وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ في ظل حالة الشلل السياسي التي تسيطر على العراق بعد الفشل في عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف شخصية جديدة بتشكيل الحكومة، هددت كتلة الحزب "الديمقراطي الكردستاني" النيابية في خطاب شديد اللهجة باللجوء إلى خيار "الأغلبية" لاستئناف جلسات البرلمان "المعطلة" جراء تفاقم الخلافات على قانون الانتخابات والمفوضية الخاصة بها، فيما أعلنت كتلة "الاتحاد الوطني الكردستاني" تمسكها باعتماد نظام "الدوائر المتعددة" في قانون الانتخابات كشرط لعقد الجلسات، متهمة "الديمقراطي" بـ"التفرد بالقرارات".
ومنذ أشهر تتجه الخلافات القائمة بين الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني "والاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني نحو مزيد من التصعيد، إذ يخوضان صراعاً محتدماً على منصب رئاسة الجمهورية، بموازاة أزمة مالية خانقة تعانيها حكومة الإقليم وسط اتهامات متبادلة بالفساد والاستحواذ على الإيرادات، ليتسع الشرخ أخيراً مهدداً مصير الانتخابات النيابية الكردية المقررة مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، إثر الخلافات على قانون ومفوضية الانتخابات.
ويظهر مستوى الخلافات، من خلال الخطاب الإعلامي الذي بلغ حد تلويح قيادي في حزب طالباني بورقة إبرام اتفاق مع بغداد "من طرف واحد"، على وقع الأزمة المالية، قابله تهديد من حزب بارزاني باللجوء إلى الأغلبية النيابية لعقد الجلسات وتمرير القوانين في الإقليم.
وقال رئيس كتلة "الجيل الجديد" المعارِضة، كاوه عبد القادر، إن "البرلمان معطل بسبب الخلاف بين الحزبين الحاكمين منذ مطلع مارس (آذار) الماضي، ونطالب بالإسراع في عقد جلسة خاصة لتعديل قانون الانتخابات وتشكيل مفوضية مستقلة بغية إجراء الانتخابات في موعدها".
خيار الأغلبية
من جهته، وجه رئيس كتلة "الديمقراطي" خالد ملا زانا خطاباً شديد اللهجة برفقة أعضاء كتلته أمام البرلمان، معلناً "التمسك بإجراء الانتخابات في موعدها تجنباً للدخول في فراغ قانوني".
وقال "نحن لا نرغب باللجوء إلى خيار الأغلبية التي استخدمناها لمرة واحدة فقط، لكننا سنعيد استخدامها في حال تنصلت رئيسة البرلمان ريواز فائق (عن كتلة طالباني) من الدعوة إلى عقد جلسة تعديل قانون مفوضية الانتخابات".
وأضاف "سبق ووافقنا على الرغم من اعتراضنا على مقترح قدمه الاتحاد موقع من 39 نائباً حول المفوضية، لكنهم تراجعوا وطلبوا طرح قانونَي المفوضية والانتخابات في حزمة واحدة".
ويبلغ عدد مقاعد برلمان إقليم كردستان العراق 111 مقعداً، تسعة منها مخصصة للأقليات، بينما يستحوذ حزب بارزاني على 45 مقعداً، وحزب طالباني 21 مقعداً، و12 لحركة "التغيير"، حيث تقود القوى الثلاث الائتلاف الحكومي، بينما تتقاسم القوى المعارضة المتبقي من المقاعد، ثمانية مقاعد لكتلة "الجيل الجديد"، وسبعة لـ"جماعة العدل"، وخمسة مقاعد لـ"الاتحاد الإسلامي".
وشدد زانا على أن رئيسة البرلمان "نسيت أنها فازت بمنصبها بدعم من أصواتنا، ويُحتم عليها كممثلة للجميع أن تتعامل من دون انحياز وأن تفتح باب عقد الجلسات، وبعكسه سنلجأ إلى خيار الأغلبية".
