وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر :
الأحد

٢٠ فبراير ٢٠١١

٨:٣٠:٠٠ م
227494

المختار ؛ الثائر المفترى عليه

هل يعني رأيي في عمرو بن العاص بأني قد خرجت عن الاسلام وانكرت ما هو معلوم من الدين ؟”.

ابنا : بهذه العبارة رد كاتب السيناريو المصري الشهير اسامة انور عكاشة على محاوره الشيخ خالد الجندي في برنامج “القاهرة اليوم” الذي بثته قناة “اليوم” التابعة لشبكة اوربت الفضائية , لانه تجرأ وقال يوما : “إن ابن العاص لا يستحق ان يمجد في عمل درامي من تأليفه” , وعلى اثرها انهالت عليه الفتاوى من كل حدب وصوب بالتكفير والارتداد والخروج عن الملة والدين لانه أساء الى أحد صحابة النبي (ص).

إن هذا السيف المشرع ” الإساءة الى صحابة النبي (ص)” في وجه المبدعين والأعمال الفنية والادبية , من قبل جهات اصبحت عنواناً بارزا لنحر كل حالة ابداع في الأمة تحت ذرائع لم تعد تقنع حتى السذج من الناس , هو ذاته يرفع اليوم في وجه مسلسل “المختار الثقفي” رائعة المخرج الايراني داود مير باقري .

فلا غرابة ان تشن تلك الجهات هذه الحملة الشرسة ضد المسلسل وهي ترى كل هذا التأثير الواسع والمنقطع النظير للمسلسل على المشاهد العربي وهو يرى عملاً فنياً متميزا..

بالرغم من ان مراحل البحث وكتابة السيناريو وتصوير المسلسل استغرقت تسع سنوات , لسد كل ثغرة يمكن ان تضعف هذا العمل الفني الكبير , لاسيما من ناحية الاحداث التاريخية , حيث استند المسلسل الى عدد كبير من المصادر الاسلامية , من التي تعتبر أمهات المصادر في التاريخ الاسلامي واختيار اكثر الوقائع وثوقا , الا ان هذه الحساسية الزائدة من قبل القائمين على المسلسل في نقل الاحداث التاريخية، لم تشفع للمسلسل االذي تعرض لحملة شعواء جاءت تحت يافطة كبيرة هي يافطة الاساءة الى اصحاب النبي (ص)، وصدرت الفتاوى تلو الفتاوى تحرم مشاهدة المسلسل.

رأي المرجع الديني ناصر مكارم الشيرازي في مسلسل المختار .

وقبل ان نتحدث بشيء من التفصيل عن شخصية المختار الثقفي الذي تعرض بدوره كما المسلسل , لحملة من التشوية والاساءة , نود ان ننقل بشيء من التصرف ماقاله المرجع الديني ناصر مكارم الشيرازي بشأن ماقيل عن اساءة المسلسل لصحابة النبي (ص).

يقول المرجع مكارم الشيرازي : “إن هناك فرقا كبيرا بين الإساءة وبين نقل قضية او قصة تاريخية , فالإساءة شيء غير مقبول , ولكن لايمكن في المقابل إلا ان ننقل الاحداث التاريخية كما وقعت ,وهل يمكن ان ننكر وقائع حرب الجمل , وهل هناك من يشك بأن طلحة والزبير وهما من صحابة الرسول (ص) قد قاتلا إمام زمانهما ونكثا بيعته. لايجب بالتالي ان نغمض عيوننا عن حقائق التاريخ , فالبون شاسع جدا بين ان توجه الاساءة لمجرد الاساءة وبين ان ندرس ونحقق في شخصية ما. واذا وضعنا كتب الشيعة جانبا فهل تجاهلت كتب اخواننا من اهل السنة شخصيات مثل شخصية عبدالله ابن الزبير وغيره؟ إن تكفير الافراد واصدار حكم الارتداد على الاخرين ليس بالامر الهين وليس سهلا كما هو الحال عند بعض الفرق الاسلامية…”.

من هو المختار؟ .

المختار هو ابن عبيدة بن مسعود الثقفي ولد في السنة الاولى للهجرة وقتل سنة 67 هجرية على يد مصعب بن الزبير , طالب بالثأر لاستشهاد الامام الحسين (ع) في كربلاء عام واحد وستين للهجرة وحملت ثورته شعار يالثارات الحسين , وتمكن من قتل اغلب من شارك في قتل الامام الشهيد.

حملة التشوية والافتراء التي تعرض لها المختار .

