ابنا: توقف موقع قناة "المنار" اللبناني مع سماحة «الشيخ نعيم قاسم» نائب الأمين العام لحزب الله، في مكتبه المتواضع حول أهم الموضوعات التي طرحها في كتابه الجديد والذي حمل عنوان "الإمام الخميني (ره): الأصالة والتجديد".
وفي ما يلي نص هذا الحوار التي أجرته "زينب الطحان" مراسلة موقع قناة "المنار" مع فضيلة «الشيخ نعيم قاسم» نائب الأمين العام لحزب الله:
كتاب "الإمام الخميني(ره): الأصالة والتجديد" يجمع بشمولية فكر الامام الراحل
كتب العديد من الباحثين عن مسيرة الإمام الخميني (ره)، فما هو المستحدث الذي تضيفونه إلى هذا الكتاب؟
الشيخ قاسم: منذ فترة وأنا أفكر بكيفية تقديم فكر الإمام الخميني (ره) بطريقة متكاملة ومترابطة وذلك من خلال تناول مواقف وآراء عدة صدرت عنه في مجالات مختلفة في الحياة السياسة والاجتماعية والثقافية في داخل إيران وخارجها.
ولاحظت أن الكتب بشكل عام تنحو منحى تخصصيا في جانب واحد، مثلا هناك من كتب عن المرأة عند الإمام الخميني (ره) أو الجامعة والحوزة أو الفكر السياسي كذلك صدرت منشورات جمعت أقوال الإمام (ره) في جانب واحد من الجوانب. ورأيت كتبا حللّت شخصية الإمام وأفكاره ولكنها أسهبت في الحديث والتحليل بحيث أن كلمات الإمام لم تكن واضحة في داخل البحث وإنما اختلطت خطبه مع رأي الكاتب وكانت مجتزأة بطريقة مخلة وأعطت جانبا أحاديا أو ركزت على بعض الأفكار دون غيرها. أما في هذا الكتاب فقد اخترت مروحة واسعة من الموضوعات التي تعرض لها الإمام (ره) وصلت إلى 35 عنوانا.
وتبحرت في قراءة كل ما نقل عن الإمام الخميني (ره) في كل عنوان من العناوين إلى درجة أني أطلعت على 300 او 400 وثيقة أو محاضرة أو كلمة او موقف حول هذا العنوان. واخترت من هذه الكلمات أبرز ما يمكن أن يؤشر إلى المسار الذي اختاره الإمام (ره) وما يمكن استنتاجه من خمسة مواقف أو عشرة لأشكل من هذه الرؤية في العنوان الواحد نمط تفكير في هذه القضية أو العنوان الذي تمّ التعرض له. من هنا رأيت أن فكرة الكتاب جديدة حيث تعرضت لخمس وثلاثين عنوان تقريبا وأخذت المسار الذي حدده الإمام في هذا الأمر أو في موضوعات متنوعة في السياسة والعقيدة والثقافة والناحية الاجتماعية والقضائية والنظرة إلى المرأة والشباب وغير ذلك. وما ساعدني في عملية البحث هذه هو ترجمة "صحيفة النور" التي تجمع جميع ما قاله الإمام منذ سنة 1963 حتى وفاته وبعد ذلك تمّ تنقيحها وتحولت إلى "صحيفة الإمام" وهذا ما أتاح لي الإطلاع على كل ما جمع حوله في 21 جزء تقريباً، إضافة إلى الكتب الأخرى المتناثرة التي كتبت عنه ما جعل البحث بحثاً موسعا يضم استنتاجات دقيقة إلى حد عال.
إيران بفضل "لا شرقية ولا غربية" الدولة الوحيدة التي تقف اليوم شامخة في خياراتها
شعار "لا شرقية ولا غربية" رفعه الإمام الخميني (ره) وأثار استغراب العالم آنذاك. اليوم بعد تجربة الحكم الإسلامي في إيران، كيف تقوّم هذه التجربة وإلى أي مدى نجحوا في تطبيق مفهومها الذي نظمه الإمام؟
الشيخ قاسم: شعار "لا شرقية ولا غربية" له جانبان، الأول فكري والثاني عملي. الجانب الفكري هو تعبير عن اختيار الإسلام في مقابل الشيوعية والماركسية، أي في مقابل الشرق والغرب، في المنظومتين اللتين كانتا مطروحتين في ذلك الوقت. فالإمام في طرحه هذا الشعار أراد القول إنه يحمل المنهج الإسلامي بعيدا عن المنهجين الماركسي والرأسمالي، وبالتالي شعب إيران يريد اختيار تطبيق الإسلام في حياته.
