وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ قال الشاعر من قصيدة (عشق الحسين) عليه السلام:
وشـفـيـعُـنـا أنَّـا نـحـبُّـكَ سـيِّــدي ولأجلِّ حبِّكَ نحنُ نعشقُ (كربلا)
بحماكَ عاشَ وماتَ يا ابنَ محمدٍ لـي والـدٌ فـأدِمْ عـلـيـهِ تـفـضُّــلا
واشـفـعْ لـه يـومَ القيامةِ واذكرنْ بـالـخـيـرِ أمَّا أرضعتْ لبنَ الولا
وقال من قصيدة (قدوة الشهداء):
لـكَ فـي (كربلاءَ) يومٌ عظيمٌ ليسَ يُنسى, قد خلّدته الـدماءُ
شـعلةٌ أنتَ في ضميرِ الليالي ولـمَـنْ حـاربـوكَ كـانَ الفناءُ
لم يرَ الدهرُ مثلَ يومِكَ يوماً عندما ثرتَ رافضاً ما أساؤوا
وقال من قصيدة (أبو طالب):
فـي يـومِ مـولـدِهِ تـجدِّدُ (كربلا) عهداً وقد عُرفتْ قـديـماً بالوفا
يـا (كربلاء) وفـيـكِ حبُّ محمدٍ وبـنـيـهِ طـبـعٌ لـم يـعـدْ مُـتـكلِّفا
شُرِّفتِ يا أرضَ البطولةِ والإبا بكِ لم يزلْ علمُ الحسينِ مُرفرِفا
وقال من قصيدة (أشرقت كربلاء):
أنتَ شـمـسٌ بـ (كربلا) تــتــلالا من سنا ضوئِها يضيقُ الفضاءُ
رفـعَ اللهُ تـــربـــةً أنـــتَ فـــيـها وكـسـتـهـا أبـرادَها الـكـبـريــاءُ
كيفَ يغزو جيشَ الظلامِ ربوعاً فـي ثــراهـا تـوسَّــدَ الـشـــعراءُ
وقال في رثاء الرادود الحسيني المرحوم حمزة الصغير:
يا منْ قضيتَ العمرَ في (كربلا) مجاوراً سبطَ الـنـبيِّ الأمينْ
كـنـتَ عـلـى الـمـنـبـرِ غـرِّيـــدَه تنشدُ للذكرى بصوتٍ حزينْ
صـوتُـكَ عـالٍ لـم يــزلْ هـاتـفـاً يـرنُّ فـي أسـماعِنا يا حسينْ
وقال في رثاء الشاعر الكربلائي الكبير علي محمد الحائري:
لو صـافـتِ الـدنـيـا أخــاً ثــقـةً حرَّاً لـصـافـتْ بـضعةَ الزهرا
ولمَا قضى في (كربلا) عطشاً ولـمَـا عـلا شـمـرٌ لـه صـــدرا
لـكـنّــمـا الـدنـيـا وزيــنــتُــهــا ليستْ سوى دربٍ إلى الأخرى
وقال من قصيدة (أيها الساقي):
أيُّها الساقي اسقني كأسَ الولاءْ لستُ أرضى منكَ كأسَ القرقفِ
فـلـقـد شــعَّ بـــسـامـرا ضـيــاءْ مـن بـيـوتٍ مُــلـئــتْ بـالـشرفِ
فـزهـا بـالـعـزِّ وادي (كربلاء) واكتستْ بالنورِ أرضُ الـنـجـفِ
وقال من قصيدة (أم المصائب):
وعلى الصرحِ رايةٌ سوفَ تبقى وتـمـرُّ الأيــامُ والأعــوامُ
نـصـرتْ يـومَ (كربلاءَ) أخـاها بـلـسـانٍ يـكلُّ عنه الحسامُ
لـم يـزلْ صـوتُـهـا يـرنُّ شـجـيَّاً فسلِ الشامَ لو أجابتكَ شآمُ
وقال من قصيدة (يا خادم السبط):
مهما تواترتِ المصائبُ والبلا هانتْ إذا ذُكرتْ مصيبةُ (كربلا)
إنَّ الـحـسـيـنَ بـصبرِهِ وجهادِهِ درسٌ لـكـلِّ فـتـىً نـجـيـبٍ يُـبتلى
فقدَ الأحبَّةَ والـبـنينَ وما انثنى عـن قـولِـهِ لـلـظـلمِ والطغيانِ: لا
وقال من قصيدة (كل أرض كربلا):
يبقى الحسينُ ويبقى ذكرُه العطرُ ومن يعادي أبا الـسـجـادِ يـنـدحرُ
الله يا (كربلا) كـمْ أنـتِ شـامخةٌ كلُّ البطولاتِ في معناكِ تُختصرُ
أنتِ الشعارُ لمَن يحمي عـقيدتَه ومـنـكِ يـا (كربلا) تُـسـتلهمُ العِبَرُ
وقال من قصيدة (هتاف أبي الأحرار):
