ابنا: كل من كان يعيش مع العلامة الفقيد آية الله الآصفي كان يشعر بعظمة وجوده وكان يستشف من معاشرته الصفات والسجايا الحسنة والخلق الكريم الذي تميز بها سماحته. وقلما نجد إنسانا في عصرنا هذا يجتمع فيه كل هذه الخصائص الحسنة.
أذكر في هذا المجال بعض هذه الخصائص البارزة:
من الخصائص الهامة التي تميز بها العلامة الفقيد هي إهتمامه البالغ بأمور المسلمين وقد وقف حياته على أمور المسلمين وأفنى عمره لهذا الهدف السامي فلم يألوا جهدا من أجل هذه القضية فكان يعتني ويرعى الأيتام والمستضعفين والفقراء من الأمة الإسلامية من خلال تشييد المؤسسات الخيرية في مختلف البلدان الإسلامية وكان يهتم بالمجاهدين ويقدم لهم الدعم المادي والمعنوي ويتفقدهم رغم صحته المتردية وكان يستقبلهم برحابة صدر ومحبة لأن المجاهدين يمثلون دعائم الإسلام في مواجهة العدو.
وكان لبياناته دور هام في دعم الشعوب الإسلامية المظلومة ورفع معنوياتهم وإثراء حركتهم كما يجد الإنسان التحليل الدقيق من قضايا الأمة الإسلامية في بياناته لأنه كان يدرس الأمور عن كثب وكان يعيش هموم الأمة وكان عارفا بمؤامرات العدو.
فقد زرته قبل وفاته بقليل وهو على سرير المستشفى وفي أشد الحالات حيث لم يستطع أن يحرك شيئا أو يكتب شيئا فكان قد ألقى على زوجته بيانا حول الإضطهاد الذي يعاني منه الشعب السعودي وعلمائها القابعين في السجون فكتبتها زوجته وطلب مني أن أبعثها إلى المعنيين.
ورغم إصابته بالمرض وعجزه عن التحرك كان لا يهمل أمور المسلمين وكان متألما للإضطهاد الذي يمارس في حق المسلمين.
وكان آخر كلماته التي سمعت منه حين تحدثت معه هو ضرورة الوحدة الإسلامية وتضامن المسلمين وكان منزعجا لما آل اليه الوضع الإسلامي.
والخصيصة البارزة الثانية في حياته هي حبه وولائه للثورة الإسلامية المباركة ومؤسسها العظيم الإمام الخميني وقائدها الحكيم الإمام الخامنئي وكان هذا الحب مترسخا في شخصيته ومشهودا في كل جانب من جوانب حياته سواء عندما انخرط في العمل السياسي أو في مؤلفاته وكتبه أو بعد أن عاد إلى العراق ليمثل سماحة القائد.
وقد كتب في مقدمة إحدى كتبه نصا يدل على هذا الحب الخالص للثورة الإسلامية والنص على النحو التالي:
إن قوام كل ثورة: قطرات من الدم، وقطرات من الدمع وقطرات من الحبر.
وإذا كانت الأيام حبستني أن أبذل في الثورة الإسلامية المباركة في إيران قطرات من الدمع، فها هي قطرات من الحبر ممزوجة بقطرات من الدمع أهديها إلى قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني وإلى أرواح الشهداء الأبرار من الشعب الإيراني المجاهد.
وقد استجاب لطلب قائد الثورة الإسلامية لتمثيله في النجف دون تردد وتهاون لأنه كان يرى طاعة القائد فرضا على نفسه.
وكان يرتدي الكوفية التي أهداها قائد الثورة الإسلامية إياه عندما كان في الستشفى وكان يحملها حتى اللحظة الأخيرة من حياته.
ومن خصائصه الأخرى هي تسامحه وعفوه عن الأخرين وصبره في الأمور فقد كان مصداقا لخطبة المتقين لأمير المؤمنين(ع) في وصف المتقين: "في الزلازل وقور وفي المكاره صبور" وكذلك "يمزج العلم بالحلم" و"العقل بالصبر".
ففي الفترة التي عاشرته ما رأيت أن يعلو صوته غضبا على أحد كما سمعت ممن رافقه سنوات طويلة أنه لم يزجر أحدا في فترة معاشرته.
كما أنه كان متسامحا وكان لا يضمر حقدا على الآخرين قط فقد جاءه رجل ليزوره بعد إصابته بالمرض وكان بينهما خلاف طويل امتدّ لسنوات فجاء الرجل ليرضيه فقد ردّ عليه الفقيد "أنني ما كرهتك أبدا في حياتي ولو للحظة واحدة".
فكان يعفو عن الآخرين وكان يصبر على الشدائد والمحن.
وسألته يوما عن المؤسسات الخيرية وتأسيسها وما مرّ عليه طوال هذه السنوات فنقل لي أن إمرأة جاءت إلى المؤسسة ووقع نقاش حاد بينها وبين موظف المؤسسة فبعد أن تحرّى الفقيد الحقيقة أعطى الحق للموظف فهجمت عليه المرأة وضربته على صدره ضربة موجعة وألقته على الأرض إلا أنه لم يرد على تلك الإمرأة قط ولم يغضب عليها بل عفى عنها رغم مكانته الإجتماعية والعلمية.
فسلام عليه يوم ولد ويوم ارتحل ويوم يبعث حيا
-------
انتهى/125