وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ ربما لن يضيف هذا الأثر النفيس إلى أبي العلاء المعري جديداً كونه واحداً من أعلام الفكر والأدب العربي، فتاريخه الحافل بالإبداع وشاعريته الفذّة وبلاغته وفلسفته تضعه في مصاف أفذاذ التاريخ العربي، ولكن هذا الأثر يوضح أمرين مهمين في حياة أبي العلاء ويشكّلان نقطة تحوّل في تاريخه.
الأول: هو أنه يعرِّف القارئ على نهج جديد وفريد لم يسبق أبا العلاء إليه أحد فيه، اختطه في هذا الكتاب وجعله رائداً في بابه، وجعل كتابه كنزاً من كنوز التراث، حيث أودع فيه خلاصة فكره وفلسفته واعتقاده وعصارة عقله وقلبه وموقفه من الحياة والموت والبعث والنشور والقيامة، كما أودع فيه براعته في فني الشعر والنثر ففيه يذكر الحكمة نثراً ثم يصوغها شعراً، وهو في ذلك لا يخرج عمّا اعتاد عليه من وقوف على الغريب من اللغة وتصيّد للوعر الصعب من القوافي التي يتجنّبها غيره من الشعراء وإيثار المهجور من الألفاظ التي تنبض بالدلالة على ما تجيش به نفسه فيعبِّر عن ذلك بلغة الفيلسوف وخيال الشاعر المقتدر المتمكّن من تذليل عسير اللغة وتيسير عسيرها.
أما الأمر الثاني: وهو الأهم في هذا الكتاب فهو يصحح نظرة أغلب المؤرخين والكتاب إلى أبي العلاء في عدّه متشككاً ومتمرِّداً ومُلحداً، فهو هنا يردّ على هؤلاء الذين طعنوا في دينه واعتقاده ويبدّد كل الشكوك والأقاويل التي أثيرت حوله ويفنّدها بصوته المليء بالإيمان بالله (جل وعلا)، والخشوع والتسليم له، واليقين بما جاء به الأنبياء (عليهم السلام) من آدم (عليه السلام) وحتى نبينا محمد (صلى الله عليه وآله).
التهمة الباطلة
اعتاد المؤرخون اقتفاء أثر من سبقوهم وترسّم خطاهم في وصف الشخصيات التاريخية وإسقاط نفس الأحكام عليها والانضواء تحت ركام التقليد الأعمى غير آبهين بما يصيب وصفهم هذا من ظلم وإجحاف بحق تلك الشخصيات أو حتى إذا ما كان هذا الوصف مطابقاً للحقائق التاريخية أم لا، فقد تلقّنوا ما سطّر أسلافهم من معلومات على أنها من المسلّمات التي لا تقبل الجدال أو الشك دون الرجوع إلى التحقيق والتمحيص وكسر هذا الحاجز التقليدي المجحف وكأنهم قد اتفقوا على العمل بقول الشاعر:
إذا قالت حذامُ فصدّقوها فإنَّ القولَ ما قالتْ حذامُ
وإذا كان ثمة جديد في وصفهم (الحذامي) هذا فهو إيغالهم في مدح من مدح أسلافهم وغلوهم في ذمّ من ذمّوه ومبالغتهم في قدح وتجريح من اتهموه، ولعل من أوفر الشخصيات حظاً من هذا الحيف هو الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعري الذي أتِّهمَ بالكفر رغم أنه صام الدهر كله، وكان يحافظ على الصلوات الخمس ولم يتركها بأي حالٍ من الأحوال حتى بعد أن ضعف فكان يصلي من جلوس واتهم بالزندقة وهو القائل:
متى ينزلُ الأمر السماويُّ لم يفدْ سوى شبحٍ رمي الكميِّ المناجدِ
وإن لحقَ الإسلام خطـبٌ يغضّه فمــا وجدت مثلا له نفسُ واجدِ
إذا عظّموا كيوان عظّمتُ واحداً يكـون له كيوانُ أوَّل ساجدِ (1)
واتهم بالتشكيك والألحاد وهو القائل:
والله حـــــقٌّ وابــنُ آدمَ جــاهــلٌ من شأنه التفريطُ والتكذيبُ (2)
وقال في تمجيد الخالق (عز وجل):
بوحدانيةِ العلّامِ دِنَّا فذرني أقطعُ الأيامَ وحدي (3)
وقال في إيمانه بالبعث والنشور:
مضتْ قرونٌ وتمضي بعدنا أممٌ والسرُّ خافٍ إلى أن يُنفَخُ الصورُ (4)
وقال في مدح النبي (صلى الله عليه وآله) ووصف الدعوة الشريفة بالهدى والحق:
جاءَ النبيُّ بحقٍّ كي يهذبكمْ فهلْ أحسَّ لكمْ طبعٌ بتهذيبِ (5)
وقال وهو يعجبُ من الذي ينكر دين الإسلام وشريعته الغرّاء التي صاغها الله تعالى:
أفَمِلّةِ الإسلامِ ينكر منكرٌ وقضاءُ ربِّكَ صاغَها وأتى بها (6)
لقد تغاضى المؤرخون عن كل هذه الحقائق وغيرها في حياة هذا الشاعر الكبير وإيمانه بالله ونقلوا التهم التي أطلقها عليه أسلافهم جزافاً، ومن يتحرّى عن هذه الحقائق أكثر يجد أن التهم التي أطلقت عليه كانت تطلق لأسباب ارتكزت على الحسد والبغض والاختلاف في الرأي فليس من العجيب ان يتُهم بالخروج عن الملّة عند أولئك المؤرخين من يقول:
لـقـد عـجـبوا لآلِ البيـتِ لمَّا أتاهم علمهمْ في جـلدِ جفرِ
ومرآةُ المنجّمِ وهي صغرى تريهِ كل عامرةٍ وقفرِ (7)
وما ذنب المعري إذا كان المؤرخون لم يعوا ما يقول ولم تستوعب عقولهم ما استوعب من العلم والإيمان، ولم يروا ما رآه من الحقائق الإنسانية بعين البصيرة، فاتهموه بالكفر رغم إيمانه بالخالق والنبوة وعقيدته بالأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) وكل جنايته أنه كان يرى الاعتقاد بالتفكير والتحرّي والبحث عن الحقيقة والأخذ بها لا الأخذ بـ (المسلّمات) واقتفاء أثر من سبقوه.
إيمانه بالله
يقول السيد جواد شبر: (وقد اتهمه بعضهم بالكفر، وكانوا يتهمون به كل حُرِّ الضمير مستقلّ الفكر في تلك الأيام. مع أن اعترافه بالخالق ووحدانيته ظاهرة في كثير من أشعاره، لكنه لم يكن يرى الاعتقاد بالتسليم بل التفكير. وكان حقيقة الدين عنده أن يعمل الإنسان خيراً لا أن يكثر من الصلاة والصوم، وقد فصّلنا ذلك وأيّدناه بالأمثلة من أشعاره وأقواله في السنة الخامسة عشرة من الهلال من صفحة ١٩٥). (8)
ومما يُعجب له أن ياقوت الحموي ترجم له ترجمة وافية، وأورد مجموعة كبيرة من أشعاره في الإيمان بالله والزهد وذكر جملة من مؤلفاته ومنها كتاب في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم بعد ذلك يتهمه بالكفر وسوء المعتقد كما اتهمه غيره ممن سبقه ! (9)
ولكن رغم كل هذه الاتهامات فقد كان هنالك من ينتصف له من الكتّاب والأعلام الذين لم يتقيّدوا بتلك السفاسف الباطلة فجاءت الحقيقة على أيديهم ناصعة، فقد استوفى حق أبي العلاء وبرأ ساحته من كل تلك التهم الأستاذ الدكتور عمر فرّوخ وألف كتاباً في ذلك ردّ به عن حياضه كل سهام البغض والحسد والتي كالها له معاصروه ودحض كل اتهامات المؤرخين قديماً وحديثاً. (10)
ولم يكن الأستاذ فروخ أول المدافعين عن أبي العلاء، فقد سبقه إلى ذلك الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن العديم الحلبي المتوفى سنة (660هـ) والذي الّف كتاباً في رفع الظلم عن أبي العلاء (11) وقد طبع ملخصه في الجزء الرابع من كتاب (أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) (12) ونُسِّق الكتاب على ستة وعشرين باباً تناول فيها حياة أبي العلاء منذ مولده، ومدى علمه، وذكائه، ورحلته إلى بغداد، وكرمه وجوده على قلة ماله، وإباء نفسه، وعزته، وعفته، كما ذكر مؤلفاته, ثم تطرّق إلى من قال بفساد عقيدته وردَّ عليهم بأدلة واضحة وبراهين ساطعة قرائن بيِّنة، مفنّداً كل التهم التي كِيلت له، ثم يذكر جملة من الأعلام الذين أثبتوا صحة عقيدته وإيمانه بالله وبالرسل.
وقد فصل الحديث عن هذا الكتاب العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني حيث يقول في ترجمة أبي العلاء:
(وقد كثُر المترجمون لأبي العلاء المعري حتى عاد أمره ورفعة مقامه في الأدب من أجلى الواضحات، وإن ديوانه بمفرده أجل شاهد على نبوغه، وأوسع تراجمه وأحسنها ما ألفه الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن العديم الحلي المتوفى 660 وسمّاه [كتاب الانصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري] وقد طبع ملخصه في الجزء الرابع من تاريخ حلب ج 4 ص 77 - 180. وإليك فهرسته.