ولا يـزالُ صـدى (لاءٍ) لــه انـطـلـقـتْ ففجَّرتْ في ضميرِ الحقِّ تيَّارا
لـم يـعـطِ ـ حـاشـاهُ ـ إعـطاءَ الذليلِ لهم ومـا أقـرَّ على الطغيانِ إقرارا
حتى ارتوتْ (كربلا) من فيضِ منحرِه وصارَ فـيضُ دمِ الثوَّارِ أنهارا
الشاعر
الدكتور عبود جودي الحلي الخفاجي، ولد (1374 هـ / 1954 م) في كربلاء المقدسة وأكمل فيها الدراسة الابتدائية والمتوسطة والاعدادية، كما درس فيها الفقه والنحو أيضاً على عدد من علماء كربلاء، منهم الشيخ عبد علي الخالصي، والشيخ عبد الحسن البيضاني.
تخرج من معهد إعداد وتدريب المعلمين في بغداد، وعمل معلماً في كربلاء، ثم تخرج من كلية التربية / جامعة بغداد – قسم اللغة العربية، ونال من الكلية نفسها درجة الماجستير، ثم نال درجة الدكتوراه في كلية الآداب / الجامعة المستنصرية فدرجة الاستاذية.
وهو عضو في نقابة المعلمين العراقية، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ومارس التعليم الابتدائي والاعدادي والجامعي كما مارس الإدارة الجامعية:
رئيساً لقسم اللغة العربية في كلية التربية / كربلاء، وعميداً لها، وقد انتدبته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لرئاسة جامعة اهل البيت (عليهم السلام) لمدة اربع سنوات. فرأس – أو كان عضواً – في عدد من لجان مناقشة طلبة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) في جامعات: كربلاء، الكوفة، بابل، البصرة، القادسية، بغداد، المستنصرية …
اشترك في عدد من المؤتمرات العلمية الاكاديمية في كلية المعارف الجامعة وجامعات كربلاء وبابل وأهل البيت (عليهم السلام )، وأشرف على إقامة المهرجان الشعري الحسيني السنوي في جامعة كربلاء، منذ سنة 2004 ، وهو مهرجان شعري سنوي بمناسبة عاشوراء .
له العديد من الآثار المطبوعة منها:
أبو عمرو الشيباني وجهوده في الرواية الادبية
الأدب العربي في كربلاء
علي الفتال في انعكاسات المرايا
علي الفتال، مراجع سيرته ونتاجه الادبي
في رحاب كربلاء (مجموعة شعرية)
وله أيضاً عدد كبير من المقالات والقصائد في الصحف والمجلات العراقية، والبحوث المنشورة في المجلات الأكاديمية المحكمة، ومن هذه البحوث:
مصادر رواة الشعر العربي قبل الإسلام وصناع الدواوين
الإمام علي عليه السلام والشعر
ملامح من الشعر السياسي في ديوان محمد رضا الشبيبي (مشترك)
الرجز في عصر صدر الاسلام – موضوعاته و خصائصه الفنية (مشترك)
أغراض الشعر لدى شواعر الأندلس
الاتجاه السياسي في أدب كربلاء الحديث
رواية الشعر القديم في كتاب الجميم لأبي عمرو الشيباني
أوراق ضائعة من ديوان أبي المحاسن الكربلائي (مشترك)
دلالة التثنية في سورة الرحمن
نماذج نثرية لابي المحاسن الكربلائي – عرض ودراسة (مشترك)
الطفيات في الشعر العربي تاريخ وتطور (مشترك)
مجلة العلم للسيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني دراسة وصفية لنصوصها الادبية (مشترك)
الشعراء الرواد والبحور المركبة (مشترك)
مجلة رسالة الشرق ودورها في الحركة الادبية (مشترك)
