وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):
فـلـهـفـي عـلـيـه من وحـيدٍ مضيَّعٌ عـلى الماءِ يقضي وهوَ عنه بعيدُ
بني مضرٍ مـاذا الـقـعودُ عن العدا وفي (كربلا) مولى الوجودِ فريدُ
وكيفَ بقي ملقىً ثلاثاً على الثرى تـواريـهِ مـن نـسـجِ الرياحِ برودُ
الشاعر
محمد بن الشيخ عز الدين عبد الله بن أحمد البحراني العوامي القطيفي،(1255 ــ 1318 هـ / 1840 ــ 1900 م) الملقب بـ (أبي المكارم) لمكارم أخلاقه، عالم وشاعر ولد في جزيرة سترة في البحرين من أسرة علمية، وهو جد أسرة آل أبي المكارم التي برز منها العديد من الأعلام الفضلاء من العلماء والأدباء والشعراء.
تلقى العوامي العلوم الدينية ــ بداية ــ على يد والده الشيخ عز الدين العوامي، وابن عمه الفقيه عبد الله بن عباس الستري (صاحب المدرسة العلمية)، ثم تنقل لطلب العلم في القطيف والبحرين والحجاز حتى أصبح عالماً كبيراً وفقيهاً مجتهداً.
عرف العوامي بكرمه وسخائه حتى ضرب به المثل قال عنه السيد جواد شبر في ترجمته: (كان منهلاً ينتهل منه وبحراً يغترف السائلون من عبابه، حج سنة ١٣١٧ ه فأبهر الحاج بعلمه وكرمه وسخائه وعطائه، وعندما تشرف بزيارة الرسول صلى الله عليه وآله واستقرّ بالمدينة المنورة فاجأه السقام فمكث أياماً والمرض يلازمه حتى قبضه الله إليه .. فدفن بالبقيع، وأولاده أربعة كلهم من أهل الفضل).
وقال عنه عبد العزيز البابطين: (كان عالماً فقيهاً يرجع إليه الناس في فتاواهم وحل مشاكلهم، والفصل في خصوماتهم، إضافة إلى عمله بالتوجيه والإرشاد الديني متنقلاً بين قرى البلاد، وعمل قاضياً ومقسماً للمواريث، وأشرف على قضية أرض الرامس (الوقفية) الشهيرة في العوامية).
ألف العوامي عدة كتب ورسائل في الفقه واللغة منها: (أجوبة المسائل النحوية)، و(المناظرات) وهي في مسائل متفرقة وقعت بينه وبين بعض العلماء، و(المسائل الفقهية). إضافة إلى ديوان شعره.
ترجم له: جواد الرمضان في (إسناد المغانم في تراجم آل أبي المكارم)، السيد جواد شبر في (أدب الطف)، سالم النويدري في (أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين خلال أربعة عشر قرناً)، سعيد أبو المكارم في (أعلام العوامية)، علي منصور المرهون في (شعراء القطيف من الماضين والمعاصرين)، محمد علي التاجر في (منتظم البدرين في تراجم علماء وأدباء الأحساء والقطيف والبحرين)، السيد مهدي الغريفي في (الرق المنشور في شرح الكتاب المسطور).
شعره
جاء في معجم البابطين في ترجمته: (شاعر فقيه عالم، ينظم في إطار روحي إسلامي يميل إلى الأنظام الفقهية، عبر به عن عقائد الأصول الدينية، وفضل العلم وبيان وجوبه، وبيان العدل والتوحيد، والنبوة وإثباتها، والإمامة وصفاتها، والمعاد وبيان حساب الآخرة. له مطولة مدونة في آل البيت ومديحهم، وذكر أحداث الزمان معهم، وسيرهم عبر التاريخ، وقد تناول بعض أحفاده شعره بالتخميس).
