وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي النصّ الكامل لكلمة قائد الثورة الإسلاميّة في لقاء أجراه سماحته يوم الأربعاء 16/12/2020 مع القائمين على مراسم الذكرى السنويّة لاستشهاد قادة المقاومة برفقة عائلة الشهيد سليماني، وتخلّلت كلمة الإمام الخامنئي تأكيد سماحته على أنّ الانتقام من منفّذي وآمري اغتيال الشهيد سليماني آت وحتميّ، وأنّ الشعب الإيراني وجّه في تشييع الشهيدين سليماني والمهندس صفعة قاسية للأمريكيّين، مشيراً إلى ضرورة أن تلي هذه الصفعة صفعات تتمثّل في التفوّق البرمجي على هيمنة الاستكبار الخاوية وطرد أمريكا من المنطقة.
بسم الله الرحمن الرحيم.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
يجب أن يكون إحياء ذكرى الشهيد سليماني ذا طابع شعبي
في البداية، أودّ أن أشكر الإخوة والأخوات الذين نظّموا هذه الحملة لإحياء ذكرى الشهيد سليماني وفعاليّات التكريم والتجليل لشهداء الحرم وكبار شهداء العالم الإسلامي، وكذلك المؤسسة التي أسستها عائلة الشهيد سليماني الكرام باسم «مدرسة سليماني». كلها أمور ضرورية جداً وجيّدة ومفيدة، وإن شاء الله، تجب متابعتها بقوة ويقظة وعناية. فابذلوا قصارى جهدكم.
التفتوا أيضاً إلى هذه المسألة، كما عبّر عنها اللواء1، وهي أن قضايا الشهيد سليماني قضايا شعبية. أي ينبغي للناس أنفسهم – المهتمين حقاً، الذين أظهروا اهتمامهم في التشييع وما إلى ذلك – أن يشاركوا ويبادروا في مختلف القطاعات والأعمال المختلفة والمساعي الثقافية وغيرها، وألا تقتصر [الأعمال] على نمط خاص.
بطل الشعب الإيراني والأمة الإسلامية أيضاً
لكن ما أودّ قوله في هذه المناسبة عن عزيزنا الشهيد سليماني الذي لا تغيب ذكراه عن بالي أبداً، وكذلك الشهيد أبو مهدي المهندس – رضوان الله تعالى عليهما – هو أنّ استشهاد سليماني حدث تاريخي وليس حدثاً عادياً حتى يُنسى، بل سُجّل في التاريخ كنقطة مضيئة؛ صار الشهيد [سليماني] بطل الشعب الإيراني والأمة الإسلامية. هذه نقطة أساسية. كما ينبغي للإيرانيين أن يفخروا بأنفسهم، أنّ رجلاً منهم ينهض من قرية نائية ويثابر ويكافح ويبني نفسه ويتحوّل إلى شخصية لامعة وبطل للأمة الإسلامية. سوف أتحدّث بجملتين أو ثلاثٍ حول هذا الموضوع.
تجسيد للشجاعة والمقاومة والدراية والذكاء والتضحية والروحانية
أما أنّه بطل الشعب الإيراني، فلأن الشعب رأى فيه تجسيداً وتبلوراً لموروثه الثقافي والمعنوي وثورته وقيَمه. عندما كان على قيد الحياة، كان يأتي ويذهب بصورة بسيطة جداً، ولم يجعل لنفسه أيّ تشريفات، وكنت أرى أنّهم علّقوا صوره في الشوارع، وكانوا يفتخرون به.
عندما استشهد، لم يكن الثوريون وحدهم من كرّموه وأحيوا ذكراه في الوجدان وعالم الواقع والخارج، بل جميع الفئات، حتى أولئك الذين لم يُتوقّع منهم التعبير عن مثل هذه المشاعر تجاه عنصر ثوري. لماذا؟ لهذا السبب: كان تبلوراً للقيم الثقافية الإيرانية ولإيران. هذا قيّم جداً.
من ناحية، كان لديه الشجاعة وروح المقاومة. الشجاعة والمقاومة من خصال الإيرانيين. فالهوان والتراجع والخزي وما شابه يتنافى كلّه مع روحيّتنا الوطنية. أولئك الذين يدّعون الوطنية وفي الواقع يظهرون الهوان هم متناقضون. لقد كان تجسيداً للشجاعة وللمقاومة، وكان الجميع يرون هذا.