وأوضح "نحن لا ندعو بل نحذر رئيسة البرلمان، لأننا سنمضي بإجراء الانتخابات ولن ننتظر أحداً"، منبهاً حزب طالباني إلى أن "عليه أن يدرك أن أربيل ليست بغداد وبرلمان الإقليم ليس كالبرلمان الاتحادي لكي تعطلوه".
في إشارة إلى انضمام حزب طالباني إلى "الثلث المعطل" الذي شكلته قوى شيعية في البرلمان الاتحادي، لتعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية.
"ثغرات وتمثيل مجحف"
وكانت فائق أعلنت رفضها الدعوة إلى عقد جلسة للبرلمان لمناقشة قانون الانتخابات والمفوضية "إلا بعد تحقيق توافق بين القوى السياسية"، وردت على ملا زانا قائلة "نحن نحترمكم، ولتعلموا أن الحرية التي تجدونها هنا لن تجدوها في أي مؤسسة"، مضيفة أنها لن ترد على كتلة برلمانية.
ويطالب حزب طالباني وحركة "التغيير" وقوى أخرى بإجراء تعديل على قانون الانتخابات باعتماد نظام الدوائر المتعددة، وهو ما يرفضه حزب بارزاني، لكن مراقبين يشيرون إلى أن معظم القوى السياسية الكردية غير متحمسة لخوض الانتخابات جراء ظروف الإقليم المتأزمة، خصوصاً أنها خسرت مئات الآلاف من الأصوات في الانتخابات الاتحادية الأخيرة التي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 40 في المئة.
ويرهن حزب طالباني موافقته على إجراء الانتخابات بشرطين كشف عنهما رئيس كتلته النيابية زياد جبار الذي أعلن أن "سجل الناخبين تشوبه شبهات ويجب مراجعته وتحديثه، كما أن نظام الدائرة الواحدة لا يحقق تمثيلاً حقيقياً للشعب، وعليه يجب اعتماد نظام متعدد الدوائر، وليس هنالك قوة تمنعنا عن هذا المطلب".
وشدد خلال مؤتمر صحافي لكتلته على أن "قانوني الانتخابات والمفوضية نظراً إلى بعدهما الوطني يجب أن يخضعا لتعديلات"، داعياً إلى "تبني قانون يمنع التزوير، ويعطي للأقليات ممثلين حقيقيين وليس أن يكونوا ممثلين عن أحزاب من خارج الأقليات".
يُذكر أن قوى سياسية تتهم حزب بارزاني بالاستحواذ على مقاعد الكوتا عبر استغلاله ثغرات في نظام الانتخابات الحالي.
"تهديد ووعيد"
ووصلت الاتهامات المتبادلة بين الحزبين إلى مستوى القيادات، حين قال القيادي في "الاتحاد الوطني" ستران عبد الله إن "الوقت قد حان ليوقف الديمقراطي تهربه من المسؤولية على الرغم من أنه يقود الحكومة وهو المسؤول الأول عن الوضع المتأزم".
في المقابل، أكد القيادي في "الديمقراطي" علي عوني أن "أشخاصاً أكبر من عبد الله سبق وحاولوا مراراً وحلموا من أجل إيقافنا لكنهم فشلوا، تأتون اليوم وتبحثون عن أعذار للتغطية على فشلكم، وواضح الانحدار الذي تعانيه مناطق نفوذكم".
من جانبها ردت النائبة عن "الاتحاد" شيرين يونس على تهديدات "الديمقراطي" بالقول إن "الأغلبية التي تلوحون بها لن تنفعكم سوى في حدود نفوذكم"، محذرة من أن "أي شخص يحاول التهجم على الاتحاد سنقطع له أصبعه".
وأضافت أن "الأغلبية تعني خدمة الشعب ومنع سرقة النفط والجمارك"، مشيرة إلى أن "ممثلي الأقليات يخضعون لقرارات الديمقراطي أكثر مما يعملون لصالح ناخبيهم، وأصبحوا لا يستطيعون اتخاذ أي قرار من دون موافقة هذا الحزب، الذي فشل سواء في الإقليم أو بغداد".
