وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ وفيما يلي نص كلمة سماحته:
بسم الله الرحمن الرحيم
من أجل أن تكون هناك استفادة من هذه الدقائق التي يجتمع فيها الأصدقاء معاً بمناسبة حفل الزفاف هذا، ووفق العادة عندنا، نتحدّث عادةً قبل إجراء صيغة العقد ببضع عبارات حول القضايا اللازمة والمتعلقة بهذه المراسم. الآن بعدما صارت أيدينا وأقدامنا معقودة ومكبّلة بشدة بالتقاليد العديمة المغزى والفارغة، من أي نوع كانت، فإذا تمكّنا من إضفاء الحياة على هذه التقاليد، بذكر الأمور الضرورية وطرح المواضيع اللازمة في أي حال، لربّما تتم الفائدة.
بشأن الزواج، عندنا عدد من النقاط المبهمة، بل هناك نقاط يُساء فهمها. هذه النقاط المبهمة أو المحرّفة غالباً ما يجري توضيحها في أصل الرؤية والتعاليم الإسلامية عبر التلميحات أو الأقوال الصريحة. ولكن إنّ مقداراً من مرور الزمن، ومقداراً من التلوث والتمرّغ في ذلك المضجع الذي خلقوه لنا كأنه اعتيادي، وقد مرّغونا فيه قهراً، مضجع التقاليد والمظاهر الفارغة للغاية والخاوية التي لا معنى لها... جعلنا مجموع هذه العوامل بعيداً من الفهم الإسلامي ووجهة النظر الإسلامية في المجالات التي هي محطّ نظرٍ للإسلام، [وذلك] في الحالات جميعاً بما فيها الأمور المتعلقة بالزواج والاقتران وتكوين الأسرة وتنشئة الأبناء، والنظرة إلى الطفل على أنه عطيّة إلهية، وعقد الأمل على مستقبل الطفل، وعلى هذا النحو مع بقية الأمور.
في القرآن، يقول الله – تعالى - في أحد المواضع مع وصفه صفات «عباد الرحمن»: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (الفرقان، 63). ثم وصل إلى هذا الموضع: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (الفرقان، 74).
أيْ عباد الله، عباد الله الحقيقيون، هم أولئك الذين يقولون هذا بلسان الحال وبالقول والفهم والفكر الذي تلقّوه من الله، فهم هكذا يقولون وهكذا يفكّرون أيضاً: أنْ يا رب، هب لنا من أزواجنا وأبنائنا قرة أعين. فالزوج والابن سببٌ لنور عين الإنسان وقلبه. ولكي نفهم كيف يصير الابن والزوج مصدراً لنور العين والقلب للإنسان لا بد أن نعرف الشيء الذي يتحصَّل من نور العين والقلب.
من وجهة نظر الإسلام الطاقاتُ الموجودة لدى الإنسان والإمكانات التي مُنحت له، في الواقع كلها أدوات لهذه المسيرة والحركة التي حددها وقررها الله له. كل شيء في طريق الله قيّم. عندما يكون لله، هو عزيز ومعتبر من وجهة نظر الإسلام؛ {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام، 162).
يجب أن تكون الصلاة والعبادة والحياة والموت كلها من أجل الله وفي طريق الله. صلاةٌ ليست من أجل بناء الإنسان، وبالتبعية ليست لبناء البيئة المحيطة بالإنسان ولا تضفي على الإنسان ذلك الأثر البنّاء، تلك الصلاة ليست حقيقية. إنها صلاةٌ ليست من أجل الله، أي ليست في طريق الله، أي بعيدة من جهتها واتجاهها الحقيقيين. تلك الصلاة لا تقرّب الإنسان من الله. جوانب الحياة جميعاً تكون على هذا النحو أيضاً.
ليس الأمر في الإسلام أنه يوجد فرق في عبادتنا وغير عبادتنا، أي حين نقول عبادة نحن نفعلها لله ونؤدي أعمالاً غير عبادية لأغراض أخرى. إنّ كل الأعمال التي تصدر عن المسلم ويعمل بها إنسان يؤمن بالإسلام والتوحيد يجب أن تكون ذات توجّه وأن يكون فيها روح ومعنى، مثل الصلاة، أي من أجل الله. إنْ جعلَ إنسانٌ مسلمٌ جزءاً من حياته لله وجعلها في طريق الله ولم يجعل باقي الأجزاء هكذا، فهذا الإنسان ليس ربانياً وتوحيدياً بنسبة مئة بالمئة، فالشرط ليكون ربانياً بصورة كاملة هو أن يكون كله، أي كل مظاهر حياة هذا الإنسان، في طريق الله ولله، بما في ذلك الزواج، وإنجاب الأبناء، والمستقبل لهؤلاء الأبناء.