تعرضت شخصية المختار لعملية تشويه ممنهجة من قبل قتلته من الزبيريين وشاركهم فيها خصومهم الأمويون , فدفع ثمن مواقفه المشرفة من آل البيت عليهم السلام , فاتُهم انه إدعى نزول الوحي عليه واعتماده السجع وانه من السبئية والكيسانية وأنه اتخذ كرسيا ادعى انه كرسي الامام علي(ع) وانه كالتابوت في بني اسرائيل وانه عثماني الهوى وانه وانه….

ومن اجل فهم الاسباب التي جعلت المختار يتحول الى هذه الصورة التي رسمها له الزبيريون والامويون لابد من الرجوع قليلا الى الوراء لمعرفة الظروف التي شكلت هذا الوعاء الذي اتخم بكل هذا التدليس والذي لا يصمد امام النقد التاريخي كما سيمرّ علينا.

ثورة السبط الشهيد الامام الحسين (ع) .

اصطدم يزيد بعد موت والده معاوية الذي مهد طريق الخلافة له بشتى السبل ومن بينها نكثه عهود الصلح مع الامام الحسن(ع) , اصطدم بشخصية كبرى لم تكن على استعداد ان تبايعه في اي حال من الاحوال , هذه الشخصية مع ما تمثله من قيم لم تكن لترضخ في اي ظرف من الظروف امام تلك التاويلات والتبريرات التي كانت تتحول شيئا فشيئا الى مبادىء سدت كل المنافذ امام المجتمع الاسلامي للتفكير في اصلاح الامور والتصدي للسلطان الجائر.” من غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي امير المؤمنين فلا يَحلّ لاحد يؤمن بالله واليوم الاخر ان يبيت ولايراه إماما برّا كان او فاجرا”(1) .

هذه الشخصية هي الحسين , وبحقه قال النبي (ص): ” حسين مني وانا من حسين .. أحب الله من أحب حسينا , حسين سبط من الاسباط”(2) .

أعلن الحسين ثورته الحمراء وغادر المدينة الى مكة واقام فيها اربعة اشهر والتقى هناك بوفود من اهل العراق وهم يحملون اليه الرسائل من زعماء القبائل يطلبون منه ان يقدم اليهم وبايعوه على النصرة ضد يزيد, فترك الحسين مكة وهاجر الى العراق الا ان والي يزيد الجديد الى الكوفة عبيد الله بن زياد تمكن من السيطرة على الكوفة قبل ان يصل الامام الحسين اليها , وارتكب جيش بن زياد بقيادة عمرابن سعد مجزرة بشعة بحق ال النبي (ص) في العاشر من محرم عام 61 , وسطر الامام الشهيد وال بيت النبي (ص) واصحابه الميامين ملحمة الفداء والتضحية من اجل المبادىء وهم يقدمون جماجمهم للاسلام العظيم رافعين الشعار الخالد للامام الشهيد “هيهات منا الذلة”.

وعندما أخذ جيش يزيد حرائر رسول الله (ص) سبايا وحمل رؤوس اكثر من سبعين من الانصار وعشرين من آل بيت النبي (ص) على الرماح بينها رأس الامام الشهيد الى الشام وادخلهم على يزيد الذي اخذ رأس الامام الشهيد ينكث ثناياه بمخصرته ويتمثل بأبيات ابن الزبعري: .

“ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل .لأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لاتشل .قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلناه ببدر فاعتدل .لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل .لست من خندف ان لم انتقم من بني هاشم ما كان فعل”(3) .

حركة المدينة المنورة (63هجرية) .بعد واقعة كربلاء كانت مدينة النبي(ص) تعيش تحت وقع الصدمة واخذ التذمر من يزيد ينتشر بين الناس فخاف الاخير على سلطانه و أراد ان يغير بعض سلوكه مع الناس لدفع ما هو اسوء فعزل الوليد بن عتبة عن المدينة وولاها عثمان بن محمد بن ابي سفيان , الذي اوصى يزيد ان يدعو كبار المدينة الى الشام ويكرمهم حتى يقلل من حدة الاحتقان الذي تعيشه المدينة , وهذا ما حدث فسار وفد من اشراف المدينة وعلى رأسه عبدالله بن حنظلة غسيل الملائكة وعبدالله بن ابي عمرو بن خوص والمنذر بن الزبير , واكرم يزيد وفادتهم واغدق عليهم ولكن بعد عودتهم الى المدينة نقلوا ماشاهدوه الى الناس.

وقال المنذر بن الزبير”والله لقد اجازني بمائة الف درهم , وانه لا يمنعني ما صنع الي ان اصدقكم عنه , والله انه ليشرب الخمر , وانه ليسكر حتى يدع الصلاة”(4).

