وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ في هذا الحقل، اهتموا بنظام الوكلاء وتقوية التفعيل والدقة في تحرّكهم، وعلّموهم الإحاطة بدقائق الاُمور الاجتماعية حتی کیفیة المراسلات السرّيّة وتولّدت الأحادیث المضمرة التي تعبر عن الأمة الثلاث ب«الرجل» و«العالم» و «الناحیة»، وکیفیة متابعة تربية الأشخاص.
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمين وصلّی الله علی سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطاهرين المعصومين صلوات الله علیهم أجمعين
بعد التحية والتهاني بمناسبة ولادةِ الإمام محمد تقي الجواد عليه الصلاة والسلام، راجياً من الله سبحانه وتعالی توفیق الجميع لمتابعة الأئمة الهداة ونيل شفاعتهم، بمنه وکرمه؛ وأن یُبعِدَ هذا المرض الجديد فیروس کورونا عنّا وعن جمیع أبناء الأمة، برحمته.
من هم أبناء الرضا؟
«ابن الرضا» لقب مکنّی عن الأبناء من ذرية الإمام الرضا وهم: الإمام محمد الجواد والإمام عليّ الهادي والإمام الحسن العسكري علیهم السلام، کما صرّح الشیخ المفید في الإرشاد؛ وقد استَخدم هذا اللقب أصحابُ الأئمة وآخرون کبني العباس، کما أشار العلامة الطبرِسي في إعلام الوري.
فقد ورد أنّ بني العباس كانوا يسمون أبناء الإمام الرضا بابن الرضا حتى اشتهر أبنائه بـ”ابن الرضا؛ والسبب تبرُّزُ الجانب العلمي للإمام الرضا، من خلال احتجاجاته العلمية مع مختلف المذاهب والفرق، أو تخليداً لذکری الشخصية العظيمة للإمام الرضا علیه السلام کولي العهد العباسي ليحکي هذا اللقب عن انتماء هؤلاء الأئمة إليه فیکفَّ الناس عن الموازنة المجانِبة بینهم وبین السلطة العباسية.
الظروف الاجتماعية
لقد توخّى أئمة أهل البيت و منهم أبناء الرضا عزة الاسلام وتحقيق الحضارة الإسلامية الأصيلة من خلال المواقف والنشاطات الحكيمة التي من أبرزها بناء الجماعة الصالحة کبنية تحتية للحضارة الإسلامية الأصيلة.
وانطلاقاَ من هذه الرؤیة كان تحرك الأئمة الثلاث علیهم السلام واسعاً ومؤثراً رُغم كل الظروف المعرقِلة آنذاک، فقد مارس هؤلاء الأئمة علیهم السلام مهامَّهم الرسالية والقيادية في الحكومة العباسية.
فكان یعاني أبناء الرضا علیهم السلام من ظروف صعبة و عاشوا في نحو من العزلةٍ الاجتماعية جَرّاءَ السياسات الحکومية العباسية، لکن مارسو دورهم الديني بعلوّ واهتمام.
فكانوا عليهم السلام یشهدون تردّي الأوضاع السياسية وضعف الدولة المرکزية وتفرّق السلطة بين دويلات صغيرة متفرقة، لتنتقل قيادتُها بعد ذلك إلى الأتراك.
وقد شهدوا علیهم السلام على الساحة الثقافية والفكرية للمجتمع آنذاك، انتشار حركة ترجمة الكتب اليونانية والهندية والفارسية، والتي أغلبها لا ينسجم مع الثقافة الإسلامية والمبادئ الأصیلة للإسلام وأسهمت بتراجع الحضارة الإسلامية إلی خلفيات الشعوب والأقوام.
وعلاوة علی ذلک کانت تعاني الأمة آنذاک من اضطرابات عقيدية وتوتّرات معرفية إثر تبني الأفكار اليونانية والهندية، ومن أبرزها «محنة خلق القرآن» والجدل الذي أثير حوله مدی ثلاثة عقود زمنية.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد عاصروا الأئمة الثلاث علیهم السلام انهيار الدولة العباسية اقتصادياً وحدوث ارتفاع في الأسعار ومجاعات في الساحة العامة، مما أدّى إلى اضطراب أمني وفقدان السيطرة الحکومية علی الاقتصاد.
رغم ذلک، یبدو حسب المعلومات التاريخية، أنهم علیهم السلام كانوا یؤدون رسالتهم العظيمة تحت أطروحة خاصة و إطار معين، ويستعينوا بمجموعة هائلة من الأصحاب والصالحين کمنظمة عظيمة من الوكلاء، الذين تَرَبَّو قديماً علی أیدي الإمامين الصادق والکاظم عليهما السلام و ترعرعوا أخيراً في عهد الأئمة الثلاث علیهم السلام.
أطروحة أبناء الرضا علیهم السلام في بناء الجماعة الصالحة
هناك أهداف رئيسية وأدوار أساسية یقوم بها الأئمة الهداة، يمكن أن نستنبطها من خلال تراثهم القیّمة عند المراجعة إلى کتب الحديث والتواريخ والسیَر، وهي کما یقول الباحثين في سنة أهل البیت علیهمالسلام کما يلي:
الأوّل: حفظ الحياة الانسانية، لما ورد في شأن الإمامة وأهل البيت عليهم السلام بأنهم أمان لأهل الارض.
الثاني: المرجعية الفکرية و المعرفية للمسلمين، في الحصول علی واقع الأسلام و معالم الدین.
الثالث: المحافظة على الشريعة الاِسلامية، لأبعادها عن التحريف والتخليط والتزوير من جانب العلماء السوء وعملاء الحکومات الجائرة.
الرابع: قيادة الحكم الاِسلامي وولاية الاَمر، حسب الظروف المتاحة.
