من كان يتصور ان المالكي ذلك الشخص دمث الاخلاق و الهادي الطبع والمتواضع البسيط الذي يتكلم قليلا وينظر مليا من خلف نظارته سيكون على يديه حل المعضلة العراقية التي تفاقمت بعد حكومتين كانتا من اكثر الحكومات التي عانا العراق خلال فترتي حكمهما اذ تدهور الوضع الامني و الاقتصادي في العراق كثيراً حتى غدى ان يعود العراق الى حالة الدولة ضرب من ضروب الخيال و ان اكبرالقوى في العالم و هي الولايات المتحدة باتت و كأنها داخل مستنقع لا يمكن الخروج منه الا بمعجزة و لم يكن متصورا كيف ستقع تلك المعجزة.
وجاء المالكي و جاءت معه التساؤلات الملحة ماذا يستطيع ان يقدم عما عجز عنه مسئوله في الحزب حينذاك و كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع رئيس وزراء عراقي جديد لكنه من نفس المدرسة الاسلامية التي تراها الولايات المتحدة انها التحدي لما كانت تتوقه من عراق يرفض التوجهات الاسلامية و يعتمد المنظومة الغربية في ادارة اموره هذا فضلا عن ما سرى في حينها من ان الادارة الاميركية كانت غير راضية عن حكام العراق الجدد بل حتي اصبح السؤال الذي يوجه لنا جميعا (شتكول راح يبقون المالكي؟؟) متجاهلين حتى ارادتهم المباشرة و غير المباشرة التي اسهمت في ارتقاء المالكي سدة الحكم في الحكومة العراقية العتيدة.
لقد انخفضت حدة العمليات الارهابية في العراق و بعد فترة محدودة من تولي المالكي مسؤلياته الرسمية الى حدود لم تكن معقولة منذُ فترة بسيطة الى حدود 70% ليس هذا فقط بل انتقلت الدولة الى المبادرة في درء العمليات الارهابية قبل و قوعها حيث انتقلت الى ستراتيجية المهاجمةبعد ان كانت تعتمد على السترتيجيات الدفاعية،ليس هذا فحسب بل انها و خلال فترة السيد المالكي بدءت في طرح خطط جديدة كبرامج الاعمار و مكافحة الفساد ، هذا فضلا عن ان العراق قد اصبح قبلة للكثير من البعثات الدبلوماسية و مقصدا لكثير من الرؤساء و السياسين العرب و الاجانب كل هذا ، و معظم فترة حكومة المالكي كانت تقضي اكثر من نصف مدتها بدون اكثر وزرائها الذين صادق عليهم البرلمان من جبهة التوافق و الكتلة الصدرية و تعارضات واضحة كانت للسيد المالكي مع اقرب حلفائه في الكتلة الكردستانية و حتى في الائتلاف، لكن رغم ذلك استمر في اجواء لم يكن من الممكن ان تفضي الى ماوصل اليه العراق خاصة في الوضع الامني من تطور نحو الافضل.
لعل الكثير من المراقبين و حتى الناس العاديين و لعلي احدهم الى حد ما يرون ان ماحدث كان لشخصية السيد رئيس الوزراء الاثر البالغ فيه ، فالرجل ذو خبرة و دراية بالعمل السياسي و هو في خضم هذا العمل منذٌُ فترة ليست بالقصيرة و السبب الاخر هي الملكات الشخصية فهوصلب في موضع الصلابة الى حد كبير بالاضافة الى جدية واضحة بالعمل و تواجد مستمر داخل دوامة الحدث، كذلك اعتماده على اشخاص اكفاء يوحي بان الرجل كان يدرس خطوات نجاحه و يصر عليها ، كما كان لوعي السيد المالكي حول اخطاء الحكومتين اللتين سبقتاه كبير الاثر على تجاوز تلك الاخطاء فالرجل لم يكن حديا في المواجهة كما كان في الحكومة الاولى (السيد علاوي) او متسامحا حد الانفلات كما في الحكومة الثانية (السيد الجعفري.(
ان هناك الكثير من المراقبين و الذين يسلمون بالانجازات التي حصلت ابان فترة تولي السيد المالكي الا انهم لا يعزون تلك الانجازات الى القدرات الادارية للسيد رئيس الحكومة بل يعزونها الى اسباب موضوعية خارجة عن قدرات الحكومة و ان هذه الحكومة كانت متاثرة بتلك الاسباب او الظروف الموضوعية التي حصلت رغم ان الحكومة كانت تعترض و تحاول العمل بالضد من تلك الاسباب او انها لم يكن لها يد لا من قريب او بعيد في تلك الاسباب و في بعض الاحيان كان للقواعد المنطقية من استحالة دوام الظلم او فكرة ان الصح يفرض نفسه هي التي ساعدت الى حد كبير في نجاح او انجاح حكومة السيد المالكي و اليكم بعض تلك الامور:
الصحوات
من كان يصدق ان ثلة من رجال العشائر و باسلحة خفيفة و بدون خسائر منظورة كان يمكن لها ان توقف مد تنظيم القاعدة الهائل الذي كان يجتاح مجاهل المنطقة الغربية و معالمها و بين ليلة وضحاها تصبح تلك المناطق التي كانت تعجز القوات الاميركية من المرور بها و تعد ساخنة جدا الى مناطق باردة حد الصقيع و امنة الى درجة ان المواطن العادي و حتى العسكري يسرح و يمرح بها دون ادنى خوف او قلق و على حد تعبيرنا نحن العراقيين (افرش ونام.(
وعلى الرغم من ترحيب الحكومة-الحذر- بتلك الانجازات الا ان عودة بسيطة الى الخلف تظهر لنا مدى التذمر((الخوف )) الذي كانت تبديه الحكومة ازاء تلك الفكرة والتي كانت تعتبرها تجنيد لمسلحين اخرين ليحلو محل القاعدة في العراق خصوصا ان الموضوع تم وبمباركة واشراف امريكي (على الرغم من اني اعتقد ذلك اذا ما لم يتم استيعابهم بصورة جيدة.(
الا ان الانجازات التي قادتها الصحوات على المستوى الامني و مسكها زمام الامور في المناطق التي كانت تسيطر عليها القاعدة جعل الكثير يسكتون عن التشكيك بتلك الصحوات حيث فرض انجازها في مواجهة القاعدة نفسه على الساحة الامنية في العراق، خاصة ان الموقف الاميركي الذي ينظر للصحوات على انها القشة التي انقذتهم من الغرق في ما كان يسمى بالمستنقع العراقي يحاول و بكل الوسائل دعم الصحوات حتى بغياب التنسيق الحكومي في هذا الموضوع وهذا ايضا برأيي خطاء من الحكومة في التعامل مع الموضوع على الرغم من تشكيل مجالس الاسناد و استيعاب الكثير من ابناء الصحوات و قانون العفو العام كل ذلك الا ان الحكومة مازالت على ما اعتقد لا تتعامل بكبير ثقة مع تلك الصحوات، كما كان للصحوات دور اخر في دعم حكومة المالكي و لكن بطريقة اخرى من خلال اضعاف حلفائه الانداد في التوافق خاصة كبيرهم الحزب الاسلامي في الرمادي المعقل الاهم للحزب الاسلامي العراقي كان لهذه العملية الدور الكبير في التقليل من اثر انسحاب جبهة التوافق من الحكومة و ايضا في تفاقم الانقسامات داخل الجبهة نفسها في ضوء انسحاب الجبهة من الحكومة و عدم استجابة الحكومة لمطالبها هذا فضلا عن عجز الجبهة عن تقديم برنامج او رؤيا واضحة للحكومة او قواعدها و حتى الاطراف المتشاركة معها بالعملية السياسية تسهم في اعادة الجبهة الى لعب دورها الذي يتلائم مع حجمها باعتبارها ممثلاً رئيسيا لسنة العراق.
قتلهم حتى مل من قتلهم
بتلك المقولة كان ابن ابي الحكم المورخ العربي يصف المقتلة التي اوقعها عقبة بن نافع في البربر سكان افريقيا، و يمكن ان ينطبق هذا الوصف على العراق الى حد كبير حيث و صلت الهجمات الارهابية على العراقيين حداً جعل الكثيرين يطرحون التساؤل لماذا كل هذا العتف ليس من قبل العراقيين فقط بل من قبل المجموعات الارهابية نفسها لذا لاحضنا كثرة الانقسامات و التهديدات المتبادلة بين الجماعات الارهابية نفسها جعلت تلك الجماعات تضعف الى حد بعيد خاصة بعد القاء القبض على الكثير من اركان تلك الجماعات من خلال ((الخيانات)) او العودة الى جادة الصواب في كثير من صفوف الجماعات المسلحة ، هذا فضلا عن الوعي الشعبي للمجتمع و الحرص الامني الذي اخذ يتطور في المجتمع ساعد في التحسن الامني الملحوظ في الفترة الاخيرة.
الموقف الدولي
كان للموقف الدولي و الاقليمي الدورالبارزوالمهم ايضا في تحسن الوضع في العراق من خلال وقوف المجتمع الدولي مع العراق الذي اخذ ينظر اليه على انه امل العالم بمصدر الطاقة الاهم و امل العالم في اجتياز امتحان الطاقة الصعب في النظام الدولي الجديد هذا فضلا عن حملة الاعمار الكبيرة في العراق التي لم تبداء بعد و ايضاً اجواء الاستثمار الكبيرة و المفتوحة في العراق التي اخذ تنال قسطا اكبر من اهتمام المستثمريين في العالم خاصة و ان العراق لم يدخل في الموجة الاستثمارية التي اجتاحت العالم في ثمانينيا