شعر الاستنهاض بالإمام الحجة (عجل الله فرجه) عند أبي الحب الكبير دراسة في المضمون الموضوعي
وقد ترجم له :
الدكتور صباح نوري المرزوك في (تكملة شعراء الحلة أو البابليات) و(حلة بابل أو بغداد الصغرى) و(معجم المؤلفين والكتاب العراقيين) و(هؤلاء في حياتي)
السيد سلمان هادي طعمة في (عشائر كربلاء وأسرها) و (معجم رجال الفكر والأدب في كربلاء)
الشيخ محمد صادق الكرباسي في دائرة المعارف الحسينية في (أضواء على مدينة الحسين (عليه السلام)
حميد المطبعي في (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين) و(موسوعة أعلام وعلماء العراق)
السيد عبد الأمير جواد آل عوج في (صورة كربلاء المنسية)
سعيد رشيد زميزم في (تاريخ كربلاء قديماً وحديثاً)
قوام الدين محمد امين الصدري في (دليل المشتاق إلى نسب بعض عشائر العراق)
سيد محمد صادق خرازي في (فرهنك رجال وخاندانهاى معاصر عراقي) (باللغة الفارسية)
طه الربيعي، وإبراهيم العامري في (معجم الشعراء الشعبيين في كربلاء)
كامل سلمان الجبوري في (معجم الادباء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002)
الشيخ مهنا رباط المطيري في (موسوعة كربلاء عبر التاريخ)
على عبود ابو لحمة في (موجز وقائع تاريخية لمدينة الحسين (عليه السلام)
وقد كتب عنه الدكتور علي حسين يوسف مقالا تحت عنوان (في رحاب كربلاء، لحن للولاء – دراسة نقدية في ديوان الحلي) قال منه:
(الشاعر الحلي لم يمارس الشعر كمهنة محترف إنما الشعر عنده يمثل قضية آمن بها الرجل دائماً، إنها قضية الإنسان الباحث عن الحقيقة في علاقته مع الله وأنبيائه وأهل بيته (عليهم السلام) والمجتمع عامة.
وبهذا المعنى فان الشعر عند الدكتور الحلي يجسد الإخلاص في القضية، وهو انعكاس أيضاً لروحه المخلصة في كل سلوكياته، والقارئ لقصائد الديوان يمكن له أن يلمس هذا الشيء بوضوح لا سيما أن تلك القصائد تميّزت بالطابع المباشر والأسلوب السلس وصدق اللهجة والابتعاد عن التكلف والغموض والاعتماد على الأوزان الشعرية الخفيفة، كل تلك الأمور جعلت قصائد الديوان تعبر عن شخصية شاعرية متجانسة تفكر بعمق وتكتب بوضوح، وكأن الحلي يستحضر مقولة (كولردج) : (لم يتمكن أحد حتى الآن أن يصبح شاعراً بدون أن يكون فيلسوفاً).
ضم الديوان (27) قصيدة ومقطوعة ونظم أكثرها بالفصحى فيما ضمَّ الديوان قصائد أخرى نظمت بالعامية، وقد نشرت أغلب هذه القصائد في صحف ومجالات عراقية فيما قُرئ عدد منها على المنابر الحسينية.
تدور موضوعات قصائد الديوان حول قضايا محورية أساسية بالنسبة للدكتور الحلي أول تلك القضايا مدح النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته ورثائهم (عليهم السلام), أما الموضوع الثاني في قصائد الديوان فقد كان قريباً من الغرض الأول، فقد خصص الشاعر عدداً من القصائد لتأبين عدد من العلماء الأفذاذ وقراء المنبر الحسيني، وضمَّ الديوان أيضاً قصائد للشاعر يرثي فيها والده المرحوم جودي الحلي.
