وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الأربعاء

٤ مايو ٢٠٢٢

٧:١٣:٤٥ م
1254561

العيد تعبير عن الفرح الإلهي

بيّن رئيس مركز حوار الأديان والثقافات في لبنان، أن الفرح الذي يزرعه يوم العيد في نفوس المؤمنين لهو سلوكٌ راقٍ، وفِكرٌ رصينٌ، ومطلبٌ مهمٌّ، وهدفٌ منشود، مؤكداً أنه يفرح المسلم في عيد الفطر بفضل الله ورحمته بعد مضي شهر من عبادة الصوم.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ كتب رئيس مركز حوار الأديان والثقافات في لبنان وعضو الهيئة الحبرية العالمية الاسلامية المسيحية "الدكتور السيد علي السيد قاسم" مقالا بمناسبة عيد الفطر المبارك:

ونقلا عن وكالة اكنا، النص الكامل للمقال على ما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن رزقتنا صيام شهر رمضان وقيامه ونسألك اللهم توفيق الطاعة وبعد المعصية وعرفان الحرمة وتعجيل فرج ولينا الامام الحجة المهدي "عج".

أما بعد يقول الله تعالى في محكم آياته: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)

وقال الله تعالى: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)

الفرحُ الذي يزرعه يوم العيد في نفوس المؤمنين لهو سلوكٌ راقٍ، وفِكرٌ رصينٌ، ومطلبٌ مهمٌّ، وهدفٌ منشود. والناسُ كلّ الناس يسعَى إلى فرحِ قلبِه، وزوالِ همِّه وغمِّه، وتفرُّق أحزانِه وآلامِه. والفرحُ مركزُه القلب، وميدانُه السُّلوك، ومظهرُه اللِّباسُ والزِّينةُ والكلمةُ الطيِّبَة، ورسالتُه الشعورُ الحسنُ، والوِجدانُ الفيَّاض، وأثرُه سعادةٌ غامِرةٌ تمسحُ آثارَ وبقايا الهمِّ والحزن والأكدار.والفرحُ لا ينحصِرُ في أيامٍ معدودة، أو فترةٍ محدودة؛ بل إن المُسلمَ يعيشُ الفرحَ على مدارِ العام والعُمر في الدنيا والآخرة. فأسبابُ الفرح في كل لحظةٍ وسكنَةٍ من حياتِنا، ودواعِيه في كلِّ شُؤونِنا. فحن نفرحُ إذا عِشنا مظاهِرَ الطاعة من صيامٍ وقيامٍ وتلاوةٍ واستِغفارٍ، ألسنُ تلهَجُ بالدعاء، وأعيُنٌ تذرِفُ الدمعَ خشيةً، وقلوبُ ذليلةٌ مُنكسِرةٌ. نفرحُ فرحًا عميقًا بتوفيق الله لنا. ونحن نفرحُ بالله، ومعرفته، ومحبَّته، وكلامه، ورسوله، وآله قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ).

فسُرور القلب بالله وفرحَه لا يُشبِهُه من نعيم الدنيا شيء، وليس له نظيرٌ، ويفرحُ المُسلمُ بفضل الله ورحمته بعد مضي شهر من عبادة الصوم، نعم يفرحُ لأن الله أنعمَ عليه بالإسلام، وطهَّر قلبَه بالإيمان، وعطَّر لسانَه بتلاوة القرآن وذلك تعبير قوله تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). وعلى قدر حياة القلب بالإيمان والقرآن يكونُ فرَحُه، وكلما رسخَ ذلك كان قلبُه أشدَّ فرَحًا. ويفرح المسلم لنعم الله الظاهرة والباطنة التي تُحيطُ به من كل جانب، وتملأ حياتَنا، فقد أعطانا الله خيرًا، ودفعَ عنَّا شُرورًا، ومتَّعَنا بنعمة الصحَّة والعافية والأولاد، والأمن والأمان. واليوم الذي يمُرُّ دون أن نقترِف معصية هو يومُ فرَح لقول أمير المؤمنين الامام علي "عليه السلام "إنما هو عيد لمن قبل الله تعالى صيامه، وشكر قيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو يوم عيد.

