وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : الوسط
الأحد

٧ أبريل ٢٠١٣

٧:٣٠:٠٠ م
407077

حوار صحيفة "الوسط" البحرينية مع «آية الله الشيخ عبد الهادي الفضلي» (02/05/2003)

في أول حديث صحافي اختصت به صحيفة "الوسط" البحرينية في عام 2003م مع المفكر الإسلامي والشخصية السعودية البارزة «آية الله العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي» أشار إلى أن على عالم الدين أن يتجاوب مع متطلبات العصر لأن الدين صالح لكل زمان ومكان.

وكان آية الله الفضلي يشغل منصب رئيس قسم اللغة العربية في جامعة "الملك عبد العزيز" بجدة في السعودية، وله الكثير من المؤلفات وهو من الحائزين على مرتبة الاجتهاد في الفقه الإسلامي، وهو من تلامذة «آية الله السيد محمد باقر الصدر» وزميل لعلماء كبار مثل «السيد محمد حسين فضل الله» و«آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين».

وفيما يلي نص هذا الحوار:

الوسط: يثار في الفكر المعاصر موضوع القراءات المتعددة للدين، وتطرح إشكالية أن قداسة وثبات الدين باعتباره أمرا سماويا إلهيا، يختلف عن المعرفة الدينية المتغيرة، وبالتالي هي فهم بشري وليست لها القداسة الإلهية ومن هذا المنطلق يمكننا نقدها، فما تعليقكم؟

آية الله الفضلي: أخال انك تشير إلى النظرية التفكيكية المطروحة الآن على الساحة العلمية الدينية، والتي كتب فيها أكثر من بحث وألف فيها أكثر من كتاب، وفحواها التفكيك في مجال الفكر الإسلامي بين ما هو إلهي المصدر، وبين ما هو نتاج تفكير العلماء المسلمين، فالقرآن الكريم لأنه وحي منزل من الله تعالى، وكذلك السنة الشريفة القطعية الصدور عن المعصوم {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [النجم: 3-4]، هما من المعرفة الإلهية المقدسة. أما الإنتاج الفكري للعلماء المسلمين الذي وضع لتفسير وشرح ودراسة تلك المعرفة الإلهية الخالصة المتمثلة بالقرآن الكريم والسنة القطعية وجميع ما لابس ذلك وارتبط به ودار حوله وتمحور فيه فهو من المعرفة البشرية التي لم ترق إلى مستوى العصمة والتسامي عن أن يطولها النقد.

ويرجع هذا إلى أنها جاءت نتائج اجتهادات العلماء المسلمين وفق قواعد وضوابط الدرس الإسلامي المتعارف عليها والمتداولة في المراكز الفكرية الإسلامية. ومن الطبيعي أن تختلف نتائج الاجتهاد ويخالف بعضها الآخر، ومن الطبيعي أن يصل بعضها إلى الحقيقة ويخطئ الآخر الطريق إليها. ومن هنا، أو قل من الطبيعي أيضا أن تقع في معرض النقد، وهذا هو ما فعله العلماء المسلمون إذ ينقد بعضهم الآخر، في المنهج والمادة. ولا يمنع هذا من أن يتصدى الآخرون من غير علماء الشريعة لنقد هذه المعرفة البشرية إذا كانوا يمتلكون آليات ووسائل وشروط النقد العلمي في هذا المجال إذ ترتفع بهم إلى المستوى المطلوب في المعرفة الموضوعية والأمانة والغاية النبيلة التي يهدف إليها الناقد، ورأيي أن الإسلام أقوى من أن يخاف عليه من النقد، كما انه قد يأتي هذا النقد بالشيء الجديد المفيد، وفي الوقت نفسه قد يهبط فيفقد صدقيته، وفي كلا الحالين لا مانع منه مع توافره على ما ذكرت.

