وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ يوافق يوم 1 كانون الاول/ديسمبر ذكرى استشهاد آية الله سيد حسن مدرّس في عام 1931 م والذي يسمى يوم مجلس الشورى. ويعتبر آية الله مدرس من الشخصيات الدينية والسياسية الإيرانية المعروفة وقد برز دوره بشكل جلي منذ أحداث الحركة الدستورية الإيرانية (1905 -1911م).
ونقلا عن ارنا، تعتبر شخصية آية الله سيد حسن مدرّس من الشخصيات الدينية والسياسية الإيرانية المعروفة وقد برز دوره بصورة جلية منذ أحداث الحركة الدستورية الإيرانية (1905 -1911م) حيث كان له دوراً واضحاً على مجمل تلك الأحداث.
ثم اتسع نشاطه إبان سنوات الحرب العالمية الأولى وما بعدها ليشكل عنصراً حيوياً في مقارعة الاستبداد والظلم الذي كان يعانيه المجتمع الإيراني، بسبب الوجود الأجنبي في البلاد وتعضيده ودعمه لحركات المقاومة المسلحة التي شهدتها إيران خلال تلك السنوات ولعل في مقدمتها حركة إقليم جيلان.
كما كان لآية الله مدرّس دوره الجلي في المدة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى ومقاومته وقيادته للتظاهرات الداعية إلى استقلال إيران وخروج الاحتلال الأجنبي سيما البريطاني من إيران.
ولم يغفل آية الله مدرّس الدور السياسي في مواقفه حيث وجوده داخل قبة البرلمان الإيراني بوصفه احد أعضاء تلك المؤسسة ومن المعارضين الأشداء لسياسة الحكومات الإيرانية واستكمل دوره ذلك حتى بعد انحلال الأسرة القاجارية وتولي رضا شاه بهلوي سدة الحكم غير إن تاريخ نضاله خلال حكم تلك الأسرة لم يستمر طويلاً فسرعان ما تمت تصفيته جسدياً من قبل قوات الأمن وبإيعاز شخصي من قبل رضا خان لتنطوي بذلك صفحة جهاده وكفاحه المريرة .
ولادته ونشأته
هو السيد حسن بن سيد إسماعيل عبدالباقي الطباطبائي المعروف بـ"مدرّس". ولد في قرية "سراي كجو" من توابع مدينة "اردستان" في محافظة أصفهان عام 1870م وتربي في كنف والده، وهو من افاضل الخطباء ومبلغي الأحكام والشريعة المقدسة.
هاجر مع جده سيد عبد الباقي إلى مدينة "قمشة" وكان عمره 6 سنوات، ليتكفل بتربيته، ولما بلغ الرابعة عشرة من عمره توفي جده. فغادر الى مدينة اصفهان بوصية منه لإكمال دراسته.
وتوفي والده وعمره 21 سنة، فمكث في اصفهان 13 عاما ودرس على يد علمائها في شتى العلوم ومنها العربية والفقه والاصول والفلسفة وغيرها وأجلّ أساتذته في العربية هو الميرزا عبدالعلي النحوي، وتلقى الفلسفة عند الشيخ جهانغير خان القشقاني، والمولى محمد علي، وبلغ في العلوم الدينية مكانة عالية.
ثم هاجر إلى النجف الأشرف عام 1896م وتتلمذ على يد الكثير من علمائها. ومكث في العراق سبع سنوات ثم عاد إلى اصفهان عام 1903م فاشتغل بتدريس الفقه والاصول في بعض مدارسها، ثم انتقل إلى طهران فتولى التدريس في آية الله مدرّسة "سبهسالار" المعروفة.
وأثناء الحركة الدستورية (المشروطة) خاض غمار السياسية فدخل معترك العمل السياسي بجدارة وبقي ركناً للشعب والإسلام، يقارع الاستبداد والدكتاتورية التي كان يمثلها "رضا خان". حياته السياسية تتميز حياة آية الله آية الله مدرّس بفترتين مختلفتين، الأولى: فترة العمل الفكري والدراسي، والثانية: فترة العمل السياسي، الذي أولاه جل وقته، وقد برع فيه إلى الحد الذي يعتبره أكثر المؤرخين الايرانيين من نوادر تاريخ إيران السياسي.
وشخصيته جمعت بين التقوى والعلم والبساطة من جهة، والقدرة على قراءة المستقبل والوضع السياسي من جهة ثانية. في الفترة الأولى، درس على يد أساطين الحوزة العلمية في إيران والعراق، وكانت حصيلة ذلك انه عُرف كأحد المجتهدين الكبار
. وإلى جانب التدريس، أنجز عدة مؤلفات، أبرزها:
1 ــ حاشية على الكفاية في الأصول.
2 ــ رسالة في العقود.
3 ــ رسالة في الشرط المتأخر.
4 ــ بحث في لزوم القبض في الموقوفات.
وله مخطوطات عديدة، منها: رسالة في حجّية الظن، وأخرى في الاستصحاب، وثالثة في شرائط الإمام والمأموم.
وفي الفترة الثانية من عمره التي بدأت أيام انبثاق الحركة الدستورية (1906م) كان أحد أقطاب الحركة في اصفهان، وانتخب في الدورة الثانية للمجلس1909م ضمن مجموعة العلماء المؤيدين من قبل المراجع الكبار في النجف الأشرف للإشراف على الدستور، الذي ينص على إشراف خمسة من الفقهاء على قوانين المجلس لضمان مطابقتها للشريعة المقدسة.
لقد كان دخوله إلى الساحة السياسية في العاصمة طهران، السبب الذي عرف الناس بقدرته وشجاعته وصلابة مواقفه السياسية، ممّا أدى إلى انتخابه من قبل أهالي طهران في الدورة الثالثة للمجلس.
وفي منتصف الدورة الثالثة للمجلس، بدأت الحرب العالمية الأولى (1914م)، وقامت القوات الروسية من الشمال، والإنجليزية من الجنوب، باحتلال الأراضي الإيرانية، مما دعى القوات الوطنية إلى الذهاب إلى قم، وغرب إيران، وكان آية الله مدرّس يمثل القيادة العلمائية لذلك الجمع. وفي مدينة كرمانشاه اجتمع الوطنيون وشكلوا حكومة مستقلة مؤقتة برئاسة "نظام السلطة"1916م، كان آية الله مدرّس فيها وزيراً للعدل والأوقاف، وقد استمرت وزارته حتى احتلال العراق بشكل كامل من قبل الانجليز وتراجع القوات العثمانية..
وبعده هاجر الوطنيون الإيرانيون إلى تركيا. وهناك التقى آية الله مدرّس بالسلطان محمد الخامس ورئيس الوزراء والوزراء الأتراك. ودارت بينهم مداولات عديدة، حول توحيد الجهاد والكفاح ضد الغزاة المستعمرين الانجليز.
وفي الدورة الرابعة من المجلس ترأس آية الله مدرّس الأغلبية، ولعب دوراً بارزاً في اسقاط معاهدة 1919م، واسقاط حكومة "وثوق الدولة" ، الأمر الذي جعل الانجليز وعملاءهم في الداخل يوجهون رؤوس حرابهم نحوه لإسقاطه.
وفي الدورة الخامسة للمجلس وبسبب دخول عدد كبير من النواب الذين فُرضوا على الشعب بواسطة سلطة "رضا خان"، الذي كان وزيراً للحرب ــ آنذاك ــ فقد مثل آية الله مدرّس رئاسة كتلة الأقلية، في هذه الفترة حصل "رضا خان" على ثقة المجلس رئيساً للوزراء وقائداً عاماً للجيش. وفي هذه الفترة استطاع آية الله مدرّس بمساعدة الوطنيين وأبناء الشعب من اسقاط الدعوة إلى الجمهورية التي نادى به "رضا خان".
وفي هذه الدورة تحجم دور القوى الوطنية بشكل ملحوظ، وأخذ الدكتاتور "رضا خان" يقمع أي مقاومة داخلية، وخاصة من جانب الأقلية في المجلس، وذلك تمهيداً لإقامة امبراطوريته، وكان له ما أراد؛ فقبل انتهاء الدورة الخامسة للمجلس تم إقرار قانون يقضي بتغيير السلالة الملكية (القاجارية)، على الرغم من مقاومة الوطنيين، وعلى رأسهم آية الله مدرّس وذلك بسبب الأغلبية التي حصل عليها "رضا خان" في المجلس بالتهديد وشراء الضمائر.
