ابنا : كان رجلاً شجاعاً سريع البديهة عاقلاً كريماً وعارفاً بفنون الحرب. تميز بالجرأة وحسن القيادة والقدرة على إتخاذ القرارات المهمة، كما تميز بالصبر والصمود في مواجهة الأعداء.
وكان ممن دأبوا على نشر فضائل آل محمد، وكانت صلته بأهل البيت سبباً لإتصافه بالفضل والأدب وسمو لأخلاق، وكان يميل لآل الرسول (ص) سراً وعلانية؛ وهو الذي طالب بثأر الإمام الحسين (ع)، وتمكن من قتل جميع قتلته بما فيهم زعماء العصابات المجرمة التي قاتلت الحسين شايعت وبايعت على قتله، إذ تمكن من أن يعطي درساً مهماً للثوار من أجل نصرة الحق، كما لقن الجبابرة والطغاة درساً مهما في التصدي للظلم والطغيان.
وقد ترضى عنه الإمام علي بن الحسين (ع) وأثنى على ما فعله، كما أثنى عليه كل من الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام حيث وردت بعض الروايات في الثناء عليه من قبل هؤلاء الأئمة الأطهار، منها على سبيل المثال:1ـ الإمام الصادق (ع): ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت، حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين (ع).2ـ الإمام الباقر (ع): لا تسبّوا المختار؛ فإنّه قتل قتلتنا، وطلب بثأرنا، وزوّج أراملنا، وقسّم فينا المال على العسرة.كما قال عمر بن عليّ بن الحسين: إنّ عليّ بن الحسين (عليهما السلام) لمّاجيء برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد، خرّ ساجداً وقال: الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي، وجزى الله المختار خيراً.
سجنه : كان المختار معروفاً بشمائل النخوة والإباء ورفض الظلم، كما كانت تُرى فيه مواقفالشجاعةوالتحدّي أحياناً، وهذا أشدّ ما كانت تخشاه السلطات الأُموية، فألقت القبض عليه، وأودعته في سجن عبيد الله بن زياد في الكوفة. وكان هذا تمهيداً لتصفية القوى والشخصيات المعارضة، والتفرّغ لإبادة أهل البيت بعد ذلك حيث لا أنصار لهم ولا أتباع.
وتقتضي المشيئة الإلهية أن يلتقي المختار في السجن بميثم التمّار ـ هذا المؤمن الصالح الذي أخذ علومه من الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) ـ فبشّره بقوله: إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين (ع)، فتقتل هذا الجبّار الذي نحن في سجنه ـ أي إبن زياد ـ وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخدّيه. ولم تطل الأيام حتى دعا عبيد الله بن زياد بالمختار من سجنه ليقتله، وإذا برسالة من يزيد بن معاوية تصل إلى إبن زياد يأمره فيها بإخراج المختار من السجن، وذلك أن أخت المختار كانت زوجة عبد الله بن عمر، فسألت زوجها أن يشفع لأخيها إلى يزيد، فشفع فأمضى يزيد شفاعته، فكتب بإخراج المختار.
ثورته وكانت ثورة الإمام الحسين(ع) قد أثارت ردود فعل كبيرة في صفوف الأمة الإسلامية، فتوالت الحركات الثورية التي كانت تهدف إلى مقاومة التسلط البغيض للزمرة الأموية الظالمة، وإلى إضعافها. فحدثت ثورة التوّابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيّب بن نجبة الفزاري بالكوفة، ورفعوا شعار التوبة والتكفير لتخلّفهم عن نصرة الإمام الحسين(ع)، ثم وقعت ثورة المختار الثقفي تحت شعار (يا لثارات الحسين). فأخذ المختار يقتل كل من اشترك في قتل الإمام الحسين(ع) من أهل الكوفة. إنقض المختار على الكوفة وقد خبّأت آلافاً من رؤوس الفتنة والضلالة والجريمة من قتلة الإمام الحسين( ع )، فحصدها انتقاماً لدم الحسين بن علي(ع) وأصحابه الميامين، وثأراً ممّن قتل الأطفال والصالحين وسبى النساء والأرامل والثكالى، الذين جعلوا أهل بيت النبي(ص) في عزاء ونحيب وعويل ليل نهار. حرقه لحرملة قال المنهال: دخلت على عليّ بن الحسين(ع) قبل انصرافي من مكّة، فقال لي: يا منهال، ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي؟ فقلت: تركته حياً بالكوفة، فرفع يديه جميعاً ثم قال (ع): اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر النار. قال المنهال: فقدمت الكوفة وقد ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وكان صديقاً لي، فركبت إليه ولقيته خارجاً من داره، فقال: يا منهال، لم تأتنا في ولايتنا هذه ولم تهنئنا بها ولم تشركنا فيها؟! فأعلمته أني كنت بمكة، وأني قد جئتك الآن.
وسايرته ونحن نتحدّث حتى أتى الكناسة، فوقف وقوفاً كأنه ينظر شيئاً، وقد كان أُخبر بمكان حرملة فوجّه في طلبه، فلم يلبث أن جاء قوم يركضون، حتى قالوا: أيها الأمير البشارة، قد أُخذ حرملة بن كاهل! فما لبثنا أن جيء به، فلما نظر إليه المختار قال لحرملة: الحمد لله الذي مكّنني منك، ثم قال: النار النار، فجاؤه بنار وقصب، فأُلقي عليه فاشتعلت فيه النار. قال المنهال: فقلت: سبحان الله! فقال لي: يا منهال، إن التسبيح لحسن، ففيم سبّحت؟ قلت: أيها الأمير، دخلت في رحلتي هذه، وقد كنت منصرفاً من مكة، على علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال لي: يا منهال، ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي؟ فقلت: تركته حيّاً بالكوفة، فرفع يديه جميعاً فقال: اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر النار.
