وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : وکالات
الأربعاء

٩ فبراير ٢٠١١

٨:٣٠:٠٠ م
225403

في ذكرى انتصار الثورة الاسلامية //

الامام الخميني من الولادة إلى الرحيل

ي (24 أيلول 1902م) رأى النور في هذا العالم رجل كبير اسمه روح الله الموسوي الخميني، ولد لعائلة من أهل العلم والهجرة والجهاد من ذرية السيدة الزهراء ع، وذلك في مدينة خمين من توابع المحافظة المركزية في إيران.

ورث روح الله سجايا آبائه وأجداده الذين عملوا جيلاً بعد جيل في إرشاد الناس وهدايتهم وتحصيل العلوم والمعارف الإلهية، فكان والده الجليل المرحوم آية الله السيد مصطفى الموسوي من معاصري المرحوم آية الله العظمى الميرزا الشيرازي (رضوان الله عليه) وقد أمضى عدة سنين في النجف الأشرف للاستزادة من العلوم والمعارف الإسلامية نال إثرها درجة الاجتهاد وقفل راجعاً إلى إيران فأقام في خمين ليكون هناك ملاذاً للناس ومرشداً وهادياً لهم في شؤونهم الدينية.

لم يكن قد مضى على ولادة روح الله أكثر من خمسة شهور، حينما انبرى الطواغيت والإقطاعيون المدعومون من قبل الحكومة آنذاك فردّوا بالرصاص على نداء الحق والعدالة الذي أطلقه والده حين تصدى لتعسفهم وجورهم، فنال وسام الشهادة على أيديهم وهو في طريقه من خمين إلى أراك. توجه أقارب الشهيد إلى طهران (عاصمة الحكومة) للمطالبة بتطبيق حكم القصاص الإلهي في حق قاتله، وأصروا على تنفيذ العدالة إلى أن تم لهم ما أرادوا ونفّذ القصاص بحق القاتل.

وهكذا خبر الإمام الخميني منذ نعومة أظفاره آلام اليتم وتعرف على معنى الشهادة وأريجها. قضى الإمام الخميني أوان طفولته وصباه في ظل رعاية والدته المؤمنة (السيدة هاجر) وهي بدورها من بيت علم وتقوى وإحدى حفيدات المرحوم آية الله الخوانساري (صاحب زبدة التصانيف) وكذلك في كنف عمته الكريمة (صاحبة خانم) التي كانت سيدة تميزت بالشجاعة وطلب الحق، لكنه عاد ليُحرم حنان هاتين المرأتين العزيزتين في سن مبكرة حينما كان في الخامسة عشرة.

توجه الإمام الخميني بدوره إلى الحوزة العلمية في قم، واجتاز بسرعة مراحل الدراسات التكميلية في العلوم الدينية لدى أساتذة تلك الحوزة، و يمكن الإشارة هنا إلى دراسته تتمة مباحث كتاب «المطول» في علم المعاني والبيان على يد المرحوم آقا ميرزا محمد علي أديب طهراني، وتكميل درس السطوح عند المرحوم آية الله السيد محمد تقي الخوانساري، ومن قبله المرحوم آية الله السيد علي يثربي كاشاني، ودروس الفقه والأصول عند زعيم حوزة قم آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي (رضوان الله عليهم أجمعين). بعد وفاة آية الله العظمى الحائري اليزدي، أثمرت جهود الإمام الخميني وثلة من المجتهدين في حوزة قم العلمية، فتوجه آية الله العظمى السيد حسين البروجردي (رضوان الله عليه) إلى قم زعيماً لحوزتها العلمية.

في ذلك الحين كان الإمام الخميني أحد الأساتذة والمجتهدين المعروفين الضالعين في الفقه والأصول والفلسفة والعرفان والأخلاق، إذ درّس طوال سنوات متمادية دورات عديدة من الفقه، والأصول، والفلسفة، والعرفان، والأخلاق الإسلامية في الفيضية، ومسجد أعظم، ومسجد محمدية، ومدرسة الحاج ملا صادق، ومسجد سلماسي، و... كما درّس الفقه ومعارف أهل البيت على أرفع المستويات طوال 14عاماً في مسجد الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله) في النجف الأشرف، وفي النجف أيضاً طرح لأول مرة المرتكزات النظرية للحكومة الإسلامية ضمن سلسلة دروس ولاية الفقيه.

في خندق الكفاح والنهضة

كان لروح الكفاح والجهاد في سبيل الله جذورها في الرؤية العقيدية والتربوية والبيئة العائلية والظروف السياسية والاجتماعية التي عاشها الإمام الخميني طوال فترة حياته. انطلق نشاطه النضالي منذ فترة شبابه الأولى وتكامل بتكامل أبعاد شخصيته الروحية والعلمية من ناحية، وتطور الواقع السياسي والاجتماعي في إيران والمجتمعات الإسلامية من ناحية ثانية. وكانت لائحة الولايات والإمارات التي أطلقتها الحكومة الإيرانية في سنة 1961 و1962م فرصةً مناسبة ليمارس الإمام الخميني دوره في قيادة الثورة وعلماء الدين، وبهذا اندلعت انتفاضة الشعب وعلماء الدين الشاملة في (5/6/1963م) بسمتيها البارزتين: قيادة الإمام الخميني الواحدة، وإسلامية شعاراتها ودوافعها وأهدافها، وكانت بدايةً لفصل جديد من كفاح الشعب الإيراني الذي عرف في العالم لاحقاً باسم الثورة الإسلامية.

