وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ مطلع عام 2017، أُعلن إلحاق كافة المؤسسات الخدمية والتربوية في مدينتي الباب وجرابلس "فيما عرف حينها بمنطقة درع الفرات"، لإدارة مباشرة من قبل والي مدينة غازي عنتاب التركية، على إثرها بدأت أنقرة بفرض قوانينها ومناهجها التعليمية على مدارس المدينتين والقرى التابعة لهما، فيما يذكر بسياسة التتريك التي اتبعت من قبل الدولة العثمانية في بلاد الشام نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
بعد سيطرة الفصائل المسلّحة التابعة لتركيا على أجزاء واسعة من ريفي حلب الشمالي والشرقي جرابلس، الباب، عفرين وأعزاز، أتبعت تركيا أعزاز لإدارة والي مدينة كلس، في حين اتبعت عفرين لاشراف وإدارة مباشرة من والي إقليم لواء اسكندرون، ما يعرف بالتركية بـ "إقليم هاتاي".
ركّزت أنقرة سياستها خلال السنوات الأربع الماضية على التعليم، خاصة التعليم في المراحل العمرية الصغيرة والمتوسطة، فشهدت المناطق المذكورة افتتاح عشرات المدارس التعليمية. تكفّلت منظمة إدارة الكوارث التركية، التي تخضع لاشراف مباشر من قبل المؤسسة الرئاسية المعروفة بـ "آفاد"، تكفلت الاشراف على الواقع التربوي والتعليمي في أرياف حلب انفة الذكر، والى جانب "أفاد" عملت وزارة الأوقاف التركية عبر يدها المباشرة المعروفة بـ "مؤسسة شريعت التابعة لحزب العدالة والتننمية"، على رعاية وافتتاح عشرات المدارس الدينية في المنطقة.
في مدينة الباب شمال شرق حلب، افتتحت تركيا مؤخراً مدرسة دينية تابعة لوزارة الأوقاف التركية حملت اسم "سليمان داميرال"، بحضور والي الباب المعين من قبل أنقرة، "أنال الكال" والي الباب المعيّن من قبل والي غازي عنتاب التركية مع رئيس مجلس الباب محمد هيثم الزين الشهابي، افتتحوا المدرسة باسم ضابط تركي قتل أثناء تفكيكه عبوة ناسفة في مدينة الباب مطلع فبراير/ شباط 2021.
وفي العام الجاري، افتتحت مدرسة عمر المختار الدينية بالتعاون مع منظمة "تكافل الشام" بحضور معاون وزير التربية التركي في ولاية غازي عنتاب. ( منظمة تكافل الشام: منظمة تنشط تحت مسمى العمل الخيري أسست مطلع عام 2012 في تركيا، وتمّ تسجيلها رسمياً في أنقرة عام 2013. تعمل المنظمة بشكل أساسي على استهداف الأطفال اللاجئيين والنازحين بحسب المعلن عنه، وتؤكّد المنظمة أن رؤيتها تركّز على الأطفال واليافعين من الشباب).
كما أعلن عن افتتاح ثلاث كليات في بلدات تسيطر عليها فصائل مسلّحة تابعة لتركيا في ريفي حلب الشمالي الشرقي وذلك نهاية عام 2018. أهم الكليات التي افتتحت:
· كلية العلوم الإسلامية في اعزاز وتضم [146] طالب.
· كلية التربية في عفرين وهي ثلاثة أقسام التوجيه والارشاد النفسي [40 طالب]، معلم صف [40 طالب]، تعليم اللغة التركية [40 طالب]
· كلية الاقتصاد وعلوم الإدارة في الباب وتضم سبعين طالباً.
لاحقاً، افتتحت جامعة تركية أبوابها في الداخل السوري، حيث أعلنت جامعة "حرّان" ومقرها الأصلي بولاية "شانلي اورفه" التركية، افتتاح فرعي الهندسة الكهربائية والزراعة في مدينة الباب.
