وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : وكالة حوزة
الأربعاء

١٥ مايو ٢٠١٩

٨:٠٨:٠١ م
941699

10 شهر رمضان ذكرى رحيل أم المؤمنين خديجة الكبرى؛

خديجة الكبرى (ع) حبيبة رسول الله (ص)

يوافق ۱۰ من شهر رمضان المبارك وفاة أم المؤمنين خديجة الكبرى (ع)، فبهذه المناسبة الأليمة نلقي الضوء على بعض ما ورد عن سيرتها المباركة.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـــ ابنا ــ كانت السيّدة خديجة (عليها السلام) طيلة ربع قرن نجمًا ساطعًا يشعّ بنوره على بيت النبوة والرسالة، تجلي بنظراتها الحانية الهمّ والشجن عن نبي الرَّحمة (صلَّى الله عليه وآله)، حتى حان موعدها مع القدر في العاشر من رمضان في السنة العاشرة من البعثة، عندما أسلمت الروح لبارئها، وألقت برحيلها المفجع ظلالًا من الكروب والأحزان على قلب النَّبيِّ، وكان ذلك في السنة الثالثة قبل الهجرة(1)، ودفنت في الحجون، حيث دخل النبي (صلَّى الله عليه وآله) قبرها، ووضعها في لحدها بيديه الشريفتين، كان وقع ذلك شديدًا على النبي الكريم(2) الذي فقد نصيرين له، وقد سمّي ذلك العام بعام الحزن، وأعلن الحداد فيه(3).

ما فتئ الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) يقول: "لم يسيطر عليّ الحزن والهمّ طيلة حياة أبي طالب وخديجة"(4).
لقد ظلّت ذكرى خديجة خالدة وماثلة في ذاكرة النَّبيِّ لم يمحها الزمان.
لم يكن يخرج من البيت إلا ويذكر خديجة بخير، وهو في مثل هذه الليلة يرجع إلى بيته؛ ليجده خاليًا من زور زوجته الحبيبة، ولا يجد إلا يتيمته الوحيدة تنظر إليه بعينٍ ملؤها الدمع، وكأنها تقول: أين خلَّفت أمِّي يا أبتها؟!
في ذكرى هذه المرأة البطلة حريٌّ بنا أنْ نعيش جوها الذي ينعش في داخلنا قيم العطاء اللامحدود، ويحرك فينا قوة البذل فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، فبذلك كانت خديجة (عليها السَّلام) حبيبة قلب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).

* النَّسب الشَّريف
خديجة بنت خويلد، بن أسد، بن عبد العزّى، بن قصّي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر(5)، جدّها «خويلد» كان بطلًا مغوارًا، دافع عن حياض الكعبة المشرّفة في يوم لا ينسى.
والدتها «فاطمة» بنت زائدة، بن أصمّ، بن رواحة، بن حجر، بن عبد، بن معيص، بن عامر، بن لؤي، بن غالب، بن فهر(6)، كانت سيّدة جليلة مشهودًا لها بالفضل والبرّ(7).

إذًا، فهذه السيّدة العظيمة خديجة الكبرى (سلام الله عليها) تنتسب إلى قبيلة قريش، ويلتقي نسبها بنسب الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) عند جدّها الثالث من أبيها، وعند جدّها الثامن من أمّها(8).
 
