وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ قالَ تعالى: (كُلُّ مَن عَلَيهَا فَانٍ وَيَبقَى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكرَامِ) وقالَ تعالى: (كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجهَهُ)، وعليهِ إذا كانَت تموتُ الملائكة فالنّفوسُ البشريّةُ أولى بالموتِ، إلّا أنّهُ قَد يُقالُ إنَّ المقصودَ بالفناءِ في هذهِ الآياتِ ليسَ فناءَ الأشياءِ وإنّما فناءَ الباطلِ أي لا يبقى إلّا ما قُصدَ بهِ وجهُ اللهِ تعالى.
ونقلا عن موقع العتبة الحسينية، القولُ الآخرُ أنَّ الأبدانَ هيَ التي تموتُ أمّا الأرواحُ فما خُلقَت إلّا للبقاءِ، وقَد يُؤكّدُ ذلكَ الآياتُ والأحاديثُ الدّالّةُ على نعيمِ الأرواحِ وعذابِها بعدَ مُفارقةِ أبدانِها، ولو ماتَت الأرواحُ لما تعلّقَ بها النّعيمُ والعذابُ، قالَ تعالى: (وَلَا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَموَاتًا ۚ بَل أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَيَستَبشِرُونَ بِالَّذِينَ لَم يَلحَقُوا بِهِم مِّن خَلفِهِم) هذا معَ القطعِ بأنَّ أرواحَهُم قَد فارقَت أجسادَهم وقَد ذاقَت الموتَ.
ويذكرُ العلّامةُ المجلسيّ في بحارِه ج6 ص 249: (إعتقادُنا في النّفوسِ أنّها هيَ الأرواحُ التي بها الحياةُ، وأنّها الخلقُ الأوّلُ، لقولِ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه: إنَّ أوّلَ ما أبدعَ اللهُ سبحانَه وتعالى هيَ النّفوسُ مقدّسةً مُطهّرةً فأنطقَها بتوحيدِه، ثمَّ خلقَ بعدَ ذلكَ سائرَ خلقِه. وإعتقادُنا فيها أنّها خُلقَت للبقاءِ ولَم تُخلَق للفناء، لقولِ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله: ما خُلقتُم للفناءِ، بَل خُلقتُم للبقاء، وإنّما تُنقلونَ مِن دارٍ إلى دار، وإنّها في الأرضِ غريبةٌ وفي الأبدان مسجونةٌ. وإعتقادُنا فيها: أنّها إذا فارقَت الأبدانَ فهيَ باقيةٌ، منها مُنعّمةٌ، ومنها مُعذّبةٌ، إلى أن يرُدّها اللهُ عزَّ وجلَّ بقُدرتِه إلى أبدانِها.)
يقولُ الشّيخُ الصّدوقُ في إعتقاداتِه ص 50: الإعتقادُ في الرّوحِ أنّهُ ليسَ مِن جنسِ البدنِ، وأنّهُ خلقٌ آخرُ لقولِه تعالى: (ثُمَّ أَنشَأنَاهُ خَلقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحسَنُ الخَالِقِينَ)، وإذا فارقَت الأبدانَ فهيَ باقيةٌ؛ منها مُنعّمةٌ، ومنها مُعذّبةٌ إلى أن يرُدّها اللهُ تعالى بقُدرتِه إلى أبدانِها.
وقالَ العلّامةُ الحلّيُّ في شرحِ التّجريدِ ص 195: إختلفَ النّاسُ في ماهيّةِ النّفسِ، وأنّها هَل هيَ جوهرٌ أم لا، والقائلونَ بأنّها جوهرٌ إختلفوا في أنّها هَل هيَ مُجرّدةٌ أم لا، والمشهورُ عندَ الأوائلِ وجماعةٍ منَ المُتكلّمينَ كبني نوبخت منَ الإماميّةِ، والمُفيد منهم، والغزاليّ منَ الأشاعرةِ أنّها جوهرٌ مُجرّدٌ ليسَت بجسمٍ ولا جسمانيَّ، مُتعلّقةٌ بالجسمِ تعلّقَ التّدبيرِ والتّصرّف..
وفي تصحيحِ إعتقاداتِ الإماميّةِ للشّيخِ المُفيدِ ص 79، 93 فصلٌ تحتَ عنوانِ النّفوسِ والأرواحِ جاءَ فيهِ: (فأمّا ما ذكرَهُ مِن أنَّ الأنفسَ باقيةٌ فعبارةٌ مذمومةٌ ولفظ يُضادُّ ألفاظَ القُرآن. قالَ اللهُ تعالى: {كُلُّ مَن عَلَيهَا فَانٍ * وَيَبقَى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكرَامِ} والذي حكاهُ مِن ذلكَ وتوهّمَهُ هوَ مذهبُ كثيرٍ منَ الفلاسفةِ المُلحدينَ الذينَ زعموا أنَّ الأنفسَ لا يلحقُها الكونُ والفسادُ، وأنّها باقيةٌ، وإنّما تفنى وتفسدُ الأجسامُ المُركّبةُ، وإلى هذا ذهبَ بعضُ أصحابِ التّناسخِ، وزعموا أنَّ الأنفسَ لم تزَل تتكرّرُ في الصّورِ والهياكلِ لم تحدُث ولم تفنَ ولن تُعدمَ، وأنّها باقيةٌ غيرُ فانيةٍ، وهذا مِن أخبثِ قولٍ وأبعدِه منَ الصّوابِ، وبما دونَه في الشّناعةِ والفسادِ شنّعَ بهِ النّاصبةُ على الشّيعةِ ونسبوهُم إلى الزّندقةِ، ولو عرفَ مُثبتُه ما فيهِ لما تعرّضَ له، لكنَّ أصحابَنا المُتعلّقينَ بالأخبارِ أصحابُ سلامةٍ وبعدِ ذهنٍ وقلّةِ فطنةٍ يمرّونَ على وجوهِهم فيما سمعوهُ منَ الأحاديثِ ولا ينظرونَ في سندِها، ولا يُفرّقونَ بينَ حقّها وباطلِها، ولا يفهمونَ ما يدخلُ عليهم في إثباتِها، ولا يُحصّلونَ معاني ما يطلقونَه منها. والذي ثبتَ منَ الحديثِ في هذا البابِ أنَّ الأرواحَ بعدَ موتِ الأجسادِ على ضربينِ: مِنها ما يُنقلُ إلى الثّوابِ والعقابِ، ومِنها ما يبطلُ فلا يشعرُ بثوابٍ ولا عقاب.
