وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ وهو صاحبُ المرقد الطاهر المعروف والملقّب عند العامّة والخاصّة بـ(سبع الدجيل)، وتوسّم بهذا اللقب لعدم تعرّض قطّاع الطرق في الأزمنة القديمة إلى زائريه، وذلك لخشيتهم منه ولكرامته ومنزلته عند الله سبحانه وتعالى بعد المعاجز التي ظهرت لهم.
ويذكر أصحابُ السِيَر أنّه (عليه السلام) وُلد في المدينة المنوّرة في قريةٍ يقال لها (صريا)، وهي قريةٌ أسّسها الإمام موسى بن جعفر(عليهما السلام) على بُعد ثلاثة أميال من المدينة المنوّرة.
مجيئه إلى سامراء:
تركه أبوه الإمام الهادي(عليه السلام) طفلاً في المدينة المنوّرة لمّا استُدعي وأُتي به إلى العراق، ولمّا كبر السيّد محمّد قدِم إلى سامراء لرؤية أبيه، ثمّ عزم على الرجوع إلى الحجاز، فلمّا بلغ منطقة بلد –على بُعد تسعة فراسخ من سامراء من منطقة دجيل على طريق بغداد- مرض وتُوفّي فيها (سلام الله عليه).
وفاته:
لمّا بلغ الرابعة والثلاثين من عمره الشريف مرض مرضاً شديداً مفاجِئاً لم يُمهله طويلاً، حتّى فارق الحياة في مكان قبرِهِ الشريف المبارك ودفن فيه في (الآخر من جمادى الثانية سنة 252هـ)، وقيل مات مسموماً شهيداً ولا نستبعد ذلك لأنّه كان أكبر أولاد الإمام الهادي(عليه السلام) وله مؤهّلات عالية، فظنّ الأعداء أنّه سيكون الإمام من بعد أبيه(عليه السلام) وسعوا إلى قطع هذا الطريق أمامه، ولا شكّ في أنّ السلطة العبّاسية في زمن الإمام علي الهادي والإمام الحسن العسكري(عليهما السلام) كانت تراقبهما بحذرٍ شديد، ولهذا استدعت الإمام الهادي(عليه السلام) من المدينة المنوّرة إلى سامراء ليكون تحت أنظارهم، وإنّ منهج التصفية الجسديّة كان متّبعاً من قِبل بني العبّاس وقد مورس مع آباء السيّد محمد وأجداده بكلّ وضوح.
مكانته:
كان السيّد محمّد جليل القدر، عظيم المنزلة، عالماً عابداً، وكانت جلالته وعظم شأنه أكثر من أن يُذكر، وكان أكبر ولد الإمام الهادي(عليه السلام)، وقد قال فيه أحد الشعراء:
إنّ الإمامةَ إنْ عَدَتْك فلمْ تكنْ تعدوك كلّا رفعةً ومقاما
يكفي مقامك أنّه في رتبةٍ لولا (البدا) لأخيك كنتَ إماما
وقال فيه العلّامة القرشي(رحمه الله): كان السيّد محمد أبو جعفر أنموذجاً رائعاً للأئمّة الطاهرين، وصورةً صادقةً لأفكارهم واتّجاهاتهم، وقد تميّز بذكائه، وخُلُقه الرفيع، وسعة علمه، وسموّ آدابه، حتّى اعتقد الكثيرون من الشيعة أنّه الإمام من بعد أبيه الهادي(عليه السلام).
وروى العارف الكلاني أنّه قد تصدّع قلب أبي محمد الحسن العسكريّ(عليه السلام )، فقدْ فقدَ شقيقه الذي كان عنده أعزّ من الحياة، وطافت به موجاتٌ من اللوعة والأسى والحسرات، وخرج وهو غارقٌ بالبكاء والنحيب لهول مصيبته بأخيه وتصدّعت القلوب لمنظره الحزين، وألجمت الألسن، وترك الناس بين صائحٍ ونائحٍ قد نخر الحزنُ قلوبهم.
وجهّز الإمامُ الهادي(عليه السلام) ولده أبا جعفر (السيد محمد) فغسّله وكفّنه وصلّى عليه، وحمل جثمانه الطاهر تحت هالةٍ من التكبير تحفّ به موجاتٌ من البشر وهي تعدّد فضائله، وتذكر الخسارة الفادحة التي مُنِي بها المسلمون، وجيء به إلى مقرّه الأخير فواراه فيه.
انتهى/ 278