والشاعر في قصائده في أهل البيت يستحضر التراث الشعري العربي في أبهى صوره وكأن القارئ لتلك القصائد يقف أمام تلك الصور المعبرة التي جادت بها قريحة الشريف الرضي ومهيار الديلمي وابن معتوق الموسوي والشاعرين حيدر وجعفر الحليين والجواهري والفرطوسي وغيرهم من الأفذاذ الذين تغنوا في العزف على أوتار حب آل محمد (عليهم السلام) لكن كل تلك الصور المعبرة يقدمها الدكتور الحلي وهي تحمل نفسه الشعري الخاص ومصطبغة بتلك الموسيقى العذبة التي عُرف بها وكأنه في شعره مصداق للقول: (لن يستطيع الرجل الذي تخلو روحه من الموسيقى أن يصبح شاعراً أصيلاً أبداً) ففي قصيدة عشق الحسين يقول الشاعر:
واصـدحْ بلحنِ هواكَ وانشدْ مُعلناً أنا عاشقُ السبطِ الشهيدِ بكربلا
واسجدْ على أرضٍ يضوعُ بتربِها أرجُ الـنـبـوَّةِ والـولايــةِ والعُلا
فقد أبان الشاعر قضية ولائه بكل وضوح وسلاسة في قالب موسيقي يأخذ بالألباب، لقد قدم الشاعر في هذين البيتين النتيجة على السبب باعتبارها أمراً مفروغاً منه لأهميتها عنده، فبعد أن أعلن عن ارتباطه الروحي بالحسين (عليه السلام) مقدماً بصيغة الأمر (اصدح)، في البيت الذي يليه قدم المبرر لذلك الولاء ببيان أهمية التربة وقداستها التي اكتسبتها من ذلك الجسد الذي يمثل امتداداً للرسالة المحمدية وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وشموخ الحسين عليه السلام وعزته في معركة كربلاء ولولا براعة الشاعر وامتلاكه لأدواته الشعرية بوعي لما جمعت كل تلك المعاني في بيتين فقط ، ولقد قيل: (كل شاعر حقيقي هو بالضرورة ناقد من الطراز الأول) والملاحظ على هذه القصيدة (عشق الحسين) يجد أن الشاعر قد سلك في بنائها مسلك القدماء فقد التزم بالمكونات الأساسية لقصيدة الرثاء الحسينية من مقدمة وتخلص للغرض ومن ثم أشفعها بخاتمة صاغ أبياتها في طلب الشفاعة على عادة القدماء يقول الحلي:
عبودُ عبدكمُ وطابَ قريضُه في ذكرِ حُبِّكَ يا حسين وقد حلا
وفي قصيدة (قدوة الشهداء) يتغنّى الشاعر بشجاعة الحسين ووقفته الأبية في كربلاء راسماً صوراً معبّرة تنبض بصدق العاطفة ودقة التعبير يقول الشاعر:
يا شـهـيـداً بـكَ الـجـنـانُ تباهتْ وبكَ الأرضُ قد زهتْ والسماءُ
لستَ في الثائرينَ محضَ شهيدٍ إنَّـمـا أنــــتَ قـــمَّـــةٌ شـــمَّـــاءُ
وهنا يذكرنا الشاعر بمجموعة من شعراء العراق في النصف الأول من القرن العشرين الذين رفضوا أن يكون الأمام الحسين (عليه السلام) موضوعاً للبكاء فقط أمثال: مظهر اطيمش، وإبراهيم الوائلي، والجواهري، وعباس الملا علي، ومحمد صالح بحر العلوم وغيرهم.
ومن القصائد التي ضمَّها الديوان قصيدة: (كمال الكون) في النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وهي من القصائد المقيدة القوافي وفيها يقول الشاعر الحلي:
رسـولُ اللهِ مـبـعـوثٌ بـهـدي دعا وهدى إلى حقٍّ وارشدْ
هوَ الفجرُ الذي قد لاحَ يزهو يـبـشّـرُ أمَّـةَ الإسـلامِ بـالغدْ
فقد جمع الشاعر صيغ الماضي ( دعا ـ هدى ـ أرشد ـ لاح) مع صيغ المضارع (يهدي ـ يزهو ـ يبشر) كناية على امتداد الرسالة المحمدية وديمومتها في الماضي والحاضر، وقد عرف الشاعر الدكتور عبود جودي الحلي بوطنية الصادقة وحبه لبلده العراق لذلك لم يغب عن باله أن يضمِّن ديوانه قصيدة جمعت حبه لوطنه مع إيمانه بقضية الإمام الحسين (عليه السلام) عنوانها: (عراق الحسين) ومن أبياتها الجميلة قوله:
مـا دامَ فـي أرضِ الـعـراقِ ضــريحُه سيضيعُ كيدَ الظالمينَ بها سدى
فـعـراقُـنـا يـــأبــى الـرضوخَ لـظـالـمٍ مـا دامَ فـيـه أبـو الأئـمَّــةِ سـيِّـدا
ما عذرُ من عرفَ الحسينَ وعاثَ في شـعـبِ الـعـراقِ مُـشـتِّتاً ومُبدِّدا
وتسير أبيات القصيدة كلها على هذا النفس المتحدّي والنبرة الرافضة لكل أنواع الظلم والحيف الذي يحاول البعض أن يمارسه ضد شعب العراق وأرضه المباركة التي ضمَّت أبرز معالم الرفض والثورة في تاريخ الإنسانية.
