وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : khamenei.ir
السبت

٢٣ مايو ٢٠٢٠

١٠:٢٩:٤٠ ص
1039619

ربيع القرآن

الدرس القرآني الثامن والعشرون؛ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مّ

كلّ واحد من الأنبياء الذين بُعثوا بالنبوّة، كان يمارس عمليّة التربية والتعليم ضمن الحدّ الذي تسمح به إمكانات زمانه؛ لكنّ الدين الخاتم كان ينبغي أن يمنح الخلود لهذه الحركة الإلهيّة العظيمة؛ لأنّه لن يُبعث نبيّ آخر ويجب أن يُوصل هذا الدين البشر إلى المقصد النهائي في هذا العالم. يجب أن تستمر عمليّة التربية والتعليم في هذا المجتمع البشري بواسطة قوّة المعصوم السياسيّة كي يتسنّى الوصول إلى تلك النقطة التي تمثّل انطلاقة لحياة كلّ البشر السعيدة، ونحن نعتقد بأنّها مرحلة صاحب العصر والزمان (أرواحنا فداه).

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي خلال أيّام شهر رمضان المبارك بشكل يومي مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته. وقد تمّ إعداد هذه الدّروس تحت عنوان "ربيع القرآن" بشكل تراتبيّ من الجزء الأوّل حتّى الجزء الثلاثين من القرآن الكريم حيث سوف يُنشر في كلّ يومٍ من أيّام الشهر الفضيل درسٌ من هذه الدروس على الموقع الرّسمي وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي.

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ
سورة الجمعة المباركة ﴿۲﴾

التعليم والتربية؛ تمهيد للانتفاع بخيرات العالم

لقد بُعث النّبي ليعلّم النّاس ويزكّيهم؛ «یعلّمهم الکتاب والحکمة ویزکّیهم»؛(۱) وورد في مواضع أخرى «یزکّیهم و یعلّمهم الکتاب و الحکمة».(۲) فلا بدّ من تعليم النّاس وتزكيتهم أيضاً، كي يتسنّى لهذا المجتمع البشري الكبير الذي يقطن هذه المعمورة أن يطوي طريق الكمال كأسرة متوحّدة سليمة، ويتنعّم بما في هذا العالم من خيرات.(٣)

«هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة»، ومعنى ”يزكيهم“ أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعمل على تربية وتزكية القلوب قلباً بقلب. كما كان يبثّ الحكمة والعلم والمعرفة في العقول والأذهان «ويعلمهم الكتاب والحكمة» والحكمة أعلى درجة ومكانة، فلم يكن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يعلّمهم القوانين والأحكام فحسب، بل كان يعلّمهم الحكمة أيضا، وكان يفتح عيونهم على حقائق الوجود وهكذا سار النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم لمدة عشر سنوات.

فمن ناحية كان اهتمامه منصّباً على السياسة وإدارة الحكومة والدفاع عن كيان المجتمع الإسلامي ونشر الإسلام وفتح المجال أمام الآخرين لكي يتّجهوا صوب المدينة ويدخلوا الإسلام ويتعلّموا المعارف الإسلامية، ومن ناحية أخرى كان يعمل على تربية أفراد المجتمع.(٤)

