وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ أقبل أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) يوم عاشوراء إلى أخيه الإمام الحسين (عليه السّلام) ؛ فقبّل ما بين عينيه واستأذنه في البراز فلم يأذن له، وطلب منه الاستقاء للأطفال فودّعه ممتثلاً أمره، وحمل القربة واتّجه نحو الفرات .
العبّاس (عليه السّلام) وسقايته الأولى..
نعم ، إنّ السِّقاية هي عمل الأبرار والصالحين، ودأب ذوي المكانات والمروءات، ولها أجر عظيم وثواب جزيل ، وقد نال شرفها وحصل على أرفع وسام فيها المولى أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام)...
ففي التاريخ أنّه لمّا كتب ابن زياد إلى ابن سعد بأن يمنع الماء عن الإمام الحسين (عليه السّلام) ويحرّمه عن أهل بيته، قلّ الماء في الخيام وعند معسكر الإمام الحسين (عليه السّلام) ، فاستدعى (عليه السّلام) أخاه العبّاس وضمّ إليه عشرين فارساً وأرسله إلى الفرات ليستقي لهم ، والظاهر أنّ هذا الاستقاء كان في مساء يوم السابع من المحرّم ، أي ليلة الثامن منه .
فأقبل العبّاس (عليه السّلام) بهم نحو الفرات، وكان الوقت ليلاً والظلام قد طبق الكون وغطّى بأجنحته السوداء كلّ مكان، وكان ما بين الفرسان العشرين هلال بن نافع البجلي، وكان بينه وبين الموكّل على الفرات عمرو بن الحجاج قرابة وصداقة، فتقدّم هلال الفرسان واقتحم الفرات فأحسّ به عمرو فصاح :
مَنْ الوارد ؟ أجاب هلال : أنا واحد من أولاد عمّك ، جئت لأشرب الماء ، فعرفه عمر وقال له : اشرب هنيئاً مريئاً .
هنا انتهز هلال الفرصة ليقدّم نصيحته لابن عمّه عمرو ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر ، ولذلك قال له : يا عمرو ، أتأذن لي بشرب الماء وتمنعه من ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته وهم عطاشى ؟!
هزّ هذا الكلام كيان عمرو وأوقفه على سوء فعله وشناعة أمره، لكنه سرعان ما غضّ عنه بصره وأغفل عن وقعه قلبه ، وأخذ يوجّه موقفه غير الإنساني بقوله : صحيح كلامك ، ولكن ما أفعل والأمر ليس بيدي ، وإنّما أنا مأمور وعليّ التنفيذ .
قرأ هلال عبر هذا الكلام كلّ ما يدور في نفس عمرو من تسويلات الشيطان ، وكل ما يحمل في ذهنه من مكائد النفس والهوى ؛ ولذلك أعرض عن جوابه وتوجّه نحو فرقة السِّقاية وقال : هلمّوا واملؤوا أوعيتكم من الماء .
اقتحمت فرقة السِّقاية وفي مقدّمتها أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) الفرات وملئوا أوعيتهم ، وذلك بعد أن انقسموا إلى فرقتين : فرقة تقاتل الأعداء وتشغلهم بذلك ، وفرقة يملؤون أوعيتهم ، حتّى إذا فرغوا من ملء أوعيتهم واتّجهوا نحو الخيام، فتركت الفرقة الثانية القتال وأحاطوا بالفرقة الأولى وساروا معاً نحو المخيّم ، وكان حصيلة هذه المهمّة قتل عدّة من جيش العدو، وجرح عدّة آخرين من محافظي الشريعة الذين كانوا يبلغون أربعة آلاف تحت قيادة عمرو بن الحجاج ، ووصول أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) ومَنْ معه بالماء إلى المخيّم سالمين .
وعلى إثر هذه المهمّة عُرف أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) حيث أوصل الماء بسلامة إلى الخيام بـ (السّقاء) ، ولُقّب بساقي عطاشى كربلاء، وكانت هذه السِّقاية التي قام بها أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) هي أُولى سقاياته في كربلاء بعد منع الماء عنهم وتحريمه عليهم، ومنها عُرف بالسّقاء... ولكن لم تكن هي الأولى والأخيرة ، وإنّما كانت هناك سقايات اُخرى قام بها أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) في كربلاء أيام ضرب الحصار عليهم ، نذكر منها :
السِّقاية الثانية..
