وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ قال الشاعر في قصيدة:
يا ربِّ عـوّضـتَ الـحـسيـ ـنَ بـ (كربلا) عمَّا أصابَه
إنَّ الـذي مـن تـحـتِ قـبَّتِهِ دعـاكَ لــه اســتــجــابـــه
يـمَّــمـتُ مــرقـــدَه لــمـــا أيـقـنـتُ بــابَ اللهِ بـــــابَه
صُبَّتْ على قلبي الـهـمومُ ونـاظـري أبـدى انـسكابَه
وتـمـثّـلـتْ لــي (كــربلا) وحسينُ ما بينَ الـصحابَه
مثلَ الأضاحي في الثرى سـلـبَ الـعـدى حتى ثيابَه
والـقـلـبُ مـنِّـي لاهــــبٌ هـلّا تُـسكّنُ لـي الـتـهـابَـه
وقال من أخرى:
بـيـتٌ لآلِ مــحــمــدٍ فـــي (كربلا) قد قامَ بـيـنَ أبـاطـحٍ وروابـي
هوَ مهبطُ الروحِ الأمينِ ومعدن الـ ـدينِ المبينِ وموطنِ الأطيابِ
أمّا نـزلـتَ بـربـعِـهـمْ مُـسـتـنـجــداً فـيـهـمْ ومـجتدياً من الأجدابِ
وقال:
يومٌ بهِ السبطُ والأصحابُ قد صُرِعوا في (كربلا) حولَ شاطي النهرِ ظامينا
هـمْ مـعـشـرٌ تـاجـروا الباري بأنفسهمْ واستربحوا منه مـرضـاةَ الـمـطـيـعـينا
جـادوا وجـدّوا وأدّوا حـــقَّ ديــنِــهــمُ واسـتـسـلـمـوا لـلـقـضا واستبقوا الـدينا
وقال:
أنزلوهـمْ (كربلا) حـتـى إذا نـزلـوهـا مـنـعـوهــمْ مـــاهــا
بـيـنـهـمْ والماء حالتْ ظلمةٌ من جـمـوعٍ عـدّهـا لا يتناهى
موقفٌ أحيتْ به للمصطفى شرعةً من بعدما البغي محاها
وقال:
أتغضى وفي (كربلا) قد غدتْ ضحايا على التربِ أبطالها
أتـغـضي وعـيـنُ عـقـيـلاتِــهـا مُـذابُ الـحـشـاشـةِ ارسالها
أتغضي وقد سجفتْ خدرَها الـ ـسيوفُ المواضي وعسالها
الشاعر
محمد بن حسين بن خليل بن علي الطهراني، (وفاة: 1355هـ / 1937 م) عالم وأديب وشاعر ولد في النجف الأشرف من عائلة علمية، فأبوه هو المرجع الكبير الميرزا حسين الخليلي الذي كان من كبار الفقهاء في النجف وقد وصفه الشيخ محمّد هادي الأميني بـ: (الفقيه الحجّة المجتهد، أُستاذ الفقه والأُصول، انتهت إليه رئاسة الإمامية، وكان أفقه أهل زمانه ...)
نشأ الخليلي في رعاية هذا الوالد ونهل منه علومه وتحلى بأخلاقه وآدابه، فدرس عنده كما درس عند السيد محمد كاظم الخراساني حتى حصل على إجازة اجتهاد من العديد من العلماء الأعلام.
عرف الخليلي بالزهد والورع فحل محل أبيه في إمامة الصلاة بالناس، لكنه ترك إمامة الناس خوفا من الرياء والزهو وتفرغ للتأليف والعبادة في مرقد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان كثير التلاوة للقرآن الكريم حتى حفظ القرآن من كثرة تلاوته له.
ألّف الخليلي في الفقه والتفسير واللغة ومن مؤلفاته: كتاب الطهارة، والخمس، وغريب القرآن رتّبه على حروف المعجم وبناه على ثلاثة أعمدة هي: أسماء السور، والكلمات العربية، والتفسير المستقى من أشهر التفاسير.