وهذا هو الهدف من بعث الأنبياء؛ فكلّ من بُعث منهم (عليهم السلام) أنجز هذه المهمّة العظمى في التربية والتعليم بما كانت تسمح به الإمكانيّات المتوفّرة في زمانهم، وكان على الدين الخاتم والنبيّ الخاتم (ص) أن يضفي على هذا التحرّك الإلهيّ العملاق طابع الأبديّة، فليس هنالك من نبيّ يأتي بعده حتّى تحطّ البشريّة رحالها عند المحطّة الأخيرة من حياتها في هذا العالم -حيث يُفترض أن تتّسم حياة البشريّة على هذه الكرة الأرضيّة بالوئام والعدل والسلام، ويغمرها بخيرات هذا العالم -وتنتقل إلى العالم الآخر، فأنّى يتسنّى السير بالبشريّة نحة تلك المحطّة؟ يتحقّق ذلك عندما تتواصل عمليّة التربية إلى جانب التعليم المتواصل الذي تمارسه الحكومة والنظام السياسي الذي يشبه تربية الرسول الأكرم (ص) -وهو المعصوم- حيث يقود المجتمع البشري ويتولّى تربيته وتهذيبه من العوالق الذميمة كي تبلغ البشرية تلك المحطة التي تمثّل منطلقاً للحياة السعيدة التي تحلم بها الإنسانيّة، وذاك ما نعبّر نحن عنه بعهد صاحب العصر والزمان (أرواحنا فداه). (٥)

اختلاف مسار الأنبياء عن سائر المدارس

ما وهبه الباري تعالى في بعثة النّبي (ص) للنّاس لم تكن بعض المفاهيم الجامدة أو طريق لا عابر ولا يمسك أحد بزمام أمور الناس فيه، بل تحقّقت البعثة في وجود الرّسول الأعظم (ص)، ثمّ في أرواح ونفوس وأعمال المؤمنين بهذه الرّسالة منذ الوهلة الأولى، كما تلقّت الجاهليّة الضربات منذ اللحظة الأولى. وهذه هي خصوصيّة بعثة الأنبياء وليست مختصّة ببعثة النّبي الخاتم (ص). فالأنبياء متحرّكون، وما يعلّمونه للناس يبيّنونه عمليّاً، وهم أوّل من يسلك هذا الطّريق. فـ «یعلمهّم الکتاب والحکمة»، فرعٌ لذروة العلم والحكمة في الوجود المقدّس للنّبي الأكرم (ص)  و“يزكّيهم“، فرعٌ لبلوغ التزكية في ذلك الوجود الطاهر ذروتها، وبهذه الطاقة يمكن للنّبي (ص) إرشاد العالم نحو التزكية، وهذا هو الأمر الذي يجهله زعماء مختلف المذاهب وأصحاب النظريّات الفلسفيّة والاجتماعيّة السياسيّة المختلفة، فأولئك يتصوّرون ويفهمون شيئاً في أذهانهم، ثمّ يفرضونه على النّاس، فيتعلّمه البعض ولا يتعلّمه الآخر. وهذا غير طريق الأنبياء الذي هو تحرّك وإقدامٌ وتصديق للشعارات بالعمل منذ البداية. وهو ما حدث تماماً في حياة النّبيّ الأكرم (ص)، حيث التعليم والتزكية والتحرّك في سبيل إقامة القسط منذ الوهلة الأولى، ولهذا انطلقت المواجهة والمعارضة منذ الوهلة الأولى أيضاً. ومنذ أن بدأ النّبي الأكرم (ص) دعوته على نطاق خاص «وأنذر عشیرتك الأقربين»،(٦) حتى دعوته العلنيّة، ثمّ تحرّكه وإقامته نظام العدالة الاجتماعيّة. (٧) لتزكية والتعليم، من مسؤوليّات النبي الأساسيّة. وفي المجتمعات الإسلاميّة، يجب على المسؤولين أن يسيروا في نفس ذلك المسار؛ وعليهم أن يعلّموا ويربّوا؛ وعليهم أن يقوّوا الإيمان الدينيّ في الأذهان ويرسّخوه.(٨)

انحراف العلم عندما لا يترافق مع التّزكية

خلُص البعض من تقدّم ”يزكّيهم“ على ”يعلّمهم“ في آيتين من القرآن أنّ التزكية أرقى من التعليم أيضاً. قد يكون الأمر كذلك. والحدّ الأدنى هو أن التزكية تقع إلى جانب التعليم؛ ”يزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة“؛ أي تعليم الكتاب والحكمة، لا تعليم الأمور العاديّة. هو إلى جانب التزكية، فالتزكية إذاً ذات مرتبة رفيعة جدّاً.(٩)