ذكر نسبه وترجمة رجال أسرته ص 80 - 101
مولده ومنشأه وعماه ص 101 - 104
اشتغاله بالعلم ومشايخه ص 104 - 106
الرواة عنه والقراء عليه وكتابه ص 106 - 113
تآليفه ورسائله وهي تربو على 65 رسالة ص 113 - 125
رحلته إلى بغداد وعوده إلى المعرة ص 125 - 132
ذكاؤه وفطنته ص 132 - 144
حرمته عند الملوك والخلفاء والأمراء ص 144 - 151
كرمه وجوده على قلة ماله ص 151 - 153
إباء نفسه وعفتها ص 153 - 154
فصل من كتابه (الفصول والغايات) ص 154 - 158
أبو العلاء عند الملوك ص 158 - 163
ذكر من قال بفساد عقيدته ودلائله عليه ص 163 - 166
ذكر من قال بصحة عقيدته ص 166
ذكر وفاته ومراثيه ص 166 - 169
القول الفصل في حسن اعتقاده والشواهد عليه ص 169 – 180)
والواضح جداً أن الأميني يميل إلى رأي ابن العديم حيث قال عن كتابه عن أبي العلاء بأنه: (أوسع تراجمه وأحسنها ما ألفه الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن العديم الحلبي ...). (13)
ومن العلماء الأعلام الذين برهنوا على صحة عقيدة وإيمان أبي العلاء المعري وتشيّعه, المرجع الديني الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قدس سره) كما ذكر الصنعاني: (أن أبا العلاء المعري كان من شعراء الشيعة الكبار) (14) واستدل على ذلك بعدة قصائد.
ولم نعثر على كلام الشيخ كاشف الغطاء حول أبي العلاء ونذكر هنا الإشارة إليه من قبل السيد جواد شبر حيث يقول: (والحق إن أبا العلاء فلتة من فلتات الزمن ونابغة من نوابغ العالم. اختلف الناس فيه، فمن قائل: هو مسلم موحّد، وبين مَن يرميه بالإلحاد، وأذكر حديثاً للمرحوم المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغَطاء برهن فيه على إيمانه وتشيّعه، وذكر صاحب نسخة السحر أنه من شعراء الشيعة). (15)
كما ترجم له ترجمة وافية السيد الأمين ونفى عنه تهمة الزندقة (16) فكان مما قاله: (إنه فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة ولا يسمح الدهر بأمثاله إلا في السنين المتطاولة والأزمان المتباعدة، وهذه آراؤه تتجدد وأشعاره بمعانيها تزداد حلاوة وعذوبة وإن هذه الاختلافات في هذا الرجل دلالة على عمقه وعظمته وإليك قوله في إثبات البعث والمعاد:
قال المنجّمُ والطبيــبُ كلاهما لا تـحـشـرُ الأجـســادُ قلـتُ: إلـيـكـما
إن صحّ قولكما فلستُ بخاسرٍ أو صحّ قولي فالخسار عليكما (17)
وقال عنه المحدث الشيخ عباس القمي: (الشاعر الأديب الشهير كان نسيج وحده بالعربية، ضربت آباط الإبل إليه، وله كتب كثيرة وكان أعمى ذا فطانة، وله حكايات من ذكائه وفطانته). (18)
والأدلة على إيمانه بالله والنبي (ص) واعتقاده بأهل البيت كثيرة ــ إضافة إلى شعره ــ منها ما رواه الحلبي في ترجمة المعري عن القاضي أبي الفتح قال: (دخلت على أبي العلاء التنوخي بالمعرة ذات يوم في حين خلوة بغير علم منه وكنت أتردد إليه وأقرأ عليه فسمعته وهو ينشد من قلبه:
يمــــوتُ قومٌ وراءَ قومٍ ويثبتُ الأولُ العــــــــزيزُ
كمْ هـــلكتْ غادةٌ كعابٌ وعمِّرتْ أمُّــــــها العجوزُ
أحـرزها الوالدانِ خوفاً والقبرُ حــــــرزٌ لها حريزُ
يجوزُ أن تبطئَ المنايا والخـلدُ فـي الدهرِ لا يجوزُ
ثم تأوه مرات وتلا: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّجۡمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّشۡهُودٞ وَمَا نُؤَخِّرُهُۥٓ إِلَّا لِأَجَلٖ مَّعۡدُودٖ يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ (19)
ثم صاح وبكى بكاءً شديداً، وطرح وجهه على الأرض زماناً ثم رفع رأسه ومسح وجهه فقال: سبحان من تكلم بهذا في القدم، سبحان من هذا كلامه. فصبرت ساعة ثم سلمت عليه، فرد وقال: متى أتيت ؟ فقلت: الساعة. ثم قلت: يا سيدي أرى في وجهك أثر غيظ، فقال: لا يا أبا الفتح، بل أنشدت من كلام المخلوق وتلوت شيئاً من كلام الخالق فلحقني ما ترى. فتحققت صحة دينه وقوة يقينه) (20)
وهناك قصة جرت للمعري مع صالح بن مرداس أمير حلب لا تؤكد إيمان أبي العلاء بالله فحسب بل تؤكد خشيته وورعه وخشوعه له وتجعله من أوليائه الصالحين. وهو أن صالحاً حاصر معرَّة النعمان ونصب المجانيق لرميها في مسيره من فلسطين إلى حلب فلما رأت المدينة انها لا تستطيع مقاومته لجأت إلى أبي العلاء المعري ليشفع لها عند صالح، فدخل عليه وقال: (مولانا السيد الأجل أسد الدولة ومقدمها وناصحها كالنهار الماتع اشتد هجيره وطاب إبراده وكالسيف القاطع لان صفحه وخشن حداه، خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، فقال صالح: قد وهبتهم لك أيها الشيخ، فقال أبو العلاء:
تغيَّبتُ في مـنـزلـي بـرهـةً سـتـيـرَ العيوبِ فقيدَ الحسدْ
فلمّا مضى العمرُ إلّا الأقلَّ وحمَّ لروحي فـــراق الجسدْ
بُعثتُ شـفـيـعاً إلى صـالـحٍ وذاكَ من الـقـومِ رأيٌّ فـسـدْ
فيسمعُ منِّيَ سجــعُ الحمامْ وأسمعُ منه زئيـــــــرَ الأسدْ
فقال صالح: بل نحن الذين تسمع منا سجع الحمام، وأنت الذي نسمع منك زئير الأسد، وأمر بتقويض الخيام والمجانيق، فنقضت ورحل عن المعرة، ورجع أبو العلاء وهو يقول:
نجّى المعرّة من بـراثنِ صالحٍ ربٌّ يـعافي كـلَّ داءٍ مـعـضلِ
ما كان لي فيها جناحُ بعوضةٍ الله ألحفهمْ جناحَ تفضّلِ (21)
فهو يعزو هذا العمل والفضل لله تعالى الذي أمده به وهي صفة المؤمنين المخلصين، وهذه المرة الأولى والأخيرة التي خرج فيها أبو العلاء من منزله طيلة اعتزاله الذي دام لنصف قرن.
تشيُّعه
شعر أبي العلاء طافح بشذى التشّيع والولاء لأهل البيت (ع) وأبرز قصائده في ذلك قصيدته النونية الرائعة في رثاء أمير المؤمنين (ع) وسيد الشهداء الإمام الحسين (ع) والتي يقول فيها:
وعـلـى الـدهرِ من دماءِ الشهيديـ ـنِ عـلـيٍّ ونـجـلِـهِ شـاهدانِ
فـهـمـا فـي أواخـرِ الـلـيـلِ فجـرا نِ وفـي أولـيـاتِـهِ شـفــقــانِ
ثـبـتـا فـي قـمـيـصِـهِ لـيـجيء الـ حشـر مستعدياً إلى الرحمنِ
وجــمــال الأوان عــقــب جـدودٍ كل جــــدٍ منهم جـمال أوانِ
يا ابنَ مستعرضِ الصفوفَ ببدرٍ ومبيدِ الجمـوعِ من غطـفانِ
ثم يشير ابو العلاء في قصيدته الى الحديث الشريف الذي يقول بأن الله عز وجل خلق أنوار الخمسة أصحاب الكساء: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) قبل أن يخلق الخلق فيقول:
أحدُ الخمسةِ الـذيـن همُ الأعـ ـراضُ في كلِّ منطقٍ والمعاني
والشخوصُ التي خلقنّ ضياءً قـبـل خـلـقِ الـمـرِّيخِ والميزانِ
قبلَ أن تُخلقُ السمـواتُ أو تؤ مـــرْ أفــلاكـهـنَّ بــالـــدورانِ
ويعلن أبو العلاء عقيدته في أهل البيت في نهاية القصيدة بقوله:
وبهمْ فضّلَ المليكُ بني حوّاءَ حتى سمَوا على الحيوانِ
شرفوا بالشرافِ والسمرِ عيدان اذا لم يزنّ بالخرصانِ
هذه كانت عقيدة أبي العلاء التي لم ترق للمؤرخين فنسبوه إلى الكفر والإلحاد، وقد كانت عقيدته خالصة فلم يعرف عنه أنه تكسّب بشعره أو تزلّف به لأحد، وتزداد عقيدته ويتجدد يقينه حول إيمانه بالله ويزداد ثبوتاً عليها على مدى عمره مما يعطي دلالة على شدة إيمانه. يقول في بعض قصائده:
أمرَ الـواحدُ فافـعـلْ ما أمـرْ واشـكـــــــرِ اللهَ إن الـعـقـلُ أمـرْ
أضمرِ الخيفة واضـمر قلّما أدركَ الطرفَ المدى حتى ضمرْ
وهـي الدنــيــا أذاها أبــــداً زمــــــــــــــرٌ واردة إثــرَ زمــرْ
يا أبا السبطين لا تحفل بها أعـتـيـقٌ سـادَ فــيــهــا أم عــمــرْ
ترى ما يقول المؤرخون في هذه الأبيات ؟ وهل هناك أوضح منها في الدلالة على إيمان أبي العلاء ؟ فما لهم لا يعقلون.
