ابنا: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين .
في ذكرى الزهراء عليها السلام ينفتح بنا الحديث حول قضايا المرأة المعاصرة .
والأسألة التي تطرح نفسها هي:
هل يجب على المرأة المسلمة المعاصرة أن تبحث لها عن (قدوة) ؟
لا إشكال أنّ البحث عن (القدوة) أحد ضرورات المرحلة الراهنة في حركة المرأة المعاصرة، الحركة الثقافية، والحركة الاجتماعية، والحركة السياسية .
أين تجد المرأة المعاصرة هذا (النموذج القدوة) ؟
قد يقال: أن هذا النموذج يمكن أن تستعيره المرأة المسلمة المعاصرة من (الغرب)، فالنموذج الغربي هو الأقدر على التعاطي مع ضرورات المرحلة، وحاجات الحاضر، ولا يصلح أن تستعير نموذجاً من التاريخ !!
هل أن هذا الكلام صحيح ؟
لا نعترف بصحة هذا الكلام؛ فاستعارة النموذج الغربي في صياغة المرأة المعاصرة يشكّل تناقضاً صريحاً مع (الهوية الإسلامية)، فالذين يطرحون (النموذج الغربي) هم أصحاب (المشروع التغريبي)، وأهداف هذا المشروع هو سلخ المرأة المسلمة عن هويتها الإيمانية .
ومما يؤلم أنّ مشروع تغريب المرأة المسلمة تتبناه في بلدان المسلمين مؤسسات ثقافية، وإعلامية، وتربوية، واجتماعية، وسياسية، وقد روّجت هذه المؤسسات لمشروع التغريب بشتى الوسائل، واعتمدت مختلف الأساليب، وكانت النتيجة أن نشأ في مجتمعات المسلمين أجيال من الشباب المتغرب، والشابات المتغربات، هذه الأجيال التي تنكرت لهويتها الإسلامية، واستعارت هوية بديلة .
ربماّ كانت شعارات من قبيل: تحرير المرأة، تعليم المرأة، تشغيل المرأة، ساهمت بشكل كبير في اجتذاب المرأة إلى هذا المشروع التغريبـي .
ولا شك أنّها عناوين قادرة على الاجتذاب، والاستقطاب، بما تحمله من إغراءات آسرة لعواطف المرأة وطموحاتها ورغباتها .
إننّا ندعو إلى أن تتحرر المرأة من الجمود والانغلاق والجهل والتخلف، ولكن ليس من خلال مشروع تغريـبي يسقطها في لون جديد من العبوديات فتكون أسيرة الشيطان، والهوى، والابتذال، والضياع، والفساد، والإغراء، والتيه، والانحراف، والضلال .
التحرر الحقيقي هو أن تتحرر المرأة من جميع أسباب الجمود والجهل والانغلاق، ومن جميع أسباب التغريب والاستلاب، ومصادرة الهوية الإسلامية، وإلغاء الانتماء الإيماني .
ولعل الجمود في أسوء نتائجه أفضل من إنطلاق يفتح المرأة على دنيا الرذيلة، والميوعة والفسوق، دنيا تموت فيها العفة والفضيلة، والقيم والأخلاق .
ولعلّ الإنغلاق في أخطر معطياته خير من إنفتاح يجعل من المرأة ألعوبه رخيصة في سوق الدعايات والمزايدات المبتذله .
التحرر الحقيقي هو أن تملك المرأة المسلمة إرادة التحدّي والصمود والمواجهة أمام مشروعات الاستكبار التي تحاول أن تهيمن على مقدرات الأمة، وأن تسرق كل ثرواتها، وأمنها، واستقرارها، واستقلالها، وأن تصادر هويتها وانتماءها وأصالتها .
إنهّ لمن المفارقة الفاضحة أن تستسلم المرأة في مجتمعات المسلمين إلى ثقافة الاستكبار، وإلى مناهج الاستكبار، وإلى إعلام الاستكبار، وهي تحمل شعار الرفض والتحرر من عبودية الاستكبار، إن هذا هو الانقهار والانئسار والانهزام والاستعباد .
ومتى ما استطاعت المرأة في مجتمعاتنا أن تؤصّل هويتها الإيمانية، وأن تعبّر عن انتمائها القرآني، وأن تحافظ على قيمها الروحية، وأن تتحدى محاولات التجهيل والتجميد، ومخططات الاستلاب والتغريب، فهي الجديرة بوسام الحرية والعزة والكرامة .
إننّا ندعو إلى أن تتعلم المرأة، وإلى أن تتثقف المرأة، فالمرأة التي لا تملك العلم والوعي والثقافة، إمرأة فاشلة وعاطلة وعاجزة، إنها طاقة مشلولة ومهملة، ولكن نريد للمرأة أن تعيش الأصالة في العلم والثقافة، وأن تعيش النظافة في العلم والثقافة .
هل من الأصالة أن يكون العلم والثقافة وسيلة من وسائل التغريب والاستلاب والمصادرة ؟ !
·هل من الأصالة أن يكون العلم والثقافة طريقاً تعبر من خلاله قوى الهيمنة الثقافية والاقتصادية والسياسية والأمنية لتفرض سيطرتها على شعوبنا باسم العولمة وثورة المعلومات ونظام العالم الجديد ؟ !
