وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : وكالة الحوزة
الاثنين

١٧ ديسمبر ٢٠١٨

٥:١٢:٢٧ م
921020

10 ربيع الثاني وفاة السيدة فاطمة المعصومة (ع)؛

خصائص زيارة السيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم (ع)

يوافق العاشر من ربيع الثاني الذكرى الأليمة لوفاة السيدة فاطمة المعصومة بنت موسى الكاظم (ع)، وبهذه المناسبة نسلط الضوء على خصائص زيارتها عليها أفضل الصلوات.

ابنا: تعد هذه زيارة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام من الزيارات الجامعة حيث اشتملت على السلام على أبي البشر آدم (عليه السلام)، وأولي العزم من الرسل (عليهم السلام)، ثم السلام على المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) وهم الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، والأئمة الاثنا عشر (عليهم السلام)، وذكرهم واحداً واحداً، ثم السلام على فاطمة المعصومة، ثم الإشارة إلى بعض مقامات أهل البيت (عليهم السلام)، ومنزلتهم عند الله تعالى، وما أعده لهم من المنزلة في الدار الآخرة، والشأن العظيم، ثم الإقرار لهم بالمحبة والولاية والبراءة من أعدائهم، والتسليم إلى الله تعالى، وإعلان الرضا بكل ما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله) والاعتقاد اليقين به، ثم الابتهال إلى الله تعالى وطلب الثبات على ذلك.

وجميع هذه المضامين العالية واردة في روايات أهل البيت (عليهم السلام)، فهي في حدّ ذاتها ـ بغضّ النظر عن سندها ـ موافقة لما ورد من أصول المعارف الحقّة عن أئمة الهدى (عليهم السلام).

ثم إنّ في هذه الزيارة أموراً تلفت النظر وتسترعي الانتباه، نشير إجمالاً إلى ثلاثة منها:

الأول: الالتفات في السلام من الغيبة إلى الخطاب، فإنّ الزيارة تبدأ بالسلام على آدم في صورة الغيبة، حتى إذا بلغ السلام إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) تحوّل إلى صورة المخاطبة.

الثاني: ذكر في الزيارة أن السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) بنت الحسن (عليه السلام)، حيث ورد فيها: السلام عليك يا بنت الحسن والحسين.

ومن المعلوم أن فاطمة المعصومة (عليها السلام) تنحدر من سلالة الحسين (عليه السلام)، فهي فاطمة بنت موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).

الثالث: اشتمال الزيارة على أن للسيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) شأناً من الشأن، وبه تشفع في الجنة.

أما الأمر الأول: فلأن من الثابت بالكتاب والسنّة أن النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) شهداء على الخلق، وأنّهم في جميع الحالات يسمعون الكلام ويردّون السلام، من دون اختصاص بمكان دون مكان أو زمان دون آخر، ولذا فإنّ جميع ما ورد من الزيارات ـ إلا القليل ـ كان في صورة الخطاب والحضور، حتى أنّ التسليم المستحبّ في آخر كلّ صلاة كذلك، وهو قول المصلّي (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته).

وأمّا في خصوص المقام فقد ذكر بعض العلماء أن في ذلك إلماحاً بل إشارة إلى منزلة قم ومكانتها عند أهل البيت (عليهم السلام)، وقد أثنى الأئمة (عليهم السلام) على أرض قم وأهلها، ووردت عنهم (عليهم السلام) أحاديث كثيرة في ذلك، وسيأتي ذكر بعضها في محلّه.

ويؤيد ذلك ما ورد في الرواية الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: إنّ لله حرماً وهو مكة، وإنّ للرسول حرماً وهو المدينة، وإنّ لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم..(1)

وفي رواية أخرى: ألا إن قم الكوفة الصغيرة، ألا إن للجنّة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم..(2)

ففي العدول من الغيبة إلى الخطاب إشعار بحضورهم (عليهم السلام) في هذا المكان المقدّس فإنّه حرمهم، وموطن شيعتهم، وورد في الروايات أنّهم (عليهم السلام) لا يغيبون عن شيعتهم.