وفي قصيدته في رثاء والده يحاول الشاعر الحلي أن يعبر عن مشاعره الصادقة إزاء والده بنبرة شابها طابع الحزن الشفيف يقول الشاعر:
سابكيهِ ولو نضبتْ دموعٌ فدمعي ليسَ يدركُه النضوبُ
أبٌّ وفـراقُـه خطبٌ جليلٌ وكـمْ هانتْ عليَّ بهِ الخطوبُ
ولم ينس الشاعر وهو مهموم بذكرى والده قضيته الأساسية في حب الحسين فحاول أن يمزج الأمرين معاً لكي يكون حزنه على فقد والده جزعاً فيقول:
ولو خابَ الـجـوارُ فانَّ جاراً لمن يحمي الظعائنَ لا يخيبُ
إذا نـاداهُ مـكـروبٌ: أغـثـنـي بذكرِ السبطِ تنكشفُ الكروبُ
وقدْ والـيـتُـه مُذ كنتُ طـفـلاً ومـثلكَ صرتَ والباري يثيبُ
وعندكَ والدي أمسي غريباً وهلْ بـحـمـاكَ يُـنتهكُ الغريبُ
وأخيراً لا نريد أن نفوِّت على القارئ فرصة الاستمتاع بقراءة قصائد الديوان وحسبنا ما ذكرناه من شواهد لنخلص إلى أن الشاعر الحلي قد وُفّق في نقل هواجسه وتصوير مشاعره في أغلب تلك القصائد).
شعره
نمت قصائد الحلي عن عاطفة صادقة حيث استطاعت تأكيد صوته في الساحة الأدبية الكربلائية من خلال الاحتفالات والمهرجانات الدينية وغيرها كما ردد المنبر الحسيني قصائده المفعمة بحب سيد الشهداء فقد شكلت البيئة الدينية أثرها الكبير على ذاته فقدم نماذج رائعة بحق الأئمة الأطهار (عليه السلام)
كما تميزت عبارات قصائده بالروعة والمتانة والرقة فليس هناك ما يعيق القارئ عن فهم مضامينها فضلا عما تجسدها من متعة في الطرح وبلاغة في الأسلوب وصدقا في التعبير.