قال عنه الشيخ جعفر آل محبوبة: (من أعلام هذه الأُسرة، ورجالها الأبرار، وصلحائها الأتقياء، حاز قسطاً وافراً من العلم، وحظّاً وافياً في الفقه، قام مقام والده بعد وفاته في إقامة الجماعة). (1)
وقال عنه السيد جواد شبر: (عالم ورع وأديب شاعر ...) (2)
وقال عنه الحاج حسين الشاكري: (تضلع في الفقه حتى نال إجازة الاجتهاد من مشاهير أعلام عصره. خلف أباه في إمامة الجماعة فاقتدى به معظم الأتقياء والأولياء واستمر بها زمنا ثم تركها متعللا بالخشية من الله أن يصيبه الزهو فعكف في المشهد العلوي مصليا زائرا مناجيا. وكان متمسكا بالحق عارفا لله معرفة زهدته عما في أيدي الناس مما يرغبونه، وقد خلف كتبا عدة). (3)
توفي الخليلي بالنجف ودفن بمقبرة والده.
شعره
قال في أمير المؤمنين (عليه السلام):
كـان لـلـمـصـطـفـى بـكـلِّ مُــلـمٍّ سيفَه الـمـنـتضى على الأعداءِ
وهوَ غوثُ الورى إذا عمَّ كربٌ جَـلـلٌ جَـــلَّ وقعُه فـي الـعـزاءِ
ولـديـنِ الـنـبـيِّ غــوثــاً إذا مـــا طـرقَ الـديـنَ طـارقُ الأسواءِ
وعـذابـاً عـلـى الـعدى صبّه الله بـيـومِ الـكـفــاحِ والــهــيــجــاءِ
وبـمـاضي حسامِه شـادَ ديـنَ الـ ـمصطفى واغتدى مشيدَ البناءِ
وله بـيـنَ صـحـبِـه حـيــنَ آخى واصــطـفـاهُ لـنـفـسِــهِ لـلإخـاءِ
ومِـن اللهِ جــلَّ أخــبـــــرَ أنَّ الـ ـمـرتضى خيرتي من الأولياءِ
فـاتـخـذه عـلـى الأنـــامِ ولـــيَّــاً فـولاهُ ولاكَ وهــــوَ ولائـــــي
حـبُّــه جـنَّــةٌ لــكــلِّ مُـــحـــبٍّ بـغـضُـه بـغـضُ خـاتـمِ الأنبياءِ
وقال يتشوّق إلى النجف وزيارة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):
حـكـمَ الـزمانُ عليَّ مِن بعدِ الـمـهـاجـرةِ الـتـغــرُّبْ
عـن قربِ من في قربِهِ يـرجـو الـشفاعةَ كلُّ مذنبْ
قربَ الوصيِّ وكلِّ ذي ديـنٍ بـذاكَ الـقـربِ يـرغبْ
يا دهرُ قـد أسـرفتَ في ظـلـمـي بـلا ذنــبٍ مـسـببْ
أبعدتني عن قـربِ قـبـ ـرِ المرتضى عنقاءَ مـغربْ
أتـراكَ قـد أنـصـفتَ إذ كـلّـفـتـنـي عـنـه الــتـغــرُّبْ
بـجـوارِهِ أفـنـي صـبـا يَ وعنه حال الشيبِ أغربْ
وقال في أبي الفضل العباس بن علي (عليهما السلام):
أبا الفضلِ هلْ للفضلِ غيرُك يُرتجى وهـلْ لـذوي الحاجاتِ غيرُك ملتجى
قصدتُكَ مـن أهـلـي وأهـلـي لك الفدا وهلْ يقصدُ المحتاجُ إلّا ذوي الحجى
وقال في أهل البيت (عليهم السلام):
سادةٌ كادتْ مـصـابـيحُ الدجى يهـتدي فيها الذي في الغيِّ تاها
وولاةُ الأمرِ في الـخـلقِ ومَن فــرضَ اللهُ عـلـى الـخلقِ وِلاها
غدرتْ فيهمْ بنو حـربٍ وهـمْ أقـربُ الناسِ إلى المختارِ طاها
أخرجتهمْ عن مـبـانـي عزِّهمْ وبـــيــوتٍ طـهَّــرَ اللهُ فِـــنــاهـا
بـالـفـيـافـي شـتّتتْ شـمـلـهــمُ وعــلـيهمْ ضيَّقتْ رحبَ فضاها