كان أبو العلاء يدرك وضاعة الأيام ولؤم النفوس التي خذلت أهل البيت (عليهم السلام) وقتلتهم وإزاحتهم عن حقهم:
أرى الأيّام تفعــلُ كل نكرٍ فما أنا في العجائبِ مـستزيدُ
أليسَ قريشكمْ قتلتْ حسيناً وكان على خلافتـــــكم يزيدُ
لم يمقت أبو العلاء الناس كما ادعى المؤرِّخون بل مقت المتزلّفين وأدعياء العلم الذين يتكسّبون على موائد السلاطين وغيرهم من وعاظ السلاطين ولقد أجاد أحد الشعراء الذين رثوه بقوله:
أبـا الـعــلاء بــن سـلــيــمــانـا إن العمى أولاكَ إحسانا
لو أبصرت عيناكَ هذا الورى لـم يـرَ إنـسـانُـــكَ إنسانا
ونكتفي بهذه الأدلة والأقوال على إيمان أبي العلاء وعقيدته بالله لكي لا نشط عن أصل الموضوع كثيراً وهو قراءة في كتابه (ملقى السبيل).
ملقى السبيل
إن أوّل ما يستوقف القارئ هو عنوان الكتاب (مَلقَى السَّبيل) وقد اختاره المعري بدقة فالمَلقى ــ بفتح الميم ــ هو مكان اللقاء أو ملتقى الطرق وجمعه ملاقي أو هو أعلى الجبل يؤدي إليه أو يلاذ به أو موضع العصمة والأمان في الطريق, والسبيل هنا هو سبيل الرشاد والهداية والنجاة.
و(ملقى السبيل) ربما يكون عنواناً غريباً على قرّاء الأدب العربي ودارسيه، والذي دعانا إلى البحث عنه في مصادر الكتب ما أشار إليه السيد جواد شبر في إشارة سريعة بقوله في معرض ترجمته عن أبي العلاء:
(ملقى السبيل: هي رسالة فلسفية نشرتها مجلة المقتبس سنة ٧ ج ١ عن أصل خطي قديم وجد في الأسكوريال بعناية ح. ح. عبد الوهاب التونسي. وهي على نسق رسائله الأخرى لكن أكثرها منظوم. وقد قابل الناشر بين آراء المعري فيها وآراء شوبنهور الفيلسوف الألماني في الحياة ومصيرها وطبعها على حدة سنة ١٩١٢). (22)
ومن الملاحظ أن تأثير ما ألصقه المؤرخون بأبي العلاء من تهمة الزندقة كان كبيراً على الناشر الذي أرمز إليه شبر بـ (ح . ح التونسي) وهو حسن حسني عبد الوهاب (23) فقد خلط بين فلسفة الزهد في الدنيا والموعظة وذكر الموت وتذكير الإنسان بالحساب وعواقب الأعمال ومخافة الله في السر والعلن وغيرها من الأمور التي تضمّنها كتاب المعري، وبين الفلسفة التشاؤمية التي عُرِف بها شوبنهور التي ترتكز على: أن الوجود عبارة عن المادة المطلقة, وليس في الوجود سوى المادة، وأن الحياة كلها آلام، والوجود كله شر، والدعوة إلى نبذ الحياة، والانتحار للتخلص من شقائها وعذابها وشرها. وسيرى القارئ مدى التفاوت بين الفلسفتين.
قصة الاكتشاف
لقد بقي هذا الأثر النفيس زمناً طويلا قابعاً في زوايا النسيان وظل حبيس الجدران بين مخطوطات التراث حتى قيِّض له من يخرجه إلى النور ويضعه بين يدي القراء فقد قدّر لحسن حسني أن يرى نسخة من هذا الكتاب في مكتبة (الاسكوريال) في أسبانيا وهي بخط الراوي لها القاضي أبي الفضل عبد الرحمن بن يحيى الديباجي رسمها بالإسكندرية أوائل القرن السادس الهجري فحققها عبد الوهاب وعرضها على نسخة أخرى مخطوطة موجودة بالمكتبة التيمورية في القاهرة ثم انتشر خبر هذا الكتاب وذاع، فاختاره محمد كرد علي الرئيس الأسبق للمجمع العلمي العربي بدمشق ضمن ما اختاره من عيون النثر العربي البليغ في كتابه الجامع (رسائل البلغاء) التي أصدرت إحدى طبعاته لجنة التأليف والترجمة والنشر في القاهرة في منتصف أربعينيات القرن الماضي.
كما نجد لهذا الكتاب ذكراً في التاريخ وأثراً لدى القدماء، غير أن الغريب هو أنه كان معروفاً ومتداولاً عند المغاربة قبل قرون طويلة قبل اكتشافه من قبل المشارقة الذين اكتشفوه قبل قرن، فقد جاء في كتاب نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب للمقري التلمساني (986- 1041هـ/ 1578- 1631م): (أن الحافظ أبا ربيع الكلاعي الأندلسي (565 هـ -634هـ/ 1170- 1237م) عارض كتاب ملقى السبيل بكتاب أسماه (مفاوضة القلب العليل ومنابذة الأمل الطويل بطريقة المعري في ملقى السبيل) (24) كما ألف أبو عبد الله محمد بن أبي الخصال (465هـ - 540هـ ــ 1073م - 1146م) وزير يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين كتاباً عارض فيه (ملقى السبيل) أيضا وهو موجود في مكتبة الاسكوريال. (25)
هذه قصة اكتشاف (ملقى السبيل) ولا يُنكر هنا فضل الأستاذ عبد الوهاب التونسي في نشره للكتاب، ولكن ما يؤسف له أنه قدمه بمقدمة غير دقيقة بمقارنة محتواه بفلسفة شبنهاور، فلا يختلف كتاب المعري ــ من ناحية المضمون ــ عن أي كتاب إسلامي، ولا توجد فيه أي فلسفة تشاؤمية أو إلحادية كما يقول عبد الوهاب.
يبدأ عبد الوهاب مقدمته للكتاب مستغرباً من عدم عقد هذه المقارنة قبله بقوله: (إلا أنا لم نرَ أحداً أشار إلى المشابهة الغريبة الموجودة بين فلسفة المعري ومذهب شبنهاور الحكيم الجرماني)، ثم يقول بعد أن يذكر ــ بشكل مختصر ــ بعضاً من سيرة شبنهاور وفلسفته: (ومذهب شبنهاور مركوز على قاعدة أن جميع مشاق الإنسان وأتعابه الدنياوية الأصل فيها ما يسميه (إرادة البشر) يعني شهوات طبيعتنا وحبنا التمتع والتلذذ بالحياة) ثم يتساءل: (أوليس هذا رأي المعري ؟). (26)
إن استغراب عبد الوهاب التونسي من عدم عقد المقارنة قبله بين الشخصيتين والفلسفتين يثير الاستغراب، فليس هناك أي مقارنة بين المعري وحكمته، وشبنهاور وفلسفته سوى ولع عبد الوهاب بهذه المقارنة الذي لا تستند إلى موضوعية، وهي ليست سوى (مزاج) يحاول من خلاله فرضه على الكتاب وإسقاط الفلسفة الأوربية على شخصية أبي العلاء.
لكن هذا (المزاج) يتحوّل إلى (مطابقة) في رأي عبد الوهاب ــ وحده طبعاً ــ حيث يقول: (ومن اطلع على طريقة هذا الفيلسوف الألماني تيقن أن معتقده ويأسه من الحياة وتشاؤمه المستمر يطابق كثيراً مذهب المعري خصوصاً في فحصه عن أتعاب البشر وآلامهم وجسّه أسقام الإنسان كالباحث الماهر والطبيب العارف من غير حنان ولا شفقة على هذا النوع الإنساني وبدون أن يبين في وصف الأدوية التي ينبغي اتخاذها واستعمالها وتسلية تلك المواجع)!
والفرق الوحيد الذي يميّز الشخصيتين ــ حسب رأي عبد الوهاب ــ : (هو كون شبنهاور استقل في علم الفلسفة ودراستها والتدوين فيها بخلاف المعري الذي لم يشتغل بالفلسفة من حيث هي علم وإنما كان يبحث عن أسباب الأشياء وتعليل وجودها فتخطر له خطرات حكمية تستحوذ على مخيلته وذهنه الحاد فتسكبها قريحته الشعرية في تلك القوالب العجيبة التي تظهر في قصائده) (27)
وسنرى في عرض الكتاب ما يفنّد هذا الرأي، فهذه (الخطرات الحكمية) التي كتبها المعري هي من صميم الرؤية الإسلامية المؤمنة بالله والرسالة والمعاد ومبدأي الثواب والعقاب.
خلاصة فكر
تميز أسلوب الكتاب بلغة الخطب البليغة الموجزة التي اشتهرت في الجاهلية وصدر الإسلام، وضمّ خلاصة فكر أبي العلاء وتجربته في الحياة والموت وموقفه منهما حيث صاغها بقالبي النثر والشعر على التوالي حسب ترتيب الحروف الهجائية فجعل من كل حرف فيها قافية للعظة والحكمة ابتداء من الهمزة حتى يصل إلى حرف الياء فجاء الكتاب تحفة نادرة في صياغة النثر وصناعة الشعر ودقة التناول وتنسيق المعنى وهو أسلوب المعري في كل آثاره. وقد آثرنا ذكر ما جاء فيه شعراً ونثراً ففيهما ما ينفي المقارنة التي عقدها عبد الوهاب بين أبي العلاء المعري والفيلسوف الألماني شوبنهور وقد أوضحنا ماهية الفلسفتين.