وقد جاء في هامش منتهى الآمال للمحدّث القمّي، عن كتاب المحاسن والمساوئ للبيهقي في ورود الإمام الحسين (عليه السّلام) وأهل بيته وأصحابه بكربلاء ما مضمونه : أنّه كان بين معسكر الإمام الحسين (عليه السّلام) والفرات فاصلة قريبة، فحال الأعداء بين الإمام الحسين (عليه السّلام) ومنعوا أصحابه من الوصول إليه ، فصاح الشمر فيهم قائلاً : انظروا إلى هذا الماء كيف يجري كبطون الحيّات ، لا ندعكم تذوقون منه شيئاً حتّى تردوا الحامية .
عندها التفت أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) إلى أخيه الإمام الحسين (عليه السّلام) وقال : ألسنا على الحقّ ؟ فأجابه الإمام الحسين (عليه السّلام) : (( بلى والله ، نحن على الحقّ))، فاستلهم أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) من جواب أخيه الإمام الحسين (عليه السّلام) الإذن في الاستقاء ، وطلب الماء للنساء والأطفال الذين أضرّ بهم العطش في الخيام فحمل عندها على القوم الموكّلين بالفرات حملة أزالهم عن الماء وكشفهم عن الشريعة، وخلّى الطريق بين معسكر الإمام الحسين (عليه السّلام) وبين الفرات حيث تسنّى للإمام الحسين (عليه السّلام) وأصحابه أن يشربوا من الماء، ويحملوا منه معهم إلى النساء والأطفال، وكانت هذه السِّقاية على الظاهر في اليوم التاسع من المحرّم وذلك بعد ورود الشمر بن ذي الجوشن الى كربلاء .
السِّقاية الثالثة..
ثمّ لمّا كان يوم عاشوراء وبدأ ابن سعد القتال، وشنّ الحرب على آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثر الشهداء في صفوف الإمام الحسين (عليه السّلام)..، عندها أخذ الإمام الحسين (عليه السّلام) ينادي إتماماً للحجّة ودفعاً للعذر : (( أما من مغيث يغيثنا ! أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلمّا سمع ذلك أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) أقبل إلى أخيه الإمام الحسين (عليه السّلام) ؛ فقبّل ما بين عينيه واستأذنه في البراز فلم يأذن له، وطلب منه الاستقاء للأطفال فودّعه ممتثلاً أمره، وحمل القربة واتّجه نحو الفرات .
فلمّا أراد أن يقتحم الشريعة أحاطوا به ليمنعوه ، ففرّقهم وهو يقول : أنا العبّاس بن علي ، أنا ابن أُختكم الكلابيّة ، أنا عطشان وأهل بيت محمّد (صلّى الله عليه وآله) عطاشى ، وهم يذادون عن الماء وهو مباح.. فدخل عليه السلام الفرات وملأ القربة وخرج بالماء نحو المخيّم ، فاعترضه الموكّلون بالشريعة ليمنعوه من إيصال الماء إلى المخيّم... وهي السقاية الثالثة والاخيرة والتي لم تروي عطش الحسين وعياله.
فسلام عليك سيدي ابا الفضل ولعن الله من قتلك وجهل حقك واستخف بحرمتك.. ولعن الله من حال بينك وبين ماء الفرات..
من كتاب ( الخصائص العباسية )
للشيخ محمد إبراهيم الكلباسي النجفي.. ص118-120
........
انتهى/ 278
المصدر : العتبة الحسينية
السبت
٥ سبتمبر ٢٠٢٠
٥:٠٦:٤٣ م
1068077
إنّ السِّقاية هي عمل الأبرار والصالحين، ودأب ذوي المكانات والمروءات، ولها أجر عظيم وثواب جزيل ، وقد نال شرفها وحصل على أرفع وسام فيها المولى أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام).