للحوار فوائد جمّة وخصوصا عندما يكون بين الآباء والأبناء، فمن خلاله يتم تبادل الأفكار وتتفاعل الخبرات، ويساعد على تنمية التفكير وصقل شخصية الفرد، ويولد أفكارا جديدة ، وينشط الذهن، ويساعد على التخلص من الأفكار الخاطئة، ويساعد على الوصول إلى الحقيقة، وبدون الحوار تفقد التربية فحواها.كثير من الآباء يشكون من عزوف الأبناء عن الحديث معهم عن أمور الدراسة وما يمرون به من أحداث في حياتهم، ورغم انزعاجهم الواضح من ذلك، إلا أنه حقيقة منتشرة بين معظم التلاميذ .. ويرجع الباحثون هذا العزوف إلى أن الأبناء يفسرون كثرة الأسئلة من آبائهم بعدم ثقتهم فيهم أو في قدراتهم ... وتؤكد الدراسات أنه إذا فسرنا رغبة الطفل في الخصوصية بأنه علامة على صمته وإخفاء أشياء معينة نكون في الوقت ذاته نعطي رسالة مؤلمة معناها أنّه وحده، وبالتالي كلما كبر الطفل صعب على الوالدين معرفة إذا كان متضايقًا أو قلقًا من شيء في المدرسة.ومن أجل تشجيع الأبناء على الحوار دون إشعارهم بأننا نتدخل في حياتهم علينا أولا اختيار الوقت المناسب، فأهم شيء أن يخبرنا الطفل عندما يكون مستعدًا للحديث، وأحيانًا يقرر الطفل أن يتحدث في الوقت الذي لا نستطيع سماعه، عندئذ يمكن الردّ عليه بـحذر كأن نقول له: ليس لديّ وقت الآن، لنحدد موعدًا للحديث في وقت لاحق، وعندها يجب المتابعة، ويرى المتخصصون أن تأجيل بعض الأعمال للحديث مع الطفل أمر مهم حقيق بالتضحية، ويرى التربويون أن الكثير من الأطفال أكثر انفتاحًا بعد المدرسة، حيث يكون كل شيء حاضرًا وواضحًا في أذهانهم، وعليه فإن محادثة تليفونية مع الأولاد في هذا الوقت بشكل منتظم ستكون مفيدة جدا، وثمّة أطفال يفضلون الحصول على فترة من الراحة والهدوء بعد وقت المدرسة، هؤلاء يجب أن يمنحو فرصة للحديث إما على مائدة الطعام أو قبل النوم.ولتكن الأسئلة محددة ومباشرة مثل: كيف حال يومك؟ فالسؤال العمومي قد لا يجد ما يردّ به عليه، ومن امثلة الأسئلة المحددة: كيف كانت القراءة اليوم؟ ما الكتاب الذي قرأته اليوم؟ كيف استطعت حل مشكلة الحساب الصعبة؟ وثمّة أسئلة لا يجوز طرحها مثل: من حصل على أعلى درجة؟ ماذا حصّل صديقك فلان من علامات؟ فهذه أسئلة تشعر الطفل بنقص وضعف.وإذا لم يشعر الطفل بالحرج من موضوع ما أو الخوف من توبيخ أو صراخ عليه يكون أكثر استرخاءً وراحة، فالكثير من الآباء يكون لديهم أحاديث ودية مع أطفالهم عندما يكون وحده في السيارة أو في البيت ليلاً، وتفضل الأمهات الكلام مع أطفالهن أثناء إعداد الطعام، وإذا كان الطفل كثير الحديث يكون الآباء محظوظين، ويجب محاولة مدحه، إذ في أحيان كثيرة ستبرز حاجة قوية لهذه التفاصيل.إن نغمة الصوت التي تطرح السؤال ذات تأثير كبير في دفع الابن للإجابة عن الأسئلة أو تجنبها، فمثلاً قد يأتي السؤال، هل صرخ المدرس في وجهك اليوم؟ بنغمة عالية دالّة على الاتهام في الوقت الذي يظهر السؤال على أنه مجرد سؤال عادي من الآباء يبدأ حديثًا ودودًا ثم يتحول إلى نغمة مختلفة يشعر الابن معها بمشاعر أغلبها كامنه تظهر فجأة وهذا ما سيجعله يتحاشى الحديث في المستقبل.ومن المهم التدريب المستمر على الاستماع الجيد، وذلك بتكرار ما يقول والتحدث بأسلوب متفهم حتى السؤال له (وماذا حدث؟)، قد يحمل له بعض القلق، وبدلاً من ذلك ليكن الحديث: احكِ لي عن ذلك، وإذا قابل ذلك أيضًا بصمت يمكن طرح سؤال بريء ومحايد مثل: يا ترى ماشعور الأطفال عندما يكون مدرسهم كثير الصراخ؟ إن ما يحتاجه الابن بالرغم من عدم إدراكه لهذا هو لمس المشاعر، فإما أن ينسحب ويرفض الحديث أو ينفتح ويكمل الحديث، فمثلاً أسئلة متفهمة مثل السؤال السابق يمكن أن تكون إجابته: لقد كان يومًا مؤلمًا .. لقد صرخت المدرّسة فيّ دون سبب، لقد كان موقفًا سيئًا جدًا، وحتى إذا لم يتكلم فقد سجل عندها الوالد حياده وتعاطفه وعدم إلحاحه في السؤال وتوجيه الاتهام ... في أي موقف على الوالدين أن يحاولا أن يتخيلا نفسيهما مكان ابنهما ويتخيلا ما يشعر به ولا يتعجلا في طرح الحلول التي قد تؤدي إلى مزيد من الانسحاب
انتهی/125