وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الأحد

١ أبريل ٢٠١٢

٧:٣٠:٠٠ م
306028

في ذكری استشهاد السيد محمدباقر الصدر ـ 2

قراءة في رسائل آیة الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر (ره)

وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا:

عاطفة الصدر..أملٌ وألم

تسعی هذه القراءة لتحليل ظاهرة (العاطفة) في سلوك الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) من خلال رسائله التي امتلأت بالعاطفة العذبة، والروحانية الحانية والإحساس الصادق.

هذه العاطفة التي مثلت ثلثي مجمل رسائله إلی (عائلته، أصدقائه، مريديه، جماهير الأمة) تتميّز بـ:

1_ اللغة الأدبية الراقية.2_ رهافة الإحساس.3_ الصدق في توصيف المشاعر.

وهذه عناصر التميز في أي نص أدبي، لكن لما كانت صادرة من مرجع وقائد مسيرة، كانت بمثابة المادة الجاهزة للطعن والنقد، فهو أقرب إلی (الشاعر) و(المتصوف) منه إلی المرجع القوي!

وإليك نماذج من رسائله:

نماذج

النموذج (أ):

«قرة العين الفاضل الكامل العلامة السيد أحمد الاشكوري، دامت بركاته.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فقد تسلمت رسالتكم العزيزة، وفرحت بها، لأنها ذكرتني بما لم أنسه ولا أنساه، ذكرتني بكم وببقية الأحبة والأعزاء، ولا تزال أيها الأحبة صوركم في قلبي، وذكرياتكم ملء نفسي، رعاكم الله بعينه التي لا تنام..» وج1: 244.

النموذج (ب) إلی العلماء:

«ملاذنا الأكبر وسيدنا الأفخم الذي تركزت في طبائع الإمامة والكمال، وانبعثت من ساحته المقدسة إشعاعات الهداية والتوجيه، وتألقت في تاريخه المجيد أضواء الجهاد في ميادين العقيدة وفي مجالات التحرر والعمل.

فديتكم بروحي ووقيتكم أي مولاي العظيم، بنفسي ما أفدح مصابكم وما أعظم فاجعتكم التي أشاعت في قلوبنا جميعاً اللوعات المرة، وأودعت في أرواحنا الآلام الممضة..» ج1: 213.

النموذج (ج) إلی الجماهير:

والتي كتبها نيابة عن جماعة العلماء بتاريخ 23 جمادي الأولی 1378هـ.

«أيتها الجماهير المسلمة..أيتها الجماهير الكادحة..أيها الشعب العراقي المجاهد..

فهيا أيتها الجماهير المؤمنة بربها، المخلصة لدينها، الواثقة بزعيمها إلی رفع راية الإسلام بقيادة الزعيم الأوحد والالتفات حوله تحت هذه الراية المقدسة، راية السماء التي رفعها أجدادكم في ظل قيادة مخلصة، فقفزوا قفزتهم التاريخية الجبارة..» ج1: 311.

والرسائل التي كتبها كنداءات أخيرة قبيل الاعتقال من منزله المطوق المحاصر، أشد نماذج العاطفة القيادية للجماهير، يقول في 20 رجب 1399هـ:

«أيها الشعب العراقي المسلم إني أخاطبك أيها الشعب الحر الأبي الكريم، وأنا أشد إيماناً بك وبروحك الكبيرة، بتاريخك المجيد، وأكثرهم اعتزازاً بما طفحت به قلوب أبنائك البررة من مشاعر الحب والولاء والبنوة للمرجعية، إذ تدفقوا إلی إبيهم يؤكدون ولاءهم للإسلام بنفوس ملؤها الغيرة والحمية والتقوی، يطلبون مني أن أظل إلی جانبهم أو اسيهم وأعيش آلامهم عن قرب لأنها آلامي» ج4: 193.

نموذج (د) إلی الأصدقاء:

رسالة منه (قدس سره) إلی السيد حسين صفي الدين، الذي عاش معه الصداقة في زيارته للبنان عام، ج2: 244، 245.

«بنفسي عواطفك وروحك وقلبك الذي فتحته أنت لي، فكان اروع في نفسي من كنوز الدنيا مجتمعة لو فتحت أمامي، لأني وجدت في هذا القلب العلوي (الصفي) الذي فتح لي ذراعيه فدخلته آمنا مطمئناً، وأقمت فيه سعيداً هانئاً، وجدت فيه معاني الروح والعاطفة والحب والوفاء، ما يرتفع ويسمو علی الدنيا وكنوزها جميعاً».

تعميق المشهد

وعندما أريد أن الختصر عليك قراءة هذا المنهج عند الشهيد الصدر (قدس سره)، فيكفي أن تقرأ حالته العاطفية حين سمع بنبأ شهادة الشيخ البصري وصحبه (ره)، فقد «كان السيد يبكي بكاء مراً، ويقول: "يا ليتني مت قبلكم يا أبنائي، يا أعزائي"، وكاد أن يغشی عليه..»، وكان يخاطب الشيخ محمد رضا النعماني: «والله لو أن البعثيين خيروني بين إعدام أولادي الخمسة وبين هؤلاء لاخترتُ إعدام أولادي وضحيت بهم، إن الإسلام بحاجة إلی هؤلاء لا إلی أولادي» ج3: 81.

