ابنا: أجرى الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني، إذ تطرق في القسم الثالثة من الحلقة الثانية إلى أحوال بعض خواص أهل الحق، وسكوتهم خوفا على أنفسهم وأموالهم ومناصبهم، وأن البصيرة هي التي تنقذ الإنسان في نهاية المطاف. وفيما يلي نص الحوار.
المقدم: هناك سؤال سماحة السيد بموضوع مصير المجتمع وعلاقته بالخواص وموقع البصيرة والوعي هنا، فما هو مصير المجتمع في كلتا الحالتين، يعني حالة اتباع الخواص للحق سلوكاً وعكس ذلك؟
سماحة السيد: نعم، سماحة السيد القائد يقول في نتيجة الحالتين، إذا كانت كفة الخواص، طبعاً هنا نقول الخواص من أهل الحق ومن أهل النجاة مع السلوك، لأن النتيجة ستكون واحدة، يعني إذا كان هناك من يعرف الحق وكان من خواص أهل الحق، ولكن لا يتبع، كما خواص أهل الباطل الذين لا يتبعون الحق، فالنتيجة تكون واحدة في الواقع، ولكن قد تختلف في بعض المراتب شدةً وضعفاً.
إذا كان الفريق الصالح الذي يستطيع عند الحاجة الإعراض عن متاع الدنيا هو الأكثر، لن يقع المجتمع كما وقع فيه على عهد الإمام الحسين عليه السلام. أي أن أولئك الذين هم من أهل الحق، إذا كانوا يضغطون على أهوائهم ويتبعون التكليف لن يقتل الإمام الحسين عليه السلام.
المقدم: هنا يحضر جهاد النفس
سماحة السيد: أحسنتم وكذلك الجهاد الأكبر الذي ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الجهاد الأصغر، لأنه صعبٌ والقصص كثيرة جداً. فإن شُريح القاضي - كمثال بسيط - كان يعرف الحق جيداً، وكان يعلم أن مسلم ابن عقيل وهاني ابن عروه على الحق، ولكن الرجل كان صاحب أطماع، فإنه عندما كان هاني بن عروة معتقلاً في قصر ابن زياد، وكان قد ضربهُ ابن زياد وحبسهُ في غرفة والدم يجري منه، جاءت عشيرة هاني لأنه كان شيخ عشيرة وقبيلة كبيرة تسمى بعشيرة مذحج، وفي بعض الروايات جاءوا بسيوفهم. هنا وقع ابن زياد في فخ أنه سوف ينتهي وضعه، لأنه كان جديداً على الكوفة، والوضع متأزم والظروف كانت صعبة أمامه، فقال لشريح القاضي: اذهب إلى هاني بن عروة، وانظر إليه، ثم اخرج وكلّم مذحج عشيرة هاني، ففهم شريح القاضي الرسالة، وطبعاً عندما دخل شريح على هاني وذهب إلى مذحج، كان معه مرافق وجاسوس من قبل ابن زياد، فعندما خرج إلى مذحج عشيرة هاني، سألوه بغضب: أين هاني؟ قال لهم: رأيته، وهو لم يكذب، فقد رآه بالفعل حياً يرزق، ولم يُستشهد بعد، ولكنه كان على وشك الشهادة. ثم قال شريح القاضي بعد ذلك متأسفاً: كان معي جاسوس. إذن هو خاف على حياته وخاف على أمواله وسلطته والمنصب والمسؤولية، تكلم بكلام ما يسمى بالتقية أو التورية عبر ما شئت. .
المقدم: يعني قال نصف الحقيقة
سماحة السيد: البعض يقول، وأظن السيد القائد يشير إلى هذا المطلب، وهو أنه لو تحدث شريح بالحقيقة، ودخلت مذحج وهجمت على القصر، وربما قتل ابن زياد، لما قتل الحسين. انظر! أنا أعبر عن هذه الحالة وأقول: ربما يُصبح الإنسان دون أن يعلم مثل رأس البطارية في السيارات. فالسيارة مثلاً سعرها 300 ألف دولار، أو 200 ألف دولار، أو 100 ألف دولار، وفيها بطاريةسعرها 100 دولار أو 50 دولاراً؛ أنا في لحظه قد أكون رأس كل هذه السيارة، أرفعه فلا تشتغل السيارة، وشريح وقع في هذا الأمر. وكم من مثال في التأريخ.
