«إنّ شهر شعبان هو مقدمة لشهر رمضان المبارك»
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ألا إنّ رجباً شهر الله الأصم، وهو شهر عظيم، وإنّما سمي الأصم؛ لأنّه لا يقاربه شيء من الشهور حرمة وفضلاً عند الله، وكان أهل الجاهلية يعظّمونه في جاهليتهم، فلمّا جاء الاسلام لم يزدد إلا تعظيماً وفضلاً. ألا إنّ رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي". (وسائل الشيعة: ج10، ص475)
إنّ شهر شعبان من الشهور الشريفة، وهو منسوب إلى سيد الأنبياء والمرسلين وخاتمهم الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله)، وفيه مناسبات عديدة، منها ولادة الإمام الحسين بن الإمام علي أمير المؤمنين (عليهما السلام)، وولادة أخيه آية الإباء والفداء أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وولادة الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام)، وولادة أخيه علي الأكبر (عليه السلام)، وولادة صاحب العصر والزمان الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف).
وفي الحقيقة، إنّ شهر شعبان هو الشهر القمري الوحيد، الذي لم يوافق فيه شهادة أيّ إمام من الأئمة المعصومين الأطهار (عليهم السلام).
* أهمية شهر شعبان:
يقول الامام روح الله الموسوي الخميني (قدس سره) حول عظمة شهر شعبان: "إنّ شهر شعبان هو مقدمة لشهر رمضان المبارك، حيث يستعد الناس فيه لاستقبال شهر رمضان المبارك، والدخول في ضيافة الله سبحانه وتعالى".
فأنتم عندما تريدون أن تذهبوا لضيافة شخص ما، غالباً ما تقومون بإعداد أنفسكم؛ لتكونوا على أفضل هيئة، فتغيرون زيّكم، وتدخلون إلى مكان الضيافة وأنتم بهيئة أخرى، غير الهيئة التي كنتم عليها في منازلكم.
إنّ شهر شعبان أعدّ من أجل ترتيب الهيئة التي تتناسب مع الضيافة التي تقصدونها، وتعدّون أنفسكم لها بالشكل الذي ينبئ عن وجود مقدار من الفرق في أوضاعكم وظواهركم عما كنتم عليه في منازلكم.
وإنّ شهر شعبان أعدّ من أجل أن يستعدّ المسلمون لضيافة الله (عزّ وجلّ)، وآداب ذلك تظهر من خلال المناجاة الشعبانية. (صحيفة النور: ج13، ص31).
* بركات شهر شعبان:
يتحدّث الامام الخميني (قدس سره) في موضوع يتعلّق ببركات شهر شعبان، فيقول:
"توجد في هذه الأشهر الثلاثة؛ رجب وشعبان ورمضان المبارك، العديد من البركات التي أعدّها الله للإنسان، وهو يتمكّن من الاستفادة منها على أحسن وجه.
بالطبع، إنّ مبدأ كل تلك البركات المبعث النبوي الشريف، وما بقي يكون تابع له، ففي شهر رجب المرجب، تمرّ ذكرى المبعث العظيم، وولادة مولانا الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (سلام الله عليه) وبعض الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وفي شهر شعبان تمرّ ذكرى ولادة سيد الأحرار والشهداء الإمام الحسين (ع) وولادة الإمام المنتظر صاحب الأمر والزمان (أرواحنا له الفداء). وفي شهر رمضان المبارك، نزول القرآن الكريم على قلب الرسول المبارك.
ومن المعلوم أن الألسن والعقول والأفكار لا تتمكّن من سبر أغوار شرف ومكانة هذه الشهور الثلاثة.
إننا اليوم نعيش في شهر شعبان الشريف، وفيه المناجاة الشعبانية التي تعتبر من أكبر المناجات وأعظم المعارف الإلهية، وهي من أعظم الأدعية التي يمكن للعارفين بها الاستفادة منها بمقدار ما يمتلكونه من معرفة". (صحيفة النور: ج17، ص456).
* قداسة شهر شعبان ورمضان:
لقد تعرّض الإمام الخميني (قدس سره) من خلال حديثه مع مجموعة من مسؤولي النظام الإسلامي إلى قداسة شهري شعبان ورمضان المباركين ببيان قلبي رائع ولطيف، فقال:
"إنّ شهر رمضان المبارك يشتمل على ليلة القدر المباركة، ويشتمل شهر شعبان الشريف على ليلة النصف من شعبان التي تتلوها ليلة القدر؛ فإنّ شهر رمضان مباركٌ لليلة القدر، وشهر شعبان مباركٌ؛ لأنّ فيه ليلة النصف من شعبان.
كما أنّ شهر رمضان مبارك؛ لنزول الوحي فيه، أو بتعبير آخر أنّ معنوية رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت سبباً في نزول الوحي. وإنّ شهر شعبان شهر عظيم؛ لكونه استمرار للمعنويات الموجودة في شهر رمضان المبارك، وتتجلّى في شهر رمضان المبارك ليلة القدر، التي جمعت فيها جميع الحقائق والمعاني. وإنّ شهر شعبان هو شهر الأئمة، وهو مواصلة لهذه الحقائق والمعاني.
ولقد أدّى مقام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بولايته العامة الإلهية بالأصالة، إلى بسط جميع البركات في الكون، كما أنّ شهر شعبان – الذي يعتبر شهر الأئمة الأطهار (عليهم السلام) – أدّى إلى استمرار هذه المعاني ببركة الولاية المطلقة التابعة لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
كما أنّ أجواء شهر رمضان المبارك خرقت جميع الحجب، فنزل فيه جبرائيل الأمين (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله). وبتعبير آخر، إنّ مقام الرسول (صلى الله عليه وآله) جعل جبرائيل الأمين (ع) ينـزل على دار الدنيا، وإنّ شهر شعبان هو شهر الولاية، وهو استمرار لجميع هذه المعاني.
