وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ قاسم سليماني ليس مجرد اسم علمٍ لشخصٍ عرفناه، وليس مجرد قائدٍ يقضي دوامه في مكتبٍ بين الهواتف والأوامر، قاسم سليماني هو المعارك التي أشبَنَّ النواصيا، والميادين التي احتلتها الضواري والغربان، وهو الذي قصم ظهر الرعب بالرعب، وصفَّدَ مشاريع الأعداء، وأتى بها رواغماً غوارما، سليماني فكرةٌ تجلّت ككوكبٍ دري، أزاحت عتمةً كأنها الليل السرمدي، وأتاحت لأجيالٍ قادمة قدماً تحت الشمس، وأباح لجيلٍ كاملٍ قمم الأمل وذرى الأحلام، قاسمٌ ذاك الوجه المعتق بالإيمان، وتلك الملامح الناظرة لقدس فلسطين ومقدس الشهادة، سليماني هو العسكري المخضرم والقناص الفريد، الذي أطلق النار على رأس الهيمنة الأمريكية، وهو الاستراتيجي الفذّ، الذي أمسك بأيدي الروس، ليضع روسيا في موضع القوة العظمى، فالقاسم الذي نعرفه اليوم ليس ذاته الذي عرفناه بالأمس، وليس هو ذاته الذي سنعرفه في الغد، فالمآثر ليست تُعدّ، والأفعال لا تنفك تُحصى، والأسرار جلالها لا بدّ يوماً يتكشف.
تحضر الذكرى الأولى لاستشهاد القائدين الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، رغم أنّها لم تغبّ يوماً عن مسرح الأحداث، والأهم أنّ جمراتها لم تغبّ ساعةً عن قلوب محبيهم، هذه الجمرات التي تدفع عقولهم لحرّ ثأرٍ لا يبرد، فالمنطقة الآن تبدو على شفير الهاوية، التي تحاول"إسرائيل" استثمارها للحدود القصوى، وتحاول استغلال الأيام المتبقية من ولاية ترامب، لخلق بيئةٍ غير صالحة لما أعلنه بايدن، عن نيته العودة للاتفاق النووي، فهي تدرك أنّها منفردة أو مجتمعة مع حلفها القديم الجديد مع شيوخ النفط، لا تستطيع مهاجمة إيران أو التعرض العسكري لأراضيها ومنشآتها، فدون الولايات المتحدة لا يجرؤ أيٍّ من أدواتها الإقدام على تلك الخطوة الانتحارية، فتسوية"تل أبيب" بالأرض لم تعد من مستحيلات زمن الهزائم، بل أصبحت من ممكنات زمن النصر، ومن يقينيات بوصلة سليماني وآثاره، وهذا ما يدركه نتن ياهو وتعرفه مؤسسته العسكرية، فلا شئ يكبح العدوانية الأصيلة في عقولهم سوى هذا اليقين، ولا شئ يشلّ حقد أصابعهم عن الزناد إلّا هذا المشهد، ونتن ياهو حالياً بين الرغبة الجامحة للبقاء في الحكم، وهو يستعد لخوض انتخاباتٍ رابعة في أقل من عامين، وبين الرغبة الأكثر جموحاً في ألّا يكون آخر ملوك"إسرائيل".