الخامس: تجسيد القدوة والاَسوة المثالية في السلوك الاِسلامي
السادس: المحافظة على كيان الأمة الإسلامية ووحدتها وحيويتها الثقافية والسیاسیة والاقتصادیة.
السابع:وهوالمنظور الیه هنا، بناء الجماعة الصالحة، فتربية الجماعة الصالحة يكون أحد الأهداف التي استهدفها أهل البيت عليهم السلام في تأصيل الحضارة الإسلامية.
وفي هذا المجال نشير الى نماذج من إعدادهم علیهم السلام أشخاصا معنیين من الاُمة في سبيل بناء المجتمع الصالح والحضارة الإسلامية وطلائعها، إعداداً رسالياً خلال حقول والأهمّ منها:
1. الحقل المعرفي والفكري
كان اهتمامهم علیهم السلام في بناء الجانب العقائدي في شخصية الانسان المؤمن واضحاً للناظر في تراثهم والذي يحتوي على مفردات اساسية.
ومن تلك الدعوة الى التوحيد الخالص فالتوحيد أساس العقيدة الاسلامية و الركيزةُ الجوهرية التي تستند عليها باقي المفردات العقيدية، من هنا كانوا علیهم السلام یحرصون بإيضاح هذا الاساس، وفي المحاضرات التي ألقَو على أصحابهم ـ کما في رواية داود بن القاسم الجعفري ـ أدلة واضحة علی ما قلناه .
2. الحقل المنهجي العلمي
وقدبرز اهتمامهم العلمي غیرالمباشر بإصلاح المناهج العلمية في مجال استنباط المعارف والمعالم الإسلامية؛ فقداهتمّوا بإكمال الأدوات والمناهج العلمية بما يلي:
أ. عدم جواز الافتاء من دون علم اکتفاءا بالظنون
ب. منعُ تفسیر القرآن بالرأي الشخصي والتبني علی آراء الرجال والاستغناء عن مناهج أهل البیت علیهم السلام و معالمهم في تفسیر القرآن
ج. عدم جواز استنباط الأحكام إلاّ بعد معرفة المناهج و الأدلة و استفادة من مَعین تراث السنة عند الأئمّة عليهم السلام
د. وجوب العمل بأحاديث الأئمّة عليهم السلام المنقولة عن الطرق المعتبرة والكتب المعتمدة
ه. جواز العمل بقول من أجازه الإمام (عليه السلام) في العمل برأيه .
3. الحقل التعليمي المباشر
وفي هذا الحقل اهتموا الأئمة الثلاث بالاجابة على الاستفتاءات الفقهيّة والاستفسارات العلمية المنوعة حسب ومتطلبات العصر و أسئلة أهله. و یعبر عنه أحیاناً بعض المحققین المعاصرین بـ«الروایات التعلیمیة».
ومنها روایات عدیدة في أوقات الصلوات خاصة قي وقت صلاة الفجر، وقرائة البسملة في الصلاة التي صارت عرضة لسرقتها في قراءة القرآن علی حد تعبیر الإمام علیه السلام، والإكراه في الزواج الذي کان شائعاً في الوسط الرجالية.
4. الحقل الإصلاحي العملي
ومن أبرز ملامح هذه العملية، معالجة التطرف وإصلاح الاتجاهات غیرالصحیحة، وهدایتهم الأصحاب والتلامذة إلی العمل الأفضل والاعتدال في الأفعال العبادية والاجتماعیة. فهم حینما عالجوا التأثر بالتطرف الصوفي من أصحابهم، حاولوا التنبیه علی عدم المبالاة المتسبّب عن فکر الغلاة الذین کانوا یرون العمل الصالح في التودد لذي القربی فحسب ولایبالون بترک الفرائض، و في هذا الجو اظهروا أبناء الرضا علیهم السلام البراءة من هذا الأسلوب السيئ والتفاعل الخاطئ من فهم الدين وکافحوا تسرب الغلو بالجماعة الصالحة.
5. الحقل التربوي
من المفردات الاساسية التي اهتم بها أبناء الرضا علیهم السلام هو بناء الأخلاق الاسلامي في الفرد والمجتمع خاصة الأصحاب.
وقد كانوا وفي سياق تربية الأصحاب ينقلون أحاديث اجدادهم خصوصاً أمير المؤمنين عليه السلام لِما کان تحتويه من توجيهات تربوية عميقة ومؤثرة، وأحاديث الإمام الرضا علیه السلام لما فيه من دقائق الإمامة وأسالیب الحیاة. وفي هذا المجال یمکن أن نعتبر كلماتهم وما نقلوه عن اجدادهم عليهم السلام کأطروحات ومواد لفهم توجیهات الکتاب والسنة وإشاراتهما التربوية .
6. الحقل التنظيمي
فقد نظموا أبناء الرضا علیهم السلام هیکلیة الجماعة الصالحة وأرسوا قواعدها التنظیمية، بل وأعدوها لدور الوکلاء والمراجع الدینية في عصر الغيبة.
ففي هذا الحقل، اهتموا بنظام الوكلاء وتقوية التفعيل والدقة في تحرّكهم، وعلّموهم الإحاطة بدقائق الاُمور الاجتماعية حتی کیفیة المراسلات السرّيّة وتولّدت الأحادیث المضمرة التي تعبر عن الأئمة الثلاث ب«الرجل» و«العالم» و «الناحیة»، وکیفیة متابعة تربية الأشخاص.
وفي الختام أرجوا أن یوفقنا الله تعالی لاتباع الأئمة أهل البیت علیهم السلام و یَرزُقَنا شفاعَتَهم، والسلام علیکم ورحمة الله و برکاته.
باحث وأستاذ البحث الخارج في الحوزة العلمية
........
انتهى/ 278