مرجع عاطفي!

هذا الجو العاطفي جعل البعض_ كما احتملنا في البداية_ مممن لا يرغب في استمرار تأثيره داخل الحوزة أن يتحدث عن الصدر أنه: (عاطفي لا يصلح للمرجعية، والقيادة والمرجعية يجب أن تكون للأشداء الأقوياء فقط، أما للعاطفيين الذي ترق قلوبهم أو تدمع عيونهم لهذا أو ذاك، فلا). ج3: 130.

فلسفة عاطفته (قدس سره)

يمكننا اكتشاف العمق في سلوك العاطفي من خلال قراءة فاحصة لرسائله، نلخصها في:

العاطفة: تعبد بالألم

يقول (ره) مخاطباً السيد عبدالغني الأردبيلي، ج2: 218 «بنفسي أنت وأنتم جميعاً، وبعين الله ما تعيشونه من مشاعر وانفعالات، وتأكدوا أيها الأحبة أن هذه المشاعر والانفعالات هي من أعظم ألوان العبادة لله، واي عبادة أعظم من التعبد بالألم من أجل الله وفي سبيل الله»؟.

العاطفة: تعبد بإظهار المحبة

يقول (ره) مخاطباً السيد حسن الموسوي، ج2: 246: «وأحسست بروحكم الكبيرة، وقلبكم المؤمن الشجاع من خلال العواطف التي نسأل المولی سبحانه وتعالی أن يتقبلها بأفضل ما يتقبل به إخلاص الصالحين من عباده».

العاطفة: أسلوب حركي في بعض الساحات

يقول في رسالته للشيخ الكوراني يشرح رأيه في اختيار السيد حسين الصدر خليفة للسيد اسماعيل الصدر (ره) في إمامة الجامع، معددا الخيارات والصور المتاحة أمامه «الصورة الثالثة: أن يقدم شخص يملك الرصيد العاطفي بوصفه امتداداً للفقيد، بحيث يستطيع بهذا الإعتبار أن يبقي صورة المركز، ونحتفظ، بسبب ذلك بالأرضية التي نستطيع من خلال الاحتفاظ، بها تعبئة القوی لجعلها تمارس دورها المطلوب في خدمة الإسلام والحوزة». ج2: 150.

العاطفة عند الصدر مقرونة باعقلانية دائما

يقول في نفس تلك الرسالة: «كنت أعيش الجانب العاطفي من المصاب، وأعيش العقلي معه معاً».

مما يعني أن العاطفة مظهر من مظاهر توازن الشخصية الإنسانية، أمّا حمل العاطفة علی الجانب السلبي، فهو إشارة إلی وجود خلل في داخل الإنسان، وهذا ما أراد السيد الصدر أن يفهمه للسيد محمود الخطيب في (أنه لا يرضی أن يقال عنه إنه عاطفي، لأن الكلمة تحمل مدلولاً سلبياً) ج3: 130.

من المؤسف أن يستفيد الخصم من ظاهرة نورانية في الطرف الآخر من جانبها المظلم.

العاطفة بوابة الأبوة

يجيب الشهيد الصدر عن الإشكال علی منهجه العاطفي: «ماذا يريد هؤلاء مني، هل يريدون أن أتعامل مع الناس بجفاء وخشونة؟ هل يريدون أن لا أمنحهم حبي؟ إذ كيف يمكن للأب أن يربي أبناءه بقلب لا يحبهم؟ أليس هؤلاء هم الذين سيحملون راية الإسلام ويدافعون عن كرامة القرآن؟ إذا كنا لا نَسَع الناس بأموالنا فلماذا لا نسعهم بأخلاقنا وقلوبنا وعواطفنا»؟. ج3: 130.

ذكاء عاطفي؟!

وقد نقل الشيخ أحمد أبو زيد أن هناك من حمل هذه العاطفة علی (الذكاء العاطفي) الذي يتميز به الشهيد الصدر (قدس سره).

ويبدو لي أن هذه السمة إحدی سمات العاطفة عنده (ره) إذا قبلنا تعريف كولمان Goleman بأن الذكاء العاطفي هو: (القدرة علی التعرف علی شعورنا الشخصي وشعور الآخرين، وذلك لتخفيز أنفسنا، ولإدارة عاطفتنا بشكل سليم في علاقتنا مع الآخرين): لأنّ هذا السنخ من الذكاء أقرب إلی فن العلاقة مع الآخرين وكيفية توجيه أو تحفيز أو التأثير في الآخرين، بينما ما نجده من عاطفة (الصدر) تجاوز الفن الإجتماعي إلی العاطفة المتدفقة بوصف (الأبوية، العبادية، الحركية،..)، والذكاء العاطفي _بالتعريف السابق_ لا يشمل إلا القسم الأخير مما ذكرت.

أمّا من أورد الإشكال فإنه كان يقابل بين العاطفة و(قوة الشخصية) والعاطفة و (العقلانية)، لا أنه يری فيه غير.

...................

المصدر المعتمد في القراءة: محمد باقر الصدر، السيرة والمسيرة

...............

انتهي/212