الوسط: يلاحظ في مناهج الدراسة الحوزوية قصورها في عدم تعاطيها مع مقتضيات الزمان والمكان، من قبيل دراسة المتون الفقهية التي تناقش موضوعات غير موجودة في هذا العصر، وبالتالي تعتبر ترفا فكريا، وحتى الآن لا توجد خطوة جادة لتجديد المادة الفقهية إلا من خلال مبادرات شخصية، كما هو مشروعكم في كتابة المناهج الدراسية، علما بأن موضوع تطوير وتجديد المناهج يحتاج جهدا مؤسساتيا ولجان عمل، فما وجهة نظركم في هذا المجال؟

آية الله الفضلي: علينا أن ننطلق هنا إلى الإجابة عن سؤالك من إيماننا بان على الحوزات العلمية مسئولية محددة ورسالة معينة، أفدناها وآمنا بها من القرآن الكريم ومن واقع تاريخ الحوزات العلمية، فإننا نقرأ في القرآن الكريم قول الله تعالى {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}[التوبة: 122].

تفيد الآية الكريمة بأن هناك مؤسسات لتعليم الدين أنشئت من قبل المسلمين، وعلى المسلمين -وعلى نحو الوجوب الكفائي- الذهاب إلى تلكم المؤسسات وتعلم الدين فيها.

كما أن الآية تفيد بان الغاية والهدف من تعلم الدين ليقوم المتفقهون بإنذار قومهم إذا رجعوا إليهم، وذلك بتعليمهم أحكام الدين.

وباختصار: إن دور المؤسسة الدينية كالحوزات العلمية هو تعليم الدين للمنتسبين إليها، والغاية من التعليم هي تبليغ الخريجين من هذه المؤسسة أحكام الدين لمن يتوجهون إليهم من المسلمين.

وهكذا كان واقع تاريخ الحوزات العلمية منذ عهود الأئمة (عليهم السلام)، ومن بعدهم في عهود مراجع الدين كـ«الشيخ المفيد» و«السيد المرتضى» و«الشيخ الطوسي»، وفي العهود التي تلت عهودهم. ونحن نعلم أن التعليم يتألف من المناهج والمواد والوسائل وأساليب التعليم وكل هذا -لكي يكون التعليم ناجحا في تكوين شخصية الطالب الحوزوي تكوينا علميا يؤهله للقيام بمهمة التبليغ المؤثر- يتطلب من ناحية فنية على الأقل مسايرة التطورات المفيدة ذات العلاقة الوثيقة بالمتطلبات المعاصرة.

ومن هنا أرانا بحاجة إلى إعادة النظر في كل ذلك، لنكون ونحن في أصالتنا في الوقت نفسه مع المعاصرة وهذا يتطلب منا وعلى نحو الاختصار:

1- أن نستفيد من النظريات والدراسات اللغوية الحديثة، وخصوصا فيما يرتبط منها بفهم النص.

2- أن نستفيد للتطوير في مجال علوم البلاغة من جديد علم الأسلوب لاسيما في فهم الجمل والتراكيب.

3- أن ننأى عن المنهج الفلسفي في دراسة علم أصول الفقه، وان نضع له منهجا علميا خاصا.

4- أن ننظر إلى الفقه في تعاطينا وتعاملنا معه على انه نظام حياة الإنسان المسلم ننطلق فيه من محاولة فهم حياة الناس بكل شئونها وتفصيلاتها فردية واجتماعية ومن مسايرتنا لمختلف تطورات حياة الإنسان في جميع أنماط سلوكه الفكرية والعملية فمثلا إذا أردنا أو طلب منا أن نلتمس الأحكام الشرعية للمصارف التجارية التي يتعامل معها الناس.

أقول إذا أردنا ذلك فإن علينا أن ندرس المصرف كمؤسسة مالية حديثة من خلال ما كتبه المختصون ومن خلال أوراق المعاملات المالية بين المصرف وعملائه ومن خلال الدراسة الميدانية لعمليات "أعمال" المصارف. وقد لا يتأتى هذا لكل فقيه لأسباب ما، فعليه والحالة هذه أن يوكل أمثال هذه الدراسة إلى لجان متخصصة في هذا المجال لتعد له التقرير الكافي الوافي عن المطلوب.

ويحز في نفسي -هنا- أن أقول أنى رأيت بعض ما كتب في فقه المصارف وليس في قائمة مصادره ومراجعه حتى اسم كتاب واحد مما ألفه المختصون والمعنيون باقتصادات المصارف.

أضف أن التأليف في المقررات الدراسية في المؤسسات العلمية العالية والعليا اخذ ينحو الآن إلى الاهتمام بالأمور الآتية:

1- تنظيم المادة العلمية في الكتاب تنظيما عضويا يساعد الدارس على فهم المادة فهما لا عسر فيه.