وفي الدورة السادسة تم تنصيب "رضا خان" ملكاً على إيران من قبل مجلس المؤسسين الذي تشكل آنذاك. وعلى الرغم من اختلاف هاتين الفترتين من حياة آية الله مدرّس إلا أنه يبقى هناك أمر مشترك بينهما، هو علاقة آية الله مدرّس بالناس، على اختلاف طبقاتهم؛ فقد كان بيته مكانا لكل المحتاجين من الصغير إلى الكبير ومن الفقير إلى الوزير.
ومما يذكر أن آية الله مدرّس خلال فترة وجوده في النجف الأشرف ( 7 سنوات ) لم يستلم أي راتب من الحوزة، وكان مصدر رزقه هو ممارسة الطب، فكان ملماً بالطب القديم، ويداوى به. فالكل يجمع على أنه لم يتغير بعد انتقاله إلى طهران ودخوله ميدان العمل السياسي، فقد كان زاهداً في حطام الدنيا الزائلة، وهذا ما أكسبه قوة وشجاعة، جعلت الآخرين يهابونه ويخافون منه.
علماً ان آية الله مدرّس توفيت زوجته عندما هاجر إلى العراق وتركيا، للمشاركة في الحرب العالمية الأولى، ولم يتزوج بعدها.
يقول سيد محسن الأمين في ترجمة حياته: "كان عالماً، فاضلاً، جريئاً، شجاعاً، مقداماً، حتى إنه لشدة شجاعته نسب إلى التهور"! ولقد كان الرجل المناسب لتلك المرحلة، ولولا هذه الشجاعة والإقدام، لما استطاع الصمود أمام دكتاتورية "رضا خان" التي كان الجميع يخافها.
وقال عنه الإمام الخميني (رض) في ذكرى استشهاده: "رضا خان كان يخاف من آية الله مدرّس، بريطانيا كانت تخاف من آية الله مدرّس، الاستعمار كان يخاف من آية الله مدرّس فهو حي مادام التاريخ حيّاً".
وكان هناك محاولات جادة لتصفية آية الله مدرّس جسدياً، أو جرحه ونفيه، تعرض لها خلال عمره المليء بالمواقف الخالدة؛ فقد تعرض إلى محاولتي اغتيال، الأولى في اصفهان على يد مرتزقة الملك القاجاري المستبد "محمد علي شاه"، الذي عارض الحركة الدستورية، وهاجم المجلس بالمدافع سنة (1908م)، وأعدام وسجن ونفى الثوار، وقد نجا آية الله مدرّس من تلك المحاولة ولم يصب بسوء.
أما المحاولة الفاشلة الثانية، فكانت على أيدي مرتزقة "رضا خان"، الذي كان رئيساً للوزاراء آنذاك ــ سنة (1923م)، حيث هاجمه عشرة مسلحين في صحن آية الله مدرّسة "سبهسالار" وانهمروا عليه الرصاص كالمطر، وقد نجا من هذه المحاولة أيضاً، إلا أنه أصيب بأربع رصاصات في ذراعه الأيسر وكتفه.
كما تعرض آية الله مدرّس مرتين للاعتداء بالضرب؛ الأولى عندما اشتد الجدل في المجلس الوطني بينه وبين "محمد تدين"، الذي كان من المتحمسين لفكرة الجمهورية، ومن مرتزقة "رضا خان" في المجلس، فأحرجه السيد بكشفه عن تاريخ عمالته لبريطانيا، وانه كان ممن يريد ربط إيران بالاستعمار البريطاني بشكل كامل، من خلال معاهدة 1919م المعروفة بمعاهدة "وثوق الدولة"، والتي وقف امامها على رأس الكتلة الوطنية، وقاد الحملة الشعبية، وحرّض العلماء في إيران والنجف على الضغط لإلغائها وعدم إقرارها في المجلس.