نواجه اليوم اعوجاجاً عميقاً جداً عندنا وفي مجتمعنا. إن الابن والمرأة، حتى في بيئة من الناس الذين لديهم شيء من التمسّك بالدين، ليسا أداة ووسيلة للتحليق والتكامل، بل على العكس وسيلة سكون وجمود وثبات! فبدلاً من أن يكون زوج الإنسان أو ابن الإنسان جناحاً يطير به، فإنه مرساة يُسحب بها الإنسان إلى الأسفل والطبقات السفلى، وتمنعنا من الحركة العادية! إنها لم تعد تدفعنا أو تشجعنا في تحركنا نحو الله والأهداف الإلهية، بل تمنعنا أيضاً من أدنى حركة، تلك التي هي علامة على الإنسان الحي والكائن الحي. هذا لأننا لم نفهم معنى الابن أو شريك الحياة ومفهومهما.
هذه المسألة الموجزة جداً هي من الإسلام الواضح، [فيجب] أن يكون واضحاً لنا أننا ذرّة في هذا الجهاز الكوني المتحرك. نحن أداة صغيرة في هذه الآلة العظيمة، وهذا الجهاز يتحرك في اتجاه وفي مسار؛ {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الجمعة، 1)، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} (الدخان، 38)، {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} (الدخان، 39)، تتحرك قافلة الوجود هذه كلّها في اتجاه واحد ونحو منزل واحد. والإنسان أيضاً ما دامت إرادته ورغبته ليس لهما تأثير بنّاء سيتحرّك بلا إرادة في ذلك الشعاع وتلك المنطقة من وجوده، ويسير في هذه الجهة نفسها.
المكان الذي تؤثر فيه إرادة الإنسان - توجهات الحياة، واتخاذ المواقف الاجتماعية، والأحوال الفردية والنفسية - إذا أراد وقرّر، يمكنه التحرك والسير مع هذه القافلة ومع اتجاهها، وهي نحو الله، بل يمكن أن يكون له دور فعال وبنّاء في الحركة داخل هذه المجموعة. عندما يتعين على الإنسان، بحكم إيمانه بالله، أن يتحرك في هذه القافلة - قافلة الوجود - من موقعه الإنساني الفاخر، لا بدّ أن يستخدم كل ما هو في تصرّفه لهذه الحركة؛ {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (الأعراف، 189). الزوجية، أي ثنائية الجنس البشري والخصائص والصفات وُضعت في كل جنس بما يتناسب مع خصائص الجنس الآخر. حتى يكون كلٌّ من الجنسين - الرجل والمرأة – مع السكينة التي يحصلان عليها في ظل الزواج والزوجية، والوجود والتواؤم معاً، قادرَين على السير في الطريق بصورة أسهل والتحرك بنحو أفضل. معنى ذلك أن الزواج وشريك الحياة هما وسيلتان للحركة على نحو أفضل في هذا الطريق، وللتحرك أفضل في هذا الطريق. عندما صارت فاطمة الزهراء (ع) زوجة علي بن أبي طالب (ع)، لا يعني هذا أن علي بن أبي طالب [ينبغي] الآن أنْ يخصص جزءاً من طاقته، التي لم تصرف إلا في سبيل الله ولم تكن تستخدم إلا لله، لمخلوق مقابل الله يُسمّى الزوجة. لا! بل هذا يعني أنه سيستمر في استخدام هذه الطاقة التي كان يستخدمها في سبيل الله ولكن بمساعدة إنسان متحرك ومكتشف آخر هو أيضاً لله وفي طريق الله، كما أنه يصرف كل طاقاته في طريق الله، حتى يخلق اجتماع هذين المسارين الفرديّين مساراً جماعياً ذا جدوى أكثر. لذلك إن علي بن أبي طالب (ع) بعد زواجه بفاطمة الزهراء (ع) هو جندي أكثر بطولة وإنسان أكثر تحرّكاً. ودليل ذلك أنه أضيفت فوق طاقته طاقة أخرى وكائن مثله يوفر له احتياجاته والفراغات في وجوده التي كانت قد تمنعه من العمل، ومن السير والحركة والتحرك، ويملأ له هذه الفراغات، وهذا موجب كي لا يهدر أيّ جزء من هذه