أنزلـوهـمْ كـربـلا حـتـــى إذا نــزلـوهـا مـنـعـوهمْ عذبَ ماها
بـينهمْ والماءِ حـالـتْ ظـلـمـةٌ مــن جـمـوعٍ عـدّهـا لا يـتناهى
موقفٌ أحـيـتْ به للمصطفى شــرعـةً من بعدما البغي محاها
تاجرتْ ربَّ السما في أنفسٍ بـرضـى اللهِ مُـذ اللهُ اشــتـــراها
رضـيـتْ فيما رضى اللهُ لها حيث قد كان رضى الله رضاها
وقال:
يا صاحبَ الأمرِ يـا ابنَ العسكريِّ لقدْ دارتْ علينا الرزايا من نواحـيـنا
وكـلّـفـتـنـا الــلــيـــالــي فـوقَ طـاقـتِنا ذلاً وقــتـلاً وتــشـريـــداً لأهـلـينا
واسـتـنـزعتْ مـن سـهامِ الدهرِ أنفذَها سـهـمَ الـوبـاءِ وظـلّـت فيه ترمينا
يا صاحبَ الأمــر لـذنا في ولاكَ فكُنْ من جورِ هذي الليالي أنتَ تنجينا
فـإن ذكــرنا حسيناً والـطـفـوفَ غــدا تـذكــارُه لـرزايــا الـدهرِ يُـنـسينا
يومٌ له في السما الأملاكُ قد صرختْ وأعـولـتْ قـبـل مـا يـأتـي النبيونا
يومٌ له المصطفى والـبـضـعُ فـاطـمةٌ وحـيـدرٌ قلـبــهـم لا زالَ مـحـزونا
يومٌ بـه الـديـنُ أمـسـى بـعـد كــافـلِـه وجـورُ من يدّعي الإسلامِ مـوهونا
وقال:
ولـم يـبـقَ مـن حـامٍ لــشـرعــةِ أحمدٍ ولا لـحـدودٍ ســنَّــهــا مـن مـراقـبِ
أرادتْ كـمـا كـان الــورى جـاهـلـيـةً تـعـيـدهـم رغـمـاً على كلِّ غاضبِ
ولـكـن قـضـى الـباري لشرعةِ أحمدٍ عـلّـواً وإعــزازاً ونـسـخَ الـمـذاهبِ
فــأيَّـــدَه فـــي عـــصـــبـــةٍ هـاشميةٍ أطــايــبَ مــن قـومٍ كــرامٍ أطـايـبِ
فـقـامـوا لأمـرِ الـديـنِ واستسلموا لما قـضى اللهُ فيهم من جليلِ المصائبِ
ولـكـنْ بـنـو مـروانَ كـفــراً وخــسَّةً أحـاطـتْ بـذاكَ الدينِ مِن كلِّ جانبِ
أرادتْ ضـلالاً مـحـوَ ديــنِ مــحـمـدٍ بـسـيـفِ عــنـادٍ في المواطنِ خائبِ
وأن يُـعـبـدُ الـعُزَّى جهاراً ولا يُـرى لـسـنَّـةِ طـه مـن مُــديــنٍ وراغـــبِ
فكمْ ألّـبـتْ لـلـحـربِ جـيـشـاً وكتّبتْ لحربِ عليِّ المرتـضـى مـن كتائبِ
وكـمْ جـرَّعـته غـصَّـةً بـعـدَ غـصَّـةٍ وكـمْ أوقـفـتـه فـي خـطيرِ المعاطبِ
إلى أن قـضـى بالسيفِ نفسي فداؤهُ بـقـلـبٍ بما لاقى من الصحبِ ذائـبِ
بـمـحـرابِــهِ مُـلـقـىً يـجـودُ بـنـفـسِهِ فبي وأبي أفـدي صـريـعَ الـمحاربِ
فديتُكَ كمْ قاسيتَ من صحبِكَ الأذى ومضطهداً قد كنتَ من كلِّ صاحبِ
كـذاكَ بـنـوكَ الـغـرُّ بـعـدكَ كـابدتْ مـصـائـبَ مـن أعـدائِـهـا والأقاربِ
عليها غدتْ تُترى الـمصائبُ جُـمَّـةٌ إلى أن قضوا صبراً بـتـلكَ النوائبِ
فـيـا أيُّـهـا الـمـولـودُ حتّامَ في الخفا ولم تـسـتـثرْ للدينِ من كلِّ غـاصـبِ
محمد طاهر الصفار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 2 ص 229
2 ــ أدب الطف ج 9 ص 154
3 ــ علي في الكتاب والسنة والأدب ج ٥ ص ٦٩
.....
انتهى/ 278