وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ انعقدت ندوة إلكترونية عبر الإنترنت تحت عنوان اهل بيت الرسول الأعظم عليهم السلام محور الحج الابراهيمي، وذلك برعاية المجمع العالمي لأهل البيت (ع) يوم الثلاثاء الموافق 7 ذي الحجة 1441 الساعة الثانیة مساء بتوقیت طهران .
وشارك في هذه الندوة أيضا الأستاذة في الحوزة العلمية العالمة الفاضلة أم عباس الطاهر النمر، و ألقت كلمة قيمة خلالها تحت عن دور أهل البيت (ع) في الأحكام الإلهية.
وفيما يلي نص كلمتها:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
أتقدم بالشكر أولا للجنة القائمة على هذا البرنامج والمجع العالمي لأهل البيت (ع) لإتاحتهم الفرصة لي لتقديم هذا الواجب البسيط تجاه أهل البيت (ع) وتجاه هذا المجمع المبارك، والذي أخذ على عاتقه خدمة الدين الإسلامي الأصيل والمتمثل في المذهب الحق لأهل البيت (ع)، وقدم الكثير وعلى مدى عقود من الزمن.
مقالي هذا بعنوان: "الأئمة والحج وبيت الله المعظم مشتركة"، إذ لم يكن أهل البيت صلوات الله عليهم هداة التشريع الإلهي فحسب؛ بل أن هناك نسبة انطباق كاملة بينهم وبين التشريعات الإلهية، وكانوا (ع) هم الممثل الحي والحسي لتلك التشريعات والأحكام الإلهية.
وكنموذج لذلك نختصر الحديث حول أوجه من التطابق بين فريضة الحج وبيت الله المعظم وبين الرسول (ص) وآل بيته (ع) في الشرف والبركة والموقعية والمرتبة والطهارة والمرجعية والهداية للناس كافة، بل وفي كل الأحكام.
1ـ الاشتراك في العظمة:
نتبين من القرآن الكريم أن فريضة الحج هي من أعظم شعائر الإسلام، وأن من سّوف الحج حتى يموت بعثه الله تعالى شأنه يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا كما جاء في الرواية ، وهذا الجزاء الوخيم لتارك الحج وهو مستطيع والحكم عليه بالكفر العملي لم يرد بشأن أي من العبادات الإسلامية قال تعالى: (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمرا: 97،وقد أورد أستاذنا الشيخ جوادي الآملي في كتابه تسنيم في تفسير الآية الشريفة: أن الإيمان مزيج من العقيدة والعمل بالأركان، وترك أي منها يعد كفرا بذلك الفرع، أما الكفر الأصيل فهو الإنكار القلبي وسلب الإيمان والاعتقاد.
ويناظر تلك العظمة ما لأهل البيت (ع) من مكانة رفيعة وعالية عند الله عز وجل.
فقد أسس القرآن الكريم بعمق وبقوة لموضوع ارتباط الرسائل الإلهية ببيوت مصطفاة ومنتخبة من قبل الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) 33-34، فنلاحظ الآية الشريفة تتحدث عن اصطفاء فردي لأول الأنبياء (ع) آدم ونوح (ع)، ثم انتقلت للحديث عن آل بيت مصطفين ومنتخبين بأجمعهم: آل إبراهيم وآل عمران، والمعروف أن آل عمران هم من ذرية إبراهيم (ع) كما جاء في صريح الآية الكريمة التي بعدها: ذرية بعضها من بعض، ولم تتخلف هذه السنة الإلهية الثابتة في الرسالة الإسلامية المحمدية؛ فقد أعلن القرآن الكريم استمرارها في آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم، وبينها بأشكال وأنواع وطرق البيان؛ أفصحه وأبلغه وأوضحه والذي لا يرتاب فيه المنصف والعارف بأحكام اللغة، وصريح القرآن الكريم أن الله اصطفى آله صلوات الله عليهم كما اصطفى رسوله الأكرم (ص) وطهرهم كما طهره قال تعالى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا الأحزاب: 33
وبنفس القوة والعمق قد تحدث القرآن الكريم عن متعلق الاصطفاء فقال تعالى: ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا .
وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا
مريم 54-55. إلى أن يقول عز من قال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا) مريم: 58، فعرفنا متعلق الاصطفاء هو حملهم للرسالة وكونهم الممثل الخارجي الحي لها بكل أحكامها الإلهية، وهنا فقد قسمت الآية الشريفة المنعم عليهم إلى النبيين وإلى من هداهم الله جل جلاله واجتباهم ولم يكونوا أنبياء؛ وهم آل النبي (ص). فهم صلوات الله عليهم من البيوت الرفيعة والعظيمة التي خصها الله تعالى بالاصطفاء.