اما عبدالله بن حنظلة فقال “والله ماخرجنا على يزيد حتى خفنا ان نرمى بالحجارة من السماء , انه رجل ينكح امهات الاولاد والبنات والاخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة”(5).

وقصدوا المنبر وخلعوا يزيد , فوجه الاخير اليهم جيشا بقيادة مسلم بن عقبة و قال له “ادع القوم ثلاثا فان اجابوك والا فقاتلهم , فاذا ظهرت عليهم فابحثها ثلاثا فما فيها من مال او سلاح او طعام فهي للجند” , فلما توجه ابن عقبة بجيشه الى المدينة أراد من عبدالملك بن مروان ان يشير عليه في شيء ينفعه في قتل اهل المدينة , فنصحه ان يأتي المدينة من قبل الحرة فاتاهم وطلب منهم النزول عند طاعة يزيد فابوا فامهلهم ثلاثة ايام فدارت حرب طاحنة بين الجانبين وكانت الغلبة لجيش يزيد , واباح مسلم المدينة ثلاثا لجيشه ووقعوا على النساء حتى ولدت الف امرة بعد الحرة من غير زوج.

ثم دعا مسلم الناس الى البيعة ليزيد بوصفهم عبيد وخوّل له فقتل كل من رفض ذلك . وسئل الزهري: كم كانت القتلى يوم الحرة ؟ قال : سبعمائة من وجوه الناس من قريش والانصار والمهاجرين ووجوه الموالي , وممن لا يعرف من عبد وحر وامرأة عشرة الاف.

هذا التفصيل كله نقله صاحب كتاب تاريخ الاسلام الثقافي والسياسي (6) عن رواية المدائني , اخذه عنه ابو الفرج و ابن الجوزي , وتراه مفرّقا في روايات الطبري المفصلة باسانيده عن ابي مخنف , وعوانة بن الحكم , واحمد بن زهير في رواية الذهبي وابن كثير ايضا عن المدائني وعن غيره..

ثورة التوابين (65 هجرية) .هذه الانتفاضة قادها الصحابي الجليل سليمان بن صرد الخزاعي الذي ارسل للحسين ليأتي الى الكوفة الا انه لم يقدر على الالتحاق به بعد ان سجنه عبيدالله بن زياد فندم اشد الندم على ذلك واقسم ان يفعل شيئا يكفر عن ذنبه بعدم نصرة الامام الشهيد عسى ان يتوب عليه الله سبحانه وتعالى ’ انضم اليه كبار الصحابة في الكوفة واجتمع حوله نحو خمسة الاف وسار بهم سليمان صوب الشام وعسكر الجيش في (عين الرمانة) وهناك التقى بجيش الشام بقيادة عبيد الله بن زياد على راس جيش تجاوز العشرين الفا ونشبت بينهما معركة ضارية انتصر فيها جيش الشام وتمكن رفاعة بن شداد ان يعود الى الكوفة بما بقي من جيش سليمان بن صرد الخزاعي الذي قتل في المعركة.

حركة عبدالله بن الزبير61-73 هجرية .تعتبر حركة عبد الله بن الزبير من الحركات التي هددت وبقوة وجود الدولة الاموية الا انها وبعد ان سيطرت على مساحات كبيرة من الدولة الاسلامية انهزمت امام جيش الامويين ودب فيها الضعف حتى قتل عبدالله بن الزبير بيد الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 73 هجرية.

لم يعمل ابن الزبير العدل بين الرعية حاله حال الامويين كما لم يحيي المعالم التي درست في زمن الامويين , فقد وصل بغضه لآل البيت عليهم السلام فكان يتهرب من ذكر النبي(ص) والصلاة عليه وعندما عوتب على فعله هذا قال”اني لا ارغب عن ذكره , ولكن له اهيل سوء اذا ذكرته لتعلو اعناقهم , فانا احب ان اكبتهم”(7).

وكان شديد القسوة مع اهل البيت (ع) حتى ان جمعهم وسجنهم واحاطهم بالحطب لحرقهم اذا لم يبايعوه , وكان بينهم عبدالله بن عباس ومحمد بن الحنفية , ولم ينقذهم الا جيش المختار الذي فكهم من الحصار(8).

وعندما ظفر مصعب بن الزبير بالمختار وقتله لم يكتف بذلك بل قتل حتى الذين منحهم الامان الامر الذي عابه عليه عبدالله بن عمر عندما سأله كم قتلت فقال مصعب “خمسة الاف” , فسبح ابن عمر ثم قال :” يامصعب , لو ان امريء اتى ماشية الزبير فذبح خمسة الاف شاة في غادة , أكنت تعده