وفقاً لما أفادته وکالة أهلالبیت(ع) للأنباء ـ ابنا ـ أقام رجل الدین البارز البحریني «سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم» صلاة الجمعة بجامع الإمام الصادق(ع) أكد فیه علی أن مشروع إصلاح الخطوة خطوة في الكثير من الأحيان لا يمثل حتى شيء من خطوة.
وتساءل هذا العضو من الجمعیة العلیا للمجمع العالمي لأهل البیت(ع) حول هذا المشروع: لماذا تقسط الأنظمة على الشعوب الإصلاح وهو حقها، وفي الجانب الآخر تفتح عليها كل أبواب الشر والفساد دفعة واحدة؟!
و فیما یلي نص الخطبة الثانیة للشیخ قاسم، الیوم الجمعة 13 شعبان 1432هـ 15 يوليو 2011م في جامع الإمام الصادق (ع) بالدراز قرب العاصمة "منامة" بالبحرین:
شهر البركة :
تتصاعد موجة الأجواء الإيمانية العبقة في اشهر البركة الثلاثة رجب وشعبان وشهر رمضان، وتكثر مناسبات المواليد الشريفة لأهل بيت النبوة من آل رسول (صل الله عليه وآله) لتثير في ذاكرة الأمة المؤمنة حنينها لإسلامها العزيز وقادتها الحقيقيين وتشدد على الإتحام بهم في مسارها الطويل، ومعترك الحياة، وساحات التحدي والجهاد المرير، ومواجهة الأزمات. فلا تشذ لها خطوة ولا كلمة عن الإسلام واخلاقيته وشريعته وهدفه، ولا ترضى بديلاً من تلك القمم الشامخة والنماذج القدوة في آفقها المتعالي البعيد.
بورك لأمة الإيمان بمناسبة مواليد الأئمة الأطهار في هذا الشهر الحسين الشهيد وزين العابدين والمنتظر القائم ومولد ساقي عطاشى كربلاء أبا الفضل العباس (عليهم السلام).
نظرتان:
هناك نظرة دينية في المسألة السياسية، ونظرة أرضية استقر عندها الرآي العالمي على مستوى الغالبية العظمى من الشعوب في العالم وعدد كثير من الأنظمة الرسمية ولو نظريا.
النظرة الأولى : ترجع الحكم في الناس إلى مالكهم الحق وهو الله سبحانه، وتحكم في المسألة السياسية أمره ونهيه، وتعتمد فيها على إذنه وإلزامه وترخيصه وردعه. وهذه النظرة لا ترضى لحكم الناس، ولا تسمح لهم بأن يختاروا من لا يرضى الله علمه وعدله وتقواه، وتعففه ونزاهته، وخبرته واخلاصه ووفاءه، وتقديمه لآخرته على دنياه، وتفانيه في نصرة الحق والعدل وانصاف الناس، وصلابته في الدين الذي لا حفظ للحق والعدل إلا به.
والنظرة الثانية : وهي ترى أن للإنسان حق الإستقلال عن ربه سبحانه في خياراته ومنها الخيار السياسي، ترى أن الشعب هو مصدر السلطات، وأن أي سلطة لا تكتسب الشرعية إلا بإنتخاب الشعب لها ولو بالأغلبية.
فمن حق أي شعب اليوم أن يستوقف أي سلطة ليسائلها عما تعتمد عليه من أساس في ممارسة الحكم على الناس، ولابد لها من أن تراجع وضعها من هذه الناحية، فإذا كانت سلطة تعتمد النظرة الدينية في المسألة السياسية فعليها أن تمتلك الأساس الذي يوافق عليه الدين للتوفر على السلطة، وإذا كانت سلطة وضعية فعليها أن تصحح وضعها السياسي بما يتفق ومرجعية الشعب وكونه المصدر الأصل والوحيد للسلطات، وأول ما في هذا الأمر هو إنتخاب الشعب للسلطة ووجود دستور يحكم العلاقة بها ويكون من وضع الشعب.