2-الاشتراك في الأولية الحقيقة:
إن البيت الحرام هو الأول الذي وصعه الله عزوجل معبدا للناس إذ قال تعالى: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين. آل عمران: 96، والمراد بالأولية هنا ليست أولية عددية أو الزمانية، إنما أولية نوعية وحقيقة، وتقدم غير مسبوق بمعبد لله تعالى في المنزلة والرتبة والمنفعة والبركة.
كذلك قال الله تعالى في حق النبي الأعظم صلوات الله وسلامه عليه:قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ الأنعام: 162-163.
وقد جاء في تفسير الميزان: أن هذه الآية دلالة على أن النبي (ص) أول الناس؛ من حيث درجة الإسلام ومنزلته؛ فإن قبله زماناً غيره من المسلمين، فرسولنا الأكرم (ص) هو الأول في الرتبة والمنزلة والشرافة.
وعلي(ع) أول القوم إسلاما؛ لا من حيث الزمان فحسب، بل بالمرتبة كذلك، ونفسه نفس رسول الله (ص) وآلهما السابقون السابقون، وقد جاء في الروايات أن المراد بالسابقين هو علي وأبنائه (ع)، وحيث أن الآية الشريفة جائت مطلقة عرفنا أنهم سابقون لك فضيلة ومكانة رفيعة.
3ـ الاشتراك في المرجعية للناس:
إن بيت الله المعظم قد وضع للناس مباركا وهدى للعالمين، قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) آل عمران: 96، ويقول أستاذنا الشيخ جوادي الآملي في شرح الآية الكريمة: يتفق إطلاق الآية مع مقولة أن جميع شعوب العالم كانت وجهتهم واحدة في العبادة وهي الكعبة المشرفة، فلا يستقيم الإطلاق مع القول بغير الكعبة قبلة مطلقة لجميع أهل الأرض. وإذا كان بيت المقدس قد شرّع كقبلة للناس وفقاً لنص خاص؛ فإن ذلك لجهة تخصيص العموم أو تقييد الإطلاق.
وكذلك هو رسول الإسلام (ع وآل البيت (ع) فقد قال الله تعالى: (وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) النساء: 79، فهو (ص) وآله مرجع منصب من قبل الله تعالى للناس كافة، وأهل البيت (ع) كذلك؛ فقط جاء في الحديث النبوي الصحيح تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما، لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي ولا شك أن هناك تساو بين وظيفة النبي (ص) في المرجعية التي أعطاه الله وبين مرجعية خلفائه حيث لم تقيد الخلافة بقيد الخلافة بقيد، وحديث "خلفائي اثنا عشر" كفيل بإثبات عمومية مرجعيتهم (ع) وهو واضح.
4- الاشتراك في الخاتمية:
لم يلحق بيت الله المعظم بأي معبد آخر بعده يتوجه إليه العباد في الزلفى والتقرب لله جل وعلا والأوب والعود إليه، بل بيت الله تعالى هي الخاتمة لكل الجهات والأماكن والبقاع المشرفة التي أمر الله تعالى عباده كافة بتعظيمها وإظهار الاحترام بتوجيه أنفسهم أثناء الصلاة باتجاهها.
يقول تعالى: (َحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة: 150، وكذلك هو محمد (ص) وآله (ع) وهو خاتم الأنبياء والرسل:(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) الأحزاب: 40، وكذلك يقول الله عز وجل في شأن ولاية علي (ع): (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة: 3.
وأخيرا وليس بآخر، فإنه إذا اتخذ المسلمون الكعبة المشرفة وبيت الله المعظم مرجعا وملاذا وشرفا وجهة ومجمعا وقد اتحدوا في عبادتهم هذه على كلمة التوحيد وطاعته سبحانه الممثلة بالتفافهم حول بيت الله العتيق، فلا داعي ولا مبرر للخشية من عدوهم ومنائيهم، وسيكونوا حينها قد دخلوا في حصن الله تعالى الآمن: "لا إله إلا الله" حصني من دخل حصني أمن من عذابي وستبقى لهم الحجة على الناس القولية والفعلية والعلمية والعملية.
يقول تعالى بعد أمر المسلمين باتخاذ البيت الحرام قبلة لهم: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) البقرة 150، وكذلك إذا ما أتخذ المسلمون أهل البيت (ع) مرجعا وتقربوا لله تعالى بمودتهم وتشرفوا بالطاعة والانقياد لهم يكونوا قد دخلوا في حصن الولاية: "ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي".
حينها لن يجرؤ عليهم ويتجاسر عليهم أحد وسيكونوا منيعوا الجانب؛ يهاجم عدوهم ولا يهابون ويخشون الله ولا يخشون غيره: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة: 3.
.......
انتهى/ 278