الولادة والنشأة
ولد سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله في النجف الأشرف/العـراق في19/شعبان/1354هـ، حيث كان والده آية الله السيد عبد الرؤوف فضل الله قد هاجر إليها لتلقّي العلوم الدينية، وأمضى مع أسرته فترات طويلة في الدرس والتدريس، ضمن الحاضرة العلمية الأبرز في العالم آنذاك.
عقليَّة الوعي والانفتاح
ثم انطلق سماحة السيِّد وهو في مقتبل صباه، ينوِّع في نشاطاته، فاتَّجه ليمارس هواية الإعلام في عالم الأدب والفكر، فأصدر بالتَّعاون مع ابن خالته الشَّهيد السيِّد مهدي الحكيم، مجلّةً باسم "الأدب"، كانا يحرّرانها خطيّاً، فيكتبان الأعداد بعدد المشتركين، حتّى إذا ما زاد واحد اضطرّا إلى كتابة عددٍ إضافيّ.
وخلافاً للتَّقليد الّذي كان معتمداً في الأوساط العلميَّة، انفتح السيّد على الأجواء الأدبيّة والعلميّة والثّقافيّة المعاصرة، فكان يرتاد المكتبات ليطالع الصّحف المصريّة واللّبنانيّة والعراقيّة، حتّى حصل على مخزونٍ معرفيٍّ استطاع من خلاله أن يواجه متحديّاً كلّ التيّارات الفكريّة والقوميّة واليساريّة والاشتراكيّة في حواراتٍ ماراتونية مع أتباع هذه التيارات.. وبالمناسبة، فإنّ هذا الانفتاح الواسع على العصر بكلّ مجالاته، جعله موضعاً للنّقد، على أساس أنَّ هذه الثّقافة العصريّة تخفّف من هيبة رجل الدّين وروحانيّته، وبذلك شَكوه إلى والده، وشكا هو هذا الأمر إلى عمّه المرحوم المقدس السيِّد محمّد سعيد فضل الله، والّذي كان من أقطاب الحوزة العلميّة في النّجف آنذاك.
الدراسة العلمية
ترعرع السيد فضل الله في أحضان الحوزة العلمية الكبرى في النجف الأشرف، وبدأ دراسته للعلوم الدينية في سنّ مبكرة جداً.. ففي حوالي التاسعة من عمره، بدأ بالدراسة على والده، وتدرّج حتى انخرط في دروس الخارج في سنّ السادسة عشرة تقريباً، فحضر على كبار أساتذة الحوزة آنذاك، أمثال: المرجع الديني السيد أبو القاسم الخوئي ، والمرجع الديني السيد محسن الحكيم ، والسيد محمود الشاهرودي، والشيخ حسين الحلي (قدّهم)، وحضر درس الأسفار عند الملاّ صدرا البادكوبي.
وقد كان سماحة السيد فضل الله من الطلاب البارزين في تحصيلهم العلمي في تلك المرحلة، ويُذكر في هذا المجال أن السيد الشهيد محمد باقر الصدر (ره) قد أخذ تقريرات بحث السيد فضل الله إلى السيد الخوئي لكي يُطلعه على مدى الفضل الذي كان يتمتع به سماحته، هذا الأمر الذي انعكس فيما بعد ثقة كبيرة من المرجع الخوئي تجاه السيد فضل الله، فكانت وكالته المطلقة له في الأمور التي تناط بالمجتهد العالم.
وقد أثر عن سماحة السيد فضل الله أنه كان من الأوائل البارزين في جلسات المذاكرة، حتى برز من بين أقرانه ممن حضروا معه، فتوجّهت إليه شرائح مختلفة من طلاب العلم في النجف آنذاك، فبدأ عطاءه العلمي أستاذاً للفقه والأصول.
النشاطات الاجتماعية
رعاية الأيتام:
أولى سماحة السيّد اهتماماً بالغاً بالأيتام، كونهم يمثّلون الشريحة الضعيفة في المجتمع، والتي تحتاج إلى الكفالة والرعاية، حتى لا تضيع في مهبّ العواصف الاجتماعية، وقد رعى سماحته مشروع حماية اليتيم وكفالته عبر مشروعين:
مبرّات الأيتام
أسّس سماحته جمعيّة المبرات الخيرية التي شيّدت صرحها الأول للأيتام تحت اسم "مبرّة الإمام الخوئي"، والتي أمّنت المسكن الكريم للأيتام الذين كادت الحرب اللبنانية أن تتركهم لأيدٍ غير أمينة على دينهم وأخلاقهم وحياتهم.
ثمّ ضاعفت الجمعيّة جهودها في مجال رعاية الأيتام تحت ضغط الحاجة الاجتماعية التي تحرّكت في مناطق مختلفة من لبنان، فأسّست جمعيّة المبرات ـ تحت توجيهات سماحته ورعايته ودعمه ـ عدّة مبرّات للأيتام توزّعت على مناطق متعدّدة من لبنان
الفقراء والمساكين والمعوّقون
يتوفّر مكتب الخدمات الاجتماعية التابع للمؤسّسة على دراسة الحالات الاجتماعية التي تتقدّم بطلب إلى المكتب، أو التي يُشار إليها من العائلات المستورة، أو العائلات التي أقعد العجز والإعاقة معيلها عن العمل وتأمين حاجاته وحاجات أسرته.
المكفوفون والصُمّ والبُكم
كان الواقع الإسلامي يعاني نقصاً كبيراً، بل انعداماً في المؤسّسات التي ترعى ذوي الاحتياجات الخاصّة ممّن فقدوا حاسّة البصر أو السمع، أو تعثّرت معهم القدرة على النطق، ولذلك كان اهتمام سماحة السيّد (دام ظله) بالغاً بتهيئة الأرضيّة لإنشاء مؤسّسة متكاملة، بدأت صغيرة في البداية، ثمّ تطوّرت تحت اسم "معهد الهادي للإعاقة السمعيّة والبصرية"، والذي يُعدُّ ـ بشهادة الكثيرين ـ من المعاهد الأولى في الشرق الأوسط، وليس في لبنان فحسب.
وقد حوى في أحضانه ثلاث مدارس:
مدرسة النور للمكفوفين.
مدرسة الرجاء للصمّ.
مدرسة النطق واللغة.
العطاء العلمي
حضر عند سماحته في النجف الكثير من طلاب العلم، من اللبنانيين والعراقيين والسوريّين، ممّا يسمّى بالمقدمات وحتى السطوح، حتى درّس عدة دورات في كتابي "المكاسب" و"الرسائل" للشيخ مرتضى الأنصاري، وكتاب "كفاية الأصول" لللآخوند الخراساني.