2- تبسيط وتوضيح العبارة وبأسلوب جميل مشوق يشد الدارس إلى الموضوع شدا يعينه على فهم المطلب فهما ميسرا.

وأيضا مما يؤسف له أن أرى الآن بعض مؤلفي الكتب الحوزوية المؤلفة حديثا من يحاول إدخالها عالم الدرس الحوزوي مع افتقادها لما ألمحت إليه من خلوها من العنصر التربوي الذي يساعد على تكوين الذهنية العلمية عند الدارس.

وكنت قد كتبت مقالا عن المؤلفات الفقهية قبل أكثر من عقدين من الزمن ونشرته في إحدى المجلات التي كانت تصدر في النجف الأشرف ثم نشر في كتاب قضايا وآراء من إصدار دار الزهراء في بيروت، يستحسن الرجوع إليه لأنه يلقي بعض الضوء هنا.

الوسط: من الاشكالات التي تسجل على الخطاب الشيعي بأنه يركز ويؤكد القضايا التاريخية ذات الطابع المذهبي الخلافي، على رغم ما تسببه من عزلة لحملة هذا الفكر في أوساط بقية المسلمين، وبالتالي عدم الفاعلية للخطاب الشيعي في المتغيرات الجديدة على الساحة الفكرية، والسؤال المطروح هل بالإمكان تأسيس خطاب شيعي معتدل بعيدا عن الطرح التاريخي المذهبي؟

آية الله الفضلي: ما تذكره من تركيز الخطاب الشيعي على القضايا التاريخية ذات الطابع المذهبي الخلافي هو استصحاب لحال سابقة تمتد جذورها إلى عهود التناحر الطائفي كالذي كان من السلاجقة تجاه البويهيين والذي كان بين الصفويين والعثمانيين، واستمراريته ترجع إلى تغذية الإمبريالية العالمية له.

والأمر -فيما اقدر- يحتاج من كلا الطرفين أو الأطراف إلى مراعاة شعور الآخر، والحرص والمحافظة على ألا تمس الرابطة الإسلامية القائمة بين الطرفين أو الأطراف، ومنه يكون الخطاب بمستوى الإحساس بالمسئولية وتقدير أهميتها، وخصوصا في مثل هذه الظروف السياسية التي دخل فيها المسلمون معترك الصراع الفكري مع الحضارة الغربية عن قصد وعن غير قصد.

ولا يتأتى الارتفاع بالجميع إلى مستوى المسئولية الدينية في هذا المجال إلا بموقف موحد يتفق فيه رأي الأطراف على كلمة سواء بينهم وخصوصا من العلماء المفكرين وذوي الرأي. وبالتوجه وبشكل جماعي إلى إدخال الدراسات المقارنة في مجالات التشريع الإسلامي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وسواها إلى معاهد وكليات الشريعة والدراسات الإسلامية.

وقد بدأنا هذا منذ أمد في جانب من الانتاجات الفكرية في الحوزة العلمية بالنجف كمؤلفات الشهيد «السيد محمد باقر الصدر»، ومحاضرات المرجع الديني «السيد أبي القاسم الخوئي» شرحا لكتاب "مكاسب الشيخ الأنصاري"، التي دونت بقلم تلميذه المرحوم «السيد علي الشاهرودي» وعلق عليها من قبل المرحوم «السيد عبدالرزاق المقرم» وكالذي قامت به كلية الفقه في النجف الأشرف متمثلا بالكتاب القيم الذي ألفه أستاذنا المرحوم «السيد محمد تقي الحكيم»، ومن كلية الفقه انتشرت الفكرة إلى معهد الدراسات الإسلامية العليا بكلية الآداب -جامعة بغداد، فكان تدريس الفقه فيها وفق المذاهب الثمانية المعاصرة وصدرت عنه أكثر من أطروحة ماجستير ورسالة دكتوراه في الفقه الإسلامي وأصوله، بحث مؤلفوها موضوعات رسائلهم الأصولية والفقهية وفق المذاهب الفقهية الإسلامية القائمة الآن وهي: الجعفري والحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والزيدي والظاهري والاباضي، وفي التاريخ تناولت اكثر من رسالة شخصي