ففي قافية الهمزة يقول أبو العلاء المعري نثراً: (كم يجني الرجل ويخطئ, ويعلم أن حتفه لا يبطئ) ثم ينتقل بهذا المعنى إلى الشعر فيقول:
إن الأنام ليخطئــــــون ويغفرُ اللهُ الخطيئة
كم يبطئونَ عن الجميلِ وما مناياهمْ بطيئة
أما في حرف الألف فيقول نثراً: (ابن آدم في سير وسُرى, يهجرُ بحرصه الكرى, وطالما كذب وافترى, ليصل إلى خسيس القرى, وإنما يحصل على الثرى, كأنه لا يسمع ولا يرى) ثم يتناول المعنى شعراً فيقول:
أما يفيقُ المرءُ مــن سـكرِهِ مجتهداً في سيــــــــرِه والسرى
نمتْ عن الأخرى فلم تنتبه وفي سوى الدينِ هجرتَ الكرى
كم قائلٍ راحَ إلــــى معشرٍ أبطلَ فيــــــــــــــما قاله وافترى
على القرى يحمــــلُ أثقاله وإنما يأملُ نــــــــــــــزرَ القرى
يفتقرُ الحي ويثـــــري وما يصيـــــــــرُ إلا جثوة في الثرى
اسمع فهذا قائلٌ صـــــادقٌ أراكَ عقبــــــــــــــاكَ فهلا ترى
ويقول في حرف الباء (نثراً): (تفتقر إلى الله الأرباب، وبالكافر يحلّ التباب، وتنقطعُ بالموتِ الأسباب، وفي الخالقِ تحارُ الألباب) ويصوغها شعراً:
دانتْ لربِّ الفلكِ الأربابُ وبالكفــــــورِ يلحقُ التبابُ
كمْ قطعتْ بميـــتةٍ أسبابُ وافترقتْ برغمِها الأحبابُ
وفي التاء: (النفس تصرفت وانصرفت، والأعضاء تألفت ثم تلفت، والأقضية بحق هتفت، ما أعفيت المحلة لكن عفت، كم شفيت المدنفة فما اشتفت.
نفسُ الفتى في دهرِهِ تصرَّفتْ وانصــرفتْ
تألّفـــــــت أعضاؤه وافتـــــــرقتْ إذ تلفتْ
أقضيـــــةُ اللهِ دعتْ فأسمـــــــعتْ إذ هتفتْ
ما أعفيتْ ديـــارهمْ من الرزايـــا بل عفتْ
كم شُفيتْ مريضــةٌ من مرضٍ فما اشتفتْ
وفي حرف الثاء: من أعظم الحدث، سكنى الجدث
يدومُ القديمُ إلـــــــــهُ السماء ويفنى بأقــــــدارِهِ ما حدثْ
وما أرغبَ المرءُ في عيشِه ولكن قصاراهُ سكنى الجدثْ
وهكذا في تناسق نثري وشعري يبدع المعري في رصف لآلئ الحكمة والموعظة حسب الحروف الهجائية. وفي حرف الجيم يقول: العجب بجاهل مداج، يأسف لبين الأحداج، ويعصي الملك والليل داج، وما هو من الحتف بناج.
يا أيها العـــــــــاقلُ المداجِ وليله بالسفــــــــــاهِ داجي
كأنّــــــــــــــما عينه إذا ما تحمل الحــــيّ في زجاجِ
كمْ أعملَ الناجياتِ حرصاً وليسَ مـــــــن حتفِهِ بناجِ
رجا أمـــــــــوراً فلم تقدَّرْ وكلُّ من في الحياةِ راجي
الحاء: إن ابن آدم الشحيح، سوف يمرض من القوم صحيح.
مالكَ لم تنتـــــــــــفعْ بعقلٍ هل عصفتْ بالعقـــولِ ريحُ
إن شُيِّدَ القصرُ في سرورٍ فبعده يُحفـــــــــــرُ الضريحُ
يطرحُ الهمَّ بالمنــــــــــايا من جسمه في الثرى طريحُ
وفي الخاء: بكى على الميت مواخ، كان أجاء في تراخ، فلتنه الصارخة عن الصراخ.
في الله آخى فتى لبيبٌ وأسلم الهــــــالك المواخي
بكى عليه فهـــل تراهُ في أجــــــــــلٍ دائمِ التراخِ
اعتقدِ الحقَّ واعتــمِده لا تزرع الحبَّ في السباخِ
وأما خوضه في غريب اللغة والإلمام بشواردها قوله في حرف الدال وهي مخصصة لموعظة الملوك والرؤساء: (... أما بصرك فحديد, وأما ثوبك فجديد, وظل بقضاء الله مديد, وحولك العدد والعديد, ولكنك سواك السديد, طرقك وعد ووعيد, فهل تبدي وهل تعيد, أم غريك هو السعيد) ؟
أما صياغته لهذه الموعظة شعراً فجاءت:
أرى ملكاً تحــــــــفُّ بـه مـوالٍ له نظرٌ إلى الدنيــــــــا حديدُ
ضفا بردَ الشبــــابِ عليـه حتى مضتْ حُقبٌ ومــلبـسُه جديدُ
يزولُ القيظ في صيفٍ ومـشتى ويسترُ شخصَـــــه ظلٌّ مديدُ
وفتْ عُددٌ لديه فمـــــــن دروعٍ وأسيافٍ ينــوءُ بــــــها عديدُ
وكان السعــــــدُ صاحبه زماناً ولكن طالمــا شقِيَ الســـــعيدُ
بدا شخص المنـــــونِ لناظريه وقيل له أتبـــــــدي أم تعيد ؟
تصعّد في المراتـــبِ غير وانٍ وأحرزه على الرغمِ الصعيدُ
تفرَّقت الجنود فمــــــــــا حمته وأبطلت المواعدُ والـــــوعيدُ
وفي حرف الذال يتحدث عن الدنيا وصروفها ومصائبها وأهوالها فيقول: أما العيش الناعم فيلذ، ولكن سببه يجذ،
ويقول شعراً:
يلذُ الفتى غفلاتِ الحياة وليس بمتّصلٍ ما يلذّ
يمدّ له الظن آمـــــــاله ولكنه عن قليــلٍ يجذّ
ويعود نثراً: العاجلة سبيل منفوذة، وهي عند الرشيد منبوذة، والأنفس بحق مأخوذة، لا الدرع ينفع ولا الخوذة.
وشعراً:
أنفذ من الدنيــا ولا تلتفت فإنها بالعنـــــــفِ منفوذة
حازتكَ فانبذها إلى أهلِها فهي لدى الأخيـارِ منبوذة
ولا تمسَّكْ بحبـــــــالٍ لها تصبحُ من كفيكَ مجذوذة
مأخوذة مانعة في الورى نفساً بحكــــمِ اللهِ مأخوذة
لا سقية أغنـت ولا رقية ولا تميمـــــاتٌ ولا عوذة
الراء: لقد هجرت الخدورـ وغدر بها الزمان الغدور، فإذا الخدر عوض قبر، هل ينفعك جزع أو صبر، من بارئك يجري المقدور، وتفنى الشهب والبدور.
تظهر أســرارَها الخدورُ بما قضى الواحدُ القــــديرُ
كم دارَ في خاطرٍ ضميرٌ من فلكٍ دائـــــــــــرٍ يدورُ
وضاقَ صــدرٌ بمشكلاتٍ تضيقُ عن مثلها الصدورُ
يثبتُ فردٌ بـــــــــلا قرينٍ وتهلكُ الشـــــهبُ والبدورُ
الزاي: لا تبرزي يا غانية، فإنها الدنيا الفانية، ستركِ بكلةٍ والداك، فلتمسك بالنسك يداك، الورع ذهب إبريز، والجدث حرز حريز، قد تهلك فتاة رود، وتلبث مسنة ترود.
يمــــوتُ قومٌ وراءَ قومٍ ويثبـــتُ الأولُ العــــــــزيزُ
كمْ هـــلكتْ غادةٌ كعابٌ وعمِّــرتْ أمُّــــــها العجوزُ
أحـرزها الوالدانِ خوفاً والقبرُ حــــــرزٌ لها حريزُ
يجوزُ أن تبطئَ المنايا والخــلدُ في الدهرِ لا يجوزُ
السين : يا ابن آدم كم تحرس وتحترس، والموت أسد يفترس، إن كنت بجبل أو واد، فإن الأودية مثل الأطواد، يسمعها من الله داع، جل رب العظمة والابتداع.
أيحترسُ المـــرءُ من حتفِهِ وما حادَ عن يومِه المحترسْ
هل الناس إلا نظير السوام وآجــــــــــــالهم أسدٌ تفترسْ
يحلُّ الربا ويحل الــــوهود ولا بدَ للربــــــعِ أن يندرسْ
الشين: لا تك ذا طيش، واعجب لما وهب من العيش، ما فعل آدم وبنوه، كم أدرك الثمر مجتنوه، يبدي التوفر أخو المعيشة، والجبل مثل الريشة، المنزل لأمر معروش، وبالقدر تثل العروش.