* ألقابها وأسماؤها
للسيّدة خديجة (عليها السلام) ألقاب كثيرة تعكس عظيم نبلها، وشديد قدسها، من هذه الألقاب: الصدّيقة، المباركة، أمّ المؤمنين، الطاهرة، الراضية، المرضية … إلخ، وكانت خديجة (عليها السَّلام)، تسمى بالطاهرة من قبل البعثة(9)، قال الذهبي: (خديجة أم المؤمنين، وسيدة نساء العالمين في زمانها، أم القاسم ابنة خويلد، بن أسد، بن عبد العزى، بن قصي بن كلاب، القرشية الأسدية، أم أولاده (ص)، وأول من آمن به وصدقه قبل كل أحد، وثبتت جأشه، ومضت به إلى ابن عمها ورقة، ومناقبها جمة، وهي ممن كمُل من النساء، كانت عاقلة ديّنةً مصونةً كريمةً، من أهل الجنة، وكان النبي (ص) يثني عليها، ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين، ويبالغ في تعظيمها).(10)
كانت تعطف على الجميع، وتحنو عليهم كأمّ رؤوم بأولادها، فكانت «أمّاً لليتامى»، و«أمّاً للصعاليك»، و«أمّاً للمؤمنين»، وهي كوثر الخلق، وسمّيت أيضًا «أمّ الزهراء»، أو ينبوع الكوثر.

* مناقبها
من الاُمور المتَفق عليها عند الجميع أنَ السيدة خديجة (عليها السلام) كانت خير نساء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلم)، وذلك بتصريح من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) أكثر من مرَة، وهذا إنما يدل على علو مقامها وجلالة قدرها (سلام الله عليها).
فعن عائشة قالت: كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها، واستغفار لها، فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة، فقلت: لقد عوَّضك الله من كبيرة السن.
قالت: فرأيت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) غضب غضبًا شديدًا، فسقطت في يدي، فقلت: "اللهمَ إنَك إن أذهبت بغضب رسولك (صلَّى الله عليه وآله وسلم) لم أعد بذكرها بسوء ما بقيت.
قالت: فلمَا رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لقيت قال: كيف قلت؟، والله لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدَّقتني إذ كذَّبني الناس، ورزقت منّي الولد حيث حرمتموه.
قالت: فغدا وراح عليّ بها شهرًا(11).
وفضلًا عن ذلك كله، فهناك العديد مما يدل على علو مقام السيدة خديجة (عليها السلام) نشير إلى بعضها:
• أول امرأة مسلمة
لقد كانت السيّدة خديجة (عليها السلام) على دين أبيها إبراهيم (عليه السلام)، وذلك قبل أن يُبعث الرسول الكريم (صلَّى الله عليه وآله)، وكانوا يُعرفون بالحنفاء، وقد آمنت في اليوم الأول من بعثة المصطفى (صلَّى الله عليه وآله)، كما جاء في الحديث الشريف: "أوّل من آمن بالنبي (صلَّى الله عليه وآله) من الرجال علي (عليه السلام)، ومن النساء خديجة (عليها السلام)"(12).
عندما رجع الرسول الكريم (صلَّى الله عليه وآله) من غار حراء، وهو ينوء بثقل الرسالة العظيمة، كانت السيّدة خديجة (عليها السلام) في استقباله حيث قالت له: أيّ نور أرى في جبينك؟، فأجابها: إنّه نور النبوّة، ومن ثمّ شرح لها أركان الإسلام، فقالت له: «آمنت، وصدّقت، ورضيت، وسلّمت»(13).
• أوَّل سيِّدة مصلِّية
كانت السيّدة خديجة أوَّل سيّدة في الإسلام تصلِّي، إذ أنّه لسنوات طويلة انحصر الإيمان بالدين الإسلامي بخديجة (عليها السَّلام)، والإمام علي (عليه السلام)، وكان الرَّسول الأعظم يذهب إلى المسجد الحرام، ويستقبل الكعبة وعلي (عليه السلام) إلى يمينه، وخديجة خلفه، وكان هؤلاء الثلاثة هم النواة الأولى لأمّة الإسلام، وكانوا يعبدون معبودهم الواحد إلى جانب كعبة التوحيد(14).
• أوَّل مؤمنة بالولاية
كان الإمام علي (عليه السلام) منذ سنينه الستّ في بيت النَّبيِّ، وتحت ناظري السيّدة خديجة (عليها السَّلام) ورعايتها، لذلك كان لها حقّ في رقبته هو حقّ الأمومة.
وعندما شرح الرسول الكريم (صلَّى الله عليه وآله) لزوجه مفهوم الولاية، وموقعها السامي، وطلب إليها أن تؤمن بولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، استجابت فورًا حيث قالت بصراحة ووضوح: آمنت بولاية علي وبايعته(15).