قال من قصيدة (كمال الكون) وهي في مدح النبي (صلى الله عليه وآله):
كـمـالُ الـكـونِ أجـمـعُه تجسَّدْ فكانَ المصطفى الهادي مُحمدْ
رسولُ اللهِ مـبـعـوثٌ بـهــديٍ دعـا وهـدى إلـى حـقٍّ وأرشــدْ
هوَ الفجرُ الذي قد لاحَ يزهو يـبـشّـرُ أمَّـةَ الإســلامِ بــالـغــدْ
لـهُ ودٌّ بـأرواحِ الــبـــرايـــــا كـمـا فـي كــلِّ مـكـرمـةٍ لـه يدْ
شـفـيـعُ الـناسِ يسقيهمْ بكأسٍ تـروِّي كـلَّ مـن لـبَّـى ووحَّــــدْ
إذا شئتَ الـهـدايـةَ فـاغـتنمها تـزوَّد فـالـنـجـاةُ لـمَــن تـــزوَّدْ
ومنها في أمير المؤمنين (عليه السلام):
ووالِ المرتضى والآلَ تـحظى بمكرمةٍ وفي الـداريـنِ تـسـعـدْ
فحبُّ الـمـرتـضـى ديـنٌ وديْنٌ ومَـن عـادى أبـا حـسـنٍ فمُرتـدْ
حسامٌ ما نبا في الـحربِ يوماً وكـان بـسـاحـةِ الإســلامِ أوحـدْ
سَلِ الأحزابَ سَلْ بدراً وأحداً سَـلِ الـتـاريـخَ فـالـتـاريـخُ يشهدْ
هوَ الضحَّاكُ في سـوحِ المنايا هـوَ الـبـكّـاءُ لـيـلاً إنْ تــهـجَّـــدْ
هـوَ الـعـلـمُ الـذي يـعـلو ويعلو وتـحـتَ ظـلالِــه حــقٌّ تـحـشّـدْ
فــديــنُ اللهِ أيَّــــده عــــلــــــيٌّ ولـولا ذو الــفـــقـارِ لـمَـا تـأيَّـدْ
وصـرحُ الـحـقِّ شـيَّـدَه بـكـفٍّ وأخـرى هـدَّمَــتْ مـا الكفرُ شيَّدْ
فـلـمْ يــسـلـمْ دعـاةُ الـشركِ إلّا على نفسٍ تبيِّتُ ســوءَ مـقـصـدْ
فسلّوا حــقدَهمْ في الـطـفِّ لمَّا أتـاهـا ابـنُ الـبـتـولةِ سبـطُ أحمدْ
وقـد قـتـلـوهُ ظـمـآنـاً غـريـبـاً ولـم يـرعـوا لـه أمَّـاً ولا جــــــدْ
ألا تـبَّـتْ يـدٌ قـتـلـتْ حـسـيـناً على أرضِ الطفوفِ وشُلّتِ الــيدْ
سيخسرُ من يـعـادي آلَ طــهَ ويُـحـشـرُ خـاسـئـاً والوجهُ أسـودْ
فعجِّلْ يا إمامَ العصرِ واظهرْ فـإنَّ عـدوَّكـمْ قـد جـــاوزَ الــحــدْ
وقال من قصيدة (يوم الغدير)
يـومُ الـغـديـرِ سما إذ فـيـه نـصبَّه نـبـيُّـنـا حـجَّـةً والـنـاسُ قـد وقـفـوا
يـبـايـعـونَ أميرَ الـمـؤمـنينِ وهُمْ بخٍ بخٍ يا عـلـيٌّ كــلّــهـــمْ هـــتــفـوا
أيامُه في صراعِ الـشركِ خـالـدةٌ ما زالَ مـنها كيانُ الـشركِ يرتجـفُ
وفي غمارِ مَثارِ الـنـقـعِ نـزهـتُـه عـنـد الـحروبِ وأكبادُ العِدى تـجفُ
وسـيـفَه جـرَّبَ الـكـفَّارُ سـطـوتُه مـن ومضهِ كانتِ الأبصارُ تنخطفُ
ولو سألتَ عتاةَ الشركِ عن بطلٍ لم يعرفوا غيرَه في الناسِ لاعترفوا
وقال من قصيدة (عشق الحسين):
لم أنسَ يومَكَ يا حـسـينُ وأنتَ في سوحِ الوغى بأولي الضلالةِ مُبتلى
وتصوغُ أحـكـامَ الـسـماءِ مواعظاً سَـجَـدَ الـزمـانُ لـهـا وضـجَّ مُـهلّلا
وتـوقـفَ الـتـاريـخُ يـومَ وقفتَ في جـمـعِ الـطـغـاةِ الـظالـمـيــنَ لتسألا
أولـسـتَ سـبـطَ مـحـمـدٍ وحـبـيـبَه سكتوا وقـالَ الدهرُ يـنهـرهمْ: بـلـى
قـد خـيِّـروه بـأنْ يـعــيـشَ بـذلَّـــةٍ هــيــهــاتَ منه الـذلَّ أو أن يُـقـتـلا
