وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : مركز البحرين لحقوق الإنسان
الخميس

٣٠ يونيو ٢٠١١

٧:٣٠:٠٠ م
250696

منفية وفي الرابعة والعشرين: المرأة الشابة المجاهدة من أجل البحرين

عندما ألتقيت مريم الخواجة للمرة الأولى في مارس الماضي على مدخل إحدى مستشفيات المنامة المتواضعة، كان النظام البحريني قد خنق بالغازات المسيلة للدموع المئات من معارضيه و رماهم بالرصاص المطاطي و الرصاص الحي أثناء نومهم و أثناء أدائهم للصلاة.

ابنا : القتلى و الجرحى كانوا ينقلون إلى مركز السلمانية الطبي حيث يلتقي أحبتهم و ذويهم بفتاة مفعمة بالحيوية و النشاط ترتدي الحجاب، تتنقل من طابق إلى طابق، تنظم الإزدحامات، تنقل الأخبار للعائلات المتواجدة و تساعد عمال الإغاثة.

في حوالي الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، و مع صرخات الأمهات الثكلى التي تسمع صداها أسفل الممرات، توصل مريم استنكارها للصمت الأمريكي على ما يحدث واصفة انتقادات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأنها بالكاد تكون “ضربا على معصم اليد”. و بحلول شهر مايو، تتمكن مريم من العثور على جمهور أكبر بعدما تركت البحرين متوجهة إلى الولايات المتحدة و أوروبا. روايتها للأحداث و عيناها البنيتين الواسعتين أنسنة المعارضة البحرينية المتعثرة لغرب لم يكن ليتمكن من فهم المشهد البحريني كاملاً.

من جامعة براون حتى منتدى أوسلو للحريات وإلى صوت أمريكا، تصدح مريم بما كتم عنوةً في شوارع المنامة – مكررة أن النظام يقوم بأشياء مؤلمة و الولايات المتحدة و حلفائها عليهم التصعيد من نبرتهم الخطابية.

في الأسبوع الماضي ظهرت حاجة ملحة جديدة لعملها حينما صدر في حق والدها عبدالهادي الخواجة حكم بالسجن المؤبد بتهمة الدعاية المضادة للحكومة.

أن تصبح فتاة في الرابعة و العشرين من عمرها وجها لإحدى أكثر ثورات الربيع العربي كبتا يبدو مفاجئاً فقط لمن لا يعرفوا السلالة التي تنحدر منها هذه الفتاة. ولدت مريم في الدنمارك منفى والدها عبد الهادي و زوجته خديجة اللذان نفيا من البحرين في منتصف ثمانينات القرن الماضي اليها و مكثا فيها حتى سمح لهم بالعودة إلى المنامة عام 2001. كانت مريم حينها تبلغ من العمر 14 ربيعا.

الذين يعرفون مريم يقولون بأن تخطي الخطوط الحمراء مزروع في جينات مريم. ” لنواجه الأمر – لقد ترعرعت في وسط ناشط في حقوق الإنسان ” يقول جو ستورك نائب مدير منظمة هيومن رايتس ووتش في الشرق الأوسط و الذي عمل و سافر مع مريم في ندوات و مؤتمرات واشنطن وجنيف. “عبد الهادي شخصية ذات كاريزما قوية. لقد كان دائما شجاعا جداً، و متحدثا مفوها، و دائم الضغط لدفع عجلة التغيير. هذا هو قدوتها. “

تخرجت مريم من جامعة البحرين في عام 2009، بعد ذلك حصلت على منحة “فولبرايت” في جامعة براون في الولايات المتحدة الأمريكية. أثناء عودتها في صيف عام 2010 طمحت مريم لأن تحصل على وظيفة في مجال التعليم أو العلاقات العامة، لكن كونها ابنة أحد أبرز رموز المعارضة أدى لأن يقف النظام حجر عثرة أمام قدرتها على الحصول على وظيفة. بعد ذلك انخرطت مريم في “مشروع عائلي” : مركز البحرين لحقوق الإنسان، و الذي أسسه والدها. حاليا تدير مريم مكتب العلاقات الدولية و تشغل منصب نائبة الرئيس الحالي نبيل رجب الذي يظهر باستمرار في الصحافة الدولية و هو أحد النشطاء القلة في المنامة الذين تمكنوا من تجنب إلقاء القبض عليهم.

لقد كان عمل والدها “بالطبع مؤثرا” عليها كما قالت لي أثناء أتصالي بها هاتفيا لمعرفة تفاصيل هذه الحكاية. كانت تتحدث من كوبنهاغن حيث كانت في استراحة قصيرة قبل أن تبدأ برنامج سفر بلا توقف – أوسلو، جنيف، كاليفورنيا، لندن – و الذي كانت تسعى جادة لأن تحافظ عليه. “الوظيفة كانت موجودة،و الدافع أيضا موجود، لكن الحكومة تدفعني للتفرغ لها” تقول مريم متحدثة عن خيار انضمامها للمركز. أثناء منتصف حواري معها، و التزاما منها بأخلاقيات مهنتها تكشف مريم بأنها ذكرى ميلادها الرابعة و العشرين.

