونعيه نفسه في المستقبل، عن طريق ماذا؟ عن طريق بث الدعايات عبر وسائل التواصل كي يشكك المستمع والمخاطب في مصداقية القيادة والولاية والإدارة للمحور الممانع وقادة هذه المسيرة والأمناء عليها. نحن اليوم أمام محطة العودة إلى النبي (ص) الذي كان يسمّى قبل النبوة الصادق الأمين، ونقطة قوة عندنا في لبنان وهذا شاهدٌ للعالم عبر التلفاز أنَّ عندنا أميناً عاماً استطاع بصدقه وشفافيته أن يدخل الحق إلى قلوب المعاندين والحاقدين وقلوب الأعداء، فضلاً عن المحبين الذين يفهمون لغته الفطرية والعقلية واستدلالاته المنطقية والبيانية لأنه يريد أن يكشف الغطاء عن كل لبس وكلمة وفكرة... يتناولها الإعلام من أجل أن يشوهوا ويدخلوا الرعب. تارة يقولون لك: قد دسّوا السمّ للسيد [نصر الله] لا سمح الله، وأخرى يقولون لك: السيد لديه أمراض ولذلك لا يتحدّث إلى الإعلام، وتارة: السيّد لديه مشكلة معينة... الدعايات والإشاعات موجودة في العالم، لأنّ هذا سلاح «البعبع» والإخافة وتثبيط العزائم والردع، وهذا كلّه لا فائدة منه؛ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.

انظروا إلى المنطق القرآني! القرآن يواجه الدعايات بالتسليم بالطمأنينة وزيادة الإيمان، فيجب أن نركز بخطاب الجهاد البياني على الصدق في القول، وليس في القول فقط. لدينا مشكلة ثانية هي التطبيق، أي آليات التطبيق. واحدة من القضايا التي يجب أن نتصدى لها هي تكرار البيان، ليس البيان مرة واحدة فقط، يعني أن ندافع بشكل متتالٍ ومتوالٍ وألا نجعل الأمة تنسى مظالمها ومظلوميتها وحقوقها ومقدساتها... يجب أن تبقى في الذاكرة والمناهج بكل الوسائل والأساليب. هكذا علّمنا الإمام زين العابدين (ع). عندما كان صاحب الشاة يريد أن يذبحها فكان يسأله: هل سقيت الشاة؟ فكان يقول له: لا، فيقول: لا تذبحها إلا بعد أن تشرب، فقال له: استشهد الحسين بن علي (ب)، أبي، عطشاناً جائعاً، لماذا؟ يريد أن يستفز المخاطب ويستنهض حس المظلومية. هذا التكرار وعيش القضية مع كل نفس يجعلنا أكثر جدية وتركيزاً ووعياً.

ثمة قضية مهمة: عندما نريد أن نتصدى لمخططات العدو في الإعلام المضلل والتشويه والحرب الناعمة التي يحاول أن يضرب فيها مسلّماتنا وتواصينا بالحق وبالصبر حتى ينسّينا القضية، هناك أمر يفعله العدو، هو أنّه لا يشرح أسباب الإشاعة التي يبثّها. نحن معنيون بمتابعة الأسباب، ويجب أن نعمل على التعريف بأسباب الإشاعة ومن أين انطلقت وماذا يرمون، وعلينا أيضاً أنّ نعوّد الناس النقد، لأنّ الناس لا تتلقّى فقط. يجب أن تتثقف الناس على الملاحظة والسؤال وبيان ما عندها من هواجس، وهذا يثري المطلب عنا. بهذه الطريقة، أرى أنّ الأبعاد المشتركة التي يجب أن نواجهها هي: الكذب، بث اليأس، الشائعات، التكرار، التركيز على المواجهة بضخ كمية هائلة من القدرة على تثبيت الشجاعة والحكمة وتبيين نقاط القوة عندنا.

