وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : موقع القائم
الثلاثاء

٥ مايو ٢٠١٥

١:٥٥:٠٨ ص
688277

للتعرف على عباد الله

من هم عباد الرحمن ؟

إن آية 63من سورة الفرقان وما يليها من آيات تصف عباد الرحمن، وهي بمثابة تعيين الضوابط العامة للعبد الصالح بما له من معنى في الكلمة وما ينبغى لهذا العبد أن يتخلق بها من خصل وخصائص، فيقول الذكر الحكيم:

ابنا:

1- وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا
أولاً: إن من صفات عبد الرحمن أنه يجمع بين حالتين: أي حالة التواضع التي تجمع التذلّل والترفع في آن واحد .
كيف يمكن للإنسان أن يكون متذللا ومترفعا في آن واحد؟..

فمتذللاً هنا بمعنى حالة الذلة والشفقة في العباد فيما لا يؤوله إلى الوهن.. وذلة المؤمن ذلة محمودة، حيث أن منشأها ليس الخوف من الطرف المقابل، كذلة المتملقين للأغنياء، أو ذلة الخائفين من الجبارين.. إنما هذه ذلة تنتج، إذا رأى الإنسان من الطرف المقابل عظيم أمام الله عز وجل، ولهذا القرآن الكريم في سورة المنافقين يقول: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين وما عدا ذلك من العزة، فهي عنده زائفة، ولم يؤذن للمؤمن أن يذل نفسه..

فإذاً إن ذلة المؤمن نافذة من التواضع، وأن لا يرى تميزاً لنفسه على الآخرين، وكلما رأى إنسانا يقول: هو خير مني.. فشرّه ظاهر، وخيره باطن.. وأنا كيف أحكم على نفسي بتفوق على الغير؟.. والحال أن البواطن مستورة عليه.. فنحن لا نعلم من العباد إلا جلداً وعظماً ولحماً، فمن أين نعلم بواطن العباد؟..
ثانياً: لو فرضنا جدلاً إنك علمت باطن الشخص، ورأيت باطنه، ولكن من أين تعلم باطنك؟.. إن الذين يعرفون أنفسهم هم القلائل.. ولو عرفت باطنك وباطنه، ورأيت التميز، وحكمت بالتفوق.. من أين لك العلم بعواقب الأمور؟.. فأنت ترى الفعل، ولا ترى المستقبل.. والإنسان مجموعة ماض، ومستقبل، وساعة موت.. وعند ساعة الموت لا يعلم بم يختم للإنسان.. فالمؤمن ليس له أي حكم على العباد، إلا اللهم إذا خرج الطرف الآخر من دائرة الإيمان إلى الكفر، فهذا له حكم آخر.. ولكن بما أنه يجمع بين الاعتقادات الخاصة بأصول الدين، فيجب أن يحتمل أن هذا الإنسان على خير.

2-وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا
فنبي الرحمة ابتلي بأشد الجاهلين، تقول بعض الروايات ما مضمونه: (إن المؤمن إذا ذهب إلى رأس جبل لجاءه من يؤذيه)..
فالإنسان في حياته اليومية وإلى أن يموت لا بد وأن يبتلى بجهلة من أرحامه أو من غير أرحامه، في مجال عمله أو في دائرة معاشرته.. والمؤمن إذا تنزل إلى هؤلاء الجاهلين، وأراد أن يكيل الكيل كيلين، فإنه يتنزل إلى مستوى الجهال، ويشغل نفسه بعوالمهم، ويتثاقل إلى تثاقلهم قولاً وفعلا.. والحل هو أن يترفع عن الإنسان الجاهل، لا أن يقول له: (سلاماً) باللفظ، بل يقول له: (سلاماً) بمقام العمل.. إن المؤمن إذا تجاوز في حد من حدود الله، فهو بحد ذاته تلك الساعة ليس بمؤمن، ولا وزن له.. فلعله كان قبل ذلك من العباد والزهاد، ولعله أيضا هو كذلك بعد ذلك العمل.. ولكن في ساعة الغضب هو لا وزن له، ولو كان ذا وزن قبل الغضب وبعده.. فإذاً لماذا الإنسان يقيم وزنا لما لا وزن له؟..

3-وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا

إن هؤلاء يرون لذتهم في السجود الطويل.. والروايات تؤكد تأكيداً غريباً على إطالة السجود.. والسجود ليس هذا الإنحناء البدني، فهذا الإنحناء البدني حركة رياضية.. وإنما السجود المقصود هو السجود الروحي.. فالسجود حركة قلبية، وهذه السجدة الظاهرية هي حركة البدن.. فالساجدون لله عز وجل، والمحترفون السجود، هؤلاء لهم عوالم لا تقدر ولا توصف.. فلهم سير إلى عالم البرزخ، وإلى عالم الغيب لا يعلم لذتها.. فسلمان الفارسي يقول -ما مضمونه-: لولا السجود، ولولا معاشرة المؤمنين، لما تحملت البقاء في هذه الدنيا.
إن السجود في عرف الأولياء والصلحاء، يعتبر سياحة روحية، وما أروعها من سياحة!.. لا تكلف مالاً ولا تعباً، ومتاحة في أية ساعة من الساعات.. ولذة السجود في السحر، حيث الناس نيام، فيقوم الإنسان ليكون مع الساجدين.. ولهذا يبيتون سجداً وقياما، أي يغلب عليهم السجود في هذا الليل الطويل..

4- وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ

فهم على صفاتهم، والتزامهم يعيشون حالة الهلع والوجل..
إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا
الغرام ما ينوب الإنسان من شدة أو مصيبة فيلزمه، ولا يفارقه، فكذلك نار جهنم تلزم الإنسان، ولا تنفك عنه.

إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا

ولعل الفرق بين " مستقرا " و " مقاما "
إنّ جهنم مكان دائم للكافرين فهي لهم " مقام " ،
ومكان مؤقت للمؤمنين العصاة أصحاب الكبائر ، أي " مستقر "

وبهذا الترتيب يكون قد أشير إلى كلا الفريقين أي الكافر والعاصي اللذين يردان جهنم .

ومن الواضح أن جهنم سواء كانت محلّ إقامة أو مستقر فهي مكان سيّئ لكلا الحالتين إن كانت للكافر دار إقامة وإن كانت للعاصين دار مستقر الى حين العفو والتوبة والتطهير من الذنوب فهي في الحالتين مُحرقة مؤلمة ، فشتّان بين الراحة والنعيم وبين النيران الحارقة .

5-وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا
فالمؤمن أمين على مال الله عز وجل.. أي أنفقوا من مال الله عز وجل الذي آتاكم، فهذا المال مال الله، وأنتم عليكم أن تنفقوا بالكيفية التي أمركم الشارع بها.
وهنالك آية بليغة في العتاب والتأثير، قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم.. أي يا بني آدم!.. إن الله عزوجل لا يعبأ بكم، ولا يعتني بكم.. فما وزنكم عند الله عز وجل؟.. وما قيمة هذا الإنسان الذي يدب على قدميه، وبعد أيام يؤول أمره إلى التراب؟.. وما فرقه عن الجماد والحيوان والنبات لولا الوجود المادي؟.. إذا كنت تدعو، فأنت مترفع عن المادة.. وقد يقول قائل: وأنا أدعو!..

.....

انتهى/278