الطاقة المتراكمة وأن تُصرف كلها في سبيل الله على نحو أفضل وأكثر وبدفع أكبر. قضية الأبناء والأطفال هي كذلك أيضاً. في النظرة الإسلامية، يجب أن يكون الابن والطفل وسيلة للحركة، ووسيلة للتحليق أكثر، وهي ليست مرساة لقدم الإنسان، وليست حجراً يمنع الإنسان من الطيران فقط بل يمنعه من حركته العادية أيضاً. هذا ممكنٌ بهذا المفهوم والاعتبار: أنْ يعرف الإنسان أنّ ما أُعطي له تحت عنوان الابن أمانة من الله، أمانة عليه أن يبنيها في اتجاه الهدف والغاية من الخلقة بالمقدار الممكن والمقدور. إنه طائرٌ بلا أجنحة على الأب والأم أن يساعدوا في تأمين أجنحته وريشه في ظل التربية المتوازية مع عطفهما، ليتمكّن من أداء ذلك التحليق العالي. لا بدّ من النظر بهذه النظرة. إنه فرخ حمام عابر، إن كنا متعلقين به، فلا يجب أن نبقيه في منزلنا وفي قفصنا إلى الأبد، بقص جناحيه ونتف جناحيه وربط قدميه. إن مساعدته وخدمته هي أن نمدّه ونساعده في اتجاهه الطبيعي وفي الطريق الذي هو [مخلوقٌ] من أجله. إعطاء الماء والحَّب يكون لهذا الغرض. كما ترون، إذا نظرنا إلى أزواجنا وأبنائنا بهذه النظرة، ستُعالَج كثير من المفاهيم غير الصحيحة، والسطحية، والعيوب في عملنا من تلقاء نفسها.
هذه المسألة، مرة أخرى، تلفتنا إلى هذه الحقيقة وتوجب الإيمان بها مع هذا الزمن، الزمن لتجلي الثقافات الناشئة عن رؤى إنسانية دقيقة، والزمن لسوق الأفكار العالمية الذي لا يوجد فيه شيء ذو رونق أكثر من فكر صحيح، فكر مرشد، فكر لا ينبثق إلا من صلب حقيقة الإنسان ووجوده وذاته. مع ذلك، لفهم الأفكار الإسلامية والرؤية الإسلامية – هذه الرؤية طُرحت وقُدّمت بالنظر إلى طبيعة الإنسان وفطرته -، لم نفعل ولم نسعَ كما ينبغي، ولا تزال قضايا إسلامية كثيرة غير واضحة لنا.
على أي حال لا بدّ من اغتنام هذه الفرصة - أعني فرصة هذا المحفل - لإقناع أنفسنا بأن الزواج وتكوين الأسرة وإنجاب الأبناء والعيش مع شريك الحياة وتربية الأبناء هي خطوات ضرورية ولازمة في طريق التقدّم نحو ذلك المقصد النهائي الذي هو الهدف والمقصود من حياتنا. فلننظر إلى هذه التقاليد والسنن بهذه النظرة.
بالطبع، في جزء كبير من مجتمعنا – للأسف - لا تُطرح القضايا بهذه الطريقة. ولا يزال للزواج شكل تجاري، ولمراسم الزواج شكل من التباهي الدنيء جداً ولا قيمة له، ولا يزال تكوين الأسرة لا يتجاوز إشباع غريزة حيوانية أو شيء من هذا القبيل، ولا يُعدّ أداة، أو وسيلة، من أجل الحركة والمسيرة التكاملية للإنسان. هذه هي الحقيقة المُرّة التي تحيط بنا! [لذا] علينا، إلى ذلك القدر الممكن لنا، أن نحصل على المساعدة من الرؤية الإسلامية ومن طريقة التعليم والتدريس التي يقدمها إلينا الإسلام في هذه المجالات. ففي هذه المجالات الصغيرة، في هذه الزوايا التي تبدو في ظاهرها بلا أهمية في الحياة، يمكن أن تكون هذه الأنواع من الالتزامات مثمرة للغاية.
على أي حال، لخّصتُ الموضوع بهذه الجمل القليلة، وسوف أكتفي بهذا المقدار الذي تحدثت به. آمل أن تستنير قلوبنا أكثر فأكثر بالمعارف والدرايات الإسلامية. وأتمنى أن يُستجاب دعاء عباد الرحمن بشأننا أيضاً، وأن يكون أولادنا ونساؤنا نور أعيننا وقلوبنا في الدنيا والآخرة. وأتمنى أن يكون لهذه الأقوال تأثير بنّاء في المُستمع، وأن نحاول حقاً أن نكون كما نقول.
......
انتهى/ 278