وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ وبين الامس واليوم مائة عام حافلة بالمواقف البطولية الحكيمة والمشرفة والشجاعة لمراجع الدين والعلماء في ميادين الثورة والجهاد.
"أما بعد فإن إخوانكم في بغداد والكاظمية والنجف وكربلاء، وغيرها من أنحاء العراق، قد اتفقوا فيما بينهم على الاجتماع، والقيام بمظاهرات سلمية، وقد قامت جماعة كبيرة بتلك المظاهرات، مع المحافظة على الأمن، طالبين حقوقهم المشروعة المنتجة لاستقلال العراق إن شاء الله بحكومة إسلامية.. فالواجب عليكم، بل على جميع المسلمين، الاتفاق مع إخوانكم في هذا المبدأ الشريف، وإياكم والإخلال بالأمن، والتخالف والتشاجر بعضكم مع بعض، فإن ذلك مضر بمقاصدكم، ومضيع لحقوقكم التي صار الآن أوان حصولها بأيديكم، وأوصيكم بالمحافظة على جميع الملل والنحل التي في بلادكم، في نفوسهم وأموالهم وأعراضهم، ولا تنالوا أحدا منهم بسوء أبدا... ان مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم في ضمن مطالباتهم، رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الإنكليز من قبول مطالبهم".
هذه مقتطفات من الفتوى الشهيرة للمرجع الديني الميرزا محمد تقي الشيرازي (1842-1920م)، التي كان لها الاثر الكبير في اندلاع ثورة العشرين(30 حزيران 1920) في العراق قبل مائة عام ضد الاستعمار البريطاني، وتحديد مسارات الثورة واهدافها، فضلًا عن الأطر والضوابط الشرعية للتحرك العسكري والميداني والسياسي.
ولا شك أنه مما لا يختلف عليه اثنان من العراقيين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم القومية والدينية والمذهبية والمناطقية، هو أن ثورة العشرين، تعد من بين أبرز الأحداث التي شهدتها البلاد (العراق) في تاريخها الحديث، بل لعلها مثلت نقطة التحول الكبرى بين مرحلتين أو عهدين، وما ميزها عن سواها من الوقائع والأحداث التاريخية جملة أمور من بينها أن كل فئات وشرائح ومكونات المجتمع العراقي اشتركت فيها، من علماء ورجال الدين الى شيوخ ووجهاء وأبناء عشائر، الى النخب الثقافية والاجتماعية من طلبة وأساتذة وساسة وأعلام فكر، من العرب والأكراد والتركمان، ومن الشيعة والسنة، ومن أبناء الوسط والجنوب والفرات الأوسط والشمال، اذ برز الى جانب أسماء علماء الدين شيوخ ووجهاء العشائر، والزعماء السياسيون، والمثقفون والمفكرون.
هذا جانب، والجانب الآخر الذي لا يقل أهمية، هو أن تلك الثورة التي انطلقت من مدينة الرميثة جنوب البلاد، امتدت الى مختلف المدن والمناطق، لتنفتح الجبهات على البريطاني المحتل وتربك كل أوضاعه وترغمه على اعادة حساباته.
والنقطة الجوهرية والمهمة التي تمحورت حولها مجمل المطالب والأهداف، والتي شكلت نقطة التقاء وتوافق الجميع، هي انهاء الاحتلال البريطاني الجاثم على صدور العراقيين واقامة الحكم الوطني المعبر عن تطلعات وطموحات أبناء البلد، وهذا ما جعل كل العراقيين ينتفضون ويثورون بكل شجاعة وجرأة واقدام بشعارات موحدة وقيادة واحدة وبمسار واحد ونحو هدف واحد.
وارتباطًا بفتوى الميرزا الشيرازي، ومعطيات أخرى، يمكن القول إن المرجعية الدينية والحوزة العلمية كانت من العناوين البارزة في ثورة العشرين الخالدة، من حيث انطلاقتها وتوجيه مساراتها وتحديد أهدافها.
ولعل من يدقق في جوهر ومضامين الرؤية الشرعية للمرجعية الدينية لثورة العشرين، يجد أنها لم تختلف عن الرؤية الشرعية للمرجعية الدينية في الوقت الحاضر والمتمثلة باية الله العظمى السيد علي السيستاني بخصوص الحرب ضد الارهاب التكفيري والوجود الاجنبي في البلاد والسيادة الوطنية وتحقيق الاصلاح ومحاربة الفساد.. وبين الامس واليوم مائة عام حافلة بالمواقف البطولية الحكيمة والمشرفة والشجاعة لمراجع الدين والعلماء في ميادين الثورة والجهاد.
