ابنا : (دراسته)
أمّا الشهيد نواب، فقد أكمل الإبتدائية بمدرسة "نظام حكيم" في مدينة قم المقدسة، وإنتقل إلى المدرسة الصناعية، وظلّ بكفالة خاله، ولكن بعد فترة من الزمن إضطّر أن يزاول العمل بنفسه، وإنتقل بسببها إلى آبادان، لكن إقامته لم تدم طويلاً، حيث أنّه قام بتنظيم تظاهرة ضد الإستعمار البريطاني، وقد ألقى خطبة حماسية فيها ممّا حدا بالإنجليز إلى البحث عنه، ففرّ بمساعدة بعض الأخوة إلى النجف الأشرف وفي النجف تتلمذ على يد العلامة الأميني وآية الله السيّد هادي الميلاني.
(جهاده السياسي)
وأثناء وجوده في النجف الأشرف، ظهر رجل في ايران يدعى "أحمد كسروي" سنة1941م كان يهاجم الإسلام ويتعرض لمقام النبي(ص) ويتقوّل عليه الأكاذيب في كتاباته التي كان الإستعمار وعملاؤه في الداخل يروّجون لها وينشرونها بهدف تسميم أفكار العامة من المسلمين وإلهاء علماء الدين المناضلين عن معركتهم الأساسية ضد الإستعمار بمسائل جانبية.
وعندما وصلت إلى السيّد نواب أخبار هذا الرجل ترك الدراسة وتوجّه إلى إيران ليقوم بواجب الدفاع عن الإسلام ضد تحريفات وأكاذيب هذا العميل المعتوه فالدراسة لم تكن تشكّل أمام "نواب صفوي"عقبة في طريق العمل والنضال والثورة.
إنّ الشهيد "نواب" كان يؤمن بأنّ التحرّك والعمل هو المطلوب من الإنسان المؤمن، وحينما يكون هناك طاغوت حاكم يلعب بمقدّرات الأمّة، تبقى الدراسة والجمود في المدارس والإنعزال عن قضايا الجماهير خيانة بحق الإسلام والأمّة والمقدّسات.
(تأسيس"فدائيو الإسلام")
وفي ايران جمع الشهيد نواب حوله المؤمنين من رجال الدين المناضلين والشباب الواعين والكسبة المتدينين، وأسّس بهم سنة 1945م منظمة ثورية إسلامية أسماها "فدائيو الإسلام"، ووضعت على رأس قائمة أعمالها تصفية الحساب مع الزنديق "كسروي".
وفي البداية حاول السيّد شخصياً مع كسروي بالحسنى والحوار ليكفّ عن الإساءة إلى الإسلام وحرق المصاحف، ولكن العميل المأجور لم تفده الطريقة الحسنى، فهدرت منظمة "فدائيو الإسلام"دمه، وتمّ إغتياله سنة 1945م. إثر ذلك إعتقل السيد نواب وأودع السجن، ولكن بضغط من الجماهير أفرج عنه.
وكان السيد خطيباً بارعاً يجذب الجماهير بكلماته وأفكاره، فبعد خروجه من السجن وجّه الجماهير ضد حكومة الشاه الطاغية، وتوجّهت منظمته في هذا الخط الجديد، فألقت سلطات الشاه المقبور القبض على السيد ورفاقه وأودعوا السجن، وضغطت الجماهير ثانية على حكومة الشاه لإطلاق سراح السيد ورفاقه من أعضاء منظمة "فدائيو الإسلام"، ورضخ النظام البهلوي البائد مرة ثانية أمام الضغوط الجماهيرية.
وفي هذه المرحلة إشتهرت منظمة "فدائيو الإسلام" بعد عملياتها العسكرية الجريئة بقيادة الشهيد السيد نواب صفوي وعبدالحسين وإحدى مسؤول الجناح العسكري بالمنظمة.
وفي سنة 1948م إتّخذت السلطة قراراً بملاحقته مع كل أعضاء منظمة "فدائيو الإسلام"، ممّا أدّى إلى إختفاء الشهيد وإنتقال المنظمة إلى طور العمل السرّي.
وفي هذه الأثناء عمل الشهيد جاهداً إلى إعادة آية الله الكاشاني من منفاه في لبنان، وقد توفّق في ذلك.
وفي سنة 1949م تعاون السيد الشهيد مع الجبهة الوطنية، وأصدرت المنظمة في حينها حكم الإعدام على رئيس الوزراء "هجير"، ونفذت العملية فعلاً على يد عضو المنظمة الشهيد "حسن امامي".
وكنتيجة لأعمال الرفض والمعارضة المشتركة ألغيت نتائج إنتخابات الدورة السادسة عشرة، إذ إشترك ممثّلو الجبهة بانتخابات الدورة الجديدة ممّا أدّى إلى فوزهم بأكثرهم جيّدة، ولكن رئيس الوزراء الجديد المدعو "رزم آرا" عمل من أجل تكريس الدكتاتورية والتسلّط، ممّا دعا السيد نواب إلى إصدار حكم الإعدام بحقّه،وأوكلت المنظمة تنفيذ العملية إلى أحد أعضائها المجاهدين، وبالفعل قام الشهيد خليل طهماسب بإنزال القصاص العادل بالوزير المقبور.