مع التضييق على حركة رئيس المركز – ليس مسموح له بمغادرة البلاد، و يصعب على الإعلام الدخول للبلاد – و مع إعتقال 500 شخصية من القيادات المعارضة على أقل التقادير، تحتل أبنة الناشط موقعا متميز. لقد كان حضورها أثناء الإحتجاجات الأخيرة وانخراط أسرتها في تلك الاحتجاجات هو ما شجع المؤسسة المعارضة للحكومة للإقدام على مثل هذه الخطوة. مريم تتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة و تمتلك علاقات طيبة بالخارج. و مع موافقة أسرتها أثناء حملة النظام تصعد طائرتها من المنامة لتحجز لها موقعا للحديث في الجامعات و المؤتمرات و تقابل السياسيين في المملكة المتحدة. و مع زيادة تأثير حضورها و تواجدها بدى جليا بأن عودتها لتراب أرض البحرين باتت صعبة لتعرضها لخطر إلقاء القبض عليها. “إنهم عالميون” يقول ستورك عن عائلة الخواجة.” مريم شعرت بأنها ملزمة بالمغادرة من البحرين. و هي شعرت، أو أن المركز شعر بأن مريم يجب عليها البقاء في الخارج من أجل الحفاظ عليها.”

فتاة من إحدى أبرز العائلات في البلد، هي الآن بدون أهلها. تشكك مريم بأنه سيتم السماح لها بالعودة إلى جزر المملكة قريبا. أما أمها و أختها فإنهما تنويان البقاء في البحرين “طالما أن هناك عائلة في السجن.” شقيقتها زينب تواصل دور والدهما في المنزل. في أبريل الماضي، و من خلال لقبها المعروف على نطاق واسع ” AngryArabiya” بدأت زينب في خطوة تصعيدية عالية إضرابا عاما عن الطعام بعد إلقاء القبض على والدها عبدالهادي و زوجها و زوج أختها.

مرة أخرى في كوبنهاغن، أو إلى حيث تسيرنا العواقب بعد حديث، الخطر الوحيد الذي يواجه الأخت مريم هو تعرض أنصار النظام لها، غالبا عن طريق بوابات الإنترنت مثل التويتر حيث أن هناك 17500 متابع لها. الناس منزعجون من نبرتها، جنسها (كونها فتاة)، و من والدها. “إنها تتعرض لكثير من التحرش” يقول ستورك.”في حالة الإستقطاب القصوى التي وصلت لها البحرين صارت تقوم بدور مشابه لدور مانع الصواعق.” في بلاد يقوم الرجال فيها بوضع قيود على مشاركة المرأة يصبح التحرش ” راجعاً لاسمها الأخير كاسمها الأول، إذا كنتم تعون ما أعني.”

الهجمات الكلامية على مريم تكون في بعض الأحيان وحشية. أثناء كتابتي لهذه الحكاية، كتبت مريم رسالة لذوي معتقلي سجن القرين بأن يرسلوا لهم المال و الطعام و الشراب، رد عليها أحدهم ” من المفترض أن تغتصبي من قبل راهب هندي سيخي لا يؤمن بالاستحمام.”

الآن وقد أصبحت شوكة في خاصرتهم، بدأ النظام يرسل مبعوثا رسميا في كل حدث تتواجد فيه مريم. هذا المبعوث يزود النظام في المنامة بكل ما تقوله مريم، و كالعادة يقوم بتشويه كلماتها لجعلها تبدو على أنها افتراءات على النظام. يقول ستورك بأن أنصار النظام البحريني عادة يتابعون عن طريق طلب مقابلات مع المسؤولين الحكوميين الذين تقوم بمقابلتهم.

“الناس تهدد حياتي و سمعتي” تخبرني مريم “لكن هناك الكثير من الناس في البحرين يدعمونني و يدعمون عملي و يقولون بأنني بطلة بالنسبة لهم.” أما بالنسبة للمرافقين “لم أرهم منذ فترة – آخر مرة شاهدتهم فيها كانت في الولايات المتحدة و في بعض الأحيان لا أعلم بأنهم موجودين هناك.” و تذكر بأنها في إحدى المرات تفاجئت بإحدى كلماتها في جامعة براون تسجل و تبث كاملة في البحرين. تقول بأنها لا تبحث جاهدة عن ممثلي حكومتها و لا تشعر بالتقيد أثناء وجودهم. في بهو فندق فخم في النرويج و بعد ظهورها في منتدى أوسلو للحريات أشارت عرضا إلى ما يبدو أنه أحد الأشخاص يراقبها بحذر من المدخل الأمامي – ثم ضحكت، و أدارت عينيها عنه و عادت لمتابعة حديثها. على مدار ذلك الأسبوع بدت مرتاحة في حديثها مع الجميع من محرر ” ProPublica” و الرئيس السابق لصحيفة ” Wall Street Journal” باول ستيجر إلى الناشطين الجدد الشباب من آسيا إلى أفريقيا.

لكن معنوياتها تعثرت قليلا حينما كانت في أوروبا بعيدا عن الاستقبالات الدافئة و زحمة المئات عندما تلقت خبرا بأن عميد آل خواجة الشهير، والدها، سيقضي بقية عمره يتأمل في جدران السجن. لقد علمت كما تقول “بأفضع الطرق – كنت أنتظر رسالة نصية من شقيقتي لكن بدلا من ذلك تلقيت مكالمة من صحفي يسألني عن رأيي بشأن إصدار الحكم بالسجن المؤبد على والدي. أتصلت بوالدتي التي قالت لي بأن ذلك صحيح.”

أول ردة فعل لها جائت سريعة والتي كانت ” أن تكون عاطفية”. بدلا من ذلك ، مثل والدها ولأجل والدها بدأت تقاتل من أجل إستئناف حكمه.

انتهی/158