كذلك، اتهم النائب عن "الديمقراطي" شوان كريم، حزب طالباني بـ"الخيانة"، وقال في رد على تصريحات يونس قائلاً إن "حزب شيرين يونس عدا أنه يسرق إيرادات محافظة السليمانية فإنه يسرق أيضاً موازنة المستشفيات، وخلال عشرة أيام فقط توفي أربعة من المتقاعدين بسبب وقوفهم في طوابير من أجل الحصول على مرتباتهم".
وأضاف أن "حزب الاتحاد ولِد من رحم الخيانة، وكان على شيرين عدم التطرق إلى مسألة الخيانة مطلقاً، لأنكم أنتم مَن باع محافظة كركوك، ولن تمانعوا بيع السليمانية".
النائب عن كتلة "الديمقراطي" سعيد هركي صرح لوكالة "باسنيوز"، أن حزب طالباني "يعرقل إجراء الانتخابات في موعدها، وفي ذات الوقت يهددنا بكبح قدراتنا، ومن المستغرب أن يهددنا وهو الذي عاقبته جماهيره في الانتخابات الاتحادية الأخيرة".
وأضاف أن "هذا الحزب يعاني مشاكل داخلية عدة، ويتخوف من أنه قد يخسر مزيداً من الأصوات، لذا فهو لا يرغب بإجراء الانتخابات، ويسعى بما يستطيع لإلحاق الضرر بحزبنا، ويصادر أموال المصارف ويتفق مع الأعداء".
مخاوف من التزوير
وتتواءم مواقف قوى المعارضة مع حزب طالباني لتعديل قانون الانتخابات، إذ أعلن رئيس كتلة "جماعة العدل" الإسلامية عبد الستار مجيد أن حزبه "مع تعديل القانون وتقسيم الإقليم إلى أربع دوائر انتخابية، وكذلك تفعيل مفوضية الانتخابات"، مبيناً أن "القانون الحالي تشوبه ثغرات، والمضي في تطبيقه سيعيد سيناريو الانتخابات السابقة التي شابها التزوير".
وأوضح "نحن مع إجراء الانتخابات في موعدها، لكن الحزب الديمقراطي لا يبدو أنه مع تعديل القانون أو إجراء الانتخابات حتى".
كما أكد مجيد "أهمية عدم استغلال مقاعد كوتا الأقليات من قبل أحزاب لا تنتمي إلى تلك الأقليات. وكذلك يحتاج سجل الناخب إلى تدقيق ومراجعة"، مضيفاً أنه "معلوم أن 36 مرشحاً فازوا بمقاعد عبر التزوير، كما أن سجل الانتخابات في الإقليم يختلف كثيراً عن السجل في بغداد".
لقيت مواقف مجيد استهجاناً من النائب عن كتلة "الديمقراطي"، مام إسكندر، الذي صرح بأن "مجيد معروف بمواقفه المعادية لحزبنا، كما أنه تعرض لنكسة في الانتخابات الاتحادية، ويسعى للتغطية عليها عبر إطلاق تصريحات فارغة".
وأضاف "على مجيد أن يراجع أرشيف مفوضية الانتخابات، أين سُجلت أكثر حالات التزوير في الانتخابات؟"، في إشارة إلى مناطق نفوذ حزب طالباني.
ويتوافق موقف حزب "الاتحاد الإسلامي" المعارض مع "جماعة العدل"، إذ صرح رئيس كتلته النيابية شيركو جودت قائلاً إن "هذا المسعى ضروري، لأن نظام الدائرة الانتخابية الواحدة يمنح السيطرة لحزب بعينه على مفاصل الحكم، لذا يجب منح كل منطقة حقها في انتخاب شخص يمثلها، ويبدو أن معظم الكتل مع تعديل قانون الانتخابات باستثناء كتلة الديمقراطي".