أين مـــــــضـى آدمٌ وشيث وأين مــــن بعـــده أنوشُ
مرَّ أبي تابــــــــــــــعاً أباهُ ومرَّ وقتٌ فــــكــم أعيشُ
لا ملكَ إلا لـــــربِّ عرشٍ تثلُّ عن أمرهِ العــــروشُ
خَفَّ من الخـوفِ كل طودٍ حتى كأنَّ الجبـــالَ ريشُ
تطيشُ نبلُ الـــــــرماةِ منّا وأسهمُ الحتوفِ لا تطيشُ
ولم يزلْ للمنـــــونِ جيشٌ تفلُّ عن ذكرهِ الجيــــوشُ
يحثّ بالنعشِ حــــــاملوهُ وشدَّ ما ســـارتِ النعوشُ
لا حبّذا الأنسُ والخطـايا وحبذا النســـكُ والوحوشُ
الصاد: المرء عما وجب ناكص، والشخص للحدث شاخص، إن ظل الفانية لقالص، فهل خلص إلى الله خالص، إن دينك لوديعة في المحار، إنما يدرك بغوص البحار، وعلوم دين في الأنام، وكان كالحلم في المنام.
من ادّعى النسكَ على غرَّةٍ فقل له: ما صدقَ الخارصُ
والنسكُ مثل النجمِ في بعدِه والخلقُ أن يبـــــلغه ناكصُ
كالدرَّةِ العـــــذراءِ ما نالها إلا امرؤ في بحــرِهِ غائصُ
في لجَّةٍ قـــــامصةٍ سفنها ويصرعُ المستمسكُ القامصُ
تلعبُ بالألــــواحِ أمواجُها كأنّما مــــــــــركبُها راقصُ
نحنُ كنبتٍ عامُـــه مُجدبُ وماؤه مــــــــستنكرٌ ناقصُ
الضاد: دينك عناه المرض، ضاعت النافلة والمفترض، وخدعك هذا العرض، وجسمك ضعيف حرض، لقد بعد منك الغرض، وسوف يطلب المفترض.
دينُكَ مضنىً أصـــــــــابه سقمُ والخسرُ في أن يميته المـرضُ
وهلْ تُرجى لديـــــــــــكَ نافلةٌ من بعدمـا ضاعَ منكَ مفـتـرضُ
غرضتَ مــن هذهِ الحياةِ فهلْ غرَّكَ فيمـــــــا ترومه غــرضُ
تميلُ من جــوهرٍ إلى عرضٍ والروحُ في جــوهرِها عــرضُ
حرَّضكَ الشيبُ أن تتوبَ فما تبتَ فهلّا تُذكرُ الحــــــــــــرضُ
أقرضتَ عمـــراً فما صنعتْ به سوفَ يردّ الأنامُ ما افترضوا
ويلاحظ في هذه الأبيات أن المعري يخوض عباب القوافي المهجورة بكل مهارة ويزيل عنها ضباب النسيان وهو من عرف بـ (لزومياته) التي استعمل فيها قوافياً يتحاشاها الشعراء ويسميها النقاد القوافي (النفر) لنفرة الشعراء منها, أما هو فيأتي بها دون عناء ومشقة وبدون تكلف مبرهنا على ثرائه اللغوي وشاعريته الفذة ومقدرته الفنية. يقول في حرف الطاء:
فودك علاه الشمط، والمرء ينقص ويغمط, كالطفل كهلك فلا يقمط, لقد عرف هذا النمط, أو النفس تضعف ولا تضبط, وأجر من كفر يحبط, أين موفق لا يغلط, والموت في العالم مسلط, وعائد الملك لا يقنط) ثم يقول شعراً:
إلامَ الحرصُ والرغبة في أشيبٍ كالأشمطِ
وكالطفلِ غداة الكهلِ فــــما للكهلِ لا يقمطِ
ولا يغضي أخو الريبةِ أن ينقصُ أو يغمطِ
فما الخاسرُ إلا كافرٌ أعمــــــــــــاله تحبطِ
بني آدم إن تعصوا فمـــــا أخسرَ من يقنطِ
غبطتم صاحبَ الثروةِ والــــزاهدُ لا يغبطِ
أما تغلط في الدهرِ بأن توجـــــــدَ لا تغلطِ
ويسترسل المعري في إنسيابية شعرية عالية في الموعظة والحكمة على هذا النحو في كل حروف الهجاء لا تثنيه قافية عن التعبير، يقول في حرف الظاء: أما دينك فمنشظ، وأنت على الفانية متلظ، متقرب بالمين متحظ:
أصبحتَ في غمـــرةٍ ولهوٍ تجيءُ بالميــــنِ كي تحظى
احذر على الدينِ من تشظٍ فالـــــــــدرُّ ملقىً إذا تشظى
لو هابَ حرَّ اللظى مسيءٌ ما اهتاجَ حرصاً ولا تلظّى
فأبدِ للســــــــــــــائلينَ ليناً ولا تكن في الجـــوابِ فظّا
العين: المرء خدعه الطمع، مرأى في الزمن أو مسمع، يدأب الرجل ويجمع، خلب وميض يلمع، والعين للحذر تدمع، والسحب بالأقضية همَّع، وفي الآخرة يكون المجمع.
غرَّكَ ما يخدعُ من زخــرفِ الــــــــــدنيا فزادَ الحرصُ والطمعُ
علمتَ أن الدهرَ في صــــــرفهِ مفرِّقٌ عنــكَ الذي تجمعُ
سمعتَ بالخطبِ وعـــاينت هل كفكَ ما تبـصرُ أو تسمعُ
تدمعُ جفنـــــــــــاكَ على زائلٍ والعينُ للـــرهبةِ لا تدمعُ
كم أومضَ البارقُ في عارضٍ فألفي الكــــــاذبُ إذ يلمعُ
سحبٌ تجــــــــلى خالياً دجنها عنكم وسحبٌ بعدها همَّعُ
ويوضح رأيه في الدنيا على حرف الغين بقوله نثراً: (إنك إلى الدنيا مصغ, وحبها للبشر مطغ, لو أنك لشأنها ملغ, أبغاك ما تأمله مبغ) ثم شعراً:
صاغكَ اللهُ للجمالِ بقلبٍ معرضٍ عن نصيحةٍ ليس يصغي
تكثرُ اللغوَ في المقالِ ولو وفـــــقت ما كنتَ للديـــــــــانةِ مُلغي
لم تزلْ تزجرُ الطغاةَ فلا تطــــــــــغ فحبُّ الدنيا لمثلكَ مطغي
لو بغيتَ الذي أراهُ بك اللهُ لأعطــــــــــــاكَ فوقَ ما أنتَ تبغي
كما يبين رأيه في المعاد بوضوح بقوله في حرف الفاء: (طال الكلْف والكلَف، فأين الخلف والسلف، إن العافية هي التلف، وعند الباري تكون الزلف، إلام تكذب وتحلف والإثم لو ظهر أكلف)، وشعراً:
كلفتَ بدنيــــــــاكَ شرَّ الكلفْ فجاءتكَ مما صنعتَ الكلف
تبعتَ الغواةَ وما أســــــــلفوا فهلّا أخــــذتَ بقولِ السلفْ
وصدّقتَ نفســــــكَ في ظنِّها وكم قائـــــلٍ مانَ لمَّا حلفْ
تخلّفُ مالكَ للــــــــــوارثينَ وكانوا بعلمـــكَ بئسَ الخلفْ
ترجّي الحيــــــــاةَ وأسبابَها وتتركُ عند المليــكِ الزلفْ
ولو ظــــهرَ الإثمُ للناظرين لراعكَ في الوجهِ منه كلفْ
نصحتكَ فأذنْ إلى من يقول تلافَ أمورَك قبــــلَ التلفْ
القاف: قلبك معنى يخفق، يخاف من عاجلتك ويشفق، وبارئك هو الموفق، أصبحت من عمرك تنفق، ترفع العذر وتلفق، وأنت مطلبك مخفق، يطول تعبك فهلا ترفق.
إن خفقَ البارقُ في عارضٍ فالقلبُ من روعـته يخفقُ
تأسفُ إن أنفقــــتَ مالاً ولا تأسفُ من عمرِكَ إذ تنفقُ
تظلُّ من فقدِ الغنــــى مشفقاً ومن قبيــحِ الإثمِ لا تشفقُ
مرتفقاً من وطنٍ حافــــــظاً تسألُ ما هـــانَ فلا ترفقُ
يعودُ عن غيمكَ من شامَــه وهو شديدٌ ظمـــؤهُ مخفقُ
الكاف: سبح إلهنا الفلك، وقدس البشر والملك، والجسم في العفر يستهلك، والمرء بالعارفة يملك، والنهج للآخرة يسلك.
سبّحْ مع الشهبِ كمـــا سبَّحَ من قبلُ الفلكْ
قدّس إنسانٌ على الأرضِ وفي الجوِّ ملكْ
لا تبكِ للميتِ فكم مـــــــــاتَ كريمٌ وهلكْ
ما خبرَ الغابرِ عن دفيـــــــــنهِ أينَ سلكْ
مالكَ شيءٌ وإذا أطعتَ فــــــالرحمةُ لكْ
اللام: غرك تفصيل وجمل، والحي خدعة الأمل، سعيك فسد والعمل، ما نفعك هج ولا رمل، كأنك بين الجهل همل.
ما زلتَ مشغــــولاً بلا خشيةٍ يغرُّكَ التفصيلُ بعــد الجملْ
تحملكَ الأرضُ على ظهرِها وأنتَ سارٍ فوق ظهرِ الأملْ
ما لي أرى عينيــكَ لم تهملا كأنما أنتَ مـــــــــخلىً هملْ
ما يشفعُ الحسنُ لأصحـــابِه إن حسنَ الوجهُ وساءَ العملْ
رملتَ في مكةَ تبغي الهـدى قبلَ نهــاكَ السعي بعدَ الرملْ
الميم: أفي مسمعك حل الصمم، أم لبك أصاب اللمم، وتحسن للأنيس الهمم، وفي التراب تطوى الرمم، وفي الباطن تخان الذمم، على ذلك تمر الأمم.
