وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ وردت عن الإمام الحسن (عليه السلام) عدّة رسائل، منها:
الرسالة الأولى:
كتب (عليه السلام) إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة، جاء فيها:
(أمّا بعد: فانّك دسست إليّ الرجال، للاحتيال والاغتيال، وارصدت العيون، كأنّك تحبّ اللقاء، وما أشكّ في ذلك، فتوقّعه إنشاء الله، وقد بلغني: أنّك شمتّ بما لا يشمت به ذوو الحجى، وإنّما مثلك في ذلك، كما قال الأوّلون:
وقل الذي يبقى خلاف الذي مضى ** تجهّز لأخـرى مثلها فكأن قـد
وإنا ومـن قد مـات منّا لكـالذي ** يروح فيمسي في المبيت ليفتدي).
الرسالة الثانية:
كتب (عليه السلام) إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة، جاء فيها: (أمّا بعد: فإنّ الله جل جلاله، بعث محمّداً رحمةً للعالمين، ومنّةً للمؤمنين، وكافّةً للناس أجمعين، لينذر من كان حياً، ويحقّ القول على الكافرين، فبلّغ رسالات الله، وقام بأمر الله، حتّى توفاه الله غير مقصّر ولا وانٍ، وبعد أن أظهر الله به الحقّ، ومحق به الشرك، وخصّ به قريشاً خاصّةً.
فقال له: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ)، فلما توفّي، تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ولا يحلّ لكم أن تنازعونا سلطان محمّدٍ وحقّه، فرأت العرب أنّ القول ما قالت قريش، وأنّ الحجّة في ذلك لهم، على من نازعهم أمر محمّدٍ، فأنعمت لهم، وسلّمت إليهم.
ثمّ حاججنا نحن قريشاً، بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها، إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف والاحتجاج، فلمّا سرنا – أهل بيت محمّدٍ وأولياؤه – إلى محاججتهم، وطلب النصف منهم، باعدونا واستولوا بالاجتماع على ظلمنا، ومراغمتنا وللعنت منهم لنا، فالموعد الله، وهو الوليّ النصير.
ولقد كنّا تعجّبنا لتوثّب المتوثبين علينا في حقّنا، وسلطان بيتنا وإذ كانوا ذوي فضيلة وسابقةٍ في الإسلام، أمسكنا عن منازعتهم، مخافةً على الدين أن يجد المنافقون، والأحزاب في ذلك مغمراً يثلمون به، أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من أفساده.
فاليوم فليتعجّب المتعجّب، من توثّبك يا معاوية، على أمرٍ لست من أهله، لا بفضلٍ في الدين معروفٍ، ولا أثرٍٍ في الإسلام محمودٍ، وأنت ابن حزبٍ من الأحزاب، وابن أعدى قريشٍ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكتابه.
والله حسيبك فسترد عليه، وتعلم لمن عقبى الدار، وبالله لتلقينّ عن قليلٍ ربّك، ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك، وما الله بظلاّمٍ للعبيد.
إنّ علياً لمّا مضى لسبيله رحمة الله عليه يوم قبض، ويوم منّ الله عليه بالإسلام، ويوم يبعث حيّاً، ولاّني المسلمون الأمر من بعده، فاسأل الله أن لا يؤتينا في الدنّيا الزائلة شيئاً، ينقصنا به في الآخرة، ممّا عنده من كرامةٍ.
وإنّما حملني على الكتابة إليك، الأعذار فيما بيني وبين الله عزّ وجلّ في أمرك، ولك في ذلك إن فعلته الحظّ الجسيم، والصلاح للمسلمين.
فدع التمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي، فإنّك تعلم: أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند الله، وعند كلّ أوابٍ حفيظٍ، ومن له قلب منيب، واتّق الله، ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فو الله ما لك خير في أن تلقى الله من دمائهم، بأكثر ممّا أنت لاقيه به.
وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله، ومن هو أحقّ به منك، ليطفيء الله النائرة بذلك، ويجمع الكلمة ويصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلاّ التمادي في غيّك، سرت إليك المسلمين، فحاكمتك حتّى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين).
الرسالة الثالثة:
كتب (عليه السلام) إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة، جاء فيها: (أمّا بعد، فقد وصل إليّ كتابك، تذكر فيه ما ذكرت، وتركت جوابك خشية البغي عليك، وبالله أعوذ من ذلك، فاتّبع الحقّ، تعلم أنّي من أهله، وعليّ إثم أن أقول فأكذب).
الرسالة الرابعة:
كتب (عليه السلام) إلى معاوية بن أبي سفيان رسالة، جاء فيها: (أما بعد: فإنّ خطبي انتهى إلى اليأس، من حقٍّ أحييته، وباطلٍ أمتّه، وخطبك خطب من انتهى إلى موارده، وإنّي اعتزل هذا الأمر وأخلّيه لك، وإن كان تخليتي إياه شراً لك في معادك، ولي شروط أشترطها، لأبتهظنّك إن وفيت لي بها بعهد، ولا تخف أن غدرت – وكتب الشرط في كتابٍ آخر فيه يمنّيه بالوفاء وترك الغدر – وستندم يا معاوية كما ندم غيرك، ممّن نهض في الباطل، أو قعد عن الحقّ، حين لم ينفع الندم).
الرسالة الخامسة:
كتب (عليه السلام) إلى زياد بن أبيه رسالة، جاء فيها: (أمّا بعد: فإنّك عمدت إلى رجلٍ من المسلمين له ما لهم، وعليه ما عليهم، فهدمت داره، وأخذت ماله، وحبست أهله وعياله، فإن أتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد عليه عياله وماله، وشفّعني فيه فقد أجرته).
الرسالة السادسة:
كتب (عليه السلام) إلى قوم من أصحابه رسالة، جاء فيها: (أمّا بعد: فقد بلغني كتابكم، تعزّونني بفلانة، فعند الله أحتسبها، تسليماً لقضائه، وصبراً على بلائه، فإنّ أوجعتنا المصائب، وفجعتنا النوائب بالأحبّة المألوفة، التي كانت بنا حفية والإخوان المحبين، الذين كان يسرّ بهم الناظرون، وتقرّ بهم العيون.
أضحوا قد اخترمتهم الأيّام، ونزل بهم الحمام، فخلفوا الخلوف، وأودت بهم الحتوف، فهم صرعى في عساكر الموتى، متجاورون في غير محلّة التجارة، ولا صلات بينهم ولا تزاور، ولا يتلاقون عن قرب جوارهم، أجسامهم نائية من أهلها، خالية من أربابها، قد أخشعها أخوانها، فلم أر مثل دارها داراً، ولا مثل قرارها قراراً، في بيوتٍ موحشةٍ، وحلول مضجعةٍ، قد صارت في تلك الديار الموحشةٍ، وخرجت عن الدار المؤنسة، ففارقتها من غير قلىً فاستودعتها للبلى، وكانت أمّه مملوكةً، سلكت سبيلاً مسلوكة، صار إليها الأوّلون، وسيصير إليها الآخرون).
.......
انتهى/ 278