فقال لي المختار: أسمعت علي بن الحسين يقول هذا؟! فقلت: والله لقد سمعته يقول هذا. فنزل عن دابّته وصلّى ركعتين فأطال السجود، ثم ركب وقد احترق حرملة. إرساله جيشاً لمقاتلة عبيد الله بن زياد شيّع المختار الثقفي الصحابي إبراهيمَ بن مالك الأشتر ماشياً ليبعثه إلى قتال عبيد الله بن زياد، فقال له إبراهيم: اركب رحمك الله، فقال المختار: إني لأحتسب الأجر في خطاي معك، وأحب أن تغبرّ قدماي في نصر آل محمد(ص). ثم ودّعه وانصرف، فسار إبن الأشتر إلى المدائن يريد إبن زياد، ثم نزل نهر الخازر بالموصل شمال العراق، وكان الملتقى هناك، فحثّ إبن الأشتر أصحابه خاطباً فيهم: يا أهل الحقّ وأنصار الدين، هذا إبن زياد قاتل الحسين بن عليّ وأهل بيته، قد أتاكم الله به وبحزبه حزب الشيطان، فقاتلوهم بنيّةٍ وصبر، لعلّ الله يقتله بأيديكم ويشفي صدوركم.
وتزاحفوا، ونادى أهل العراق: يا لثارات الحسين، فجال أصحاب إبن الأشتر جولة، وحمل إبن الأشتر يميناً فخالط القلب، وكسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم، فانجلت الغمّة وقد قتل عبيد الله بن زياد، وحصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وأعيان أصحابهم. وأمر إبراهيم بن الأشتر أن يطلب أصحابه إبن زياد، فجاء رجل فنزع خفّيه وتأمّله، فإذا هو إبن زياد على ما وصف إبن الأشتر، فاجتزّ رأسه، واستوقدوا عامّة الليل بجسده، ثم بعث إبراهيم بن الأشتر برأس إبن زياد ورؤوس أعيانه إلى المختار.
فجاؤوا بالرؤوس والمختار يتغدّى، فأُلقيت بين يديه، فقال: الحمد لله رب العالمين! فقد وضع رأس الحسين بن علي (عليهما السلام) بين يدي إبن زياد وهو يتغدّى، وجيء برأس إبن زياد وأنا أتغدّى. فلما فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه إبن زياد بنعله، ثم رمى بالنعل إلى مولىً له وقال له: إغسلها فإني وضعتها على وجه نجس كافر. ثم بعث المختار برأس إبن زياد إلى محمّد بن الحنفية وإلى الإمام زين العابدين(ع)، فأُدخل عليه وهو يتغدّى، فقال(ع): أُدخلت على إبن زياد ـ أي حينما أُسر وجيء به إلى الكوفة ـ وهو يتغدّى، ورأسُ أبي بين يديه، فقلت: اللّهمّ لا تمتني حتّى تريني رأس إبن زياد وأنا أتغدّى، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي. قتله لعمر بن سعد كان المختار قد سُئل في أمان عمر بن سعد، فآمنه على شرط إلا يخرج من الكوفة، فإن خرج منها هدر دمه. فقال رجل لعمر بن سعد: إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلنّ رجلاً، والله ما أحسبه غيرك! فلمّا سمع ذلك خرج عمر حتّى أتى الحمّام ـ الذي سُمّي فيما بعد بحمّام عمر ـ فقيل له: أترى هذا يخفى على المختار! فرجع ليلاً، ثم أرسل ولده حفصاً إلى المختار الذي دعا أبا عمرة وبعث معه رجلين، فجاؤوا برأس عمر بن سعد، فتأسّف حفص وتمنّى أن يكون مكان أبيه، فصاح المختار: يا أبا عمرة، ألحقه به.
فقتله. فقال المختار بعد ذلك: عمر بالحسين، وحفص بعليّ بن الحسين ـ أي علي الأكبر ـ ولا سواء! واشتدّ أمر المختار بعد قتل إبن زياد، وأخاف الوجوه، وكان يقول: لا يسوغ لي طعام ولا شراب حتّى أقتل قتلة الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وأهل بيته، وما من ديني أترك أحداً منهم حيّاً. وقال: أعلموني مَن شرك في دم الحسين وأهل بيته(عليهم السلام)، فلم يكن يأتونه برجل فيشهدون أنّه من قتلة الحسين أو ممّن أعان عليه، إلا قتله.
شهادته (رض) استُشهد المختار في 14 من شهر رمضان 67هـ، بعدما قاتل مصعب بن الزبير وجيشه أشدّ قتال، حيث بعثه أخوه عبد الله بن الزبير إلى العراق للانتقام من المختار، ودُفن بجوار مرقد مسلم بن عقيل (ع)، وقبره معروف يُزار. خاتمة لقد قاد المختار بن أبي عبيدة الثقفي الثورة ونجح في الأخذ بثارات الإمام الحسين عليه السلام، فكان نموذجاً لابد أن يقتفى أثره الأحرار في العالم أولئك الذين يطالبون بالحق والإنتصار لأهله المظلومين، فرحم الله المختار فلقد أدى ماعليه من الحق ورضي الله عنه وأرضاه، لقد أثلج قلوب الصادقين والصديقين ولعن الله أمة قتلته ولعن الله أمة ظلمته ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به.
*رحم الله من اهدى سورة الفاتحة لروح صاحب راية ( يالثارات الحسين ) *
..........................
انتهی/158