كما افتتح المجلس المحلي في مدينة الباب بحضور نائب والي عنتاب أحمد تورغاي إمامغيلار مدرسة ابتدائية وإعدادية، وسُميت بأرض روم لأن أهالي مدينة أرض روم التركية هم من دفعوا تكاليفها. كما افتتحت مدرسة بولانت آل بايراق بحضور رسمي تركي.
ومنه أيضاً قامت مديرية الأوقاف والشؤون الدينية بتدشين روضة "براعم الإيمان" بحضر رسمي التركي على مدينة الباب أنال الكال ورئيس المجلس المحلي لمدينة الباب، ومدير التعليم الديني في أنقرة ووفد من الأوقاف والشؤون الدينية التركية، ليتجسد اهتمام تركيا في العمل على بسط سيطرتها ونفوذها لسنوات مقبلة في الشمال السوري، من خلال فرض سياساتها التعليمية والثقافية في مناطق سيطرة مسلّحين تابعين لها بافتتاحها لجامعة الخير في هذه المناطق.
المشهد في مدينة الباب ينسحب على مدينة أعزاز التي سجلّت أولى المساعي التركية لبسط نفوذها على قطاع التربية والتعليم، بافتتاح 9 مدارس في مخيم "الإيمان" تضم 130 فصلاً دراسياً بإشراف والي كلّس خاقان ياووز أردوغان وحضور نائب رئيس "آفاد" اسماعيل بالاق أغلو، بالتعاون مع جمعية "بيت السلام" الباكستانية (غير حكومية تاسست عام 2010 في مدينة كراتشي الباكستانية بدعم مباشر من منظمة إدارة الكوارث التركية آفاد التابعة للرئاسة التركية كما اشرنا سابقا كما تتعاون مع إدارة وقف الديانة التركي لمساعدة أنشطة للاجئين السوريين.)
وتمّ افتتاح أول مكتبة لدعم العملية التعليمية من قبل وزارة التربية والتعليم التركي، وكان الافتتاح بحضور مسؤولين أتراك في وزارة التربية والتعليم وإدارة الكوارث "آفاد" وجمعية "إيليك". إيليك هي منظمة تركية تُرسل المساعدات الإنسانية عبر الهلال الأحمر التركي .
وقام رئيس وقف الديانة محمد صافاش بولات بتشييد مدرسة عمار بن ياسر التي تستوعب 1100 طالب باعزاز في بلدة دير حسّان القريبة من الحدود التركية، بدعم المجلس الاستشاري للمنظمات الإسلامية الماليزية "مابيم". مابيم هي منظمة ماليزية.
وشَيدت أيضاً مدرسة بالتعاون مع جمعية "مسلم هاندز" الخيرية الباكستانية، و أعلنت جامعة غازي عنتاب عن افتتاح عدد من المعاهد في مدينة جرابلس، ويُذكر أن ما يسمى المجلس المحلي لمدينة جرابلس، أعلن عن تسمية مدرسة فيها على اسم نائب والي مدينة غازي عنتاب أحمد تورغاي إمامغيلار في محاولة لمحو الطابع السوري عن تلك المنطقة، بينما كانت "هيئة الإغاثة التركية تقدّم دعمها لـ "جامعة الشام العالمية" في أعزاز.
مظمة مسلم هاندز هي جمعية الإيدي الإسلامية تأسست عام 1993 في نوتنغهام منظمة غير حكومية في أكثر من خمسين دولة حول العالم تقوم بمساعدة المتضررين من الكوارث الطبيعية والنزاعات.
انتقالاً إلى مدينة عفرين استهدفت تركيا في المرحلة الأولى 289 ألف و600 طالب سوروالتي بلغ عددها 593مدرسة، كمرحلة أولى يقابلها في منطقة درع الفرات بناء 259 مدرسة.
الصورة في عفرين تنسحب على منطقة نبع السلام في مدينتي تل أبيض ورأس العين في ريف الرقة الشمالي، حيث عملت تركيا على استهداف 264 مدرسة لتخضع للقوانيين والإدارة التركية بإشراف مباشر من آفاد. ليكون عدد الأطفال اللمستهدفين في هاتين المدينتين ـ 34 ألف و800 طالب سوري، كما يبلغ عدد موظفي مؤسسة المعارف الوقفية التركية في المناطق الثلاث سابقة الذكر، 12 ألف و550 موظفاً.