ولكن للأسف لم نعثر من شعره سوى على مقاطع صغيرة، وضياع شعر لشاعر من طراز أبي المكارم يمثل خسارة كبيرة للأدب العربي بشكل عام والشيعي بشكل خاص، وهناك الكثير من الشعراء أضيعت أشعارهم وتراجمهم أيضاً، وقد نوّه السيد جواد شبر إلى هذا الأمر في ترجمة الشاعر حيث قال تحت عنوان: (شكوى وعتاب):
(ترجمت في هذه الموسوعة بأجزائها الثمانية لمجموعة كبيرة من أدباء البحرين والإحساء والقطيف ممن كانوا في زوايا النسيان ذلك لأن بلاد البحرين من أقدم بلاد الله في العلم والأدب والتشيّع لأهل البيت وعريقة في الشعر. وأمامنا ردم من القصائد لم نقف بعد على ترجمة أربابها وكم كتبنا واستنجدنا بعلمائها وأدبائها ليزودونا بمعلومات عن تراثهم وحياة أسلافهم، ولكن لا حياة لمن تنادي).
أما ما عثرنا عليه من شعر أبي المكارم فقوله من قصيدة:
مـصـائـبُ عــاشـورا تـهـيجُ تضرُّمي فللهِ من يومٍ بشهرِ محرَّمِ
بها المجدُ ينعى مصدرَ الفيضِ إذ غدا بلا قيّمٍ يأوي إليهِ وينتمي
وقال من قصيدة أخرى:
فـيـا مـضرَ الحمرا ويا أُسدَ الـشـرى ويا غوث مَن يبغي الندا ويريدُ
وأمنعُ مَن فـي الأرضِ جـاراً وجانباً وأمـنـحُ مَـن أمّــتْ إلـيـهِ وفـودُ
فـيـا مـطـعميْ الأضيافَ يومَ مجاعةٍ ويا خيرَ مَن يـبـني العلا ويشيدُ
ويا مخمديْ نارَ الوغى إن تضرَّمَتْ وشبَّ إلى الحـربِ العوانِ وقيدُ
وبدرٌ وأحـدٌ يــشــهــدانِ لــهــاشــــمٍ وربُّ السما من فوقِ ذاكَ شهيدُ
ولـمـا بـدتْ مـن آلِ حـربٍ ضـغـائنٌ لـثـاراتِ بـدرٍ أظهرتْ وحـقـودُ
وأخـرجـتِ الـمـولى الحسينَ مروّعاً وقـد سـبـقـتْ مـنـكـمْ إليهِ عهودُ
فـلـهـفـي عليهِ من وحـيـدٍ مـضـيَّــعٍ على الماءِ يقضي وهو عنه بعيدُ
بني مضـرٍ مــاذا الـقـعودُ عن العدا وفـي كـربلا مولى الوجودِ فريدُ
وكـيـف بقي ملقىً ثلاثاً على الثرى تـواريـهِ مـن نـسـجِ الرياحِ برودُ
وقال من منظومته التي جمع فيها الحث على طلب العلم وبيانه وأصول الإسلام من التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد وقد ذكرها عبد العزيز البابطين في معجمه وحذف منها بعضها:
أحــمـدُه مِــن واجــبِ الــــوجودِ حـيـثُ أبـانَ في الـورَى وُجــودي
أشكرُه والــشُّــكْــرُ مـــنـي يـلزمُ إذ هــو لـلـكُـلِّ الإلـــــهُ الـــمـنـعمُ
ثم الــصـلاةُ والـسَّــــلامُ دائــمــا ما سُطحتْ أرضٌ وما قامَـتْ سما
على النبيِّ الـمـصــطفى الأوّابِ وآلــهِ الأمـــاجـــدِ الأطــــيــــــابِ
لما وقفتُ ونـظـرتُ فـي الخبَــرْ عـن سـيِّــدِ الرسْلِ النبيِّ الـمُعتَــبرْ
في طـلـبِ العلمِ وقد أدَّى الأثــرْ فـريـضـةٌ تــحـصـيلُه على الــبشرْ
وبــالــعـمـومِ لا يــقــومُ الـنــاسُ وعــمَّــهُــم إن أهــمــلـوه الـبــاسُ
