ابنا: لم تشبه جلسة استجواب هنيبعل القذافي، ابن الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، جلسات الاستجواب السابقة أمام المحقق العدلي القاضي زاهر حمادة في قضية إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين.
اتّسمت الجلسة بهدوء استثنائي لم يُعهَد في الجلسات السابقة منذ توقيفه في كانون الأول عام ٢٠١٥، . الأمر نفسه انسحب على المعلومات التي أدلى بها القذافي، والتي وصفتها مصادر مطّلعة على التحقيق بـ«الاستثنائية»، لجهة تأكيد بعضها معلومات كانت موجودة سابقاً، وكشْف معطيات لم تكن معروفة سابقاً.
غير أنّ الأمر الاستثنائي الذي برز لافتاً هو إصرار هنيبعل على أنّ والده معمّر القذافي بريء من خطف الإمام الصدر ورفيقيه، واتّهامه عبد السلام جلّود (لا يزال حياً، ويُرجّح أنه موجود في إيطاليا)، الرجل الثاني في نظام معمّر، بتوريط ليبيا في الجريمة.
ورأى أن والده يتحمّل مسؤولية مدنية تتعلق بالتعويضات لعائلات الضحايا، لكون العقل المدبّر لعملية الخطف مسؤولاً رسمياً في نظامه. أما عن هوية من يملك الرواية الكاملة لقضية الصدر من ألِفها إلى يائِها، فردّ هنيبعل بأنهم ثلاثة: شقيقه المسجون في ليبيا سيف الإسلام القذافي، وعبد السلام جلود، فيما الثالث هو شقيقه المعتصم الذي قُتل خلال الأحداث في ليبيا.
وكرر هنيبعل عرضه للمحقق العدلي: «أنا مستعد للتعاون لحل القضية». وعندما سأله الأخير عن الكيفية قال: «فور إخلاء سبيلي أنا قادر على التواصل مع شخصيات أساسية كانت في الحكم في ليبيا للوصول إلى خواتيم القضية».
وبحسب المصادر، فقد تحدّث القذافي عن «دور أركان في النظام في الضلوع في اختطاف الصدر»، لكنّه ركّز على رجلين اثنين متورطين بشكل رئيسي هما: عبد السلام جلّود، رئيس الوزراء والرجل الثاني في ليبيا بعد معمّر القذافي، ووزير خارجية ليبيا الأسبق موسى كوسا (لا يزال حياً، ويُرجّح وجوده في لندن).
وأكّد القذّافي أن عبد السلام جلود نقل الصدر إلى منطقة جنزور في ليبيا لوضعه في الإقامة الجبرية، لكنه لفت إلى أنّه لم يعد يعرف ماذا جرى بعد ذلك. غير أنّ القاضي حمادة ذكّره بأنّه في إفادته السابقة أخبره بأنّه «نُقل من جنزور إلى السجن السياسي ثم تمّت تصفيته بعدها»، فأجاب بأنّه استنتج ذلك ولم يكن لديه معلومات.
واتهم القذافي عبد السلام جلود بأنه ورّط ليبيا في عدة قضايا، من توتر علاقات ليبيا مع مصر أيام الرئيس أنور السادات، مروراً بالحرب مع التشاد، وصولاً إلى اختطاف الصدر. فسأله القاضي: «هل يمكن أن يأخذ جلّود قراراً بإخفاء الإمام من دون معرفة والدك؟»، فرد بأنّ كل شيء ممكن.
وذكر هنيبعل في إفادته التي أدلى بها على مدى ثلاث ساعات، بحضور وكيله المحامي محمد مظلوم ووكلاء العائلات الثلاث، أنّه بدأ بمتابعة قضية الإمام الصدر ورفيقيه منذ عام ١٩٩٦، كاشفاً أنّه علِم أنّ عسكرياً ليبياً لا يعلم اسمه وموسى كوسا وشخصاً ثالثاً انتحلوا هوية الإمام الصدر ورفيقيه، وسافروا إلى إيطاليا.
سأله القاضي حمادة عن اسم محمد علي الرحيبي، فردّ بأنّه لا يعرفه، علماً بأنّ الأخير هو من الأسماء التي وردت سابقاً، والتي يشتبه في أنها انتحلت هوية الإمام الصدر. كذلك سأله حمادة عن رواية نُقلت في وسائل الإعلام عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك تفيد بأنّه تمت تصفية الإمام ورفيقيه قبل رميهم في البحر، لكنّ القذافي ردّ بأنّه لم يسمع بهذه الرواية سابقاً.
وبشأن ما نقلته وكيلته السابقة بشرى الخليل عن أنّ «الجميع يعلم أنه تمت تصفية الإمام الصدر ورفيقيه بعد ثلاثة أيام من اختطافهم، وأنه جرى إيصال هذه المعلومة إلى السيد محمد باقر الصدر الذي أبلغ بدوره الشيخ محمد مهدي شمس الدين»، ردّ القذافي بأنّه لم يقل شيئاً من هذا القبيل.
ورغم تأكيده أنّ شقيقه سيف الإسلام كان مكلّفاً من والده معمّر بتصفية القضية ودفع تعويضات لإنهاء القضية، فهل يعقل أنّه لم يخبرك بما حلّ بالإمام الصدر؟ سأله القاضي حمادة، فردّ القذافي: «أخي يكبرني بسبع سنوات. هو بمثابة والدي، وأقبّل يده عندما أُصافحه. سألته مرّة فأجابني بأنّه لا دخل لك بهذه القضية». كذلك نفى أنّ يكون شقيقه المعتصم (كان مسؤولاً أمنياً في ليبيا) أو قريب والده أحمد قذّاف الدم، الذي تواصل مع لبنانيين لحل قضية الصدر، قد أخبراه شيئاً عن القضية.
لم يقتصر استجواب القذافي على قضية الصدر، فقد تطرق المحقق العدلي إلى دوره في الأحداث الليبية، غير أنّ الأخير بدأ حديثه بالقول: «أنا ملمّ بالسياسة اللبنانية والسورية وسياسة أمريكا اللاتينية وشمال أفريقيا وما زلت. وأنا مثقف سياسياً»، لكنه نفى أن يكون قائداً عسكرياً أو قائد كتيبة بحرية.
ولدى سؤال حمادة له عن دوره في قضية قصف السفن في مصراتة، ردّ: «للأسف لم أقصفها». كذلك نفى أن يكون قد وضع معارضين ليبيين في مستوعبات حديدية ورماهم في البحر، علماً بأنّ هناك شاباً ليبياً يلقّب بـ«تايسون»، قال هنيبعل إنّه مرافقه الشخصي، قد أكّد أنّ القذافي قتل معارضين بوضعهم في مستوعبات حديدية ورميهم في البحر، وأنّه كان مسؤولاً عن السجن السياسي.
وفي خلاصة الجلسة، أصرّ القذافي على أنّه غير مطّلع على المرحلة الأخيرة في قضية الإمام الصدر. وقد طلب المحقق العدلي الاستماع إلى إفادة شاهد سرّي يملك اطّلاعاً واسعاً على دور هنيبعل في السجن السياسي، باعتبار أن الإمام الصدر سُجن فيه لفترة.
...................
انتهى/185