يسرد الإمام الخميني ذكرياته عن الحرب العالمية الأولى حينما كان حدثاً في الـ 12 من عمره فيقول: «أتذكر كلا الحربين العالميتين... كنت صغيراً لكنني في المدرسة، وكنت أرى الجنود الروس في نفس المركز الذي كنا نرتاده في مدينة خمين، وكنا عرضة للهجوم والعدوان في الحرب العالمية الأولى».

يذكر الإمام الخميني في مناسبة أخرى أسماء بعض الإقطاعيين والجائرين الذين سطوا على أموال الناس وأعراضهم في ظل دعم الحكومة المركزية، فيقول: «كُنت في حالة حرب منذ طفولتي... كنا عرضة لاعتداءات أمثال «زلقي» و«رجب علي»، وكنا نحمل البنادق بأنفسنا، وأنا شخصياً مع أني كنت في بداية سن البلوغ، أو كنت طفلاً، لكنني كنت أذهب للخنادق المقامة في منطقتنا حيث كان الأعداء ينوون الهجوم علينا ونهبنا، كنت أذهب وأتنقل بين الخنادق».

كان علماء الدين الإيرانيون بعد أحداث ثورة الدستور عرضةً، من ناحية، لهجمات متتالية تشنها ضدهم الحكومات المركزية الإيرانية العميلة للإنجليز، وهدفاً، من ناحية ثانية، لهجمات واعتداءات المستنيرين التغريبيين.

في مثل هذه الظروف العصيبة هبّ رجال الدين للدفاع عن الإسلام والحفاظ على وجودهم وكيانهم. فهاجر آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري من أراك إلى قم بدعوة من علمائها.

دعم الشاه للكيان الصهيوني عبر تطوير العلاقات بين إيران و(إسرائيل) كان الشرط اللازم لدعم أمريكا للشاه، وتغلغل أتباع الفرقة البهائية المرتبطة بالاستعمار في السلطات الإيرانية الثلاث من شأنه تحقيق هذا الشرط. بمجرد أن ذاع خبر المصادقة على هذه اللائحة اجتمع الإمام الخميني للتشاور مع كبار علماء قم وطهران ثم أعلن معارضته الأكيدة والشاملة لها. وقد كان دور الإمام في تسليط الضوء على الأهداف الحقيقية لنظام الشاه والتذكير بالرسالة الخطيرة لعلماء الدين والحوزات العلمية مؤثراً وفاعلاً جداً في تلك الظروف. البرقيات ورسائل الاعتراض المفتوحة التي بعثها العلماء للشاه وأسد الله علم أثارت تياراً هائلاً من الدعم لتحركات الإمام الخميني بين مختلف شرائح الشعب الإيراني. كانت البرقيات التي بعثها الإمام الخميني للشاه ورئيس الوزراء شديدة اللهجة وتشتمل على كثير من التحذير. جاء في أحد هذه البرقيات: «إنني أنصحك مرة أخرى بالعودة لطاعة الله والخضوع للدستور والخوف من العواقب الوخيمة للتنكر للقرآن وأحكام علماء الأمة وزعماء المسلمين والحياد عن الدستور، فلا تلقِ بالبلاد في الخطر متعمداً ومن دون سبب، وإلا فلن يتجنب علماء الإسلام إبداء آرائهم فيك».

وأصدر الشاه أوامره بإخماد الانتفاضة التي قادها الامام الخميني. بدايةً، أُلقي القبض على عدد كبير من أنصار الإمام الخميني ليلة الرابع من حزيران، وفي الساعة الثالثة بعد منتصف الليل حاصر المئات من قوات الكوماندوز الموفدين من طهران منـزل الإمام وألقوا القبض عليه وهو يصلي صلاة الليل، ونقلوه إلى طهران ليسجن في معتقل نادي الضباط، ثم نقلوه غروب ذلك اليوم إلى سجن (قصر).