وقَد رويَ عنِ الصّادقِ عليهِ السّلام ما ذكرناهُ في هذا المعنى وبيّنّاهُ، فسُئلَ عمَّن ماتَ في هذهِ الدّار أينَ تكونُ روحُه؟ فقالَ عليهِ السّلام: مَن ماتَ وهوَ ماحضٌ للإيمانِ محضاً أو ماحضٌ للكُفرِ محضاً نُقلَت روحُه مِن هيكلِه إلى مثلِه في الصّورةِ، وجُوزيَ بأعمالِه إلى يومِ القيامةِ، فإذا بعثَ اللهُ مَن في القبورِ أنشأ جسمَه وردَّ روحَه إلى جسدِه وحشرَه ليوفّيهِ أعمالَه، فالمؤمنُ تنتقلُ روحُه مِن جسدِه إلى مثلِ جسدِه في الصّورةِ، فيُجعلُ في جنّةٍ مِن جنانِ اللهِ يتنعّمُ فيها إلى يومِ المآبِ، والكافرُ تنتقلُ روحُه مِن جسدِه إلى مثلِه بعينِه فتُجعلُ في نارٍ فيُعذّبُ بها إلى يومِ القيامةِ، وشاهدُ ذلكَ في المؤمنِ قوله تعالى: {قِيلَ ادخُلِ الجَنَّةَ قَالَ يَا لَيتَ قَومِي يَعلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} وشاهدُ ما ذكرناهُ في الكافرِ قولُه تعالى: {النَّارُ يُعرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدخِلُوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذَابِ} فأخبرَ سُبحانَه أنَّ مؤمناً قالَ بعدَ موتِه وَقد أُدخلَ الجنّةَ: يا ليتَ قومي يعلمونَ، وأخبرَ أنَّ كافراً يُعذّبُ بعدَ موتِه غدوّاً وعشيّاً ويومَ تقومُ السّاعةُ يُخلّدُ في النّار.
والضّربُ الآخرُ: مَن يلهى عنهُ وتُعدمُ نفسُه عندَ فسادِ جسمِه، فلا يشعرُ بشيءٍ حتّى يُبعَث، وهوَ مَن لَم يمحَض الإيمانَ محضاً، ولا الكُفرَ محضاً. وقَد بيّنَ اللهُ تعالى ذلكَ عندَ قولِه: {إِذ يَقُولُ أَمثَلُهُم طَرِيقَةً إِن لَّبِثتُم إِلاَّ يَومًا} فبيّنَ أنَّ قوماً عندَ الحشرِ لا يعلمونَ مقدارَ لبثِهم في القبورِ حتّى يظنَّ بعضُهم أنَّ ذلكَ كانَ عشراً، ويظُنَّ بعضُهم أنَّ ذلكَ كانَ يوماً، وليسَ يجوزُ أن يكونَ ذلكَ عَن وصفِ مَن عُذّبَ إلى بعثِه أو نُعّمَ إلى بعثِه، لأنَّ مَن لَم يزَل مُنعّماً أو مُعذّباً لا يجهلُ عليهِ حالُه فيما عُوملَ بهِ، ولا يلتبسُ عليهِ الأمرُ في بقائِه بعدَ وفاتِه. وقَد رُويَ عَن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام أنّهُ قالَ: إنّما يُسألُ في قبرِه مَن محضَ الإيمانَ محضاً أو محضَ الكُفرَ محضاً، فأمّا ما سوى هذينِ فإنّهُ يُلهى عنه).
أمّا الفناءُ بعدَ نفخِ الصّورِ الذي يموتُ فيهِ أهلُ السّماءِ والأرضِ فقَد أكّدَت الرّواياتُ أنَّ الملائكةَ يُصيبُها الموتُ جميعُها بما فيها ملكُ الموتِ، وقَد فصّلَت الرّواياتُ كيفيّةَ ذلكَ إلّا أنَّ المقامَ يطولُ إذا أورَدنا تلكَ الرّواياتِ، أمّا موتُ الأرواحِ فلم تُشِر لهُ تلكَ الرّواياتُ، وهَل أنَّ موتَها قَد تحقّقَ بخروجِها مِن أبدانِها في الدّنيا أم أنّها تموتُ بمعنى تُعدم؟ لا يمكنُ الجزمُ بالنّفي أو الإثباتِ مِن خلالِ الرّواياتِ التي تتحدّثُ عَن ذلكَ الموقفِ، أمّا في البحوثِ الكلاميّةِ والفلسفيّةِ فقَد ثبتَ أنَّ الرّوحَ لا تفنى بمعنى تُعدمُ بالكُلّيّة.
.......
انتهى/ 278