·هل من الأصالة أن يكون العلم والثقافة في خدمة أهداف الأنظمة السياسات والاتجاهات والمؤسسات التي تحارب الإسلام ؟ !
·وهل من النظافة أن يكون العلم والثقافة أداة تدمير القيم والأخلاق والفضيلة، ولتحطيم المناعة الروحية عند الأمة ؟ !
·هل من النظافة أن يكون العلم والثقافة شعاراً لترويج الفسق والمجون والدعارة، والبغاء المقنن ؟ !
·هل من النظافة أن يكون العلم والثقافة إعلاماً ومنهجاً، يبرر للمرأة أن ترفض تعاليم الدين، وأحكام الشريعة، وأن تهزأ بالحجاب، والستر، والعفاف ؟ !
إننّا ندعو أن تتعلم المرأة المسلمة وأن تتثقف، لتكون الأداة الفاعلة في حركة التغيير الثقافي والاجتماعي والسياسي، إلاّ أننّا نريدها الأداة الأصيلة والأداة النظيفة التي تعطي لحركة التغيير أصالتها ونظافتها، ونقاءها وطرحها.
ليس من المهم أن تتشكل حركات نسائية تغييرية، وأن تتكون مؤسسات نسائية ثقافية اجتماعية وسياسية، المهم أن تكون هذه الحركات التغييرية وهذه التشكلات المؤسسية تملك أصالة الانتماء، المهم أن تكون هذه الحركات والمؤسسات منطلقات تساهم في صياغة وعي الأجيال، وثقافة الأجيال، وقيم الأجيال وفق المكوّنات الإيمانية والمكوّنات الروحية لهذه الأمة المنتمية إلى الإسلام .
إننّا نؤمن بضرورة أن تكون المرأة المسلمة عنصراً منتجاً، وطاقةً متحركةً، وقدرةً فاعلةً في شتى مجالات الثقافة والاجتماع والتربية والسياسة، ولكن بشرط أن تكون المرأة الملتزمة بأحكام الشريعة، وضوابط الدين، وقيم الإسلام، وتوجيهات القرآن .
قد يقال: إنّ أحكام الشريعة، وضوابط الدين، وقيم الإسلام، وتوجيهات القرآن هي التي حّولت المرأة المسلمة إلى عنصرٍ عاطلٍ، وإلى طاقةٍ جامدةٍ، وإلى قدرةٍ مشلولةٍ، بفعل القيود الثقيلة التي أرهقت حركة المرأة، وخنقت طموحاتها الكبيرة .
هذا كلامّ فيه افتراء وتجنًّ على الشريعة والدين والإسلام والقرآن، فإذا أردّنا أن نعتمد التاريخ فالشواهد كثيرة على أنّ المرأة في ظل معطيات الشريعة والدين والإسلام والقرآن كانت العالمة والأديبة والمثقفة، والمجاهدة، والثائرة، والعاملة في كل ميادين الحياة .
وإذا كان البعض يستوحش من أمثلة التاريخ، ويصر على أن يكون الحديث من وحي الحاضر فلن نبتعد عن حديث الحاضر .
هذه هي المرأةُ المسلمة الملتزمة في إيران كانت شريكة الرجل في انتصارات الثورة، كانت مثال الصمود، والشموخ والتحدي، كانت بحجابها الإسلامي، بزيّها الديني، بعفافها، بقيمها، بأخلاقها، بدينها، بقرآنها، عنوان الرفض، وعنوان الثورة، وعنوان الجهاد، وعنوان البناء، وعنوان العطاء .
وهذه هي المرأة المسلمة الملتزمة في جنوب لبنان الصامد الذي قهر غطرسة اليهود الصهاينة كانت مع الرجل في خنادق الجهاد، وخنادق المقاومة، وخنادق الشهادة، ولا زالت تمارس دورها الكبير في خنادق الثقافة والإعلام والتربية والاجتماع والسياسة، ولم يكن الدين، وقيم الدين، سبباً في تعطيل قدرات العطاء والجهاد والإبداع عند هذه المرأة بل كان العامل الذي أعطاها العنفوان والشموخ والحركية والهادفية والفاعلية .
ولنا في الكثير من مواقع العطاء في هذا الزمن، وفي هذا البلد أو ذاك، شواهد وشواهد تبرهن على أنّ المرأة المسلمة الملتزمة بالدين قادرة على أن تشكل حضوراً حقيقياً، ووجوداً فاعلاً، له مساهماته الكبيرة في كل الانجازات المعاصرة .
وإذا كان هناك حالات من الجمود والانغلاق في واقع المرأة المنتمية إلى الإسلام، فمسؤولية هذا الجمود والانغلاق لا يتحملها الدين نفسه، وإنّما تتحملها الذهنية المتخلفة التي لم تستوعب مضامين الدين مما أنتج فهماً خاطئاً في التعاطي مع الكثير من قضايا المرأة، ولقد ظل الواقع النسائي وعبر تاريخ طويل محكوماً لهذا الفهم الخاطئ مما جمّد عند المرأة دورها وحركتها في شتى مجالات الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية .
...........
انتهى / 278