فکروا بالتربیة بقدر ما تفکرون بالتعلیم أو ربما أکثر. باستثناء موضع واحد فی القرآن الکریم قدّم التعلیم علی التزکیة،(۱۰) تقدمت التزکیة علی التعلیم دوماً. «یزکیهم ویعلمهم الکتاب والحکمة».(۱۱) وهذا مؤشر علی أن للتزکیة مکانة أرفع وأعلی. زکّوا مخاطبیکم وربّوهم. وهذه التربیة صعبة کما ذکرنا. «من نصّب نفسه للناس إماماً فلیبدأ بتعلیم نفسه قبل تعلیم غیره».(۱۲) ینبغی النهوض بهذا العمل الصعب.(۱۳) العلم الذي نطالب به مصحوب بالتزكية. التزكية في البداية، وكذلك التربية الدينية والقرآنية والإسلامية. لماذا كانت التزكية في البداية؟

لأنه ما لم تكن هناك التزكية انحرف العلم. (١٤) يتحوّل العلم إلى أداة للفساد والانحطاط والضلال وسقوط البشريّة عندما لا يترافق مع التزكية؛ كما ترون اليوم أنّ العلم بات أداة في العالم اليوم لسقوط البشر وباتوا يستفيدون من العلم من أجل تقييد الشعوب وقلب الحقائق وتجويع الناس. كم يوجد أناس في أنحاء العالم محرومون اليوم من مصادر عيشهم ويعيشون الفقر والحرمان والمسكنة والشقاء بسبب هيمنة المستعمرين الذين هجموا عليهم بأداة العلم! والأوضاع اليوم على هذا النحو أيضاً. والاستكبار العالمي اليوم -الاستعمار بشكله الحديث في العالم- يقيّد الناس ويقتلهم ويبيدهم بالاعتماد على العلم وأدوات العلم البشريّة. هذه هي نتيجة العلم البعيد عن التزكية.(١٥) العلم أداة وسلاح. إذا وقع هذا السلاح بيد إنسان شرير أسود القلب خبيث قاتل لما كانت نتيجته سوى الفاجعة. ولكن يمكن أن يكون هذا السلاح بيد إنسان صالح كوسيلة للدفاع عن الناس وحقوقهم والدفاع عن العائلة. يجب الأخذ بهذا العلم حينما يترافق مع التزكية.(١٦)

الهوامش:
1)    سورة البقرة، الآية ١٢٩
2)    سورة الجمعة، الآية ٢ وسورة آل عمران، الآية ١٦٤
3)    كلمته في لقاء مع مختلف الفئات الشعبيّة في عيد الغدير ١٤/٣/٢٠٠١
4)    كلمته في لقاء مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلامية في ذكرى المبعث النبوي الشريف ٢٢/٨/٢٠٠٦
5)    كلمته في لقاء مع مختلف الفئات الشعبيّة في عيد الغدير ١٤/٣/٢٠٠١
6)    سورة الشعراء، الآية ٢١٤
7)    كلمته في لقاء مسؤولي النظام ٢٠/١٢/١٩٩٥
8)    كلمته في لقاء مسؤولي النظام ١٠/٦/٢٠٠١
9)    كلمته في لقاء مع مسؤولي وزارة التربية والتعليم ١٧/٧/٢٠٠٢
10)    سورة البقرة، الآية ١٢٩
11)    سورة الجمعة، الآية ٢ وسورة آل عمران، الآية ١٦٤
12)    نهج البلاغة، القصار رقم ٧٣.
13)    كلمته في علماء الشيعة والسنّة في كرمانشاه ١٢/١٠/٢٠١١
14)    كلمته في الشباب النخبة ٦/١٠/٢٠١٠
15)    كلمته في مسؤولي النظام ٢٤/٩/٢٠٠٣
16)    كلمته في الشباب النخبة ٦/١٠/٢٠١٠
......
انتهى/ 278