ومن ناحية ثانية، كان يتمتع بالدراية والذكاء. كان فطناً جداً. هناك عدد من النقاط. لقد توقّع منذ زمن بعيد ظهور تيار ديني في الظاهر يميل إلى إحدى الفرق المعادية للمقاومة، وأخبرني بذلك. وقال: ما أراه في أوضاع العالم الإسلامي – سمّى بعض البلدان – أن هناك تياراً سوف يظهر بعد وقت، وبعد مدّة ظهر «داعش». كان شخصاً حكيماً وذكياً. ويتصرف بأقصى درجات العقلانية والدراية في إدارة الشؤون المتعلقة بالبلدان التي يعمل فيها، وشعرت بذلك جيّداً. فقد كنا على تواصل دائم بشأن مجموعة متنوعة من القضايا، وكان ذا دراية. هذه إحدى الخصال الإيرانية أيضاً، وهي من موروثنا الثقافي، نحن الشعبَ الإيراني.
ومن ناحية أخرى، كان لديه روح التضحية والإنسانية، أي لم يكن مطروحاً لديه هذا الشعب وذاك الشعب وما شابه. كان إنسانياً ويضحّي بنفسه حقاً من أجل الجميع. وكذلك كان من أهل المعنويّة والإخلاص والسعي وراء الآخرة. كان معنويّاً حقاً، ومن أهل المعنويّة حقاً، ولم يكن من المتظاهرين بذلك. حسناً هذه مجموعة مكارم الأخلاق، وهي مكارم قيّمة. الناس رأوا هذا. فلقد تبلورت في هذا الإنسان. ذهب إلى صحاري البلد الفلاني والبلد الفلاني... وعلى الجبال ومقابل الأعداء شتّى، وقد جسّد بالفعل هذه القيم الثقافية الإيرانية وبلورها وأظهرها. لذلك، صار بطل الشعب الإيراني.
كلمة سرّ تحفيز وتعبئة المقاومة في العالم الإسلامي
لقد قلنا إنه بطل الأمة الإسلامية. لماذا؟ لأن الشهيد سليماني بأفعاله وأخيراً باستشهاده – كان استشهادُه مُكمّلاً لهذا المعنى – صار كلمة سرّ تحفيز وتعبئة المقاومة في العالم الإسلامي. اليوم، في العالم الإسلامي، أينما شيّدوا مقاومة ضد هيمنة الاستكبار، يكون مظهرها وكلمة سرّها الشهيد سليماني. في دول مختلفة، يحترمونه ويكرّمونه ويعلّقون صوره ويذيعون اسمه ويقيمون له المحافل والمجالس. في الواقع، لقد درّس الشعوب برمجيّات المقاومة ونموذج النضال، ونشرها وروّجها بينهم. هذه أدوار مهمة وحساسة للغاية، ولذلك هو شخصية بارزة وشخصية بطولية إسلامية بكل معنى الكلمة.
بطل هزيمة الاستكبار
هزم الشهيد سليماني الاستكبار في حياته واستشهاده أيضاً. هذه ليست ادّعاءات، هذه أشياء تم إثباتها. هزم الاستكبار وهو على قيد الحياة، والدليل أنّ «الرئيس الأمريكي»2 قال: «صرفنا سبعة تريليونات دولار في العراق ولم نحصل على شيء»، واضطراره إلى المجيء في الليل المظلم، وأن يجلس في قاعدة أمريكية في العراق ويغادر.3
العالم كله يقرّ بأن أمريكا لم تحقّق أهدافها في سوريا، وفي العراق خاصة. لماذا؟ ومن كان يعمل فعّالاً في هذه القضية؟ سليماني كان بطل هذا الإنجاز. لذلك، هو هزَم هؤلاء في حياته.
بعد استشهاده هزم الأعداء أيضاً. هذا التشييع الذي أقيم في إيران كان مذهلاً ولا يُنسى حقاً. كذلك التشييع المليوني في العراق. في النجف تشييع مليونيّ مذهل، كما شيّع كذلك في بغداد. شُيّع والشهيد أبا مهدي المهندس معاً. في الواقع إنّ هذا التشييع ثم مراسم التكريم حيّرت ضبّاط حرب الاستكبار الناعمة.
البارزون في حرب الاستكبار الناعمة، وهم في الحقيقة الناشطون وضبّاط حرب الاستكبار الأمريكي الناعمة، دُهشوا تماماً من هذا الوضع. من كان هذا، ما كان ذلك! يا لها من حركة ضخمة هزمت هؤلاء!