فاختارَ أن يعلو عـلى هامِ الـذرى واخــتـارَ مـن عـاداهُ أن يــتــنــزّلا
يـا ظـامـئـاً سُـفـكـتْ دمـاءُ وريدِهِ ظـلــمـاً وصـارتْ لـلـعقيدةِ مـنـهـلا
شـيَّـدتَ لـلإسـلامَ صـرحاً شامخاً مَـن ذا سـواكَ أقـامَ بـالـدمِ مَــنــزلا
يا ابنَ النبيِّ سَـنَـنْـتَ سـنّـةَ ثـورةٍ وحملتَ في دربِ الرسالةِ مـشـعـلا
وخططتَ دربَ الثائرينَ مُضمَّخاً بـدمِ الـجـهـادِ فـكـانَ دربَـكَ أمـثــلا
هـذا الـحـسينُ وذاكَ دربُ جهادِهِ فـاسـلـكـه إمَّـا شــئــتَ أن تـتـمـثّـلا
وقال في عمِّ النبيِّ أبي طالب بن عبد المطلب (عليه السلام):
هـذا الـذي نـصـرَ النبيَّ محـمداً والناسُ في ذاكَ الزمانِ على شفَا
لولاهُ ما قامتْ حـضـارةُ ديـنِـنا ولأصـبـحَ المعمورُ قاعاً صفصفَا
كم حازَ في نصرِ النبيِّ سوابقاً كـمْ سَلَّ فيه حـسـامَ حـقٍّ مُــرهَـفَـا
لوْ لمْ يكنْ مـن فـضـلِـهِ إلا ابنه لـعـلا بـه شـرفـاً عـلـى مـن شرَّفا
وقال في السيدة الحوراء زينب بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام):
لابـنـةِ الـطـفِّ فـي الـجنانِ مقامٌ لـيـسَ يَـرقـى إلـيـهِ إلا إمــامُ
جـدّهـا الـمـصـطـفـى عـلـيهِ من الله صـلاةٌ كـثـيــرةٌ وســـلامُ
إنّــهـا لـبـوةٌ وكــــانَ أبـــــــوها أسداً في الحروبِ ليسَ يُضامُ
جـاءتِ الطفِّ كي تشيِّدَ صرحاً دونه كـلُّ مـا بـنــاهُ الـظـــلامُ
وعلى الصرحِ رايةٌ سوفَ تبقى وتـمـرُّ الأيــامُ والأعـــــــوامُ
وقال في (الحر الرياحي):
هُمُ الأحرارُ إذ نصروا حسيناً (ونعمَ الحرِّ حرَّ بني رياحِ)
رأى شبلَ البتولِ وقد أحاطتْ بهِ الأعداءُ من كلِّ النـواحـي
فـخـيَّــرَ نـفـسَــه إمَّـــا حـيــاةٌ تـلـفِّـعُـه بـــأثـــوابِ قـــبـــاحِ
وإمّـا أن يـخـلّـدْ طـيـبَ ذكــرٍ وأمـجـادٌ تــطـرَّزُ بـالـجـراحِ
فجاءَ الـسـبـطُ مـعتذراً حزيناً يضـيـقُ لـحزنِه رحبُ البطاحِ
وكانَ كما حكى الـتاريخُ عنه (صبوراً عند مشتبكِ الرماحِ)
وقال من قصيدة (هم قدوة الناس) وهي في مدح النبي وأهل البيت (عليهم السلام):
صلّى الإلهُ عـلـى الـنـبـيِّ وآلهِ وحباهُ فضلاً من لـدنهِ عظيما
رفعَ الـذي خـلـقَ السماءَ نـبـيَّـه وبنيهِ مُذ كانَ الـوجـودَ قديما
هُـمْ قـدوةٌ للـنـاسِ كـان أبـوهـمُ ذا رأفةً بـالـمـؤمـنـيـنَ رحيما
ذاكَ النبيُّ مـحـمدٌ خيرُ الورى قد كانَ بين المرسلينَ كـريـما
هـوَ والـهـداةُ الغرُّ من أبـنـائِـهِ بـجـهـادِهـم ديـنُ الإلـهِ أقـيـمـا
هُمْ منبعُ الخيرِ الذي بوجودِهم قد صارَ بين العـالـمـينَ عميما
وعلا الذينَ بحبِّهمْ هاموا على هامَ الـورى وتــكـرَّمُوا تكريما
وهُمُ عـمـادُ الـدينِ إذ لـولاهُـمُ ما عادَ شيءٌ في الوجودِ سليما
أنوارُهم تـهـدي الأنـامَ وحبُّهمْ فـي الـقلبِ لا يدعِ السقيمَ سقيما
محمد طاهر الصفار
.......
انتهى/ 278