دعوات للتوافق
إلى ذلك، اتهم رئيس كتلة "الاتحاد" لقمان وردي، حزب بارزاني بـ"الانفراد في اتخاذ القرارات". وقال إن "التجارب السابقة تفيد بأن نتائج جميع القرارات سواء السياسية أو الاقتصادية التي اتخذت من منطلق حزبي ضيق زادت من معاناة الشعب، لذا يجب أن تنتهي سياسة التفرد، خصوصاً في ما يتعلق بالقرارات ذات البعد الوطني، والتي يدفع ضريبتها اليوم المواطن البسيط، وعلى الحزب الديمقراطي أن يدرك هذه الحقيقة وأن يتعظ من تجارب السنوات الماضية".
وزاد "يجب تحقيق توافق سياسي خارج قبة البرلمان، لقد انتهى زمن التهديد والوعيد وفرض الإرادة، وقد عشنا نتائجها التي كانت في نهايتها الندم".
"أقلية تحكم الأغلبية"
وقال الباحث السياسي والقانوني سمكو أدهم إن "طرفاً يؤيد الإبقاء على قانون الانتخابات الحالي لكي يحافظ على الأغلبية، والطرف المقابل يطمح إلى إحداث تغيير في عدد مقاعد الكتل، لكن الطرفين متفقان على أهمية إجراء الانتخابات في موعدها كونها المنفذ الشرعي الوحيد لاستمرار الحكم القائم"، مشيراً إلى أن "عملية التصويت في مفهوم المستفيدين من الحكومة تعني الاحتفاظ بذات الوجوه والعقلية والنظام عبر الحصول على 20 في المئة فقط من نسبة المصوتين، لكن باسم 80 في المئة من الذين يحق لهم التصويت"، في إشارة إلى مفهوم "أقلية تحكم الأغلبية".
وأوضح سمكو "ليس مهماً اعتماد نظام دائرة واحدة أو تعدد الدوائر، بقدر ما يهم تجاوز مسألة عدد الأصوات إلى إجراء انتخابات تحقق الأغلبية، من خلال إضافة مادة إلى القانون تبطل أي عملية انتخابية في حال لم يتجاوز عدد المصوتين نصف عدد الذين يحق لهم التصويت، عدا عن ذلك، فإن ذات الوجوه ستحكم، والحل الأخير يكمن في الدعوة إلى المقاطعة".
ووفقاً لمسؤولين في مفوضية الانتخابات الكردية، فإنهم سبق وأن فاتحوا برلمان الإقليم ثلاث مرات لإيجاد مخرج للوضع القانوني للمفوضية التي انتهت ولايتها، لكن من دون جدوى.
ويؤكد هؤلاء أن المفوضية "لا تستطيع القيام بأي مهمات لتنظيم الانتخابات قبل تشريع قانون يمنح التمديد للمفوضية السابقة، أو انتخاب مفوضية جديدة".
ونقلت قناة "روداو" المقربة من رئيس الإقليم عن النائب في كتلة "الديمقراطي" ريبوار بابكيي قوله إن "الوقت لا يسعفنا لإجراء تعديل على قانون الانتخابات، لكن حزب الاتحاد بسبب ظروفه السياسية ونتائجه في الانتخابات الاتحادية غير مستعد للانتخابات".
وزاد "نحن نرى، مراعاة للظروف الآنية، يجب إما تمديد ولاية المفوضية الحالية وإما إجراء تعديل على قانونها"، لافتاً إلى أن "اعتماد الدوائر المتعددة من شأنه أن يشتت ثقل الإقليم وكيانه من الناحية الجغرافية والسياسية في إطار النظام الفيدرالي العراقي، والقانون الحالي لا يعطي أي مبررات لحزب سياسي لأن يهدد بانشاء إدارة مستقلة أو إقليم جديد".
..................
انتهى / 232
المصدر : مصادر عراقية
الخميس
٧ أبريل ٢٠٢٢
٦:١٩:٥١ م
1245847
منذ أشهر تتجه الخلافات القائمة بين الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني "والاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني نحو مزيد من التصعيد، إذ يخوضان صراعاً محتدماً على منصب رئاسة الجمهورية، بموازاة أزمة مالية خانقة تعانيها حكومة الإقليم وسط اتهامات متبادلة بالفساد والاستحواذ على الإيرادات