وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الثلاثاء

٣ مايو ٢٠٢٢

٧:١٨:٠٩ م
1254291

آية الله اليعقوبي يوجه النخب والكفاءات الرسالية إلى السعي لمساعدة الناس وإقناعهم بالمشروع الإسلامي

دعا آية الله اليعقوبي، النخب والكفاءات الرسالية إلى عدم الاكتفاء بالمواعظ والشعارات والإدعاءات، والسعي لتقديم الحلول العملية لمشاكل الناس، وإقناعهم بالمشروع الإسلامي.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ وجّه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي، خلال خطبتي عيد الفطر المبارك، جميع النخب والكفاءات الرسالية الساعية لإقناع الناس بمشروع الإسلام، إلى عدم الاكتفاء بالمواعظ والشعارات والادعاءات. والسعي لتقديم الحلول العملية لمشاكل الناس. وقيادة المبادرات الكفيلة بتحسين أوضاعهم، حتى يلمسوا بركات المشروع الإسلامي، وما يجلبه لهم من مصالح. خصوصاً إذا مكّن الله تعالى لهم في الأرض وجعل لهم نفوذاً وسلطة، مشدداً، في الوقت ذاته، على أهمية السعي لهذا التمكين من أجل تقديم الخير، والعون للناس، وهذا واجب على من يستطيع منهم.

وتمحورت خطبتا العيد، حول المراد من قوله تبارك وتعالى في سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح :10 -12].

وأشار المرجع اليعقوبي، إلى أن الآية الكريمة تحكي عن الرسالة التي كان يؤديها النبي العظيم نوح (ع) إلى قومه. من خلال بيان إحدى السنن الإلهية الجارية في حياة البشر وهي الارتباط الوثيق والفاعل بين صلاح البشر وصلاح الأوضاع الكونية العامة المؤثرة في حياة الإنسان، فإن البشر كلما تابوا ورجعوا الى ربهم وأقلعوا عن ذنوبهم ومعاصيهم وأصلحوا نفوسهم وغيّروا واقعهم الفاسد أغدق الله تبارك وتعالى عليهم بالخيرات ونعمّهم بحياة طيبة هنيئة. وأزال عنهم النكد والضيق والمنغصات، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]، وقال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن : 16].

وتابع سماحته، حديثه بذكر نماذج من النعم التي ذكرتها الآيات الكريمة في سورة نوح، كإطالة الأعمار وهو ما جاء في قوله تعالى: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [نوح:3-4] وإرسال السماء بالمطر والإمداد بالمال والبنون وجعل الجنات. والأنهار من خلال تهيئة أسباب نجاحها وازدهارها، لافتاً النظر إلى الآثار المعنوية لهذه النعم وما ينطوي عليه انزال الماء من كناية عن تطهير القلوب والنفوس من الأدران والكدورات والأوهام الباطلة وإعمارها بالإيمان والعمل الصالح.

واستعرض، جملة من الآيات والأحاديث الشريفة التي تبين هذه السنة الإلهية التي تؤكد على أن تقوى الأفراد وإقامة النظام الاجتماعي العادل كفيلان بجلب الخير والسعادة للناس، كقوله تعالى {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود : 52] وقول الرسول الأكرم (ص) :(من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً).

وفي ذات السياق، بيّن سماحته، أن هذه السنة جارية في الاتجاه المقابل أيضاً، فإن الناس بابتعادهم عن الله تبارك وتعالى وإعراضهم عن العمل بشريعته يكونون سبباً في نزول البلاء والحرمان من الخيرات والحياة الكريمة، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]، وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، وروي في تطبيق الآية عن أمير المؤمنين (ع) قوله: (توقّوا الذنوب، فما من بليّةٍ ولا نقص رزق الا بذنب، حتى الخدش والكبوة والمصيبة).

وفي الخطبة الثانية، ذكر سماحته، بعض التفاصيل المتعلقة بهذه السنة الإلهية، من خلال الإشارة إلى عدد من النقاط:

أولها: أن الأنبياء حينما كانوا يؤدون رسالتهم في دعوة الناس إلى الله تعالى وتطبيق شريعته، لم يكونوا يكتفون بوعد الناس بالجنة إن آمنوا والوعيد بالنار إن كفروا، بل تعهّدوا لهم بجلب المصالح الدنيوية أيضاً كرفع مستوى الرفاه الاقتصادي وتحسين الأمن والخدمات لأن الناس يريدون أثراً ايجابياً ملموساً في العاجل. والهدف من ذلك ثبات الإيمان في قلوب الناس وثقتهم بأن النظام الذي اختاروه هو الصحيح، وهو ما يستفاد من قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف} [قريش : 3-4].

وثانيها: أن الاستغفار له حقيقة تتضمنها كلماته وليس مجرد تحريك اللسان بها، فالاستغفار عبارة عن برنامج متكامل من المواقف والأفعال .

وثالثها: أن الاستغفار المقصود بالآية هو مطلق العودة إلى الله تعالى والإيمان به والالتزام بشريعته، وهو معنى أسمى وأرقى من المعنى الخاص للاستغفار الذي هو الندم على ذنب يرتكبه الانسان ويطلب العفو والصفح عنه. فالآية الكريمة تدعو إلى طلب العصمة والوقاية من الوقوع في الذنب أصلاً بالالتفات إلى آثاره السيئة وعاقبته القاسية، قال أمير المؤمنين (ع) (عجبت لأقوام يحتمون الطعام مخافة الأذى كيف لا يحتمون الذنوب مخافة النار).

وأجاب، عما يقوله البعض من أن الأمم الفاسقة المعرضة عن الله تعالى تتنعم بالرفاهية والعيش الرغيد، وهذا خلاف السنة المذكورة، منوهاً إلى أن ما تتنعم به تلك الأمم قد يكون جزاءً لالتزامهم ببعض القيم الإنسانية التي يحبّها الله تعالى. كما أن تلك الأمم قد مرت بكوارث كثيرة كالحربين العالميتين والحروب الداخلية الطاحنة. وانتشار الأوبئة الفتاكة، فالنظر إلى ما يتنعمون به فيه قصور واقتصار على حلقة يسيرة من زمن طويل. فضلاً عن أن تلك النعم قد تكون في إطار الاستدراج والإغراء لاستحقاق المزيد من العذاب، وهو ما يُلاحظ في قوله تعالى : {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران : 178].

وأوضح المرجع اليعقوبي، ما يصاغ من إشكال في الجانب الآخر، من خلال القول بوجود أشخاص مؤمنين ملتزمين بالشريعة قد ضُيّق عليهم في المعيشة وابتلوا بمصائب متنوعة، مبيّناً أن ذلك ربما يكون لوجود مانع فيه مصلحة، إذ قد يكون من الأصلح للعبد أن يمرَّ بهذا الضيق من أجل تكامله ورفعة درجاته أو لتحصيل شيء أفضل مما كان يطلبه، فيضحي بالقليل من أجل الكثير كما في الآية الكريمة. {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة : 216] وكما ورد في دعاء الافتتاح (ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور).
...........
انتهى/ 278