على الرغم من أن شخصية آية الله مدرّس عرفت بسماتها الوطنية، وعلى الرغم من كونه عالمَ دين شيعيّاً، وان الدولة العثمانية معادية لإيران، وتختلف معها مذهبياً، إلا أن الكثير من علماء الشيعة ومجاهديهم حاربوا وبذلوا دماءهم إلى جانب اخوتهم المسلمين الاتراك ضد القوى الأجنبية (الانجليزية) الغازية، فكانت ملاحم "الشيعة" في العراق، ومحاصرة "الكوت" وثورة "النجف" "وثورة العشرين" وغيرها من الدلائل على ذلك.
وكان آية الله مدرّس من العلماء الذين دافعوا عن الخلافة الإسلامية في أيامها الأخيرة، فهاجر لمدة سنتين خلال الحرب إلى العراق وتركيا، محارباً ومدافعاً عن الإسلام أمام الزحف البريطاني، وبعد انتهاء الحرب عاد إلى إيران. وموقفه هذا نابع من إيمانه بضرورة وحدة المسلمين أمام العدو الأجنبي، على الرغم من اختلافهم في مذاهبهم وتعدد قومياتهم.
وبسبب تدهور الأوضاع وعدم الأمن واستشراء الظلم والاعتداءات الأجنبية، خرجت حركات وانتفاضات شعبية في أطراف إيران تطالب بقيام دولة عادلة مستقلة تحفظ للدين والناس والوطن احترامهم واستقلالهم، كان منها حركة "الغابة" وانتفاضة "تبريز" بقيادة علماء الدين فالأولى كانت حركة مسلحة بزعامة "ميرزا كوجك خان" في منقطة جيلان المحاذية للحدود الروسية في شمال ايران ، والأخرى كانت حركة مسالمة بزعامة الشيخ محمد خياباني في محافظة آذربايجان الشرقية في شمال غرب ايران.
وكان آية الله مدرّس كزعيم ديني ووطني وقائد معروف في مقارعته للظلم يؤيد هذه الحركات والانتفاضات، لأنها قامت على أساس احقاق الحق أولاً، ثم انّها كانت تُضعف سيطرة الحكومة المستبدة ثانياً.. إلا أن المستعمرين وعملاءهم في الداخل قمعوا هذه الانتفاضات، بعد تهيئة الظروف دولياً وإقليمياً، وقد قدموا الدعم الكثير لــ"رضا خان"، لكي يقوم بهذه المهمات وذلك للقضاء عليها كمصدر خطر يهدد نفوذهم.
استشهاده
في احدى المناقشات التي وقعت بين آية الله مدرّس و"رضا خان" أيام رئاسته للوزراء، قال "رضا خان" للسيد الآية الله مدرّس: "… أنت محكوم بالإعدام… ويجب أن تُعدم"! ولأن آية الله مدرّس بقي الشوكة والمقاوم الوحيد أمام استبدادية "رضا خان"، فقد قام باعتقاله بعد فترة من وصوله للسلطة، ونفاه لمدة 11 عاما إلى منطقتي "خاف" و"كاشمر" شرقي البلاد، بمحافظة خراسان.
وفي ليلة 28 رمضان عام 1931م، دخل مجموعة من الجلاوزة الى السجن وقتلوا آية الله مدرّس خنقاً، ثم أشاعوا أنه توفّي بالسكتة القلبية فبقيت أحواله غامضة، حتى سقوط "رضا خان" على يد أسياده الانجليز في سنة 1941م، ونفيه إلى جزيرة موريس، وعندها انتشر الخبر بين الناس.. وكان آية الله مدرّس قد دُفن في مدينة كاشمر في شرق ايران والتي استشهد فيها.
.......
انتهى/ 278
المصدر : ابنا
الثلاثاء
٣٠ نوفمبر ٢٠٢١
٦:٢٧:٣٤ م
1203868
من سيرة العلماء؛
الشهيد آية الله مدرّس...المناضل ضد التوجهات السياسة الأجنبية في إيران
إن شخصية آية الله مدرّس جمعت بين التقوى والعلم والبساطة من جهة، والقدرة على قراءة المستقبل والوضع السياسي من جهة ثانية.