صفعة شديدة على وجه أمريكا... التفوّق البرمجي على هيمنة الاستكبار الخاوية
طبعاً ما حدث في استشهاده كان أوّل صفعة قاسية على وجه أمريكا، وحتى ذلك الحين كانت أهمّ صفعة على وجه أمريكا هي هذه الحركة الشعبية العظيمة. ثم بطبيعة الحال صفعها الإخوة [في «حرس الثورة»] أيضاً. لكن الصّفعة الأشد هي التفوّق البرمجي على هيمنة الاستكبار الخاوية. هذه صفعة قاسية لأمريكا.
يجب على شبابنا الثّوريين ونخبنا المؤمنين أن يبذلوا الهمّة لكسر هذه الهيمنة الاستكبارية وصفع أمريكا بقوة. هذا أولاً، و[الأمر] الآخر هو طرد أمريكا من المنطقة، ما يتطلّب همّة الشعوب وسياسات المقاومة، وعليهم فعل ذلك. هذه صفعة قاسية. طبعاً هي ليست الانتقام من القاتل. ما قلناه يتعلّق بمجموع الاستكبار وأمريكا. يجب على من قتل سليماني ومن أمر بقتله أن يدفع الثمن. مع أن حذاء قدم سليماني وفقاً لقول ذلك العزيز4 أشرف من رأس قاتله، بل ذهابُ رأسه لا يكفي فديةً لحذاء سليماني، مع ذلك، هم في النهاية ارتكبوا حماقة ويجب عليهم دفع الثمن. يجب أن يعلم كلٌّ من القاتل والآمر أنه كلّما كان ذلك متاحاً، وحيثما أمكن – نحن نبحث عن الوقت الممكن – فعليهم دفع الثمن.
بضع توصيات للمسؤولين ولشعبنا العزيز
1– تعزيز القدرات في مجالات الاقتصاد والعلوم والتّكنولوجيا والدّفاع
حسناً، هذا الاجتماع الآن لقاء جيّد وهو مزيّن باسم الشهيد سليماني. أودّ أن أقدّم ثلاث توصيات أو أربعاً في هذه الجلسة، وهي في غاية الأهمية.
أولاً أودّ أن أوصي المسؤولين في بلدنا وشعبنا العزيز أن يسعوا إلى تقوية أنفسهم، وكما قال شاعرنا الخراساني: «اذهب وكن قوياً إذا أردت أن تصل إلى العالميّة بسهولة»5. عليكم أن تصيروا أقوياء. يجب أن تصيروا أقوياء في الاقتصاد، وأقوياء في العلوم، وأقوياء في التكنولوجيا، وأقوياء في الدفاع العسكري. عليكم أن تصيروا أقوياء. فما دمتم غير أقوياء، لن يكفّ الأعداء عن أطماعهم وتعدياتهم.
هذه التوصية الأولى وهي توصيتي الدائمة، وأنا أتابع هذه القضية بقدر ما أستطيع وكلما نلت توفيقاً لذلك من الله. والمسؤولون ملزمون أيضاً المتابعةَ.
2– تجنّب الوثوق بالعدوّ
ثانياً لا تثقوا بالعدو. هذه توصيتي القطعيّة. لا تثقوا بالعدو. لا تثقوا بوعد هذا أو ذاك في مسار حل مشكلات الناس ومعالجة مستقبل البلاد، وهذه التوصية للمسؤولين. هذه الوعود ليست وعود الخيّرين. إنها وعد السيّئين والأشرار، ولا يفي بها واحدٌ من كل مئة! لا تُغفلوا العداوات والاعتداءات. لقد رأيتم ما فعلته معكم «أمريكا ترامب» و«أمريكا أوباما». فهي ليست مختصّة بـ«أمريكا ترامب» لنقول إنها ستنتهي مع رحيله، فـ«أمريكا أوباما» أيضاً أساءت إليكم وإلى الشعب الإيراني. وكذلك «الدول الأوروبية الثلاث»6. هذه الدّول الثّلاث تصرّفت بمنتهى السّوء واللّؤم والنّفاق مع الشعب الإيراني. هذه هي التوصية الثانية.