ما هي آثار التبيين في الأحداث التاريخية؟

حسناً، بجهاد التبيين، استطعنا أيضاً أن نكتشف نقطة ضعف عندنا سلّط عليها الضوء السيد القائد عبر تناوله أحداث التاريخ، سواء من القرآن الكريم، في القصص الماضية مع الأنبياء، أو التاريخ القديم غير البعيد، أي الأحداث مع النبي (ص) طوال البعثة و150 سنة[1] - إذا صح التعبير - من حركة الأئمة (ع). نرى أن من لم يفهم السنن القرآنية، ومن لم يفهم التركيز البياني القرآني، لا يستطيع أن يربط ويحلل ويستنتج قواعد يمكن أن يستفيد منها في المواجهة. لذلك البيان للأحداث التاريخية يزيدنا ثقةً بأنَّ هناك سنناً إلهية ومؤشرات تجعلنا نبني عليها الثقة ونحلل بها، لأنَّ هناك تجربة بانت أسبابها فتنتها وظواهرها وأسبابها ونتائجها وهي متعلقة بحياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). لذلك إذا تنظرون مثلاً من عند إبراهيم (ع)، بدأت عملية التشويه والتخويف. لما أخفقوا بالخطاب وبالحوار وصاروا يريدون حرقه، رجعوا إلى الأسلوب القديم. بم ردّ الله عز وجل؟ نجّاه من النار. عملية البيان بحياة إبراهيم (ع) كانت منطقية. كان يستدل على الله بالأصنام وبحركة الكون... لما أفل وإلى آخره. هذا كلّه بيان حتى يحرّك الناس باتجاه التوحيد وليس ليدمغهم فقط. ولكن حركة البيان كانت بشرط نبوة الأنبياء، وإلا كيف تكون الحُجّة على الناس، وكيف تفهم الناس واجباتها وتكاليفها. ثانياً النبي يحيى (ع) لأنه ثبت على موقف الحق قُتل كما قُتل الإمام الحسين (ع) وفُريت جلدة رأسه وأُهدي رأسه إلى البغايا، إحدى البغايا. أيضاً هو ثبت في ميدان التبيين. ثالثاً ما حدث مع أمير المؤمنين (ع) طوال 25 سنة وما فيها من عبر ودروس حول بيان أمير المؤمنين وتدخّله عندما كان يلزم ذلك. حتى في حكمه الذي خاض فيه ثلاث حروب ضارية راح فيها عشرات آلاف القتلى والشهداء نرى كم كان يحتاج أمير المؤمنين (ع) إلى التبيين، ونرى كم كان بيانه ورسائله التي كان يرسلها إلى الصديق والعدو والولي الذي كان يولّيه خاصةً عهد مالك الأشتر.

إذاً، نحن نمتلك رصيداً قوياً من أساليب البيان وحقائق البيان المرتكزة على مبادئ التوحيد والمبادئ القرآنية التي نسميها القيم. إذاً، نحن أغنياء بذلك، خاصةً بالسيدة زينب. عندما نصل إلى السيدة زينب (ع) نصل إلى عاشوراء. في عاشوراء، أدى البيان الدموي قسطه الإمام الحسين (ع)، وبقي البيان السياسي الإعلامي الأخلاقي الإنساني والمنطقي لمظلومية ما حدث في كربلاء. والله سخّر عبيد الله بن زياد ويزيد وهؤلاء الطغاة والطواغيت من أجل أن يجعلوا من السبي منبراً لتثبيت كربلاء. جهاد البيان هنا معناه الأربعين وما بعد الأربعين. كان جهاد البيان للسيدة زينب (ع) والإمام زين العابدين (ع) جهاداً يتطلب هذه الضريبة التي دفعها السبايا أسرى متنقلين في البلدان من أجل أن يكونوا منبراً إعلامياً لتثبيت قضية كربلاء التي ستنفع البشرية في المستقبل وتحقق الأهداف الإلهية في بث الوعي عند الناس. أيضاً العلماء في بياناتهم في كل بلادنا كان دائماً لهم وقفات وجولات. تاريخياً نجد أننا نمتلك رصيداً من الوضوح والبصيرة وطريقة المواجهة البيانية التي مرة فازوا فيها وانتصروا، ومرة استشهدوا. من هنا، نرى أن عدم الارتكاز إلى الشواهد التاريخية سيؤثر سلباً في حججنا وشواهدنا والسنن الإلهية والقرآنية التي أباحها الله - عز وجل - وأتاحها لنا لنرتكز عليها في البيان والمواجهة.