الحقيقة حين بدأت في كتابة هذا المقال، لم تكن لديّ نية التطرق للتحليل السياسي، بل فقط استحضار إرث الجنرال سليماني، واستشراف عظمة المستقبل، الذي سيكون سهم آثاره فيه عظيماً، وهذا على قاعدة الوفاء التي تحدث بها السيد نصرالله في خطاب يوم الذكرى، ولكن ما دفعني للتلميح السياسي، هو سلوكيات أراذل النفط تجاه الذكرى وصاحبيها، خصوصاً الجنرال قاسم سليماني، وهؤلاء الأراذل لا يدركون ما يدركه أسيادهم في واشنطن و"تل أبيب"، فهم لا يدركون أنّهم أحد مظاهر العجز الأمريكي والوهن"الإسرائيلي"، فاستبدال"الميركافاه الإسرائيلية" مثلاً، بعضلات ألسن السفهاء هو عين الوهن، والاستعاضة عن حاملات الطائرات الأمريكية بخيالات سياسيين أكل عليهم الدهر وشرب، واستبدال هيبة"المارينز" بسفسفات إعلاميين لا يميزون بين الناقة والطائرة، هو حقّ العجز ومنتهى التردد، فحين تسمع أحد كبرائهم وهو مستشارٌ سياسيٌ سابق لابن زايد، يقول "أنّ باستطاعة الإمارات انتزاع الجزر الثلاث من إيران خلال 48 ساعة عسكرياً، لولا جنوحها للسلم وتفضيلها للتفاوض"، تدرك حينها مدى الحضيض الذي غاصت به عقولهم، وتعرف مستوى من هم دونه في سلم الألوية المستجدة لأمريكا و"إسرائيل"، فإذا كان هذا عقل كبارهم، فكيف هي عقول صغارهم على الشاشات ومواقع التواصل، وهذا ومن هم دونه يعتقدون بالقطع قياساً أنّ"إسرائيل" قادرة على احتلال طهران في عشر دقائق، ولكن ما يدعو للضحك هو تخيّل وجه نتن ياهو وهو يرى فعالية بضاعته التي استبدل"الميركافاه" بهم، والتي لا تساوي فعالية مجسم"ميركافاه1" في متحف مهجور.
إنّ الثقة التي أطل بها السيد نصرالله في خطاب يوم الذكرى، تكفي لأنّ تكون عامل ردعٍ أضافي، يجعل من حماقةٍ"إسرائيلية" يترقبها العالم أكثر استبعاداً، فالسيد كعادته الدائمة يطلّ واثقاً، لكنه في هذه الإطلالة كانت ثقته مفرطة، ولا أعرف إن تعمدها لتكون بهذا الشكل، لتكون على سبيل الرسالة، أمّ أنّه كان على سجيته، وأنّ الثقة الواثقة مصدرها ما يملكه، وما يعرف أنّ محوره يملكه، وعلى كلتا الحالتين فإنّ الرسالة وصلت إلى عنوانها الصحيح، وأنا شخصياً- ـ وهذا انطباعٌ شخصيٌ لا علاقة له بالتحليل السياسي ـ حين استمعت لخطاب السيد، الخطاب المكتنز بالثقة والبسمات، تصوّرت أنّ السيد نصرالله كان يتذكر خطابه ذات يوم، حين قال"أعدُ"الإسرائيليين" بأنّه في حال دخولهم إلى لبنان، سنحطم ألويتهم على الهواء مباشرةً أمام الكاميرات وعلى الشاشات"، ويقول في نفسه كم كانت أحلامنا بسيطة، فيبتسم. حيث يُخفي السيد نصرالله أسرار ما لديه وما لدى محوره، ويعرف أنّ من يمتلك تلك الأسرار، يصبح تحطيم ألوية جيش العدو أحلاماً بسيطة، أمام ما سيراه العالم ويتذوقه العدو مع ارتكاب الخطأ الأول، والذي سيكون بمثابة الخطأ الأخير، ونحن لا يساورنا شكٌ في أنّ"إسرائيل" باتت تعاني من ضيق تنفس، رغم أكسجين النفط الذي لم ينقطع يوماً، وتعاني من شللٍ رباعيٍ رغم المساعدات والمشايات والعكازات الأمريكية، وستبقى بلا أملٍ في الشفاء طالما بقيّ نهج سليماني حاضراً، وعلّها تريح الأرض من نتنها، وتطلب مختارةً الموت الرحيم.
إيهاب زكي
..................
انتهى / 232
المصدر : العهد
الاثنين
١١ يناير ٢٠٢١
٣:٢٨:٣٩ م
1105149
وفاءً للجنرال الشهيد سليماني وشذرة من خطاب السيد نصرالله
تحضر الذكرى الأولى لاستشهاد القائدين الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، رغم أنّها لم تغبّ يوماً عن مسرح الأحداث، والأهم أنّ جمراتها لم تغبّ ساعةً عن قلوب محبيهم، هذه الجمرات التي تدفع عقولهم لحرّ ثأرٍ لا يبرد، فالمنطقة الآن تبدو على شفير الهاوية .