مالكَ لم تـصـغـي إلى عـاذلٍ أحلَّ في المسمعِ منك الصمـمْ
أجاهلٌ أنتَ فـتـلحى على الـ ـعـصيانِ أمْ مسَّ حِجاكَ اللمـمْ
همِّتكَ العليا هوتْ في الثرى وشـيـمـة الـزاكـي علوُّ الهـممْ
لـم تـفِ بـالـذمَّـةِ لـلحـرِّ والـ ـحـرُّ مُـراعٍ وافـيــاتِ الــذمـمْ
والـذكـرُ يـبـقـى للفتى برهةً وإن توارتْ في الترابِ الرممْ
تـيـمَّـمِ الخيرَ ولا ترهبِ الـ ـموتَ فـلـلـموتِ تصيــرُ الأممْ
النون: لله الكرم والمنن، وعن بارئك تزول الظنن، لا يسترك من الجنن، وبالعاصف يراع الفنن، لا تعصمك تلك الفتن.
ويـحـكَ لا تـمـننْ على منعمٍ عـلـيـهِ فـالـخـالقُ ربُّ المِننْ
فـظـنَّ خـيـراً بـالأخلاءِ وإلـ ا فالـخـيــرُ يـخــفـو الـظـننْ
يـجـنّـكَ الـقـبرُ فلا تلفي كالـ ـمجنونِ يبغي واقياتِ الجُننْ
واقتنِ في خوفكَ ربِّ العلى وأنتَ في سـرحِكَ مثلُ الفننْ
إنـكَ قـنٌّ لـمـلـيـكٍ حوى الـ ـملكَ فلا تُـعصمُ منــــه القننْ
لـتـقـرعَ الـسـنَّ غـداً نـادماً إن كنتَ ضيَّعتَ جميعَ السُننْ
الهاء: المرء نهي فما انتهى، مازال في العاجلة يزدهى، إن قيل ما أحسن وما أبهى، فأين صاحبك لما وهى، وطالما نعم ولهى، ونال في العمر ما اشتهى، ما بين غزلان ومها، دهاه الزمن فيمن دها، والله عمر باللهى، مصور القمر والسها.
الـمـرءُ مـعـتـوبٌ عـلى فعلهِ كم سمعَ النهي فـألا انتهى
زايـلـه الـلـهـوُ وزارَ الـبــلا وطـالَمـا عايـنـتـه مُـزدهى
بـاهـى زمـانـاً بـالـذي نـالـه ثم أتى المـوتُ فـأيـنَ البـها
وهتْ عقودٌ كان في عصرِهِ أحكمها لا عـاقـدٌ ما وهـى
ما شهواتُ الــــحي إلا أذى إن نالَ من مدّته ما اشتـهى
كأن يرى في غــــزلٍ دائماً ما بـيـن غــزلانٍ له أو مها
دهاهُ بالمقدورِ لــم يــدفعِ الـ ـخطـبَ عن مهجـتهِ إذ دها
سها عن الواجــــبِ فاغتاله مصـورُ الـبدرِ وربُّ السها
الواو: أما صحبك فقد غووا، عبوا في المورد فما ارتووا، أبادتهم الأقضية حتى ثووا، خلوا للوارث ما احتووا، طواهم القدر فانطووا، ولاقتهم الآخرة بما نووا.
لا تغوِ في دنياكَ مـسـتهـتراً فإنَّ أصـحابـكَ فـيـهـا غووا
عزَّ لهم في ســربِـهم مـوردٌ لو كان يروي مثله لارتووا
نادتهمُ الأقدارُ يـا ساكني الـ أرضَ ألا تنـوونَ حتى نووا
خـلـوا أحــاديـثـهمُ واحتوى آخذُ ميراثٍ على مـا حـووا
انتشروا في عشّهمْ أعصراً ثـم طـواهـم قــدرٌ فـانــطووا
فـلـنـحـسـنِ النية من بعدهمْ فالناسُ يجزونَ على ما نَووا
اللام والألف: كلٌّ غدا يخدم أملا، يسيء فيما بطن عملا، يصبح بسيفه مشتملا، لا يطلب رزقه محتفلا، والرزق لا يترك متوكلا، لم يرد في العالم حيلا.
ما فـي الـبـسـيـطة من عبدٍ ولا ملكٍ إلا حـلـيـفَ عـنـاءٍ يـخـدمُ الأمــلا
يحثُ نـفـسـاً عـن الإحـسانِ عاجزةً وقـد أسـاءَ بـعـلـمِ الـواحـدِ الـعـملا
فهل ترى الدهر أنثى أو ترى ذكراً يـشـابـه امـرأةً في الخلقِ أو رجلا
يـرومُ بالـسيفِ رزقاً جاءَ في عنفٍ ما كان يخطوهُ في خفضٍ لو اتكلا
يـبـغـي الـمـعـالي في أوفى مجاهدةٍ فـإن تـخـلّـفَ عـنـهـا لـطّفَ الحيلا
يا ساكني الترب ما عندي لكمْ خبرٌ فلـيـتَ شعري عن المقبورِ ما فعلا
لـم تـأتِـنـا مـنـكـمُ رسـلٌ مــخــبّـرةٌ ولا كـتـابٌ إلــيــنـا مـنـكـمُ وصــلا
الياء: الحي بعد العيشة ردي، وجاءه القدر فما فدي، وشخصه بالفاضية ردي، لم يرزق النهل إن صدي، لكنه عن ذلك عدي، أظلته العاجلة فما هدي، وجادته الأسنية فما ندي، وقتلته الحادثات فما ودي.
الـمـرءُ فـي أرديــةِ لـوِّنـــت ماشٍ ولكـنْ بـعـدَ هـذا ردي
فـدى الأسـارى زمـنـاً ذاهباً وجـاءه الـمـوتُ فــألا فـــدي
فـيـا رديَّ العـقـلِ إن الـفـتى لم يـدفعِ المـقدورَ حتى رُدي
ظلَّ صداهُ في الثرى ساكـناً ولم يصادفْ منهلاً إذ صدي
رنتْ له الأعداءُ إن عايـنتْ صـاحبها عن كلِّ خيرٍ عَـدي
كان الهدى يهدى إلــى قـلبه مـن سـمـعـه لـو أنـه يـهتدي
جـادتْ لـه أسـمـيـةٌ بــرهـةً وعادَ يبسم غصنــه مـا نـدي
لا يـطـلُب الـثـأرَ لميتٍ ولا يـؤدي لـعـمر الله فيمـن ودي
انتهت رحلة المعري في هذا الكتاب ونترك الحكم للقارئ حول المقارنة بين المعاني الإسلامية التي طرقها المعري هنا والتي هي من صميم الإسلام وبين الفلسفة الإلحادية لشبنهاور.
عودا على بدء
نرى من لزوميات البحث واستكمال أدواته واستيفاء مقاصده الحديث ــ ولو باختصار ــ عن أبي العلاء وسيرته ومكانته وأدبه وباقي مؤلفاته وخصائصه النفسية وملامح شخصيته وصفاته الذاتية، ولأن المعري كان من أفذاذ الشعر وأرباب البلاغة فقد ارتأينا أن نطرق هذا الباب بالشعر ونترك الحديث عنه لمن يضاهيه شعرا.
فقد أبدع في وصفه أحد أعمدة الشعر وأحد قاماته السامقة عبر تاريخه الطويل وهو شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري في قصيدته (قف بالمعرة) التي أنصف فيها المعري وانتصف له مما ألصق به من التهم يقول في مطلع هذه القصيدة:
قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَـدَّها التَّرِبا واستَوحِ مَنْ طَـــوَّقَ الدُّنيا بما وَهَبا
واستَوحِ مَنْ طبَّب الـدُّنيا بحكْمَتَهِ ومَنْ على جُــرحها مِن روُحه سَكَبا
وسائلِ الحُفْرةَ المـرمـوقَ جانِبُها هل تبتَغي مَطْمَـعاً أو ترتجي طلَبا ؟
يا بُرجَ مفْخَرةِ الأجداث لا تهِني أنْ لم تكُــــــوني لأبراج السَّما قُطُبا
بهذه المقدمة الرائعة يستهل الجواهري واحدة من أروع قصائده والتي تعد من الملاحم الشعرية النادرة في الأدب العربي الحديث والتي ألقاها في الذكرى الألفية لأبي العلاء المعري عام 1944 في دمشق. ونلمس من هذه المقدمة إيجازاً يعطي صورة واضحة الملامح والمعالم عن شخصية أبي العلاء.
ونظرة سريعة إلى النسيج الشعري الرائع في هذه المقدمة يتبين لنا مدى الصبغة الإنسانية التي أضفاها الجواهري على أبي العلاء وخاصة في البيت الاخير الذي أعطاه فيه صفة الخلود التي لم ينلها من الشعراء إلا القلّة منهم.
جاء أبو العلاء المعري الى هذه الحياة فملأها دويّاً وكثر عنه الحديث بين مؤيد له ومتهجّم عليه، وكل هذه الاختلافات تدل على سموه وعظمته ولا تزال آراؤه تتجدد وأشعاره تتناقل حتى أخذ عنه الفلاسفة والمفكرون والشعراء في مختلف الأزمان والبلاد.
في عام 363هـ ولد في (معّرة النعمان) مَن جعل اسمها تتناقله الأفواه وأعلى شأنها على كثير من البلدان فقد كانت هذه المدينة على موعد مع ولادة أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري التنوخي الذي سيخلد هذه المدينة بحمله اسمها
في ذلك الوقت كانت هذه المدينة تحت سيطرة الدولة الحمدانية بحلب وكان أميرها يومئذ سعد الدولة أبو المعالي ولم يكن هناك ما يميّزها عن بقية البلاد حتى جاء هذا الوليد الجديد العربي النسب من قبيلة تنوخ وهي بطن من قضاعة.
