وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ وجاءت هذه القراءة من خلال محورين:
المحور الأول: نوع الولاية
المحور الثاني: المتصدي لتلك الولاية
المحور الأول: نوع الولاية عند السيد السيستاني:
وحسب موقع الاجتهاد ان السيد السيستاني يقول بالولاية في الأمور العامة، والتي توجب تدخل الفقيه المنتخب من قبل الفقهاء التصدي للأمور العامة التي يتوقف عليها حفظ النظام من باب الأحكام الولائية.
والحكم الولائي هو الذي ينشأه الولي على أساس المصالح العامة لحفظ النظام والملاكات الأهم التي يدركها الحاكم الشرعي وفقا لمقتضيات المصلحة، ويعلن إنشاء تطبيقه لا من جهة تنجيز الواقع، بل من جهة إنشاء تکلیف واقعي على المجتمع.
بينما ولاية الفقيه العامة تكون ثابتة في المواضيع التي لا يتوقف عليها حفظ النظام، بل تكون أحكام أولية قائمة على أساس المصالح والمفاسد في ذوات الأشياء، ويلحظها الشارع المقدس ويصدر حكمه فيها، ويكون طريق إيجادها بالرجوع إلى الولي.
وتتضح معالم نظرية السيد السيستاني من خلال مبنيين يعدان الأسس الركيزة لنظريته:
المبنى الأول: الأخذ بنظام الشوری:
أخذ السيد السيستاني بمبدا الأخذ بوجوبين وجوب الأخذ بالشوري ووجوب الأخذ بمبدأ الأكثرية، وجعل إمكانية العمل بهما معتمدا على إرادة الأمة، والمتمثلة بالشعب العراقي ذو الغالبية الأكثرية المسلمة، فمن المؤكد انهم سيختارون من خلال مجالسهم الشورائية نظاماً يحترم ثوابت الشريعة الإسلامية مع حماية الأقليات. (1)
لهذا جعل الشورى أحد الأسس التي يجب أن يقوم عليها عراق المستقبل (مبدأ الشورى التعددية والتداول السلمي للسلطة في جنب مبدأ العدالة والمساواة بين أبناء البلاد في الحقوق والواجبات وحيث أن أغلبية الشعب العراقي من المسلمين فمن المؤكد انه سيختارون نظام يحترم ثوابت الشريعة الإسلامية مع حماية الأقليات) (2) والاختيار نوع من أنواع التعبير عن إرادة، (3) وان الشورى المرادة في مدرسة أهل البيت (ع) هي شورى الإلهية الشعبية وليست أهل الحل والعقد المعقود بها شخص الحاكم.
المبنى الثاني: الأخذ بالانتخابات
استطاع السيد السيستاني ان يؤطر الديمقراطية بإطار شرعي، فبدلا أن يرفضها لأنها نظام غربي، وقف إلى جانبها حيث جعلت فتواه الانتخابات كحق من حقوق الشعوب لان لهم الولاية على أنفسهم في اختيار شكل الحكومة ومن يمثلهم لذا أفتى سماحته عدة فتاوي تؤكد ذلك الحق منها فتواه في ۲۹ حزيران /۲۰۰۳ م بوجوب الانتخابات للمجلس التشريعي لكي يكتب الدستور وانه لا بديل عن إجراء انتخابات عامتين لكتابة الدستور، واختيار أعضاء المؤتمر الدستوري.
فقد اعتمد على مبدأ الانتخاب مبدأ تعويضا عن البيعة منح فيه للإنسان ممارسة حقه بحسب ولايته على نفسه.
المحور الثاني: المتصدى للولاية
هنالك ثلاثة اتجاهات للمتصدي للولاية:
الاتجاه الأول: ولاية الفقيه ثيوقراطية محضة، وليس لانتخاب الناس أثر في هذا المجال أصلا بل نصبوا من قبل أئمتنا (ع) لذلك.
الاتجاه الثاني: يذهب السيد محمود الهاشمي “ره” والشيخ محمد تقي المصباح اليزدي “ره” والشيخ الأملي إلى أن مشروعية ولاية الفقيه إلى النصوص الشرعية، فمشروعيتها دينية إلهية محضة، ولا دور للأمة في بناء المشروعية، ويرى أن ولاية الفقيه إمتداد من ولاية الأئمة الأطهار (ع) و مجعولة من قبلهم.
اما دور الأمة فهو كاشف فقط وليس مشروع، فان الولاية والحاكمية لله سبحانه والنبي والأئمة الأطهار(ع) ومن بعدهم لنوابهم الفقهاء.