و امتنع الإمام الخميني في السجن عن الإجابة على أسئلة المحققين بكل شجاعة وبإعلانه أنه يعتبر الهيئة الحاكمة في إيران وسلطتها القضائية غير قانونية وتفتقر للصلاحية. في مساء (7/4/1964م) أطلق سراح الإمام دون سابق إشعار ونقل إلى قم، وبمجرد أن علمت الجماهير بالنبأ عمت الفرحة كل أرجاء المدينة وأقيمت احتفالات كبرى في المدرسة الفيضية وأماكن أخرى تواصلت لعدة أيام. وبعد فترة تم إحياء الذكرى الأولى لانتفاضة 15 خرداد بإصدار بيان مشترك للإمام الخميني وباقي مراجع التقليد وبيانات منفصلة أخرى أصدرتها الحوزات العلمية أعلن فيها هذا اليوم يوم عزاء عام. في (26/10/1964م) أصدر الإمام الخميني بياناً ثورياً كتب فيه: «لتعلم الدنيا أن كل مشكلة يعاني منها الشعب الإيراني والشعوب المسلمة إنما هي بسبب الأجانب وعلى رأسهم أمريكا. الشعوب المسلمة تكره الأجانب عموماً وأمريكا على الخصوص...

في (1/1979م) شكّل الإمام الخميني شورى الثورة الإسلامية في إيران، أما الشاه فقد هرب من البلد في(16/1/1979م) بعد تشكيله الشورى الملكية وإحرازه ثقة البرلمان على حكومة شاهبور بختيار. وسرعان ما ذاع هذا الخبر في طهران ثم إيران كلها فخرج الناس إلى الشوارع يعربون عن فرحتهم واحتفالهم لهزيمة الشاه.

عودة الإمام إلى إيران بعد 14 عاماً من النفي في (أواخر كانون الثاني 1979م) ذاع خبر عودة الإمام إلى البلاد، ففاضت أعين الناس بالدموع شوقاً إليه واغتباطاً برجعته بعد أن انتظروا هذا الميعاد 14 سنة. لكن الجماهير والأصدقاء المقربين للإمام كانوا في الوقت ذاته قلقين عليه وعلى حياته لأن الحكومة العملية للشاه لا تزال قائمة وقد أعلنت الحكومة العسكرية.

بيد أن الإمام كان قد اتخذ قراره وذكر في نداءاته للشعب الإيراني أنه يريد أن يكون بجانب شعبه في هذه الأيام المصيرية الخطيرة. فما كان من حكومة بختيار إلا أن أغلقت مطارات البلاد بوجه الرحلات الخارجية بتنسيق مع الجنرال الأمريكي هايزر، غير أنها لم تستطع الإصرار طويلاً على قرارها هذا واضطرت للرضوخ لإرادة الأمة فحلَّ الإمام الخميني عائداً إلى وطنه صبيحة يوم (1/2/1979م) بعد 14 عاماً من الفراق. وقد كان استقبال الجماهير له مدهشاً وغير مسبوق إلى درجة اضطرت وكالات الأنباء الغربية للاعتراف به وذكرت أن عدد المشاركين في هذا الاستقبال تراوح بين 4 إلى 6 ملايين إنسان.

كان الإمام الخميني قد أعلن طوال سنوات حياته عن أهدافه ومبادئه وكل ما كان ينبغي أن يبلِّغه، بذل كل طاقته وجهوده في سبيل تحقيق هذه الأهداف. و في (1989م) كان قد أعد نفسه للقاء حبيبٍ أنفق كل عمره في سبيل تحصيل مرضاته، ولم تنحن قامته أمام كائن سواه، ولم تبك عيناه إلا من أجله. قصائده العرفانية تنم كلها عن آلام فراق هذا الحبيب وتفصح عن تعطّشه الكبير للحظة وصاله. وها قد اقتربت تلك اللحظة الشامخة العظيمة بالنسبة له، العصيبة القاتلة بالنسبة لأنصاره ومحبّيه. كتب هو في وصيته: «بقلب تجلّله السكينة، وفؤاد مطمئن، وروح مبتهجة، وضمير متفائل بفضل الله، أستأذِن الأخوات والإخوة وأرحل إلى موطني الأبدي وأنا بأمس الحاجة إلى أدعيتكم لي بالخير، وأطلب من الله الرحمن الرحيم أن يتقبّل عذري لقصوري وتقصيري وقلّة خدمتي، وأرجو من الشعب أيضاً تقبل عذري في قصوري وتقصيري، وأن يواصلوا مسيرتهم إلى الأمام بكل قوة وعزم وإرادة».

لحظة الوصال كانت الساعة العاشرة وعشرون دقيقة من مساء (3/6/1989م) كفّ عن الخفقان قلبٌ أحيى بأنوار الله والمعنوية ملايين القلوب.

وكان أصدقاؤه ومحبوه قد نصبوا كاميرا خفية في المستشفى التي رقد فيها أواخر أيامه سجلوا عبرها أحواله أيام مرضه وإجراء العمليات الجراحية له واللحظات التي فاضت فيها روحه. وحينما عرضت من التلفاز لقطات من الحال المعنوية السامية والسكينة التي كانت تغمره في تلك الأيام هاجت القلوب وتفجرت بالعواطف وعمّها وجدٌ لا يمكن وصفه والشعور به إلا لمن عايش تلك الأجواء. كانت الشفاه تتمتم بذكر الله دوماً. في الليلة الأخيرة من