وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : وكالة الحوزة
السبت

٩ مارس ٢٠١٩

٧:٠٢:٢٥ م
932439

3رجب استشهاد الإمام الهادي (ع)؛

متطلّبات الساحة الإسلامية في عصر الإمام الهادي (عليه السلام)

يوافق الثالث من شهر رجب الذكرى المؤلمة لاستشهاد الإمام علي بن محمد الهادي (ع)، وبهذه المناسبة نسلط الضوء على مقال يتحدث عن متطلّبات الساحة الإسلامية في عصره (ع).

ابنا: أما متطلبات الساحة الإسلامية في عصر الإمام العاشر أبي الحسن علي بن محمد الهادي (ع)، فهي:

1 ـ تجنّب إثارة الحكّام وعمّالهم

اتّسم سلوك الإمام الهادي (عليه السلام) طوال فترة إمامته بالتجنّب من أيّة إثارة للسلطة بدءً بما فرض عليه من مُۆدّب يتولى أمره ثم الاستجابة لدعوة المتوكل واستقدامه إلى سامراء وفسح المجال للتفتيش الذي قد تكرر في المدينة وسامراء بل تعدى ذلك إلى تطمين المتوكل بأنّ الإمام (عليه السلام) لا يقصد الثورة عليه حين استعرض المتوكل قواته وقدرته العسكرية وأحضر الإمام في هذا الاستعراض ليطلعه على ما يملكه من قوّة لئلاّ يفكر واحد من أهل بيته (عليهم السلام) بالخروج على الخليفة. وإذا بالإمام الهادي (عليه السلام) يجيبه بأنا لا نناقشكم في الدنيا نحن مشتغلون بأمر الآخرة فلا عليك شيء ممّا تظن(1).

ولم يحصل المتوكل على أي مستمسك ضد الإمام بالرغم من التفتيش المفاجئ والمتكرر.

وقد لاحظنا كيف يتجنّب الإمام (عليه السلام) مثل هذه الإثارات إلى جانب تقديمه للنصح والإرشاد والموعظة للمتوكل .

روى ابن شهرآشوب بإسناده عن أبي محمد الفحام أ نّه قال: سأل المتوكل ابن الجهم من أشعر الناس؟ فذكر الجاهلية والإسلام. ثم انّه سأل أبا الحسن (عليه السلام)، فقال (عليه السلام) الحمّاني حيث يقول:

لقد فاخرتنا من قريش عصابة***بمدّ خدود وامتداد أصابع

فلما تنازعنا المقال قضى لنا***عليهم بما نهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتاً والشّهيد بفضلنا***عليهم جهير الصوت في كل جامع

فإن رسول الله احمد جدّنا***ونحن بنوه كالنجوم الطوالع

قال: وما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟

قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، واشهد أن محمداً رسول الله جدّي أم جدّك؟

فضحك المتوكل ثم قال: هو جدّك لا ندفعك عنه(2).

ولم يبخل الإمام الهادي (عليه السلام) بالإجابة العلمية فيما كان يشكل عليهم أمره كما لاحظنا، بل تعدّى ذلك إلى وصف دواء ناجع لداء عدوّه المتوكل حين أيس من معالجات أطبّائه بالرغم من تظاهره بالعداء للعلويين(3).

2 ـ الردّ على الإثارات الفكرية والشبهات الدينية

وقد لاحظنا في عصر الإمام (عليه السلام) ما امتحنت به الأمة الإسلامية بما عرف بمحنة خلق القرآن، والإثارات المستمرة حول الجبر والتفويض والاختيار.

وكانت للإمام الهادي (عليه السلام) مساهمات جادّة في كيفية معالجة الموقف بشكل ذكي، والرسالة التي أُثيرت عن الإمام الهادي (عليه السلام) لأهل الأهواز تضمّنت ردّاً علمياً تفصيلياً على شبهة الجبر والتفويض، بل تضمّنت بيان منهج بديع سلكه الإمام (عليه السلام) في مقام الرد. وحيث كان الغلو والتصرّف من الظواهر المنحرفة في المجتمع الإسلامي، فقد واجههما الإمام الهادي (عليه السلام) بالشكل المناسب مع هاتين الظاهرتين (4).

3 ـ التحدّي العلمي للسلطة وعلمائها

لقد كان الاختبار العلمي لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) أقصر طريق للحكام لمعرفة ما هم عليه من الجدارة العلمية التي هي إحدى مقوّمات الإمامة. وهو في نفس الوقت أقصر طريق لأهل البيت (عليهم السلام) للتألّق العلمي في المجتمع الإسلامي.

ومن هنا كانت السلطة بعد إجراء أي اختبار علمي تحاول التعتيم عليه لئلا يستفيد أتباع أهل البيت (عليهم السلام) من هذه الورقة المهمّة ضد السلطة الحاكمة.

ولكن المصادر التاريخية قد حفظت لنا نصوص هذه الاختبارات وفيها ما يدلّ على الرّد القاطع من أهل البيت (عليهم السلام) على جميع التحديات العلمية التي خططت لهم وانتصارهم في هذا الميدان الذي كان يعيد لهم مرجعيتهم الدينية في الأمة الإسلامية.

