ابنا : بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا سيد الخلق أجمعين وعلى آله الهداة المهديين ومن اتبعه بإحسان من الأولين والآخرين.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاَء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بالآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}. (البقرة: 84-86).راقبنا بالأمس ـ بحزن وأسى ـ ما تناقلته وسائل الإعلام من صورٍ لمجزرةٍ وحشيةٍ قامت بها الأجهزة الأمنية البحرينية مع مواطنيها المدنيين العزَّل المتظاهرين بنحو سلمي من أجل المطالبة ببعض الإصلاحات السياسية والحقوق المدنية. وقد راعنا ما شاهدناه من استخدام تلك الأجهزة للذخيرة الحيّة في تفريق جموع المتظاهرين بأعصاب باردة واستخفاف واضح بأرواح الناس.إننا في الوقت الذي نستنكر ونشجب أمثال هذه السلوكيات الإجرامية وهذا التصعيد العنيف للتعاطي مع مطالب المعتصمين، وخصوصاً مع ما تميز به هؤلاء المعتصمون من أسلوب حضاري سلمي لم يرافقه أيَّ اعتداءٍ لا على تلك الأجهزة ولا على الممتلكات العامة ولا على الأطراف الأخرى التي لم تشاركهم التواجد في هذا الاعتصام، نطالب السلطات الحاكمة ومؤسساتها القضائية بفتح تحقيق فوري تقوم به لجنة مختصة محايدة للكشف عن المسؤولين عن حدوث هذه المجزرة الهمجية وتقديمهم للقضاء ومحاسبتهم.إن المكاسب الحقيقية التي من حق الدول أن تفخر بها تتمثل في مدى قدرة تلك الدول على الاستجابة لمطالب مواطنيها وحفظها لحياتهم وحقوقهم المدنية والسياسية والاجتماعية وليس في بنائها لأجهزة سرية وعسكرية قمعية تهتك كرامتهم وتستبيح أرواحهم وممتلكاتهم. ولقد أثبت التاريخ أن الكثير من الأنظمة السياسية التي تعلّق بقائها على الاستبداد والظلم والقهر لا تعمّر طويلاً وسرعان ما تنهار ويتحول أصحاب السلطة فيها إلى لعنة على أفواه الشعوب ولدينا في الكثير من أنظمة منطقتنا خير برهان ودليل على ذلك، وليس ما حلّ بالأمس في تونس ومصر وقبلهما العراق وإيران ببعيد.. قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}, (غافر: 82) وقال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلاَدِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق: 36-37).إن الأحداث الأخيرة التي شهدتها بعض دول عالمنا العربي والإسلامي والتي لازالت مستمرة في بعضها حتى هذه الساعة تشير إلى مدى اتساع الفجوة بين مجتمعاتنا وبين السلطات الحاكمة ومفهومها المبتذل عن مفهوم الدولة المدنية بمجرد بناء الأجهزة الأمنية القمعية القاهرة. لقد غيّبت تلك الدول أعمق الأفكار المتعلقة بفلسفة ماهية الإنسان وحقوقه الإنسانية وما يتفرع عنها من مفاهيم المواطنة الحقيقية والمشاركة السياسية والإجماع الوطني على إيديولوجية الدولة فهل نستغرب بعد ذلك عجز تلك الدول عن استيعابها لتنوع مجتمعاتها العرقي واللغوي والثقافي والسياسي والعقائدي؟! وهل يفاجئنا أن الطيف الأوسع من أبناء مجتمعاتنا يشعرون بانفصالهم عن تلك (الدول/الأجهزة)؟ إن سرعة استفزاز تلك الدولة بمجرد حديث مواطنيها، مهما كان هذا الحديث محدوداً بل وحتى لو كان عابراً، عن حقوقها السياسية يمثل خير مؤشر على هشاشة تلك الدول وضعفها بالرغم من كل ما لديها من أجهزة سرية وعسكرية فتاكة ومن ماكنة دعائية ضخمة مضلِّلة ومبتذلة.إننا وفي الوقت الذي نؤكد على حق الشعوب في مطالبتها بصياغة وإصلاح أنظمتها السياسية كحق سياسي مشروع كفلته لها جميع دساتير العالم، دون تدخل منّا في شؤون تلك الشعوب الداخلية بنحو تحريضي فيما لو اختارت المناداة بهذا الحق، نطالب السلطات في مملكة البحرين باحترام إرادة مواطنيها والتعاطي مع مطالبهم بعقلانية وتروّي وحكمة وتحمل مسؤوليتها الوطنية بالدفاع عن أرواحهم وممتلكاتهم وحقوقهم فإن ذلك هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة، ونهيب بجميع الدول والمنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام والأحزاب السياسية والشخصيات الفكرية أن تدين ما حدث مع المتظاهرين في (ميدان اللؤلؤة) من انتهاك صارخ وتعدٍّ إجرامي حاقد والضغط على المسؤولين في هذه الدولة بمحاكمة ومحاسبة الضالعين بهذه الفاجعة النكراء.ندعو الله (سبحانه وتعالى) أن يتغمد أرواح هؤلاء الشهداء بوافر رحمته وأن يفرغ على ذويهم الصبر والسلوان وأن يجعل بلدهم مناراً للحرية والعزّة والكرامة إنه سبحانه خير ناصر ومعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
كمال الحيدري
14/ ربيع الأول/1432 هـ
انتهی/158