إنّ شهر رمضان شهر مبارك فيه نزل القرآن الكريم، وشهر شعبان مبارك فيه انتشرت أدعية الأئمة (عليهم السلام).
إنّ شهر رمضان المبارك هو الشهر الذي نزل فيه القرآن، القرآن المشتمل على جميع المعارف، وجميع ما يحتاجه البشر، وشهر شعبان هو شهر الأئمة المعصومين الأطهار (عليهم السلام)، وهو استمرار لهذه الحقيقة وهذه المعاني في جميع الأزمنة.
إنّ ما موجود في القرآن الكريم من أسرار، موجود في أدعية الأئمة (ع) أيضاً، فنحن نقرأ في الأدعية الشعبانية معاني عرض حاجاتنا على الله تعالى: {وَاجْعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاجابَك، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِك، فَناجَيْتَهُ سِرّاً، وَعَمِلَ لَك جَهْراً}. (مفاتيح الجنان، الأعمال المشتركة لشهر شعبان، المناجاة الشعبانية).
فإنّ هذا الدعاء يتعرّض إلى معنى (الصعق)، كما عرضه القرآن الكريم في قصة النبيّ موسى (عليه وعلى نبيّنا السلام)، حيث قال تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} (سورة الأعراف، الآية 143) حيث صعق موسى (ع)، فإنّ هذا الشهر هو شهر الصعق، وهو شهر يتطلّب منّا هذا الصعق، وهو شهر التجلّي الإلهي للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وهو شهر التجلّي الإلهي للأئمة الأطهار (عليهم السلام) تبعاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
إن الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف ) له أبعاد مختلفة، وإنّ ما يقع للبشر أحياناً من بعض أبعاده، وكما أنّ هناك بعض الأبعاد الخاصة بالقرآن والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) التي تكون معلومة لدى البشر، توجد هناك معنويات في القرآن الكريم لم يكتشفها إلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الميامين (عليهم السلام)وممّن أخذ منه.
وتوجد في أدعيتنا مسائل من هذا القبيل أيضاً؛ لأنّه كما أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حاكم على جميع الموجودات بحسب الواقع، فإنّ الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) أيضاً حاكم على جميع الموجودات.
فإنّ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو خاتم الرسل، والإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) هو خاتم الولاية، والرسول (صلى الله عليه وآله) خاتم الولاية العامة بالأصالة، والمهدي الموعود (عجل الله فرجه الشريف) خاتم الولاية العامة بالتبع.
وبالتالي، فإنّ هذين الشهرين، من الشهور التي يجب علينا احترامها”. (صحيفة النور: ج20، ص248، 249، 250).
نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا في أجواء شهر شعبان؛ شهر الرسول (صلى الله عليه وآله)، عوناً للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) من خلال اتّباعه في هذا السفر، ويمكننا – من خلال المعرفة والتحرّر من الأهواء – إزالة ما أصاب قلوبنا من غبار الدنيا وغرورها، وإعداد أنفسنا للدخول في ضيافة الله (عزّ وجلّ) الكبرى، واستثمار بركات هذا الشهر العظيم.
وهنا لابدّ من التذكير ببعض الأعمال المشتركة المستحبة والتي يوصى بها الإنسان المؤمن خاصة من اتباع أهل البيت (عليهم السلام ) القيام بها كما ذكرها المرحوم عباس القمي في مفاتيح الجنان، الأعمال المشتركة لشهر شعبان المعظم، وهي:
* الأوّل: أن يستكثر من قول: اللّهم صلّ على محمد وآل محمد.
* الثاني: أن يقول في كلّ يوم سبعين مرّة: "اَسْتَغْفِر اللهَ وَاَسْأَلُهُ التَّوْبَة".
* الثالث: أن يستغفر كلّ يوم سبعين مرّة قائلاً: "اَسْتَغْفِر اللهَ الّذي لا اِلـهَ اِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيمُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَاَتُوبُ اِلَيْهِ".
* الرابع: أن يقول في شعبان ألف مرّة: "لا اِلـهَ إلاَّ اللهُ وَلا نَعْبُدُ إِلاّ اِيّاهُ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ". ولهذا العمل الشّريف أجر عظيم، ويكتب لمن أتى به عبادة ألف سنة.
* الخامس: قراءة المناجاة الشعبانية والتي كان يقرأها مولانا أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب والأئمة المعصومون (عليهم السلام أجمعين). نقل هذا الدعاء العالم الجليل القدر على بن طاووس في أعمال شهر شعبان عن الحسين بن محمد ابن خالويه، وقال إنّ أمير المؤمنين وأبنائه (عليهم السلام)، كانوا يقرأون هذا الدعاء دائماً في شهر شعبان. (إقبال الأعمال، ص685؛ مفاتيح الجنان، أعمال شهر شعبان).
................
انتهى/212
المصدر :
الجمعة
٣٠ مايو ٢٠١٤
٥:١٩:٣٥ م
612378
..شهر شعبان من الشهور الشريفة، وهو منسوب إلى سيد الأنبياء والمرسلين وخاتمهم الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله)، وفيه مناسبات عديدة، منها ولادة الإمام الحسين بن الإمام علي أمير المؤمنين (عليهما السلام)، وولادة أخيه آية الإباء والفداء أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وولادة الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام)، وولادة أخيه علي الأكبر (عليه السلام)، وولادة صاحب العصر والزمان الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)..