وقد نجح الإمام نجاحا باهرا لأنه استطاع أن يحول الفكرة الإسلامية إلى دستور وإلى نظام حكم معاصر فاستفتى الشعب على هذا الخيار. الآن نحن في إيران أمام جمهورية إسلامية تحكم بالإسلام وتعود إليه، هذا من الناحية النظرية. أما من الناحية العملية فـ"لا شرقية ولا غربية" تعني عدم التبعية السياسية للشرق أو للغرب. وبالفعل إيران منذ نشأتها حتى الأن لم تتبع للاتحاد السوفياتي سابقا ولا لأميركا خلال هذه المرحلة كلها. بل أميركا فرضت عقوبات على إيران منذ بداية الثورة الإسلامية المباركة لأنها لم تستطع تطويعها.
وفي وقت واحد هي أيضا ليست مع روسيا لاحقا كحالة تابعة وإنما من الواضح أن إيران اليوم تشكل خصوصية سياسية لها علاقاتها وامتداداتها في العالم ولكنها متميزة في خياراتها التي لا تخضع فيها للأحلاف الدولية، وبذلك تكون إيران قد طبقت عمليا مفهوم فكرة "لا شرقية ولا غربية" استفادة من الآية القرآنية "زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء..". فاليوم نحن أمام الدولة الوحيدة في العالم الثالث التي تقف شامخة في خياراتها، ومتميزة، ولعل اكثر ما يميزها على المستوى العملي هي أنها الدولة الوحيدة في العالم التي تقول لا للاحتلال الإسرائيلي لشبر واحد من الأرض بينما نرى دول العالم تقريبا إما أنها تناقش في مساحة فلسطين ومساحة "إسرائيل" أو في كيفية التسوية مع الإقرار بوجود الكيان الصهيوني. وهذا الأمر مميز بالنسبة إيران الإسلام في التعبير عن هذه القضية.
"التيار الإصلاحي" انحسر بعدما تبيّن أن سعي الغرب كان حثيثا لإقلاق إيران
نلاحظ في الإعلام الغربي أنهم يشيرون دائما إلى وجود تيارات مختلفة في إيران، بين من يدعو إلى تطبيع العلاقات مع الغرب الأميركي، ومن يريد الخروج من عباءة الإمام الخميني (ره) تحديدا من ولاية الفقيه، إلى أي مدى هناك تشكل مؤثر لهذه التيارات في إيران؟
الشيخ قاسم: إيران سلكت منذ البداية طريق حرية الرأي والتعبير ولذلك منذ قيام الدولة الإسلامية المباركة، نشأت حركات وكان يوجد حركات أخرى بعضها مخالف لوجود الجمهورية الإسلامية بالأصل. ولقد سمح لهذه الحركات أن تعبر عن نفسها ولكن عندما استخدمت السلاح وبدأت تقوم بتفجيرات واغتيالات تصدى لها النظام. بعد ذلك نشأت تيارات لها قناعات مختلفة عن تركيبة النظام، إما رغبة بإجراء بعض التعديلات في النظام الإسلامي نفسه وإما رغبة بإجراء تغييرات جذرية. ولقد تبين أن من يطلق عليهم تسمية "الإصلاحيون" هم الذين اتخذوا مسارا في السنوات الأخيرة تدعو إلى تقليص صلاحيات الولي الفقيه وإجراء تعديلات جوهرية في بنية النظام الإسلامي وهم الذين دعوا أيضا إلى علاقات خاصة مع الغرب تتجاوز المواقف المبدئية والخصوصية التي نشأت عليها إيران.
ولكن في المقابل هناك جهات أخرى متمسكة بالنظام الإسلامي بما هو عليه الحال القائم، أي ليس مطروحا لديهم أي تعديل بصلاحيات الولي الفقيه أو في تركيب الدستور الإيراني وإن كانوا يعملون لتحسين الأداء على مستوى السلطة التنفيذية والبلديات وما شابه.