عفرين: تمّ افتتاح أكثر من 120 مدرسة دينية في المنطق
وبالعودة الى عفرين، افتتح المجلس المحلي ومديرية التربية والتعليم ومنظمة "الأيادي البيضاء" (منظمة الإيادي البيضاء هي جمعية خيرية سورية معارضة تأسست عام 2013 في تركيا وتستهدف النازحين السوريين في مناطق سيطرة الجماعات المسلّحة، إضافة إلى اللاجئين على الحدود التركية). مدرسة عفرين، وقامت جمعية "الإغاثة الإنسانية الكويتية" ( منظمة الإغاثة الكويتية هي جمعية خيرية تأسست في مارس 2015 بقرار وزاري تمثل شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي متخصصة في مجال إغاثة الشعوب). وهيئة "ساعد الخيرية" ( هيئة ساعد الخيرية هي جمعية تقدم يد العون والمساعدة لأهالي سورية المنكوبين تأسست عام 2014 بدعم من عدة حكومات). بالتنسيق مع المجلس المحلي لعفرين بافتتاح مدرسة إمام الخطيب تحت الوصاية التركية.
وفي السياق ذاته تمّ افتتاح أكثر من 120 مدرسة دينية في المنطقة ضمن منازل استولى عليها عناصر الفصائل المدعومة تركياً بعد تهجير أهلها منها، وتستهدف هذه المدارس أطفال المنطقة بإخضاعهم لدورات دينية وتسريب أفكار ومعتقدات تناسب السياسات التركية. العمل في المؤسسات الدينية في عفرين يتم بمشاركة شقيق الأمين العام السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "صالح مسلم" مصطفى مسلم، والمعروف بتنسيقه التام مع تركيا ويترأس جامعة الزهراء الإسلامية، كما تعمل تركيا على تامين رجال دين اتراك يتحدثون الكردية كمشرفيين على التعليم في المدارس الدينية "مدارس الشرعية" في مدينة عفرين، لتسهيل التواصل وكسب ثقة الكرد في مدينة عفرين لتشجيعهم على ارسال أطفالهم الى هذه المدارس التي تدار بإشراف تام من مؤسسة الشريعت التابعة لحزب العدالة والتنمية.
كما حرصت تركيا عبر منظمة "شباب الهدى" ( شباب الهدى فريق متخصص بالتعاون الميداني والتنسيق مع المنظمات والجمعيات وتنفيذ المشاريع الخيرية والحملات الإغاثية) على عدة دورات دينية في عفرين ضمّت 300 طفل و800 رجل و400 امرأة بالتعاون مع وقف الديانة التركية، وفق ما صرّح به أمين سر الجمعية خالد داميرال.
من خلال ما سبق، يمكن أن تتضح الجهود التركية الرامية الى فرض سياسة تشبه التتريك في المناطق الخاضعة لسيطرة مسلّحين تابعين لها في الشمال السوري، وحرصها على صبغ عملها بغطاء ديني من خلال منظماتها الدينية، أو بمشاركة جمعيات إسلامية باكستانية وماليزية أسستها تركيا سابقاً في هذه الدول، في محاولة لإبعاد الشكوك عن طبيعة نشاطها وسياساتها التي تتخذ البعد الإنساني هدفاً لتحقيق سياسات بعيدة الأمد في سوريا، ما يضمن لها بقاء تاثيرها في الداخل السوري حتى بعد انتهاء الحرب، خاصة وأن السياسة التركية لم تتمكن من تحقيق أهدافها من خلال المعارك والقتال، ليكون أطفال سوريا أداة يهدد مستقبل هذا البلد، ما لم يوضع حد لهذه السياسات التركية، التي تشبه إلى حد كبير سياسات الانتداب الفرنسي في مطلع القرن الماضي.
..................
انتهى / 232