3– الحفاظ على الوحدة الوطنيّة
التوصية الثالثة: حافظوا على الوحدة الوطنية. بلدنا بحاجة إلى الاتحاد. اتحاد الشعب الإيراني. لدى هذا الشعب صوت واحد في أمور كثيرة، ومطلبهم مطلب موحّد، لكن يمكن [لتشرذم] المسؤولين القضاء على ذلك. [فهل] براعة مسؤولينا تكون في تفتيت هذا الاتحاد والإجماع وفي تفتيت الشعب والقضاء على كل ذلك! يجب أن يحرص المسؤولون في البلاد على تعزيز هذا الاتحاد. وعلى السلطات الثلاث أن تعمل معاً وتتآزر بينها، وبخاصة رؤساء السلطات الثلاث.
إن تمّ هذا التّآزر والاتحاد والتعاون، فمن المؤكد أن هذه الوحدة الوطنية ستزداد قوة يوماً بعد يوم. بشأن المفاوضات هناك خلافات، أو قد تكون هناك خلافات. حلّوا هذه الخلافات بالتفاوض [بينكم].
أولستم تقولون: يجب أن نتفاوض مع العالم؟ حسناً، كيف يمكن للمرء أن يتفاوض مع العالم ولا يستطيع التفاوض مع العنصر الداخلي؟ لذا، اذهبوا وتفاوضوا وحلّوا [الأمر]. بعض الأشياء التي يسمعها المرء هذه الأيام مثيرة للخلافات ولا تدعو إلى الوحدة!
4– إجهاض الحظر
المطلب الرابع والأخير. لقد قلتها من قبل7 وأكررها الآن: إنّ رفع الحظر بيد العدو لكن إجهاضه بأيدينا.
أليس كذلك؟ فلسنا الذين نستطيع رفع الحظر بأنفسنا. يجب على العدو أن يرفع الحظر، لكن يمكننا إجهاض حظر العدو. إذن، هذه هي الأولوية. هذا هو الصواب، وينبغي أن نسعى إليه أولاً.
طبعاً، لا أقول ألّا تسعوا إلى رفع الحظر، لأنه لو كان بالإمكان رفع الحظر، فلا ينبغي التأخير في ذلك حتى لساعة واحدة، مع أنه تأخّر أربعة أعوام حتى الآن، إذْ كان من المفترض رفع كل إجراءات الحظر دفعة واحدة في 2016، لكن حتى اليوم لا أنّها حصراً لم تُرفع، بل ازدادت.
[نعم،] حدث تأخير، [لكن] لو كان بإمكاننا رفع الحظر بأسلوب صحيح وعقلاني وإسلامي وإيراني، أي بطريقة مشرّفة، ينبغي فعل ذلك. لكن عليكم التفكير وصبّ مجمل تركيزكم على أنّ إجهاض الحظر هو بأيديكم ويمكنكم أن تفعلوه. فتابعوا ذلك، واعملوا معاً، وثابروا. هذه توصيتي. وأنا أدعم مسؤولي البلد بشرط أن يلتزموا أهدافَ الشعب.
أرجو الله – تعالى – أن يوفّق الشعب الإيراني ومسؤولي البلاد جميعاً ليتمكّنوا من أداء أعمال عظيمة، إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
1 في بداية اللقاء، قرأ القائد العام لقوات «حرس الثورة الإسلامية»، اللواء حسين سلامي، تقريراً حول البرامج والفعاليات لـ«هيئة تكريم الفریق الشهيد سليماني وشهداء المقاومة».
2 دونالد ترامب.
3 المشار إليه هو سفر ترامب غير المعلن مسبقاً إلى «عين الأسد» في كانون الأول/ديسمبر 2018.
4 الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله.
5 المقصود علي أكبر آزادي تربتي «گلشن»، وبقيّة البيت: «فإن الضعيف في نظام الطبيعة مسحوق تحت الأرجل».
6 يقصد: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
7 كلمة سابقة في لقاء متلفز خلال المراسم المشتركة للخريجين من طلاب جامعات الضباط في القوات المسلحة، في 12/10/2020.
.........
انتهى/ 278
المصدر : khamenei
السبت
١٩ ديسمبر ٢٠٢٠
٧:٠٦:١٤ م
1097461
قائد الثورة: الشهيد سليماني بطل الأمّة الإسلاميّة ورمز المقاومة في مواجهة الاستكبار
أكد الإمام الخامنئ على ان الشعب الإيراني وجّه في تشييع الشهيدين سليماني والمهندس صفعة قاسية للأمريكيّين، مشيراً إلى ضرورة أن تلي هذه الصفعة صفعات تتمثّل في التفوّق البرمجي على هيمنة الاستكبار الخاوية وطرد أمريكا من المنطقة.