وقد أصبح لبلدة قم ميزة أخرى تضاف إلى مميّزاتها وهي أنّها مثوى السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)، الأمر الذي زاد في ارتباط الأئمة (عليهم السلام)، بقم، وقد أخبر عنه الإمام الصادق (عليه السلام) قبل ولادتها، بل قبل ولادة أبيها (عليه السلام) حيث قال: وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمّى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنّة.(3)

وفي رواية أخرى: تقبض فيها امرأة هي من ولدي، واسمها فاطمة بنت موسى، تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنّة بأجمعهم(4) وبه ينسجم العدول في السلام من الغيبة للخطاب فإنّ الزّائر يخاطب النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) وهم حاضرون.

وأما الأمر الثاني: فيظهر معناه بالرجوع إلى نسب الإمام الباقر (عليه السلام) من جهة أمّه (عليها السلام)، وهي فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، فتكون جدّة للإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام)، وبذلك تكون السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) بنتاً للإمام الحسن (عليه السلام) من طرف الأم.

وقد ذكر الرواة أن أم الإمام الباقر (عليه السلام) كانت على مرتبة عالية من الجلال والكمال.

يقول المحدّث القمّي في منتهى الآمال: أمّه ـ أي الإمام الباقر (عليه السلام) ـ الماجدة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى، وقيل لها: أم عبد الله.

فاصبح (عليه السلام) ابن الخيرتين، وعلويّاً بين العلويين.

روي في دعوات الراوندي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنّه قال: كانت أمّي قاعدة عند جدار، فتصدّع الجدار وسمعنا هدّة شديدة، فقالت بيدها: لا وحقّ المصطفى، ما أذن الله لك في السّقوط، فبقي معلّقاً حتى جازته، فتصدّق عنها أبي (عليه السلام) بمائة دينار.

وذكرها الصادق (عليه السلام) يوماً فقال: كانت صدّيقة لم يدرك في آل الحسن امرأة مثلها.(5)

وعلى هذا فيكون الإمام الحسن أباً للسيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) لأنه جدّ الإمام الباقر (عليه السلام) لأمّه، بل هو أب لسائر الأئمة (عليهم السلام).

وأمّا الأمر الثالث: فيعلم ممّا تقدم من الأبحاث السابقة، فإنّ شأن السيدة فاطمة المعصومة هو الشأن الشامخ، والمنزلة العالية، عند الله تعالى على ما نطقت به الروايات، ومن ذلك أن لها شأنية الشفاعة لجميع الشيعة، كما قال عنها جدّها الإمام الصادق (عليه السلام): (تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم).

والشفاعة من المسائل التي أكّدت عليها النصوص القرآنية وروايات أهل البيت (عليهم السلام)، وتكفّلت الكتب الكلامية ببيان تفاصيلها حكماً وموضوعاً.

والذي نودّ الإشارة إليه أن المستفاد من جملة (يا فاطمة اشفعي لي في الجنة فإنّ لك عند الله شأناً من الشأن) أنّ هذا الشأن ليس هو شأن الشفاعة فقط، وإنّما الشفاعة هي أحد مصاديق ذلك الشأن.

ويؤيد هذا المعنى ما ورد من الروايات الدالّة على أن الشفاعة ثابتة لجملة من الأفراد على اختلاف مراتبهم منهم النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) فإنّ له المقام المحمود، وهو أعلى مراتب الشفاعة على ما ورد في كثير من الروايات.(6) ومنهم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) والصدّيقة الزّهراء (عليها السلام)، ومنهم الشهداء، ومنهم القرآن الكريم، فإنّه يشفع لقرائه، ومنهم السقط فإنّه يشفع لأبويه، ومنهم المؤمن الشيعي، فإنّ الله تعالى قد جعل له الشفاعة يوم القيامة كما ورد في صحيحة ابن أبي نجران، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: من عادى شيعتنا فقد عادانا، ومن والاهم فقد والانا، لأنّهم منّا خلقوا من طينتنا، من أحبّهم فهو منّا، ومن أبغضهم فليس منا..، والله إنّ أحدهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر، فيشفّعه الله تعالى فيهم، لكرامته على الله عزّ وجلّ.(7)

وغيرها من الروايات.

أقول: إن مقام الشفاعة وإن كان شامخاً إلا أن للسيدة فاطمة المعصومة مقاماً آخر عبر عنه بالشأن.