كانت السيدة خديجة (عليها السلام) تفيض بالحنان والعطف على الإمام علي (عليه السلام)، لدرجة أنّها قالت فيه: إنّه أخي، وأخو النبي، أعزّ الناس إليه، وقرّة عين خديجة الكبرى (عليها السلام)(16).
• الزَّوجة الوحيدة
السيّدة خديجة (عليها السلام) هي الزوجة الوحيدة من بين أزواج النبي الكريم (صلَّى الله عليه وآله) التي أنسلها، واستمرّ نسلها الطاهر حتى يومنا هذا.
لقد ارتأت المشيئة الإلهية أنْ تكون السيّدة خديجة وعاءً لأنوار الإمامة وضيائها، والرسول الكريم (صلَّى الله عليه وآله) في معرض بيان عظم منزلة هذه السيّدة الجليلة، نجده يخاطب ابنته الأثيرة على قلبه الزهراء البتول (عليها السلام) بقوله: يا ابنتي، إنّ الله تعالى جعل خديجة وعاء لنور الإمامة(17).
إنّ الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) لم يتزوّج على السيّدة خديجة في حياتها أبدًا حتى ماتت.
لقد كانت كوثر النبوة الصافي، أفاضت على العالمين بما يقرب من 80 مليون سيّدًا علويًّا جميعهم ينتمي إلى الدوحة المحمدية الوارفة، وهم مظاهر الخير العميم ومصاديق الكوثر الوفير، عطايا الرحمن لحبيبه خير الأنام، وسيّد البشر النبي المصطفى (صلوات الله عليه وعلى آله).
في اللحظات الختامية من عمر هذه السيّدة الجليلة، بشّرها زوجها الحاني بأنّها ستكون زوجه في الجنّة أيضًا(18).
• خديجة في أحاديث رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)
رويت عن الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) أحاديث كثيرة في مناقب السيّدة خديجة (عليها السلام)، نسلّط الضوء على بعضًا منها:
1. "يا خديجة إنّ الله (عزّ وجلّ)؛ ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارًا"(19).
2. "والله ما أبدلني الله خيرًا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدَّقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمنـي الناس، ورزقني الله أولادها، وحرمني أولاد الناس"(20).
3. "خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد (صلَّى الله عليه وآله)"(21).
4. "خير نساء الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم (امرأة فرعون)"(22).
5. "خديجة سبقت جميع نساء العالمين بالإيمان بالله وبرسوله"(23).
6. "أحببتها من أعماق فؤاد"(24).
7. "أحبّ من يحبّ خديجة"(25).
8. "لم يرزقني الله زوجة أفضل من خديجة أبدًا"(26).
9. "لقد اصطفى الله عليًّا، والحسن، والحسين، وحمزة، وجعفر، وفاطمة، وخديجة على العالمين"(27).
10. وقال (صلَّى الله عليه وآله) يخاطب عائشة: "لا تتحدّثي عنها هكذا، لقد كانت أوّل من آمن بي، لقد أنجبت لي وحُرِمتِ"(28).
* وصاياها (سلام الله عليها)
لقد أوصت السيّدة خديجة (عليها السلام) النبي الكريم عدّة وصايا وهي على فراش الموت، هي:
أنْ يدعو لها بالخير.
أنْ يلحدها بيده.
أن يدخل قبرها قبل دفنها.
أنْ يضع مرطه الذي ادّثر به عند نزول الوحي، على كفنها(29).
إنّ السيّدة خديجة (عليها السلام) التي وهبت كل ثروتها وأموالها إلى الحبيب المصطفى، لم تطلب في مقابل ذلك سوى مرط، ومع ذلك فهي لم تطلبه منه مباشرة، بل بواسطة ابنتها الزهراء (عليها السلام)(30). حينذاك نزل الوحي من عند الله العلي القدير بكفن من الجنّة.
قامت أمّ أيمن وأم الفضل (زوجة العباس) بغسل جسد السيّدة خديجة (عليها السلام)، ثم ألقتا عليها نظرة الوداع الأخيرة(31).
في البداية قام الرسول الأكرم بوضع مرطه على الكفن، ثمّ وضع كفن الجنة عليها.
كانت السيّدة خديجة (عليها السلام) في الرمق الأخير من عمرها تنظر بقلق إلى ابنتها الزهراء (عليها السلام)، فما كان من أسماء بنت عميس إلا أن تعهّدت لها بأن تكون أمًّا لها ليلة زفافها(32).
وهكذا مضت (سلام الله عليها) تاركة من وراءها يتيمتها فاطمة الزهراء (عليها السلام) تعيش مع والدها الذي أفجعه رحيلها، فلتكن هذه البطلة ناموس الهداية، نسعى في أنواره نحو السعادة الأبدية التي تعيشها هي الآن في بيتها الذي وعدها الله، وأعده لها في جنان خلده.