كان جده سليمان التنوخي قد تولّى القضاء في معرة النعمان وكان أبوه عبد الله من أهل الأدب، أما أمّه فهي من أسرة عرفت بالوجاهة ويعرفون بآل سبيكة وقد اشتهرت منها أسماء كثيرة في عالم الأدب والعلم.
لم يتم أبو العلاء الثالثة من عمره حتى أصابه الجدري فذهبت عينه اليسرى وبعد عام غشي العين اليمنى بياض فكفّ بصره وهو طفل لا يعرف من الألوان سوى الأحمر لأنهم ألبسوه وهو مصاب بالجدري ثوباً مصبوغاً بالعصفر.
لقّنه أبوه النحو واللغة على حداثته ثم قرأ على جماعة من أهل بلده فكان مطبوعاً على الشعر وقد جاءت قريحته به قبل أن يتم الحادية عشرة من عمره كما لم يمنعه العمى عن خوض شتى العلوم فلم يبلغ العشرين من عمره حتى أحاط بسائر علوم اللغة وآدابها واكتسبها بالمطالعة والاجتهاد فكان يقيم أُناساً يقرأون له كتبها وأشعار العرب وأخبارهم وقد تمتع من جانبه بحافظة تفوق التصديق إلى درجة أنه لم يكن يرى في العمى نقصاً ففاق أقرانه كثيراً في شتى العلوم وكان يقول: (أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر).
وقد تكفف عن الناس بما يدرّ له وقف ورثه يحصل له منه ثلاثون ديناراً في العام ينفق نصفها على من يقرأ له ويخدمه.
أخذت شهرة أبي العلاء وفطنته وسعة علمه تتناقلها الأفواه في الآفاق ورحل في طلب العلم على عادة ذلك الوقت فسافر إلى طرابلس واللاذقية وسواهما من بلاد الشام ودرس العلم والفلسفة ولكنه لم يجد في هاتين البلدتين وغيرهما ما يشفي غليله إذ كانت بغداد في ذلك الوقت منارة العلم ومطمح كل طالب علم ومهوى أفئدة العلماء والمتعلمين فسافر إليها عام 398هـ وقد سبقته إليها شهرته فاستقبله علماؤها بالحفاوة فكان أبو العلاء أنفاً عزيز النفس وقوراً مهيبا.
وروى الشيخ عباس القمي في الكنى والالقاب أنه ـ أي المعري ـ لما سمع فضائل الشريف المرتضى وشهرته في العلم وسعة اطلاعه اشتاق إلى زيارته فحضر مجلسه وكان سيد المجالس في ذلك الوقت فأعجب به الشريف وقربه وأدناه فامتحنه فوجده وحيد عصره وأعجوبة دهره فأصبح أبو العلاء من روّاد مجلس الشريف وشعرائه وقد جرت بينهما مذاكرات في الرموز فوجد كل منهما في الآخر ضالته مما أثار نفوس الحاسدين وضغائن المبغضين فاخترعوا لهما قصة وضعوها للتقليل من شأنهما وهي قصة اخراج المرتضى أبا العلاء من مجلسه بسبب بيت المتنبي بزعمهم أن المعري قد نعت به الشريف وقد باينت هذه القصة الموضوعة كل الحقائق التاريخية التي أكدت العلاقة الوثيقة التي ربطت بين هذه العلمين كما فند هذه القصة كثير من الأعلام منهم السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة) وأوفى الحديث عنها ورد أباطيلها، ومما يدل على هذه العلاقة الطيبة التي جمعت بينهما أن المعري حين خرج من العراق سُئل عن الشريف المرتضى فقال:
يا سائلــــي عنه لما جئتُ اسأله ألا هوَ الرجــــــلُ العاري من العارِ
لو جئته لرأيتَ الناسَ في رجلٍ والدهرُ في ساعةٍ والأرضُ في دارِ
وقال جرجي زيدان عن المعري: (أبو العلاء المعري هو خاتمة شعراء العصر العباسي الثالث، كما كان شبيهه أبو الطيب المتنبي فاتحته ـ ونعم الفاتحة والخاتمة) (26)
وقال أحمد الإسكندري: (وكان أبو العلاء أحكم من رأى الناس بعد المتنبي، ويزيد عليه في الغريب والأخيلة الدقيقة والتكلم في الطبائع ووسائل الاجتماع وعادات الناس وأخلاقهم ومكرهم وظلمهم، ونظام الحكومات والقوانين والشرائع والأديان، ولذلك يفضله الإفرنج ومستعربوهم عليه، وهو في هذه الأمور معدوم النظير، ولم ينظم في الملة أحد غيره فيها). (28)
أقام أبو العلاء المعري في بغداد سنة وسبعة أشهر ثم غادرها إلى بلدته فأقام بها ولزم بيته متفرغاً للتأليف بعد أن اطلع على سائر العلوم ونضج عقله وأمعن النظر في الوجود فرأى الدنيا كما هي فزهد فيها وعزم على اعتزال الناس متخذاً من الكتاب سميره وأنيسه وسمّى نفسه (رهين المحبسين)؛ أي العمى والمنزل وأخذ بتدوين الأفكار والآراء يقول في ذلك الجواهري:
نوّر لنا إننــــــــــــا في أي مدّلــجٍ مما تشكــــــــكتَ إن صدقاً وإن كذبا
أبا العلاء وحتى اليوم ما برحــت صناجة الشعر تهدي المترفَ الطربا
يستنزلُ الفكرَ من عــــليا منـازلِهِ رأسٌ ليمسحَ مــــــــــن ذي نعمةٍ ذنبا
وزمرة الأدب الكابي بـــــزمـرته تفرّقت في ضــــلالاتِ الهوى عصبا
تصيّد الجاهَ والألقاب ناســــــــيةً بأن في فكرةٍ قدســــــــــــــــــــيةٍ لقبا
وأن للعبقري الفذّ واحـــــــــــــدة إما الخلود وإما المــــــــــــال والنشبا
ونظرة سريعة إلى هذه الأبيات تتبين صورة أبي العلاء الخالد والنموذج للأديب الإنساني الذي لا يتعكّز على شعره بالتملق ولا يرتزق به لممدوح أو حاكم أو صاحب مال بل يسعى لخدمة الإنسانية بآرائه دون مقابل كما فيها إشارة في البيت الأول تبرئ المعري من تهمة الزندقة الباطلة.
وبقي أبو العلاء مكبَّاً على التأليف والشعر فقضى في عزلته أربعين عاماً لا يتناول من الطعام سوى العدس والتين في الأيام القيلة التي يكون فيها مفطراً:
من قبلِ ألفٍ لَــــو انَّا نبتغي عِظةً وعَظْتَنا أنْ نصـونَ العلمَ والأدبا
على الحصيرِ وكـوزُ الـماءِ يرفده وفي الجدارِ رفوفٌ تحملُ الـكُتبا
أقامَ بالضَّجَّةِ الدُّنيــــــــــا وأقعدَها شيخٌ أطلَّ عليها مُشفـــــــقاً حَدِبا
بَكى لأوجاعِ ماضيها وحـاضرِها وشامَ مُستقْبَلاً منــــــــها ومرتقبَا
وللكآبةِ ألوانٌ، وأفجـــــــــــــــعُها أنْ تُبصرَ الفيلسوفَ الحُرَّ مـكتئِبا
واظب أبو العلاء على إقامة الفرائض بأوقاتها ولم تفته فريضة وفي بعض الأيام يتوافد عليه الناس ليستمعوا إلى أقواله وأخباره أو يكاتبوه في استفهام أو استفتاء ويأخذوا عنه العلم مجاناً فكان قطب رحى العلوم والآداب في مدينته وقد رويت عن فطنته وذكائه وسعة علمه روايات كثيرة عجيبة لامجال لذكرها الآن.
خلّف أبو العلاء مؤلفات عديدة في الدين والأدب والشعر والفكر والفلسفة وترجمت أكثر مؤلفاته إلى لغات مختلفة كالفرنسية والانجليزية والألمانية، ففي الشعر له ثلاثة دواوين هي:
1 ـــ اللزوميات: ويشتمل على أشعاره في الفلسفة والزهد والحكمة والوصف وقد ترجم بعضها إلى الإنجليزية والفرنسية ونشر في أمريكا وفرنسا وقد التزم في هذا الديوان كما دل عليه عنوانه حرفين في القافية وكتبه أثناء عزلته وهو الديوان الثالث له وكان قد كتب ديوانيه الآخرين قبل العزلة وهما سقط الزند, وضوء السقط واللزوميات ديوان كبير طبع في بومباي سنة ١٣٠٣ هـ. ثم في مصر سنة ١٨٩٥ بـ ٩٠٠ صفحة وقد ضمنه كثيراً من آرائه الفلسفية فكان له صدى كبير عند الفلاسفة والمفكرين حتى قيل: (إن أبا العلاء أتى قبل عصره بأجيال) وقد نقل أمين الريحاني بعض رباعياته إلى الانكليزية ونشرت في أميركا كما ترجم جورج سلمون بعض أشعاره إلى اللغة الفرنسية ونشرها في باريس سنة ١٩٠٤.
2 ــ سقط الزند: طبع عدة مرات.
3 ــ ضوء السقط: وهو ديوان اقتصرت كل مواضيعه على وصف الدروع طبع في بيروت سنة ١٨٩٤.