وبنفس القدر، فإن أبناء عشائر الفرات الأوسط والجنوب والوسط والشمال، من ال فتلة والظوالم وبني حجيم وال شبل والياسرية وال زوبع والبرزنجية، ساهموا بفاعلية في تلك الثورة، وهم الذين بادروا الى رفع راية المواجهة والتصدي للاحتلال البريطاني، واظهروا شجاعة فائقة قل نظيرها رغم التفاوت الكبير في الامكانيات البشرية والمادية التي كانت بحوزتهم، والامكانيات البشرية والمادية التي كان يمتلكها المحتل البريطاني.
فثورة العشرينَ -مثلما يرى الكثير من المفكرين والكتاب والساسة والاكاديميين وأصحاب الرأي- تعد ثورة وطنية خالصة، صنع مقدماتها وحرك أغلب أحداثها علماء الحوزة العلمية، فكانت ثورة علمائية بامتياز، تخطيطًا وتنظيمًا، حيث كانت توجيهات المرجعية وفتواها هي العامل والمحرك الأول للجماهير باتجاه المطالبة بحقوقهم المشروعة، ومواجهة مخططات المحتل الذي بان للقاصي والداني كذب وعوده، ولم تكن الثورة المسلحة هدفًا للمرجعية الدينية، بل كان هدفها الاوسع والاشمل هو الإصلاح.
لقد ارتبطت أهمية ثورة العشرين بالظروف التي أحاطت بها ورافقت اندلاعها وبالنتائج التي انعكست فيما بعد على مستقبل العراق دولة وشعبًا، وفي ضوء ذلك، حظيت الثورة باهتمام واسع من قبل الكثير من الباحثين في داخل العراق وخارجه، والذين حرصوا على توثيق وتدوين كل تفاصيلها وجزئياتها، بالشكل الذي أبرز العوامل المؤثرة والمساهمة في نجاحها وكذلك النتائج والمعطيات المباشرة وغير المباشرة التي انتهت اليها، فضلا عن المعوقات والعراقيل التي تسببت في بعض جوانب الاخفاق والفشل فيها.
فتأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921، وانهاء الانتداب البريطاني فيما بعد، والتأسيس للحكم الوطني، تعتبر من المخرجات والنتائج المهمة لثورة العشرين، مع بقاء العديد من المظاهر والحقائق السلبية قائمة، لأن البريطانيين لم يذعنوا ويستسلموا بالكامل، وواصلوا منهجهم العدواني والعمل بالعقلية الاستعمارية بوسائل وادوات مختلفة، ربما يمكن أن نلمس أمثالها وأشباهها في ظل الاحتلال والوجود الاميركي في العراق منذ أكثر من سبعة عشر عاما.
بعبارة أخرى، اذا لم تكن ثورة العشرين قد حققت كل الأهداف والطموحات والتطلعات، فإنها أسست ومهدت لواقع جديد، لم يكن ممكنًا بأي حال من الأحوال تجاهله والقفز عليه، لأنه لم يكن منفصلًا عن مجمل تفاعلات الثورة وظروفها ومعطياتها ومخرجاتها، وأكثر من ذلك فإن المحطات المهمة التي مرت بها البلاد خلال المائة عام المنصرمة، لم تكن بعيدة عن جوهر وروح ثورة العشرين الممتدة من الأجداد الى الأحفاد، لا سيما وأن عبارة "ثورة العشرين الثانية" ترددت كثيرًا قبل بضعة شهور، في اطار توصيف الحراك الجماهيري الواسع الذي شهدته العاصمة بغداد ومدن عراقية أخرى في الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني - يناير الماضي، ضد الوجود الأجنبي الأميركي، بعد ثلاثة أسابيع من اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس قاسم سليماني بعملية اميركية غادرة قرب مطار بغداد الدولي.
بغداد: عادل الجبوري
...........
انتهى/ 278
المصدر : وكالة تنا
الأربعاء
١ يوليو ٢٠٢٠
٥:٤٤:٠٨ م
1051978
لعل من يدقق في جوهر ومضامين الرؤية الشرعية للمرجعية الدينية لثورة العشرين، يجد أنها لم تختلف عن الرؤية الشرعية للمرجعية الدينية في الوقت الحاضر والمتمثلة بآية الله العظمى السيد علي السيستاني بخصوص الحرب ضد الارهاب التكفيري والوجود الاجنبي في البلاد والسيادة الوطنية وتحقيق الاصلاح ومحاربة الفساد.