إذن عندما نتحدث عن هذا الأمر، إنما نتحدث عن هذه الخطورة وعن نتائج خطيره جداً. . وأما إذا كان هؤلاء الذين هم من الخواص المناصرين للحق في قلة، وكان الفريق الآخر في كثرة؛ أولئك الذين هم أيضاً من الخواص المناصرين للحق، ولكن في الوقت نفسه تنهار معنوياتهم أمام المغريات، فهم أهل الحق وأنصار أهل الحق في درجة، ولكن عندما يأتي الإغراء والعطاء أو التهديد يتزلزلون، إذ تارة يترك الإنسان الحق حفاظاً على ثروةٍ ودارٍ وشهرةٍ ومنصبٍ وجاه، وتارة أخرى لا يسير في سبيل الله حفاظاً على نفسه فيلتزم الصمت، كما في زيارة عاشوراء، فتارة نقول: لعن الله أمة قتلتك، لعن الله أمة ظلمتك، وتارة أخرى نقول: لعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به. فالصمت في بعض الأحيان يكون سيئاً جداً. يقول السيد القائد: السكوت سقوط في بعض الأحيان. ففي كثير من الأحيان يسكتون حفاظاً على أرواحهم ومناصبهم وأعمالهم أو ثرواتهم أو حب الأولاد والأسرة والأقارب والأصدقاء. . هذه هي ابتلاءاتنا. . هؤلاء إن كانوا هم الكثرة، فالويل كل الويل. . عندها ينزل السائرون على خطى الحسين إلى أرض الشهادة، لأن الأمه معرضة، ولأن الأنصار قلة، فلا يكفي العدد، ويقادون إلى مسالخ الذبح بتعبير السيد القائد، ويتسلط أتباع يزيد على مقاليد الأمور، ويحكم بنوا أمية على الدولة التي أسسها رسول الله. تصور أن دولة رسول الله يحكمها يزيد! لماذا؟ لا لقرعة أو حظ أو يانصيب، وإنما لقلة خواص أهل الحق ممن أعرض عن الدنيا، وزيادة خواص أهل الحق ممن أقبل على الدنيا، فالنتيجة هي أنّ الحاكم يزيد والمذبوح الإمام الحسين عليه السلام.
مقدم البرنامج: المشكلة في خواص أهل الحق وليس خواص أهل الباطل
سماحة السيد: غالباً هكذا لأن الحق واضح دائماً، وإن أمرنا لأوضح من هذه الشمس بتعبير أهل البيت عليهم السلام، ولكن تتحول الإمامة إلى ملك وسلطان، وأنا أضيف إلى يومنا الحاضر كل هؤلاء الحكام بأيدينا عندما نقول لماذا حكم حسني مبارك وصدام والشاه وووو، كلها بسبب الأمة، نعم ولذلك نحنُ غالباً ما وللأسف نهتم بالمظاهر؛ أنا أرتدي زياً دينياً، أزور الحسين، أمشي إلى كربلاء، أصلي في المسجد، ولكن هل هذا يكفي لأن أكون من الخواص؟ كلا لا يكفي. لذلك يقول: لا أجد أصحاباً كأصحابي، لأنه مقلة، ولأن ﴿وَأَكثَرُهُم لِلحَقِّ كَارِهُونَ﴾.
إذن هذه هي النتيجة في هذا البحث، ولذلك العمل الأساس اليوم هو عمل ثقافي، وهوأن نبني، ففي العمل العقائد يكل واحد يعادل ربما مليون. كم عندي مثل مالك الأشتر، ومثل عمار بن ياسر، ومثل حبيب، ومثل مسلم ابن عوسجه، ومثل سلمان، ومثل أبو ذر، فإن هؤلاء هم خواص أهل الحق الذين أعرضوا عن الدنيا، ولذلك انظر إلى خلود أبو ذر وسلمان وعمار وأمثالهم. ويجب أولا أن نبني أنفسنا ﴿عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾، ولا ينبغي نهتم فقط بظاهر الأمر وبالطقوس والمظاهر التي لا تكفي في هذا الإطار.