أما في الأدب والعلوم الأخرى فله ما يزيد على خمسين كتاباً منها:
4 ــ رسائل أبي العلاء: وهي في وصف الخلائق كالحيوانات والحشرات والأمكنة والبقاع والمواقف والثياب وغيرها وهي في ثمانمائة كراس ولكن أغلبها قد ضاع وقد ترجم ما بقي منها المستشرق الانجليزي مرجليوت وطبعت في أكسفورد عام (1898) مع مقدمة وشروح وتعاليق له
5 ــ الأيك والغصون: أو (الهمزة والردف) وهو في أخبار العرب يقول عنه السيد جواد شبر: (وهو يقارب مائة جزء ضاع منذ بضعة قرون وإنما ذكرناه لعل أحداً يعثر على شيء منه إذ يظهر أنه عظيم الأهمية فقد قال فيه الذهبي: (حكى مَن وقف على المجلد الأول بعد المائة من كتاب الهمزة والردف فقال : لا أعلم ما كان يعوزه بعد هذا المجلد ؟) (29)
7 ــ ملقى السبيل وهي رسالة فلسفية هي موضوع هذا البحث
8 ــ فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذكره الحموي في معجم الأدباء
9 ــ رسالة الغفران: وهي رسالة فلسفية خيالية مبتكرة في الأدب العربي وقد اقتبس منها الشاعر الإيطالي دانتي في (الرواية الإلهية) والشعر الإنكليزي (ملتن) في (ضياع الفردوس) وقد طبعت هذه الرسالة بمصر سنة ١٩٠٦وقد لخصها السيد جواد شبر في مجلة الهلال.
وفضلاً عن هذه المؤلفات فقد عُني المعري بشرح كتب هامة منها:
1 ــ شروح الحماسة
2 ــ ديوان المتنبي بشرحين هما: (اللامع العزيزي) و (معجز أحمد).
3 ــ شرح شعر البحتري .
4 ــ شرح شعر أبي تمام .
كما ألف في الأدب أيضا من الكتب:
1 ــ اسعاف الصديق .
2 ــ الأمالي في الأدب.
3 ــ تاج الحرة في عظات النساء خاصة.
4 ــ تفسير خطبة الفصيح في اللغة.
5 ــ ثقة الواعظ .
6 ــ جامع الأوزان الخمسة.
7 ــ النافع في النحو .
8 ــ حماسة الراح في ذم الخمر .
9 ــ خادمة الرسائل .
10 ــ رسالة الصاهل والساجح .
11 ــ رسائل المعونة .
12 ــ سجع الفقيه في النحو .
13 ــ كتاب العظة والزهد.
14 ــ كتاب الفائق: وهو على نسق كليلة ودمنة.
15 ــ مبهج الأسرار .
توفي أبو العلاء سنة 449 هـ عن 86 سنة ولما مات أنشد على قبره أربعة وثمانون شاعراً مراثٍ منها هذه الأبيات لعلي بن الهمام من قصيدة طولية:
إن كنتَ لم ترقِ الدماءَ زهادةً فلقد أرقتَ اليومَ من جفني دما
سيّرتَ ذكـــراً في البلاد كأنه مسكٌ مســامعها يضمّخ أو فما
ونرى الحجيجَ إذا أرادوا ليلة ذكراكَ أوجـب فدية من أحرما
يقول: إن ذكرى أبي العلاء طيبٌ، والطيب لا يحل لمحرم وإن أتاه فتجب عليه فدية
وتبقى قصيدة الجواهري من أروع ما كتب عنه يقول في دفاعه عنه بما اتهموه به
نعوا عليكَ – وأنت الــنور – فلسفةً سوداءَ لا لـذَّةً تبـــــغي ولا طرَبا
وحمَّـــــلوكَ – وأنـتَ الـنارُ لاهبةً - وِزرَ الــذي لا يُحسُّ الحُبَّ ملتهبا
لا موجةُ الصَّــــــدرِ بالنهدينِ تدفعه ولا يَشـقُّ طـريقاً في الهوى سَربا
ولا تُدغـــــــــــــــــدِغُ منه لذَّةٌ حُلُماً بل لا يُطـيـــقُ حديثَ اللذَّةِ العذِبا
حاشاك ، إنَّكَ أذكى في الهوى نفسَاً سَمْحاً ، وأسلسُ منهمْ جانباً رطِبا
لا أكذبنَّكَ إنَّ الحُـــــــــــــــبَّ متَّهمٌ بالجَور يــأخذ مِنَّا فــــوقَ ما وَهبا
فالمعري من قادة الفكر ودعاة الحق ولا يمكن لداعي الحق أن يزيغ عن طريق الله طريق الحق:
آمنت بـالله والنورِ الــــــذي رسمَتْ به الشـــــــــــرائعُ غُرّاً منهجاً لَحِبا
وصُنتُ كَّل دُعاةِ الحـــــقِّ عن زَيغٍ والمُصلحينَ الهداةَ ، العُجْمَ والعَرَبا
وقد حَمِــدتُ شفيعاً لي على رَشَدي أُمّاً وجـــــدتُ على الإسلامِ لي وأبا
ولعل آخر مرثية له هي ما كتبته عنه وهو عذيري أنها جاءت بعد قرون:
تمخّضـــــــتْ أمُّه أعــــمى يلوحُ به ما لم تُحــــــــــطه أوالي قومِها خُبرا
ومن أبٍ لم يـــــــــــــــكن إلّا لنطفتهِ يدٌ عليه وبــــــــــــــذرٌ يُفرعُ الشَّجَرا
تصلصلتْ في سحيقِ الرفضِ سحنتُه فكــــــان يــنفـثُ من أوداجِها الشَّرَرا
ولقّنته ضروعُ الحــــــــزنِ أغنيةَ الـ ــموتى فــصـــــاغَ لها من قلبهِ الوَتَرا
وخطَّ في لوحةِ الأســـــــفارِ خطوتَه حتى اســتشـــفَّ على أنساغِها القدرا
ولم يـــــجدْ في المدى من يومِ مولده حبيــــــــــــبةً فانتقى في دربهِ القمرا
يفتـــــــــضُّ ما قدّرتْ أوزارُ محنتهِ بصمتــــــــــــــهِ ورؤاهُ تلجمُ البصرا
في دجلةٍ في فراتٍ في معـــــــــرَّته في روحِ بغـدادَ ألقى (السقطَ) فانهمرا
تلا بليلتهِ نجوى المــــــدى ومضى يجسُّ منفــــــــــــاهُ حتى أوقدَ السحرا
أفنتْ تراتيلُه في سجــــــــنِ غربتهِ كل التضاريسِ حتى استنفرت عُصُرا
وشجَّرَ الحـــــــزنَ من أنفاسِ قافيةٍ على التـــــــآويلِ روحاً أوجعَ المَطَرا
وأوصدَ الأفــــقَ في نجواهُ محتكراً نبضَ الأقــــــاويلِ ندّى حلمُه الوطرا
أبا العـــــــــلاء علتْ عينيَّ غاشيةٌ حتى رأيتــــــــــــكَ فيها تزجرُ البشرا
(أعمى يقودُ بصيـــــراً لا أبا لكم) من لم يقـــــــــــده ضـميرٌ صادقٌ كفرا
أحكمةٌ ؟ أم جنى الأقدارِ؟ أم عظةٌ ؟ أم رب نــــافـــــــعةٍ قد خلّفتْ ضررا
أن توقدَ الحبَّ في الأحداقِ اغــــنيةً وما تداركَ منه المبــــــــــصرُ الأثرا
محمد طاهر الصفار
الهوامش
..........................................................
1 ــ ديوان أبي العلاء المعري ص 341
2 ــ اللزوميات ص 76
3 ــ ديوان أبي العلاء ص 371
4 ــ نفس المصدر ص 441
5 ــ اللزوميات ص 112
6 ــ اللزوميات ص 153
7 ــ ديوان أبي العلاء ص 589
8 ــ أدب الطف ج 2 ص 312
9 ــ معجم الأدباء من ص 295 إلى ص 356
10 ــ حكيم المعرة
11 ــ الإنصاف والتحرّي في دفع الظلم والتحرّي عن أبي العلاء المعري
12 ــ ج 4 ص 78 ــ 180
13 ــ الغدير ج ٤ ص ٣٠٣
14 ــ نسمة السحر فيمن تشيع وشعر
15 ــ أدب الطف ج 2 ص 300
16 ــ أعيان الشيعة ج ٣ - ص ١٦ ــ 17 ــ 18
17 ــ اللزوميات ص 305
18 ــ الكنى والألقاب ج ٣ ص ٦١
19 ــ هود 103 ــ 104
20 ــ أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء ج ٤ ص 157 عن تاريخ الإسلام للذهبي
21 ــ معجم الأدباء / ياقوت الحموي ص 132 ــ 133
22 ــ أدب الطف ج 2 ص 311
23 ــ حسن حسني عبد الوهاب (1301 ـــ 1388هـ / 1884 ــ 1968 م)، أديب ولغوي ومؤرّخ تونسي.
24 ــ ج 4 ص 475
25 ــ نفس المصدر ج 2 ص 769
26 ــ ص 2
27 ــ ص 4
28 ــ تاريخ آداب اللغة العربية
28 ــ آداب اللغة العربية ص ٢٧٩
29 ــ أدب الطف ج 2 ص 311
...........
انتهى/ 278
المصدر : العتبة الحسينية المقدسة
الخميس
١٩ نوفمبر ٢٠٢٠
٣:٤٨:٤٩ م
1087749
شعر أبي العلاء طافح بشذى التشّيع والولاء لأهل البيت (ع) وأبرز قصائده في ذلك قصيدته النونية الرائعة في رثاء أمير المؤمنين (ع) وسيد الشهداء الإمام الحسين (ع) والتي يقول فيها: وعـلـى الـدهرِ من دماءِ الشهيديـ ـنِ عـلـيٍّ ونـجـلِـهِ شـاهدانِ