وإليك نموذجاً من هذا الاختبار الذي أجراه ابن الأكثم في عصر المتوكل ثم حاول التعتيم عليه.

فقد روى ابن شهرآشوب أنه: قال المتوكل لابن السكّيت اسأل ابن الرّضا مسألة عوصاء بحضرتي. فسأله، فقال: لم بعث الله موسى بالعصا وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وبعث محمّداً بالقرآن والسّيف؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): بعث الله موسى بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السّحر، فاتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم واثبت الحجّة عليهم، وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله في زمان الغالب على أهله الطّب فاتاهم من ابراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله فقهرهم وبهرهم.

وبعث محمّداً بالقرآن في زمان الغالب على أهله السّيف والشّعر فأتاهم من القرآن الزاهر والسّيف القاهر ما بهر به شعرهم وبهر سيفهم وأثبت الحجّة عليهم، فقال ابن السّكيت: فما الحجّة الآن؟ قال: العقل، يعرف به الكاذب على الله فيكذّب.

فقال يحيى بن أكثم: ما لإبن السّكيت ومناظرته؟! وإنّما هو صاحب نحو وشعر ولغة، ورفع قرطاساً فيه مسائل فأملى عليّ بن محمد (عليهما السلام) على ابن السّكيت جوابها(5).

وجاء في رواية أخرى أن هذه الأسئلة قد كتبها ابن الأكثم لموسى بن محمد بن الرضا، ومن الواضح أن المقصود بها هو الإمام الهادي (عليه السلام) بلا ريب. ولهذا جاء بها أخوه موسى إليه فأجاب عنها الإمام (عليه السلام)، وذكرناها في موضوع منفصل .

4 ـ توسيع دائرة النفوذ في جهاز السلطة

إن النفوذ الذي نجده للإمام الهادي (عليه السلام) هو النفوذ المعنوي على عامة رجال السلطة بما فيهم من لا يدين بالولاية لأهل البيت (عليهم السلام).

وقد كانت أساليب الإمام (عليه السلام) في هذا المجال متنوّعة وواسعة فإنه كان مطالباً بالحضور في دار الخلافة بشكل مستمر. ومن هنا كان التعرّف على شخص الإمام (عليه السلام) وهديه وسكونه واتّزانه أمراً طبيعياً وفّر له هذه الفرصة والتي لم يلتفت الحكّام إلى مدى تبعاتها وآثارها التي تركتها في الساحة الإسلامية العامة ورواد البلاط بشكل خاص.

وقد كانت للإمام (عليه السلام) كرامات شتى كلّما دخل وخرج من دار الخلافة.

وقد قال أحد ندماء المتوكل للمتوكل: ما يعمل أحد بك أكثر مما تعمله بنفسك في علي بن محمد، فلا يبقى في الدار إلاّ من يخدمه ولا يتبعونه بشيل ستر ولا فتح باب ولا شيء، وهذا إذا علمه الناس قالوا: لو لم يعلم استحقاقه للأمر ما فعل به هذا، دعه إذا دخل عليه يشيل الستر لنفسه ويمشي كما يمشي غيره فيمسه بعض الجفوة.

فتقدم ألاّ يخدم ولا يشال بين يديه ستر، وكان المتوكل ما رأى أحداً ممّن يهتم بالخبر مثله. قال: فكتب صاحب الخبر إليه: أنّ علي بن محمد دخل الدار فلم يخدم ولم يشل أحد بين يديه ستر فهب هواء رفع الستر له فدخل. فقال: اعرفوا حين خروجه، فذكر صاحب الخبر أن هواء خالف ذلك الهواء شال الستر له حتى خرج، فقال: ليس نريد هواء يشيل الستر، شيلوا الستر بين يديه(6).

كما نجد جملة من الكتّاب والحجّاب والعيون وحتى السجّان فضلاً عن بعض القادة والأمراء كانوا يدينون بالولاء والحبّ الخاص للإمام الهادي (عليه السلام)، وقد رأينا في قصة مرض المتوكل ونذر أمه للإمام الهادي (عليه السلام) ما يدل دلالة واضحة على مدى نفوذ الإمام (عليه السلام) في هذه الأوساط، بينما كان المتوكّل قد خطّط لإبعاد الإمام عن شيعته ومحبّيه وإذا بالإمام (عليه السلام) يكتسح نفوذه المعنوي أرباب البلاط ويستبصر على يديه مجموعة ممّن لم يكن يعرف الإمام (عليه السلام) أو لم يكن ليواليه، وكان الإمام (عليه السلام) يستفيد من هۆلاء في تحرّكه وارتباطاته التي خطّط الحكّام لمراقبتها أو قطعها وإبعاد الإمام (عليه السلام) عن قواعده وعن الوسط الاجتماعي الذي يريد أن يتحرّك فيه.

المصادر:
1- بحار الأنوار: 50/155 .
2- أمالي الطوسي: 287 ح 557 ومناقب آل أبي طالب: 4 / 438.
3- راجع الكافي: 1/499.
4- الإمام يحذر من مجادلة الصوفيين، وظاهرة الغلو.
5- مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 25.
6- مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 39.
...........
انتهى / 278