الاتجاه الثالث: يرى هذا الاتجاه من الفقهاء أن صلاحيات الولي الفقيه مستمدة من الشعب ومتحصلة من الانتخابات، وهذا ما ذهب إليه الشيخ منتظري في (دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، فان الأمة بنفسها هي صاحبة السيادة ومصدر السلطات والدليل على ذلك هو سلطة الناس على أنفسهم تكويناً، وقوله تعالى {وأمرهم شوری بینهم (4) وما ورد من الأخبار الكثيرة متضافرة في بيعة الناس للنبي (ص) والأئمة الأطهار،
ويظهر بذلك أن الشعب مبدأ السلطة والسيادة حيث أوضح رأيه بالقول ان الحق هو الجمع بين القوانين بنحو الطولية، فان كان من قبل الله تعالی نسب لذلك كما في النبي (ص) وكذا في الأئمة الاثني عشر عندنا فهو للإمامة، ولا تنعقد الإمامة لغيره مع وجوده والتمكن منه. وإلا كان للامة حق الانتخاب ولكن لا مطلقا بل لمن وجد الشرائط والمواصفات المعتبرة، ولعل إمامة الفقهاء في عصر الغيبة من هذا القبيل.
فالإمامة تنعقد أولا بالذات وبالنصب، وبعده بانتخاب الأمة بمرحلة واحدة أو بمراحل.
واما التغلب بالقهر أو ولاية العهد أو بيعة بعض الناس فلا يكون ملاكا للإلزام وإيجاب الطاعة عند العقل والوجدان) (5)
إن نقطة الافتراق بين الاتجاه الأول والآخرين هي مشروعية السلطة، التي تترك آثارها على مجمل العملية السياسية التي تنتجها السلطة، حيث يرى البعض في نظرية ولاية الفقيه مطلقا يكون منصوباً من قبل الله بواسطة الأئمة الأطهار، والحكومة تكون من الأعلى إلى الأسفل.
أما في نظرية ولاية الفقيه الانتخابية، فان الفقيه يكون من قبل الأمة في إطار رعاية الشروط الدينية، والحكومة من الأسفل إلى الأعلى وهذا الفرق الأساسي في الحقيقة الأصل تتفرغ عنه كثير من الفروقات.
إن فهم الولاية كحكم أولي يتفوق على الأحكام الفرعية، وعلى قدرة الولي الفقيه في سبيل مصلحة البلاد والإسلام (الواقع والعقيدة) أن يتجاوز الأحكام الفرعية، رغم تمسكه بالحكومة الإسلامية بوصفها حكومة القانون الإلهي.
يؤمن السيد السيستاني أن تنبثق السلطة من أغلبية الشعب في الواقع الحاضر، وعلى الفقيه أن ينأى بنفسه عن المشاركة في السلطتين التنفيذية والتشريعية، بل عليه أن يكتفي بعنصر المراقبة والإرشاد انطلاقا من موقع الأمة لا الحاكم بقوله (قد سبق للمرجعية الدينية أن أوضحت أنها ليست معنية بتصدي الحوزة العلمية لممارسة العمل السياسي، وانها ترتاي لعلماء الدين أن ينأوا بأنفسهم عن تسلم المناصب الحكومية) (6)
الهوامش
1- قاعدة لا ضرر ولا ضرار / تقريرات السيد محمد باقر السيستاني لأبحاث والده السيد السيستاني / ص ۲۰4.
2- مقابلة شبكة C.N.N فرع ۲/ ذي الحجة 1424 هـ.
3- المرجعية الدينية والعراق الجديد / د. نجوى الجواد / ص 246.
4- الشوری ۳۸
5- دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية / الشيخ متنظري / الدار الإسلامية / بيروت / ۱۹۸۸ / م۲ / ص 404
6- النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني / حامد الخفاف / ص 234.
المصدر : بحث بعنوان الفقه السياسي في مدرسة النجف الأشرف – للدكتور الشيخ عباس كاشف الغطاء
.......
انتهى/ 278
المصدر : ابنا
الخميس
٨ يوليو ٢٠٢١
١١:٢٢:٢٦ ص
1158112
السيد السيستاني لم يطرح مشروعه السياسي بصورة مفصلة مستقلة، ولكن يمكن قراءته من خلال ثنايا بحوثه الفقهية وفتاويه التي تعالج الوضع السياسي، وخاصة الوضع العراقي.