ابنا: ندد «آية الله عسیی قاسم» في صلاة الجمعة بمسجد الامام الصادق(ع) في الدراز حكم الإعدام الصادر في المحکمة النظامیة و قال: "لا يمكن أن يوافق علي هذا الحکم متشرع".
وما یلي نص الخطبة الثانية للیوم الجمعة 23 جمادي الثاني 1432هـ . الموافق لـ 27 مايو 2011م:
وكل ذلك يحتاج إلى صبر وتحمل ومواجهة وقدرة تحفظ للإنسان عقله واتزانه، ووقاره ومنزلته، وسلامة نفسيته، وتقيه من الإنهيار والسقوط أمام ظرف الشدة والرخاء، والقوة الخارجية والضعف، والفشل والنجاح.
وكل القوة في الموقف الصامد أمام كل الظروف، وفي الموقف النفسي المتفوق على كل الضغوط، والإحتفاظ باحترام الذات والمبدئية الحقة رغم كل التحولات، والبقاء على خط الغاية الإلهية النبيلة مهما كان من أمر.
ولا يبني الشخصية القوية السليمة غير هذا المستوى من الصمود، ولا نجاح لأي تربية مالم تحقق مثل هذه النفسية المقاومة ،، ولا يمكن لأي أمة أن تنهض بمهمات الحياة، وأن تنتصر على كل تعقيداتها، وتبرهن على وجود قوي، وأن تثبت في مهب الرياح مالم تتوفر على فئة كافية من أهل هذه النفسية القوية والشعور.
الضعيف في الرخاء والغنى والقوة، مغرور مفسد مسيء للحياة والإنسان، مهلك لنفسه، تلعنه الأجيال.والمهزوز في الشدة والفقر وضيق الحال معين على نفسه، مغر لكل طامع باستسلامه، ناسٍ لذاته، ساحق لكرامته، سادٌ لباب الفرج عنه، معجل بنهايته.
والإمام عليٌ عليه السلام يريد لنا أن نكون الأقوياء في نفسيتنا، الصلاب في عزيمتنا، المتفوقين على كل ظروف الشدة والرخاء، الثابتين على الخط عند كل العواصف، الصامدين أمام كل محنة، الشاكرين عند كل نعمة.
ولا تجيد تربية صناعة النفسية القوية، الصابرة، الشاكرة، الرضية، الصلبة، المقاومة، المنتصرة، المتفوقة كما تجيدها التربية الإسلامية الحقيقية، ولا يحققها شيء كما يحققها الإيمان بالله سبحانه، ولا يدفع في اتجاهها اقتداء كما يدفع ذلك الإقتداء بأبطال الرسالة الإلهية من مثل نوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، ومحمد وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين.
لكل منكرٍ حد:لكل منكرٍ حد، والإعتزاز بالحياة أمر ممكن وإن كان من ثوابت طبيعة الإنسان، ولأنه ممكن فله حد. والإعتزاز بالحياة يدفع بالإنسان لطلب البقاء، وطلب كل ما يراه صواباً أو خطأ بأنه سبب من اسبابه، ويحاول أن يجمع كل ما امكنه من ما يراه فيه أنه سبب من هذه الأسباب.
وقد تحدث للإنسان تنازلات، ويتخلى عن بعض ما يطمح إليه إذا كان ذلك سيفقده الحياة، ومنطلق هذا التنازل إنما هو اعتزازه بالحياة وحبه في البقاء، ولكن هذا الإعتزاز قد ينتهي عند نقطة معينة، وينقلب إلى تمرد على الحياة، واسترخاص للتضحية، أو ضيق بالحياة يسقط قيمتها ويفرض على نفسية هذا الضيق بالخلاص. ولذلك ينتحر من ينتحر عند نقطة من نقاط تفجر النفس وعدم صبرها على ضريبة الحياة.
واصحاب النفوس القوية لا ينتحرون، ولكنهم يضحون بحياتهم مختارين في هدوء وراحة نفس من اجل مبدئهم وحريتهم وعزتهم وإيمانهم بقيمتهم الإنسانية، وذلك عندما تكلفهم الحياة أن يدفعوا كل ذلك ثمناً من أجل البقاء.
إذا كلفتهم الحياة أن يدفعوا عزتهم ودينهم وكرامتهم ثمناً لها، تفلوا على الحياة وداسوها بأرجلهم.
وهذا ما يفشل تكثيف الضغوط على الناس إذلالاً لهم، ومن اجل أن يتنازلوا عن إرادتهم لإرادة الغير وكما يهوى إستغلالاً من القوي للإعتزاز بالحياة وتقديم البقاء من الطرف الآخر على كل المطالب. ولتصور أن ذلك يجعله يضحي بكل شيء، ويصبر على كل مذلة من اجل أن يبقي لنفسه ـ ولو اخس مستوى من الحياة ـ وهو تصور خطأ قاتل.
إن زيادة الضغط في هذا المجال تولد الإنفجار الذي يأتي رد فعل حتمي في حالتين.في حالة تضيق النفس بكلفة الحياة بما يثير فيها الرغبة بقوة للإنتحار، ومن هانة عليه حياته هانة عليه حياة الآخرين، ومن وصل إلى حد الإنتقام من حياته لم يتوقف عن الإنتقام من حياة الآخرين.
والحالة الثانية التي تعطي النفس فيها رد فعل بالإنفجار لا عن انهيار، وإنما عن وعي وبصيرة وقوة وشجاعة، هي الحالة التي تفرض فيها المبدئية والعزة والكرامة والنظرة الآخروية التضحية بالحياة.
فمن خطأ السياسة أن تعتبر يوماً فاصلاً تقرر فيه ألا حرية للآخر على الإطلاق بعد اليوم، لا اعتزاز للآخر بنفسه ولا كرامة له بعد اليوم، لا خيار للآخر في حياته ومصيره بعد اليوم، لا لقمة شريفة له بعد اليوم، لا فرصة علم له بعد اليوم، لا حق له على الإطلاق بعد اليوم، لا سلامة لماله ونفسه وعرضه بعد اليوم.
هذا خطأ فادح، وخطر كبير، لأنك بهذا تضع الناس في حالة انفجار، هو انفجار تضحية واعية أو انتحار.
حرمة الدم:
شدد الإسلام على حرمة الدم تشديداً بالغا، وقد ثبت عند كل علماء الإسلام أن الحدود تدرء بالشبهات، وحكم الإعدام لا حكم أغلظ منه، وأي تساهل في القضاء به هو تساهل في حق الدين والإنسان، والقاضي به بغير ما أنزل الله إنما حسابه على الله سبحانه. وهو من أشد الأحكام استفزازاً للنفوس، وتحريكاً للغيرة، وكل القوانين تشدد في اقامة حد القتل على الإنسان.
وحکم الإعدام الصادر في حق اثنين من المواطنين، لا يمكن أن يوافق عليه أي متشرع بحسب الأجواء المحيطة، والملابسات المعاشة، والمقدمات المنظورة، والإعلام التحريضي المنتشر، ودعوات الإنتقام المثارة، وظروف السجن الخاصة، والتوتر الأمني القائم، والتوعدات الشديدة، وغياب الطريق الشرعي للإثبات.
فالحق أن الإعتماد في مقام التنفيذ على حكم هذه صفته وظروفه، فيه تساهل واضح بحرمة الدم في الإسلام، وهو الشيء الذي تمنع منه الشريعة، ويحاسب عليه الله.
.......................
انتهی/137 ـ 101