——————————————————–

1 – الطبري، دلائل الإمامة، ص 8.
2 – الشبراوي، الإتحاف بحبّ الأشراف، ص 128.
3 – الدخيل، أم البنين خديجة، ص 12 – نمازي، مستدرك السفينة، ج 3، ص 31.
4 – الأربلي، كشف الغمة، ج 1، ص 16 – المحدث القمي، كحل البصر، ص 55.
5 – إذ أنّ قصي هو الجدّ الرابع و لؤي هو الجدّ الثامن للرسول الكريم (ص).
6 – نفس المصدر.
7 – السيلاوي، الأنوار الساطعة، ص 10.
8 – ابن هشام، السيرة النبوية، ج 2، ص 8.
9 – أسد الغابة 5/434، سير أعلام النبلاء 1/111.
10 – سير أعلام النبلاء 1/109ـ110.
11 – كشف الغمّة: ج1 ص512.
- الشيخ الطوسي، الأمالي، ص 259، المجلس 10، ح 467.12
13 – العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 18، ص 232.
14 – النسائي، خصائص أمير المؤمنين، ص 45.
15 – قصة تلقين السيّدة فاطمة بنت أسد خير دليل على صدق هذه الحقيقة حيث كان الناس في عهد الرسالة يُسألون عن ولاية أمير المؤمنين.
16 – المسعودي، إثبات الوصية، ص 144.
17 – المسعودي، إثبات الوصية، ص 144.
18 – اليعقوبي، التاريخ، ج 2، ص 28- الطبراني، المعجم الكبير، ج 22، ص 376.
19 – العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 18، ص 243 – الأربلي، كشف الغمة، ج 2، ص 72.
20 – الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 82 – ابن حجر، الإصابة، ج 4، ص 275.
21 – ابن الأثير، أسد الغابة، ج 5 ، ص 537.
22 – ابن عبد البرّ، الاستيعاب، ج 2 ، ص 720.
23 – الحاكم، مستدرك الصحيحين، ج 2، ص 720.
24 – البحراني، العوالم، ج 11، ص 32.
25 – محلاتي، رياحين الشريعة، ج 2، ص 206.
26 – ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 80.
27 – العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 37، ص 63.
28 – القاضي نعمان، شرح الأخبار، ج 3، ص 20.
29 – ابن حجر، الإصابة، ج 4، ص 275.
30 – السيلاوي، الأنوار الساطعة، ص 375.
31 – الشرهاني، حياة السيدة خديجة، ص 282.
32 – محلاتي، رياحين الشريعة، ج 2، ص 412.

* المقال من إعداد القسم الإعلامي، بتصرف من المصدر: ينبوع الكوثر، أمّ المؤمنين خديجة الكبرى (عليها السلام)، بقلم: علي أكبر مهدي بور، ترجمه إلى العربية: مؤسسة الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) الثقافية.  ومن مصادر أخرى.
.........
انتهى / 278