إلاّ أنّ الإتفاق والتعاون السابق بين منظمة "فدائيو الإسلام" والجبهة الوطنية لم يستمر طويلاً لخلاف أساسي بينهما، خلاصته عدم إلتزام الدكتور مصدق بالتطبيق الكامل للنظام الإسلامي خصوصاً في جانبه السياسي، هذا الخلاف أدّى بمصدق إلى سجن الشهيد نواب والذي إستمر إلى حين سقوط حكمه.
أمّا في سنة 1953م وبعد مؤامرة "28 مرداد"، عمل الشهيد على نشر أعلاميته المشهورة والتي كانت تحت عنوان "الشاه ورئيس الوزراء لم يعملا بالإسلام لحدّ الآن، لذلك فإنّهما لا يتمتّعان بوجود شرعي".
وكان الشهيد يعتقد بانمحاق كل أثر ملكي والإطاحة بالحكومة الملكية لإقامة حكومة إسلامية مكانها، فكان أوّل من كتب برنامجاً مفصّلاً ومتكاملاً عن الحكومة الإسلامية وكان عمره آنذاك ستة وعشرون عاماً.
ويعتبر كتابه حول "الحكومة الإسلامية" نبراساً لمن يسعى لإقامة حكومة الحق والعدل والإيمان في الأمّة الإسلامية.
ففي مقابلة مع مندوب وكالة "أسوشيتدبرس" الأمريكية أجاب السيد نواب على سؤال عن ماهية الهدف الرئيسي لمنظمة "فدائيو الإسلام"قائلاً:"إنّنا نعتقد بوجوب نشر العقيدة الإسلامية الصحيحة في كل العالم، ونعتقد بوجوب تطبيق القانون الإسلامي،ونعتقد أنّ التعاليم الإسلامية هي وحدها قادرة على إنقاذ البشرية من الحروب والجرائم، وفي سبيل هذه العقيدة بدأنا العمل لكي نجعل من إيران قدوة للعالم المتحضر".
وسأله المراسل عن مدى إستعداده للتضحية في سبيل هذا الهدف، فأجاب السيد:"أعتقد أنا وإخواني أنّ أرخص شيء عندنا في الحياة هي أرواحنا،ونحن نعتقد أننا لا نتمكّن من خدمة الإسلام إلاّ بإعطاء أرواحنا ودماءنا في هذا الطريق المقدّس".
وزار الشهيد بعض الأقطار العربية سنة 1954م، وإلتقى بياسر عرفات حين كان يومها طالباً في القاهرة،إذ يقول عرفات عن لقاءه هذا:لقد شدّني الشهيد نواب إلى العمل الثوري الحقيقي من أجل القضية الفلسطينية حينما قال لي:إنّ مكانك هو في فلسطين وليس في القاهرة.ثمّ يضيف عرفات:وحينها بدأت أفكاري تختمر لوضع البداية المطلوبة في إنطلاقة المقاومة الفلسطينية.
وفي القاهرة أيضاً التقى بالسيد قطب وآخرين من قادة الاخوان المسلمين، ثمّ ألقى في جامعة القاهرة خطاباً ثورياً ضد الإنجليز، وحمل فيه المسؤولين المصريين مسؤولية العمل لتأميم قناة السويس، ونادى في الوقت نفسه إلى إلغاء المعاهدة النفطية بين إيران وأميركا، وصمّم من هناك على إعدام أركان النظام الفاسد الذي يحكم ايران من أمثال أميني وزاهدي وتيمور بختيار وغيرهم، وكان الذي حصل أنّ مظاهرات الطلبة المصريين إنطلقت على إثر خطابه الذي ألقاه بالعربية وهي تندّد بالاستعمار وعملائه ممّا حدا بالسلطات المصرية إلى طرده من مصر.
ودُعي الشهيد نواب إلى مؤتمر إسلامي عقد في بيت المقدس لمناقشة قضية مصادرة الأراضي الفلسطينية من قبل اليهود، فألقى خطابات ثورية باللغة العربية في المؤتمر دعاهم فيها إلى تحرير القدس والقيام ضد الحكومات العميلة للاستعمار، وعندما ذهب الشهيد مع سبعين من المشاركين في المؤتمر لجولة في الأراضي المحتلّة، وقف فجأة على صخرة وألقي عبائته جانباً ودعاهم للصلاة في مسجد خرب يبعد كيلومتراً واحداً عن القدس، وقال:"من استعدّ للشهادة فليأت معنا". فتحرك الشهيد ـ أمام حيرة جنود الاحتلال المسلّحين ـ مع المشاركين الذين أخذتهم الدهشة والخوف، متوجّهاً نحو المسجد، وعندما وصل إلى المسجد أذّن وقف للصلاة، فاقتدى به جميع المشاركين في المؤتمر.
(استشهاده)
وفي عام 1955م قام أحد أفراد المنظمة وبتوجيه من السيد الشهيد بمحاولة لإغتيال رئيس الوزراء المدعو حسين علاء، ولكن المحاولة فشلت ممّا أدّى إلى مضايقة السلطة للشهيد نواب إلى أن إستطاعت القبض عليه في يوم 18 تشرين الثاني مع بعض رفاقه في المنظمة.
وإستمرت محاكمته مع أخوته المجاهدين لمدّة شهرين، وفي صباح يوم 27/10/1334 هجري شمسي الموافق للعام 1956م وبينما كان الشهيد يتلو آيات من قرآن ربّه، أطلقت اليد الآثمة عليه بضع رصاصات حقيرة لتطفئ بذلك آخر شمعة من حياة الشهيد المجاهد.
فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّاً.
انتهى/158