وبما أن تيار الإصلاحيين هو تيار محدود في مقابل التيار الآخر المؤيد لدستور الجمهورية وقيادة القائد كما هما نجد أن الإصلاحيين انحسروا كثيرا بعد انتخابات الرئاسة العام 2009. إذ تبين أن سعي الغرب كان حثيثا لإقلاق إيران وإحداث فوضى داخلية وتغيير في تركيبة النظام وكان لهم دعم خارجي واسع جدا، ولكن الشارع الإيراني التفّ حول قيادة الإمام الخامنئي (حفظه الله ورعاه) ورفض المنهجية الغربية المطروحة.
واليوم انتخابات مجلس الشورى التي جرت في العام الحالي تثبت الميول العامة للناس وكثافة الإقتراع التي وصلت إلى 65 بالمئة تدل على أن الناس ما زالوا متمسكين بهذا الدستور الإيراني بكل خصوصياته، وخاصة أن مسألة ولاية الفقيه في إيران ليست مسألة تعبدية معزولة عن الحياة، وإنما هي جزء من الدستور الإيراني الذي ذكر صلاحيات للولي الفقيه وواجبات عليه وآليات اختياره أو محاسبته أو عزله ما يعني ان المسألة ليست في دائرة الفكرة وإنما هي في دائرة الحياة اليومية المعاشة والتطبيق العملي. وطبيعي أن يكون هناك مؤيدون ومعارضون، المهم أن الأكثرية الساحقة والمؤثرة هي مع نظرية ولاية الفقيه ومع ما يقرره الدستور وليس مطروحا لديها إجراء أي تعديل.
الإمام الخامنئي في "حاكمية الشعب" أثبت الجدوى العميق لنظرية الإمام الراحل
يربط الإمام الخميني (ره) بين ولاية الفقيه ودور الشعب، واليوم يقول الإمام الخامنئي بحاكمية الشعب، هل هناك من اختلاف بين الرؤيتين أم أن الثانية تعد تطورا للأولى كان لا بد منه؟
الشيخ قاسم: لا يوجد فرق بين ما طرحه الإمام الخميني (ره) من دور للشعب وبين ما يقوله الإمام الخامنئي من حاكمية للشعب. لعل الإختلاف بالمصطلح ومحاولة إخراجه إلى حيز المناقشة النظرية والعملية، لأنه إذا راجعنا بدقة نجد الإمام الخميني (ره) أسس لدور الشعب من خلال اللجوء إليه واستفتائه في كثير من المحطات حتى ان الشعب هو من وافق على دستور الجمهورية الإسلامية وعلى حكم جمهوري إسلامي، وهو الذي اختار أعضاء مجلس الشورى ومجلس الخبراء، الذين يختارون الولي الفقيه، واعضاء البلديات وما شابه. وما زلت أذكر انه كان يوجد انتخابات أثناء الحرب الإيرانية - العراقية ونصح البعض الإمام الخميني (ره) أن يؤجل الانتخابات بسبب سقوط بعض الصواريخ على مدينة طهران، فرفض سماحته تأخر الانتخابات ولو ليوم واحد.
وبالتالي كان حريصا على أن يكون للشعب كلمته. وكان هذا مسلكه طوال حياته وحكمه للجمهورية الإسلامية. أما الإمام الخامنئي يؤكد من خلال طرحه أن خيار الإمام الخميني (ره) في مسار الشعب هو الخيار الحاكم في إيران وأساسي، وأن حاكمية الشعب هي في الواقع تحت سقف حاكمية الإسلام، وليست خارجة عنه، فيستطيع الاختيار وفق ما يشاء ضمن الحلال والحرام، وليس بشكل مطلق. وهذه الحاكمية لا توصل إلى تشريعات فاسدة أو منحرفة على المستوى الفكري والعملي والاقتصادي والسلوك الفردي. فتأكيده على حاكمية الشعب متناغم تماما مع قاله الإمام الراحل.
ولعلنا إذا عدنا إلى الدستور الإسلامي يمكننا أن نجد بشكل مباشر النص الصريح لدور الشعب الذي أكد عليه الإمام الراحل مرارا وتكرارا، فهو يقول على سبيل المثال في المادة الأولى للدستور الإسلامي يقول :"نظام الحكم في إيران هو جمهوري أسلامي صوّت عليه الشعب بأكثرية بلغت 98.2 بالمئة من مجموع أصوات الناخبين المؤهلين عبر الإستفتاء العام".