وقد رأيتُ العُلَما قد خـصَّـــصُوا وبـيَّـنـوا الـواجـبَ فيما نَصَّــصُوا
علمتُ أنَّ الحقَ مــا قــالـــــــوهُ ومـن كـلامِ الـمـصـطـفـى نــــالوهُ
أحـبـبـتُ أن أدخـلَ فيما دخَلُــوا إذ صـحَّ عـندي حُسْنُ ما قد فـعلُوا
وها أنـا أذكــرُ مــا فــهــمـــتُــه ومــن كـــريــمٍ واهــبٍ عــلــمـتُه
فخذْه بالعينِ الشهيرِ بالـرِّضــــا واحكمْ بما شئتَ ففي الحقِّ الرِّضا
الـعـلـمُ عـلـمـانِ فـعـلــمٌ يــطلبُهْ مــكــلَّــفٌ فــرْضاً عـلـيــه يحسبُهْ
وآخرٌ كـفـايـةٌ عـلــى الــــبــشرْ يـطـلـبُــه ذو الــفَـهـمِ منهم والنظرْ
فإن أخلَّ الكلُّ منهم بــالــطــلَبْ ففــيـه تـعـريــضُ النفوسِ للعَطَبْ
فـلْـيَـسْـتـعــدّوا لــعـــــــذابِ اللهِ إذ خــالــفــوا قــولَ رســـــولِ اللهِ
هـذا مـقـالُ الـعُـلَـــما وقد رَوَوْا عــلــيــه آثــاراً ومــعْــنــاها رَأَوا
فـاتبعْ فتاوَى العلماءِ الرَّشَــــدَهْ لا سـيَّما الفتوَى الصحيحَ الـمُسنَدَهْ
وإنــهــم قــد عـرَفـوا لــــلأولِ بــأنــــه مـــعــــــــرفةُ اللهِ الـعـلي
بالنظرِ الواضحِ غيرِ المُشتَــبِهْ مــن غــيــر تــقــلــيــدٍ لغيرِ مُنتبِهْ
وَعَـلَّ ذو شــــكٍّ يـماري فــيهِ فـدَعْــه والــشـــكَّ لـــقُــبْــحٍ فـــيـهِ
يا هل تُرى لو عـرَفَ البــريَّهْ تـلـكَ الأصـــولَ الـخمسةَ المرعيَّهْ
وغيرَها من سايِــرِ الأحــــكامِ مـن غـيـر تـعـلـيـــمٍ مــــن الـعلاّمِ
إذًا لعَدَّ الـعُـقلا الــنَّـيــاقِــــــدَهْ أنْ لــيــس فـي الـعـلــمِ مـزيدُ فائدهْ
وقــد عـلـمْـــنا أنــه حــكـيـــمُ فـدَعْ شــكــوكــاً وجـهُــهــا سـقـيـمُ
واتَّـبـعِ الــمـعرفةَ الـمــذكورهْ بـجـمـلـةٍ بـــيــنــهــمُ مــشــهـــورهْ
فإن تُرِدْ بـيانَها مُـفـــصَّـــلــهْ فـهـي أصـــولٌ خــمـســةٌ مُــكـمَّلهْ
وحـيـث إنَّ اللهَ كـــلَّفَ العملْ فــســوف يـجـزي عـبــدَه بما فعلْ
ودارُنــا وإنْ تُــــعــدَّ ناضرهْ لـكـنَّــهــا مـــزرعةٌ لــلآخـــــــرهْ
فـناسَبَ الــعَوْدُ ليُجزَى العبدُ عــلــى الـصـنـيــعِ ويــتــــمَّ الوعدُ
وفيـه لطفٌ وجهُه غيرُ خَفِي رَدْعاً وتَـــرغـــيــبــاً فخُذْهُ واكتفِ
وعَـــوْدُ مـوجودٍ له بعد الفَنا أهــونُ مـــن إيـــجــادِه فـلْـيُـفْـطَـنا
ولا يــصـحُّ وَصْـفُــنا بالقِدَم إذ صـحَّ حـقّــاً سـبْـقُـنــا بـــالــعـدمِ
وعــلـمُه السابقُ في وجودِنا كـعِـلْـمـه الــلاحـقِ فــي بُــعـــوثِنا
لم يختلفْ حالاً من الأحوالِ سـبـحـانَــه مـــن قـــادرِ فـــعّــــالِ
سـمـعاً وعــقـلاً ثَبَتَ المعادُ عــن الـسَّـبـيــلِ مُــنــكِــروهُ حادوا
محمد طاهر الصفار
......
انتهى/ 278