يقول سماحة الإمام الخامنئي: إنّ الشيعة كانوا بحاجة إلى مؤتمر عالميّ يرون بعضهم بعضاً فيه. وقد حدّد الأئمة (ع) هذا المؤتمر العالمي منذ ذلك الزمان، وحدّدوا وقته وقالوا: فليشارك كل من يستطيع المشاركة في هذا المؤتمر، في هذا الوقت المُحدّد. والموعد هو يوم الأربعين، وأرض المشاركة هي كربلاء.

وما هو دور الأربعين في جهاد التبيين؟ وكيف يمكن تحويل توصيات سماحة الإمام الخامنئي حول جهاد التبيين إلى برامج عملية؟

في جهاد التبيين والبيان عبر عاشوراء المتصلة بالأربعين، هنا نُستفز، فهنا موقع للعقل وللقلب وللدموع وللحزن وللوعي وللمنطق والبصيرة. هنا نستطيع أن نحوّل الانفجار العشقي في كربلاء إلى حياة تضج بالعزة والكرامة والوعي والفهم والتجنيد تحت راية الحق، وأن يصبح كل واحدٍ منا وقفاً للحق ومشروعاً للحق وجندياً. هذا الوعي الذي فجره الإمام الحسين (ع) بدمه الشريف ومن معه من الشهداء ترك فينا صدمةً لا تزال تشتعل نيران حرارتها في قلوبنا حتى اليوم.

اليوم كربلاء رسالتها السلاح، وأنتم تعرفون أنّه لا يوجد سوى اثنين من أئمتنا استعملوا السلاح. يبقى الإمام المهدي، عجل الله فرجه الشريف. الإمامان هما: الإمام علي (ع) كإمام معصوم والإمام الحسين (ع) كإمام معصوم. هذان الإمامان هما فقط اللذان استعملا السلاح في الجهاد العسكري. يعني جهاد البيان هو كل شيء اسمه الجهاد الكبير، وكل شيء اسمه الساحات، لأنّه عندما يعجز العدو أمام تلك المساحات وساحات المواجهة، يلجأ إلى القتل والاغتيال. هذا هو ديدن الطغاة. اليوم بعد كربلاء نرى أن السيد القائد ركّز على محطة يجب أن نبني عليها من اليوم، يعني من الأربعين. يجب أن ننطلق من أجل إيجاد برامج تسهيلية لعملية جهاد التبيين، لماذا؟ لأنّ السيد القائد يرى أنَّ الأربعين تخطيطٌ إلهي منذ السابق، مخطط تاريخي لهذه المسيرة، وثانياً يرى أنه مؤتمر عالمي لأنه يجمع الطوائف كلها ممن يرون أنَّ الإمام الحسين (ع) له مكانة في قلوبهم اخترقت ألوانهم ولغاتهم وعقائدهم.

يقول أحد الأشخاص لي: في الهند، كنت أمر في شارع للهندوس بعاشوراء فوجدت الشارع مقفلاً وكل الناس يضعون ضيافة، وهم هندوس، وقد كتبوا: هندو حسيني street، فسأل لِم يحترم الهندوس الإمام الحسين (ع)؟ كيف استطاع الإمام الحسين (ع) أن يخترق كل هذي المنظومة العقدية والعادات والتقاليد واللغات؟

اليوم نحن نأتي إلى الأربعين التي هي خلاصة العقيدة والأخلاق والطاعة والأخوّة والوحدة والعشق والمغفرة وبناء القوة والوعي والجمع على القضايا المشتركة والرسالة العالمية بأنَّ الحسين وزينب وزين العابدين (ع) لا يزالون قادرين على جمع الأمة في مسيرةٍ طولها أقل ما يكون مئة كيلو متر، ويظهر فيها الكرم والتقوى والعبادة والصدق والأمانة والحب والمعونة والإطعام وصور الاستنهاض للطاقات الإنسانية والإيمانية وتفعيل الإيمان والإحساس والوجدان والمشاعر. هذا المغناطيس الإلهي الذي زُرع في كربلاء لا يزال وسيبقى إلى يوم القيامة يجتذب مئات الملايين. الإمام الحسين (ع) يصنع من جديدٍ ما لم يكن يصنعه دمه في غابر التاريخ بعد شهادته. اليوم جاء من يحبه ومن يبكي عليه بالدموع والدم، وجاءت العقول التي تمشي ربما حافية لكنها تمتلك المنطق والبصيرة والقدرة على تحليل الأمور والقيادة والإدارة والمواجهة.

