بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ القرضاوي عالم داعية من علماء المسلمين تعرفه الساحة الإسلامية بالسعي والاهتمام بقضايا الأُمة الكبرى، والحضور الفاعل في الساحة، وله تاريخ حافل بالعمل وضريبة العمل من السجون والمطاردة في فترة مطاردة الاخوان المسلمين في مصر، وكان فضيلة الشيخ من أبرز الدعاة والعلماء، في هذه الجماعة. وقد التقى بالشيخ حسن البنا(رحمه الله)، وتأثّر به، وتعلّق بالدعوة من يومه.
وعرفناه من دعاة التقريب، والتوحيد، ومكافحة الفتن الطائفية، ولم يزل ذلك عهدنا به أُسوة بشيخه الشيخ حسن البنا(رحمه الله) الذي كان من الروّاد الأوائل والمؤسّسين لحركة التقريب في مصر.
ولكنّنا في الآونة الأخرة لمسنا فى تصريحات الشيخ وكلماته توجّهاً جديداً يختلف عما كنّا نعرفه به من الحرص على التقريب والتفاهم بين المسلمين.
... وآخر ما قرأنا له في هذا الاتجاه مقابلته لصحيفة (المصري اليوم)، وفيها يصرّح الشيخ:
بأنّه يعتقد أن الشيعة فرقة مبتدعة، وبالتالي ضالّة ويذكر أن هناك خطوطاً حمراء بين أهل السنّة والشيعة، منها سبّ الصحابة، ومنها نشر المذهب في البلاد السنيّة الخالصة، وأن لدى الشيعة الملايين بل البلايين وكوادر مدربة على نشر المذهب، وليس لدى السنّة أي حصانة ثقافية ضد هذا الغزو!!... الخ
فوجدت في هذا التوجّه الجديد ما لا ينسجم مع تاريخ الشيخ القرضاوي وحرصه على التقارب والتفاهم. وما لا ينسجم مع متبنيّات وأفكار المدرسة التي تخرّج منها، وبرز فيها، وهي مدرسة (شيخي الإسلام ; الشيخ حسن البنا والشيخ محمود شلتوت رحمهما الله تعالى) من التقارب والتفاهم.
فلا يتضمن اللقاء والتفاهم بين المذاهب الإسلامية معنى التوافق الكامل بينها في الأُصول والفروع، وليس معنى الاختلاف في الأُصول والفروع أن يرمي أحدنا الآخر بالابتداع والضلال والسقوط، إذا كان هذا الاختلاف في دائرة الاجتهاد في فهم الكتاب والسنّة، ولم يخرج منها.
البدعة في الدين
ولست أدري ماهو تعريف فضيلة الشيخ للبدعة والابتداع؟!
وهل يجوز أن يصف كل من إختلف عنه في الرأي في فهم الكتاب والسنّة بالابتداع.
ولو كان الأمر كذلك لجاز أن يصف المجتهدون وأصحاب الرأي والنظر بعضهم بعضاً بالابتداع، لأن كل واحد يفهم آيات من الكتاب أو أحاديث من السنّة على غير ما يفهمه الآخر، أو يأخذ برواية، يتركها الآخر، ويأخذ الآخر برواية لا يأخذ بها الأوّل، بسبب الاختلاف في معايير الجرح والتعديل والتوثيق.
فيكون، بناءً على ذلك، كل مذهب من المذاهب الإسلامية في الأُصول والفروع مبتدعاً بالنسبة الى المذهب الآخر، وبالعكس، حتى لو كان المذهبان في إطار أهل السنّة.
ولا أعتقد أنَّ الشيخ القرضاوي يُقرّ هذا التعريف للبدعة.
البدعة هي أن يضيف الإنسان في الدين شيئاً ليس في الكتاب والسنّة.
وأمّا الاختلاف في فهم الكتاب والسنّة فهو من الاختلاف في الاجتهاد في الأُصول والفروع، وليس من البدعة.
وليس لدى الشيعة الإمامية مصدر غير الكتاب والسنّة.
ودور الاجماع عندنا دور ثانوي وهو دليل كاشف عن السنّة، وليس دليلاً قائماً برأسه كالكتاب والسنّة.
مرجعية أهل البيت(عليهم السلام) السياسيّة والدينيّة من الكتاب والسنّة
وقد فهم الشيعة من حديث الغدير المعروف مرجعية الإمام عليّ(عليه السلام)السياسية بعد رسول الله، وحديث الغدير من سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهو من الأحاديث المتواترة أو المستفيضة ولها طرق صحيحة في أسانيد الفريقين.
وفهموا من حيث الثقلين المتفق عليه «إنّي تاريك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي» مرجعية أهل البيت(عليهم السلام) الدينية في الأُصول والفروع.
وفهموا من آية التطهير في سورة الأحزاب بضميمية الروايات الكثيرة، وفيها الصحاح، الواردة عن رسول الله في تشخيص كلمة أهل البيت الواردة في هذه الآية بأنّهم رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) ، دون غيرهم.