ومن تجليات التعبير عن فرحة العيد الحصول على ملكة التوبة التي لها فرحةٌ عجيبة، ولذَّةٌ إيمانيَّة لا تُقارَنُ بلذَّة المعصية الزائِفة. وتفرح حين تجِدُ نفسَك مُحافِظًا على الصلوات الخمس، مُقيمًا لها في بيت الله؛ بل ويأنَسُ فرحُك ويزدادُ حين تُصلِّي وِترًا من الليل، وتسيل دموعك على خديك.

وتزدهِرُ الفرحةُ وترقَى بذكرِ الله، فالذِّكرُ يُزيلُ الهمَّ والقلقَ، ويجلِبُ الفرحَ والسُّرور، ويُنوِّرُ القلبَ والوجهَ، قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

ومما يُورِثُ الفرحَ: أن يرضَى الإنسانُ عن نفسِه وربِّه، ويطمئنَّ إلى يومِه وحاضِره، يطمئنَّ إلى غدِه ومُستقبلِه،ويقينُه بالله واللقاء في الدار الآخرة. ويدومُ الفرحُ بإزالَة الأسباب الجالِبة للهُموم، وتحصيلِ الأسباب الجالِبة للسُّرور، ونسيان ما مضَى عليه من المكارِه، فلا يقلَقُ المُسلمُ من الفقر والخوف ومُستقبَل حياتِه؛ فالأمرُ كلُّه بيد العزيز الحكيم، وهذا يُورِثُ الطُّمأنينة والفرَح بزوال الهمِّ والقلق لقوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).

أما الذي يُكثِرُ السُّخط والتشكِّي فلا يذوقُ للسُّرور طعمًا، ولا يهنَأُ بالفرَح أبدًا، حياتُه نكَد، وعيشُه ضنك. ويتحقَّقُ الفرحُ بطلبِ العلم وتبليغِه، قال رسولُ الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «نضَّر اللهُ امرأً سمِع منا شيئًا فبلَّغَه كما سمِعَه» والنُّضرةُ هي البهجةُ والحُسن الذي يُكساه الوجه من آثار الإيمان وابتِهاج الباطن به. وإذا أردتَّ أن يدومَ فرَحُك ويبقَى فاعمل على أن تمسحَ دمعة يتيم، وتُغدِقَ السُّرورَ على طفلٍ مسكين، وتزرعَ البسمةَ على شِفاه المحرومين، حين واسِي مهمومًا تفرَح، وحين تُنقِّي قلبَك من الغلِّ والحقد والحسَد، وإذا جمَّلتَ باطنَك ونواياك تركَت الفرحةُ بصمةً حقيقيَّةً في نفسِك، تفرَح عندما تُقابِل الناسَ بطلاقة الوجه، والتِماس العُذر، وكفِّ الأذَى، وصِلَة من قطعَك، والعفو عمَّن ظلمَك (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).

وعجيبٌ هو أمرُ المؤمن، إنه يفرحُ في السرَّاء ويصبر في الضرَّاء.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله وسلم): «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ». بل إن بعض العارِفين يُقابِلون الابتِلاءَ بالفرَح؛ لأن الابتِلاءَ يُفضِي إلى محو السيئات، ورفع الدرجات، قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم «.. إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُهُمْ إِلاَّ الْعَبَاءَةَ يُحَوِّيهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلاَءِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ».

ونفرحُ لأن نصرَ الإسلام قريبٌ، وبشائِرَه تلُوحُ في الأُفُق؛ فأعدادُ المُسلمين ليس لها عدٌّ، وتمدُّدُه ليس له حدٌّ، وكلما اشتدَّت المِحَن قرُبَ بُزوغُ الفجر واقتربت البشرى لقوله تعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا).
......
انتهى/ 278