وممّا يدل على ذلك ما نقله لي صديقي العزيز المحقّق الشهير الفاضل السيد مهدي الرجائي ـ ورأيته في أكثر من كتاب(8) ـ عن السيد محمود المرعشي، عن أبيه السيد شهاب الدين، عن جدّه السيد محمود المرعشي، أنّه كان يريد معرفة قبر الصّدّيقة الزهراء (عليها السلام)، وقد توسّل إلى الله تعالى من أجل ذلك كثيراً، حتى أنّه دأب على ذلك أربعين ليلة من ليالي الأربعاء من كل أسبوع في مسجد السهلة بالكوفة، وفي الليلة الأخيرة حظي بشرف لقاء الإمام المعصوم (عليه السلام)، فقال له الإمام (عليه السلام): (عليك بكريمة أهل البيت)، فظنّ السيد محمود المرعشي أن المراد بكريمة أهل البيت (عليها السلام) هي الصديقة الزهراء (عليها السلام) فقال للإمام (عليه السلام): جعلت فداك إنّما توسّلت لهذا الغرض، لأعلم بموضع قبرها، وأتشرّف بزيارتها، فقال (عليه السلام): مرادي من كريمة أهل البيت قبر السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) في قم.

ثم قال: إن الله تعالى قد جعل قبر الصديقة الزهراء من الأسرار، وقد اقتضت الإرادة الإلهية تبعاً لبعض المصالح أن يكون قبرها مخفيّاً لا يطّلع على موضعه أحد من الناس، فلا يمكن الإخبار عنه، ولكن جعل الله قبر السيدة فاطمة المعصومة موضعاً يتجلّى فيه قبر الصديقة الزهراء (عليها السلام)، وإن ما قدّر لقبر الصديقة الزهراء (عليها السلام) من الجلال والعظمة والشأن ـ لو كان معلوماً ظاهراً ـ قد جعله الله تعالى لقبر السيدة المعصومة.

وعلى إثر ذلك عزم السيد محمود المرعشي على السفر من النجف الأشرف إلى قم لزيارة كريمة أهل البيت (عليها السلام).

ونقل عن المحدّث الشيخ عباس القمّي أنّه رأى الميرزا القمّي ـ صاحب القوانين ـ في عالم الرؤيا ـ وسأله: هل أنّ شفاعة أهل قم بيد السيدة فاطمة المعصومة؟ فنظر إليّ متعجباً وقال: شفاعة أهل قم بيدي، وأما فاطمة المعصومة فشفاعتها لأهل العالم.(9)

فما يردّده بعض الحمقى والمغفّلين من أن فاطمة المعصومة لا تعدو أن تكون امرأة، مثلها مثل سائر النساء، ولا شأن لها؛ إن هو إلا دليل على الجهل واللامبالاة والتطاول على المقدّسات، ويكشف عن الحرمان وسلب التوفيق والتقصير في معرفة مقامات الأولياء والصالحين والصالحات من أهل البيت (عليهم السلام)، فإن كونها امرأة لا يقعد بها عن تسنّم أرفع الدرجات، وأنّها من فضليات البشر، ولا يدانيها في الفضل والمنزلة أكثر الرجال وهي من التاليات للمعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) في الفضل والشأن والمنزلة عند الله تعالى وعند الأئمة (عليهم السلام)، وحسبك ما تقدّم في الرواية الصحيحة السند عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: من زارها فله الجنّة.

هذا، وقد ذكر أن للزيارة آداباً وسنناً تكفّلت كتب الفقه والزيارات ببيان تفاصيلها.

1 - تاريخ قم، ص215، وبحار الأنوار: ج60، ص216-217.

2 - بحار الأنوار: ج60، ص228.

3 - تاريخ قم، ص215، وبحار الأنوار: ج60، ص216-217.

4 - بحار الأنوار: ج60، ص228.

5 - منتهى الآمال: ج2، ص131.

6 - تفسير نور الثقلين: ج3، ص206-211.

7 - صفات الشيعة، الحديث 5، ص82.

8 - كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص43-45 وسيدة عش آل محمد (صلّى الله عليه وآله)، ص37-38.

9 - كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص60.

 * من النسخة الإلكترونية لكتاب فاطمة المعصومة قبس من أشعة الزهراء  (ع)
...........
انتهى/ 278