نصر الله حرص على استقبال القنطار
عجز إسرائيل أمام حزب الله لم يترك أمامها خيارا لاستعادة أسراها لديه إلا عن طريق المفاوضات غير المباشرة عبر طرف ثالث ، ومثلما نجح في إدارة المعارك العسكرية ، نجح حزب الله أيضا في المفاوضات ، حيث تعامل مع إسرائيل من منطلق الند بالند ، فهو لم يقدم أية تنازلات فيما يتعلق بثوابته ، وإنما كل مافعله هو إعطاء مجرد معلومات لإسرائيل عن مفقوديها وأشلاء جثث ، مقابل إطلاق سراح أسرى أحياء فلسطينيين ولبنانيين وعرب ممن عانوا طويلا في سجون الاحتلال .
محيط - جهان مصطفى
وعلى هذا الأساس ، جرت عمليات تبادل كثيرة بين حزب الله وإسرائيل استعاد بموجبها حزب الله عددا من أسراه وأسرى الفصائل اللبنانية والفلسطينية المقاومة وجثث لجثامين شهداء سقطوا في معارك مع الاحتلال ، بينما حصلت إسرائيل على أشلاء وبقايا جنودها ممن قتلوا في لبنان خلال عمليات عسكرية عدة، بالإضافة إلى أسرى اعتقلهم الحزب في عمليات عديدة ، ومن آخر وأشهر تلك العمليات صفقة سمير القنطار ، عميد الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية أو عملية الرضوان كما أطلق عليها حزب الله نسبة إلى الإسم المستعار للقيادي في الحزب عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق مؤخرا.
عملية الرضوان
وكان القنطار وأربعة من رفاقه المحررين قد وصلوا إلى لبنان في 16 يوليو 2008 تنفيذا لاتفاق بين حزب الله وإسرائيل تم بمقتضاه تحرير كافة الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية وعلى رأسهم سمير القنطار المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة منذ عام 1979 ، هذا بالإضافة إلى تسليم حزب الله رفات 200 من جثث المقاتلين الفلسطينين والعرب واللبنانيين ، بينهم الشهيدة الفلسطينية دلال المغربي و8 جثث لمقاتلي حزب الله ، وفي المقابل تسلمت إسرائيل من حزب الله رفات الجنديين الإسرائيليين اللذين وقعا في الأسر خلال عملية الوعد الصادق في 12 يوليو 2006 وكانا أسرهما الشرارة التي قامت على إثرها إسرائيل بشن عدوان همجي على لبنان استمر أكثر من شهر، وهما ايهود جولدفاسر وإلداد رجيف .
كما تلقى الإسرائيليون تقريرا من حزب الله حول مصير الطيار الإسرائيلي رون آراد الذي فقد عام 1986 إثر إسقاط طائرته في الأجواء اللبنانية ، ويعتقد وفقا لتسريبات صحفية أنه فارق الحياة ، وقام الإسرائيليون بتسليم تقرير إلى حزب الله حول مصير الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة ومرافقهم اللبناني الذين اختطفوا في صيف العام 1982 في جنوب لبنان ، ويعتقد أن ميليشيا القوات اللبنانية أقدمت على تصفيتهم بعد اختطافهم ، ولم يعرف إذا ما كان التقرير قد حدد أماكن محتملة يمكن أن تكون قد أخفيت فيها جثث هؤلاء الخمسة.
تلك الصفقة التي تمت بإشراف الوسيط الألماني جرهارد كونراد الذي عينته الأمم المتحدة للوساطة بين الطرفين ، لها أهمية خاصة لدى حزب الله ، خاصة وأنها جاءت تنفيذا لوعوده المتواصلة بتحرير كافة الأسرى وعلى رأسهم سمير القنطار والذي طالما رفضت إسرائيل الإفراج عنه إلا إذا حصلت على معلومات عن الطيار الإسرائيلي المفقود رون آراد .
ويجمع المراقبون أن حزب الله باتمام تلك الصفقة يكون قد عاد للواجهة مرة أخرى كمنتصر كبير على إسرائيل ، بينما بات العار يلاحق إسرائيل ليس فقط لرضوخها لشروط حزب الله ولعودتها لقبول ما كانت ترفضه قبل شن حرب تموز الفاشلة وإنما أيضا لأنها سبق وأن رفعت شعار جثث مقابل جثث، وعادت اليوم لتوافق على تبادل أسرى أحياء مقابل جثتي جندييها.