المقدم: أنطلق مما تحدثتم به سماحة السيد لأسأل عن موقع الوعي والبصيرة هنا في موضوع خواص الحق وتحديداً انطلاق هذا الأمر على أصحاب الحسين عليه السلام.
سماحة السيد: بكل وضوح وجرأة وبحسب القراءة البسيطة أقول: لم أجد عالماً ومرجعاً وفقيهاً في كل زمن الغيبة تحدث عن البصيرة مثل القائد سماحة الإمام الخامنئي. فقد تحدث عن البصيرة في أبعاد شتى، وهو قائد الدولة، وهو ولي أمر المسلمين، ويعرف أين الخلل، وأين تأثير البصيرة هنا وهناك. البصيرة هي المفتاح. البصيرة بالضبط وكأنك تمشي في صحراء، عندك الماء وعندك الزاد وعندك الخيمة وعندك السيارة وعندك كل شيء، ولكن البوصلة غير موجودة؛ أين أذهب؟ أين أتجه؟ البصيرة هي البوصلة. . البصيرة هي المصباح، فلو أن هناك سيارة بكامل المواصفات، وليس فيها أي عطل، تسير في طريق، ولكن مصباح السيارة عاطل، فإن فقدان النور يؤدي إلى تيه السيارة. والعجيب أن الإمام الصادق عليه السلام في رواية مهمه ورائعةوعجيبة وأساسيه ومفصلية وعميقة جداً يقول: «العامل» والعامل هنا يعني الذي يعمل الصالحات، وليس المراد العامل في معمل، «العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلا بعداً». صلِّ ما شئت، ادرس في الحوزة العلمية ما شئت، احصل على شهادة أكاديمية ما شئت، كن غنياً ما شئت، كن مشهوراً ما شئت، كن مسؤولاً ما شئت، ولكن كن فاقداً للبصيرة، لا توجد أي فائدة. كل ما كانت هذه السيارة أكثر تطوراً، وكلما كانت سرعتها أكثر، يزيد الابتعاد أكثر. فإن ارتديت زيّ العلماء، وزاد علمي، وحسن صوتي، وكثر المعجبين بي، يكون الابتعاد أكثر مع عدم وجود البصيرة. كما هو حال الخوارج الذين كفّروا أمير المؤمنين وهم من أصحابه، لذلك فالبصيرة مفصل مهم. يكفينا قول القائد: «الذين يفتقرون للبصيرة سرعان ما يخدعون فيتحولون إلى جبهة الباطل». فالفاقد للبصيرة لا يُخدح وحسب، بل يتحول من جبهة الحق إلى جبهة الباطل. إذن لا يكفي للمرء أن يكون من خواص أهل الحق، وعنده إعراض عن الدنيا، ولكنه فاقد للبصيرة، لأن البصيرة مكمّل أساسي. كالسيارة التي تكون كاملة بكل مواصفاتها ولكنها تفتقد للإضاءة في ليلة ظلماء. فإن امتحان الدنيا كالليلة الظلماء يحتاج إلى نور. إذن يتحولون إلى جبهة الباطل دون علم منهم بذلك؛ العجيب أنهم لايعلمون بذلك وهذا من غرائب القول.
المصدر : وكالة أنباء الحوزة
الثلاثاء
٣ أكتوبر ٢٠١٧
٢:٣٠:٣٠ م
858001
الفاقد للبصيرة يتحول من جبهة الحق إلى جبهة الباطل
أجرى الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني، إذ تطرق في القسم الثالثة من الحلقة الثانية إلى أحوال بعض خواص أهل الحق، وسكوتهم خوفا على أنفسهم وأموالهم ومناصبهم، وأن البصيرة هي التي تنقذ الإنسان في نهاية المطاف.