تعالوا لنستجمع كل عناصر جهاد التبيين ومقوماته التي نواجه بها كسلاح المنظومة الفاسدة المتدنية التي تعمل ليلاً ونهاراً على تشويه قرآننا ونبيّنا ووحدتنا وديننا وثقافتنا ويهجمون على خصوصيات عقيدتنا، فعلينا من منبر المؤتمر العالمي الذي أراده الإمام الخامنئي أن نبدأ بالسير والسلوك باتجاه أن نعاهد الإمام الحسين (ع) على البقاء في ساحة جهاد التبيين من أجل أن نمهّد بهذا الجهاد، جهاد التبيين، للإمام المهدي (ع) كما نمهد بالجهاد العسكري.

أسأل الله أن يوفقنا للتركيز على أنَّ هذه الأربعين هي ذروة المواجهة والكشف. هذا هو المطلوب بالمؤتمرات والمعارض والحوارات والصورة الإعلامية المدهشة التي لم نجد لها مثيلاً في العالم. اليوم يعود الإمام الحسين (ع) بإنسانيته وبحقانيته وبمظلوميته وبأخلاقه التي تجمعنا. أسأل الله أن يوفقنا جميعاً أن نسير على هذا النهج لأنّ الإمام الحسين (ع) هو من النبي (ص)، فنحن نقصد النبي (ص) بالإمام الحسين (ع)، والنبي (ص) هو حبيب الله، فنحن نقصد الله عبر الإمام الحسين (ع).

في النهاية علينا أن نتواصى ونأتمر في ما بيننا حول كيف يمكن أن نسيّل قواعد جهاد التبيين ضمن آليات وبرامج ميدانية، ما الوسيلة؟ هل بالمؤتمرات والبيانات والقرارات فقط؟ كيف نترجم هذا؟ نترجمه بالحضور المباشر بين الناس، وبابتداع أساليب التواصل الفيزيائي الحاضر، والرصد الدقيق العملي لعمليات المواجهة، وتجميع الطاقات الاختصاصية للتصدي ليلاً نهاراً ضمن شبكات مدروسة ورصد علمي وفرق عمل. وكما نتطوع لنطعم الناس في محرم عن روح أبي عبد الله الحسين (ع)، تعالوا نتطوع بعقولنا لنطبخ الطبخة القوية المقاومة في عملية جهادٍ كبير يطاول كل الساحات. في الاقتصاد، نضع خططاً لتبيين نقاط الضعف والهجوم علينا لإضعافنا اقتصادياً وحصارنا في التعليم وكل مجال خاصة على الشباب، لأنّ أهداف الحرب الناعمة علينا هي نزع فتيل الشباب الذي يمثل الخزان لهذه الأمة وعناصر القوة للمواجهة بأبعادها وطاقاتها، فتعالوا لنتطوع ولا ننتظر تكليفاً من أحد، إنما نستجمع طاقاتنا وننظمها ضمن آليات مدروسة ونحدد المحاور ضمن الأولويات ونركز عليها فنياً وعملياً: اختصاصيين في الإعلام، اختصاصيين في الإنتاج، اختصاصيين في الاقتصاد، اختصاصيين في علم النفس، اختصاصيين في مواجهة الحرب النفسية، اختصاصيين في مواجهة الأحابيل والألاعيب التي تطبخ في الغرف السوداء...

أسأل الله التوفيق وأن يجعلنا من المطيعين للسيد القائد الذائبين في طاعته ليس حصراً باللسان وبالبيان اللساني المهم الذي هو جزء من المعركة، ولكن آن الأوان لجهاد البيان الفيزيائي.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1] يقصد سماحته 250 سنة.
......
انتهى/ 278