وإنّ الله تعالى طهّرهم من كل رجس، والكذب من أبشع أنواع الرجس، فهم صادقون في كل ما يقولون في الأُصول والفروع... وهذا الحدّ من العصمة (: العصمة عن الكذب) يكفينا في كلّ ما نقوله من مرجعية أهل البيت(عليهم السلام)السياسيّة والدينية بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
وأهل البيت(عليهم السلام) يصرّحون بأنّهم ليسوا من نمط المجتهدين، يجتهدون في استخراج الحكم الشرعي من الكتاب والسنّة، بالآليات الاجتهادية المعروفة، كما يعمل سائر المجتهدين... وإنّما هم يروون حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ويرثونه جيلاً بعد جيل، كابراً عن كابر، في الأُصول والفروع.. فإذا حكموا بحكم في الأُصول أو في الفروع، فهو ليس من الاجتهاد في شيء، وإنّما هو مقتبس من حديث رسول الله الذي يتوارثونه.
وليس لنا ولا لمسلم أن يكذّبهم في ذلك، بعد ما برّأهم الله من رجس الكذب في كتابه صراحة.
والشيعة واضحون في النقاط الثلاثة التي وضحتها عن دلالة آية التطهير وحديث الغذير وحديث الثقلين على مرجعية أهل البيت(عليهم السلام) السياسية والدينة، وقد كتبوا في ذلك مئات الكتب، وأوضحوا آرائهم وأدلتهم في ذلك، وكتبهم وآراؤهم مطبوعة ومنشورة وموفورة في المكتبات.
وسواءً اقتنع فضيلة الشيخ بهذه الأدلة أو لم يقتنع، فإنّ احتجاج الشيعة بالكتاب والسنّة على مرجعية أهل البيت(عليهم السلام) السياسيّة والدينيّة يجري طبق منهج علمي، كمايجري سائر المجتهدين في فتاواهم، على منهج علمي في الاستدلال والاحتجاج، إقتنع به غيرهم من الفقهاء أم لم يقتنعوا. وعدم اقتناعهم بها لا يصادر شرعيّة فتاواهم، ولا يخرجها عن حوزة الكتاب والسنّة.. وأقل ما يقال في إستناد شيعة أهل البيت(عليهم السلام) في كتبهم على مرجعية أهل البيت(عليهم السلام)بالكتاب والسنّة انّه يجري طبقاً للأصول العلميّة المعروفة في الاستدلال ولا يغيّر هذه الحقيقة عدم اقتناع الشيخ بها.
ولست الآن بصدد الاحتجاج والاستدلال، وإنما أنا بصدد العرض والتذكير فقط.
فهل يصح أن يصفهم الشيخ بالابتداع إذا اخلتفوا عن أهل السنّة في فهم الكتاب والسنّة، في (آية التطهير من سورة الأحزاب) و (حيث الغدير) و(حديث الثقلين)، حتى إذا كان أهل السنة تسعة أعشار المسلمين في العالم، كما يقول الشيخ القرضاوي حفظه الله، (وبالمناسبة لا أدري من أين جاء فضيلة الشيخ بهذه النسبة تسعة أعشار لحجم أهل السنّة في العالم؟!)
الفرقة الناجية
ولماذا يحقّ له أن يقول أنّ أهل السنّة هم الفرقة الناجية فقط، ولا يحق ذلك لشيعة أهل البيت(عليهم السلام)؟ وقد أخذوا بصريح حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) المتفق عليه بين المسلمين في اتباع أهل البيت(عليهم السلام) وهو حديث الثقلين الذي يرويه مسلم والترمذي في صحيحيهما فيمن يرويه، وهو صريح في مرجعية أهل البيت(عليهم السلام) الدينيّة في الأصول والفروع، وهم لا يتجاوزون تعليمات أهل البيت(عليهم السلام) في اجمال لاو تفصيل.
فهل يصح إذا اختلفنا في فهم الكتاب والسنّة أن يرمي بعضنا بعضاً بالابتداع والضلال والهلاك؟
ولماذا لا يكون المقصود بالفرقة الناجية كلّ من تمسّك بالكتاب والسنّة علي أي اجتهاد، والمقصود بالابتداع والضلال والهلاك... هو الخروج عن إتّباع الكتاب والسنّة والإعراض عنهما.
وأما المنهج الذي يتخذه فضيلة الشيخ القرضاوي في الاستدلال بحديث الفرقة الناجية على نفي الآخرين، فلا يبقى معه حجر على حجر.
فالشيخ يقول: إنّ حديث الفرقة الناجية صريح في أنّ سائر الفرق غير أهل السنّة والجماعة ضالة وهالكة، لأنّ الحقّ واحد لا يتعدد.
وإذا كان أهل السنّة والجماعة هم الفرقة ا