لقد خاضت إسرائيل حرباً مدمرة فاشلة من أجل إعادة الجنديين الأسيرين ولم تكن تعلم أنهما في عداد الموتى ، وها هي تضطر إلى التفاوض مع حزب الله وتعقد معه صفقة فاشلة من وجهة نظر معظم الإسرائيليين، لتعيد الجنديين في تابوتين، الأمر الذي يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية لم تكن تتمتع بأي قدر من الحكمة.
وفي المقابل ، فإن حزب الله يؤكد مرة أخرى أنه قادرعلى مقارعة إسرائيل في ميدان المفاوضات ، كما في ميدان القتال ، مؤكدا قدرته على الحوار مع العدو من موقع المنتصر والمقتدر.
ولعل إلقاء نظرة على ردود الأفعال حول صفقة إطلاق سراح القنطار وزملائه قد تثبت صحة ما سبق ، حيث ذكرت صحيفة "الأيام" الفلسطينية في تقرير لها أن حزب الله كان كبيراً في انتصاره وهو يقاوم، وكبيراً وهو يفاوض، وأكبر عندما اعترف بخطاياه ونتوقع أن يستمر هذا الاعتراف، ولو بعد وقت ليعترف بخطئه عندما زج بقواته لقتال اللبنانيين الذين اختلف معهم في السياسة.
لقد أعلن حسن نصر الله أنه لو كان يعلم مقدار الخراب والدمار الذي سيلحق ببلاده جراء حرب تموز لما أقدم على أسر الجنديين الإسرائيليين، وهذا موقف نبيل وحكيم تفتقر إليه معظم الحكومات والفصائل المقاومة التي قد ترتكب أخطاءً وخطايا، دون أن تدرك مدى ضرورة الاعتراف بالخطأ والخطايا، بل تعزو كل شيء إلى الإرادة الربانية والمشيئة الإلهية خاصة عندما يتعلق الأمر بالأهواء والأمزجة الشخصية.
احتفالات بإطلاق سراح القنطار
واستطردت الصحيفة تقول :" حزب الله بهذا الانتصار، عاد إلى الواجهة كمنتصر، وليبيض وجهه الذي تغبر بفعل انغماسه في تجربة الحرب الأهلية لأيام قليلة في الفترة من 12 - 16 يونيو 2008 ، عندما انسحب من المواجهة مع إسرائيل، ليواجه خصومه بالسلاح والتفجيرات في العاصمة اللبنانية ورغم أن المقصود لم يكن الاستيلاء على السلطة ، لكن ما حدث كان كافيا لتراجع شعبيته.
أما اليوم ، فإن حزب الله في وضع أفضل على المستوى الشعبي، لأنه كان طرفاً في صفقة أكدت قدرته على الحوار مع العدو من موقع المنتصر والمقتدر، وقارنت بين ما يحدث في الساحتين اللبنانية والفلسطينية قائلة :" إسرائيل أقدمت على صفقة لإنقاذ جثتي جندييها مع حزب الله، ولم تفعل ذلك لإنقاذ أسيرها الحي شاليت، لأن حزب الله ليس حماس، والساحة اللبنانية هي غيرها في فلسطين، فإسرائيل أقدر على الفعل والتأثير المباشر في الساحة الثانية، بينما هي أكثر عجزاً في الساحة الأولى، لا تستطيع إسرائيل أن تفعل الكثير في الساحة اللبنانية، بنيما تتمكن من مواصلة عمليات الاغتيال والاجتياح والحصار والاعتقال في الساحة الفلسطينية، كما أن إسرائيل لن تسمح بخلق سابقة تشجع الفلسطينيين على أسر جنود إسرائيليين".
أفراح في لبنان
الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله استقبل القنطار ورفاقه في الضاحية الجنوبية ، قائلا :" ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات . اتفاق تبادل الأسرى أو عملية الرضوان يعتبر إنجازا كبيرا للمقاومة وللبنان لأن باتمامه لن يكون هناك لبناني واحد في السجون الإسرائيلية .. كما يكون لبنان أول دولة عربية تنهي ملف الأسرى في السجون الإسرائيلية ، بالإضافة إلى تحقيق إنجازين كبيرين هما تحرير كافة أراضيه التي احتلت، باستثناء مزارع شبعا وكفر شوبا، بالإضافة إلى تحرير كل أسراه من السجون".