إصلاح الخطوة خطوة:
يضل الإصلاح السياسي معطلاً قروناً مع الحاجة الملحة له وحتى المطالبة به، ثم إذا تفجر الوعي السياسي عند الشعوب وانتفضت من أجل الإصلاح، وعندما تضطر الحكومات والأنظمة له تحت الضغوط المختلفة يرتفع شعار اصلاح الخطوة خطوة، ويراد بهذا الشعار أن تصبر الشعوب على الظلم والضيم، وتعيش آلامها طويلاً في انتظار قطارة الإصلاح، ويراد به أن تقبل الشعوب بأن تعطي بين أونة وآخرى سيلاً من دماء أبنائها وبناتها، وتمتلئ منهم السجون، وتنتهك الأعراض، وترتفع درجة الجحيم العسكري، وتغلق في وجوههم أبواب العمل والدراسة، وكل ذلك ليخرجوا من تضحياتهم الغزيرة بلا شيء أو بشيء لا يذكر، وبخطوة اصلاحية لا تكاد تبين[1] ليستعدوا إلى جولة جديدة من التضحيات المضاعفة ولينتهوا إلى نتيجة مساوية.
هذا ليس عقلا، ولا شيء فيه من الإنصاف، إن من بذل الكثير لا يصح له أن يرجع بالمردود الحقير.
وهناك من يحاول إقناع الشعوب بالإصلاح الخطوة خطوة بالواقعية، ومفاد ذلك أن على الشعوب أن تكون واقعية وتقدر الظروف والمعادلات الخارجية، وان تقنع نفسها بأن ما لا يدرك كله لا يترك كله، والمراد الدقيق لهذه الواقعية ـ التي يطرحها هؤلاء ـ هو مطالبة الشعوب بان تحترم منطق القوة الفتاكة الذي تمارسه الحكومات، والإمكانات الهائلة التي تسخرها في مواجهة الشعوب واسكات صوتها ومصادرة رآيها وإلغاء حقها. وهذا الطرح يواجه بأمرين:
الأول: أن ما قد يقال عنه بأنه خطوة على طريق الإصلاح في الكثير من الأحيان لا يمثل حتى شيء من خطوة، وأن كل ما طالب به هذا الشعب أو ذاك لا يزيد في نفسه على كونه خطوة واحدة. ولماذا تقسط الأنظمة على الشعوب الإصلاح وهو حقها، وفي الجانب الآخر تفتح عليها كل أبواب الشر والفساد دفعة واحدة؟!
والأمر الثاني في مواجهة المطروح المغلوط : هو أن الشعوب في ما ظهر جلياً حسب الواقع قد اختارت ألا يثنيها عن المطالبة بحقها ونيل كرامتها شيء[2].
الحوار والإصلاح:
المقصود الجدي للشعوب ولمن يريد الخير من الأنظمة هو الإصلاح، والإصلاح لا يحتاج إلا لإرادة سياسية جازمة ممن يمتلكون قرار الإصلاح وآدواته ووسائله وإعادة الحقوق.
والإصلاح في البحرين يحتاج إلى استجابة عملية من جانب الحكم لما ينص عليه الميثاق وحتى الدستور ـ المختلف عليه ـ والذي تلتزم به الحكومة نظرياً من كون الشعب مصدر السلطات، فلو أخذ بهذا النص وطبق بأمانة وصدق لكان هذا هو الإصلاح أو المفتاح الذي تفك به مغاليقه.
أما الحوار لو جد فمقدمة قد تنتج جزئياً وقد لا تنتج، وقد تجمع وقد تفرق، وقد تخفف وقد تأزم. هذا هو شأن الحوار الجاد المهيء للإثمار، فما حال الحوار الذي دخله التلاعب والفساد والظلم قبل بدايته وفي مقدماته؟!
نتمنى حلاً عادلاً يريح الوطن واهله، ولا يريح إلا العدل، والعدل في الإعتراف بحقوق الشعب والتعجيل بها، وليس في الإلتفاف عليها أو التسويف.
وإذا كان ما يقارب أربعة عقود من المعاناة والصبر لم تنتج خطوة اصلاحية مؤثرة، فإلى متى الإنتظار؟.
وإذا كان من الحق الذي تعترف به الحكومات نظرياً بأن الشعب مصدر السلطات، فالحق لا يسوف فيه.