تصادف اليوم 15 تشرين الاول ذكري استشهاد العالم الديني التقي الورع المجاهد آية الله الشيخ عطاء الله اشرفي اصفهاني قدس سره الشريف.و قد ولد الشهيد في بلدة سدة التابعة لمدينة اصفهان وكان الولد الوحيد لأبيه ودخل مكتب قراءة القرآن الكريم وواصل دروسه الدينية حتي بلغ عمره 9 اعوام وحفظ كتاب نصاب الصبيان في هذا العمر مما يظهر نبوغه وبعدها توجه الي اصفهان ليدرس في الحوزة العلمية هناك.
و عندما بلغ عمره 19 عاما حصل علي اجازة اقامة الصلاة جماعة من قبل العالم الديني الكبير في اصفهان آية الله فشاركي ولما دخل العشرين من عمره توجه الي مدينة قم المقدسة لمواصلة دروسة الحوزوية.
و حصل علي الاجتهاد وهو في الاربعين من عمره وأول اجازة اجتهاد حصل عليها كانت من العالم الورع التقي المجاهد آية الله السيد محمد تقي الموسوي الخوانساري ثم اختاره المرجع المجدد آية الله السيد حسين الطباطبائي البروجردي أحد المشرفين علي امتحانات الحوزة العلمية.
و توجه بعد فترة الي مدينة كرمانشاه وكيلا من قبل المرجع الديني البروجردي التي بقي فيها الي بعد انتصار الثورة الاسلامية.
دور الشهيد آية الله أشرفي أصفهاني في فترة الدفاع المقدس:
و مع بدء الحرب المفروضة من قبل الاستكبار العالمي على الدولة الإسلامية الفتية ، وتدافع قوات التعبئة الشعبية على جبهات الحرب للدفاع عن ثغور الإسلام ، كان الشهيد أشرفي أصفهاني يؤكد أهمية الدفاع المقدس ، ويدعو خلال (25) شهراً في جميع خطب صلاة الجمعة و المقابلات الصحفية و البيانات إلى ضرورة تواجد الشعب في الجبهات.
و لم يكتفِ بهذا، بل كان دائم الحضور في الجبهات، يلتقي قوات الإسلام، ويلزم نفسه بأن يلقي كلمة، ويصافحهم فرداً فرداً، ويجالسهم ويحدثهم، وكان يقول: "عندما اذهب إلى الجبهة، ترتفع معنوياتي لفترة".
و رغم كبر سنّه كان يطوي مسافات طويلة وطرقاً وعرة عشقاً للقاء أبطال جبهة التوحيد. وحضر مرات ومرات في المناطق الحربية من إيلام، وقصر شيرين، ومعسكر أبي ذر، وكيلان غرب، ونوسود، وبستان، وآبادان، وخرمشهر، وسومار، وكان يتواجد بين قوات الإسلام.
و بعد تحرير مدينة قصر شيرين، سافر إلى هذه المدينة، وصلّى ركعتين صلاة شكر لله في مسجدها.
و كان لحضوره في جبهات الحرب تأثير بالغ على معنويات قوات الإسلام؛ فذات مرة وحين ذهابه إلى المناطق الجنوبية، توجّه إلى مدينة بستان المحررة، ودخلها تحت القصف الشديد لمدفعية العدو، ومنها توجّه صوب مدينة آبادان.
و حين بدء عمليات الفتح المبين، حضر في مقر العمليات، واقترح تسمية العمليات باسم الزهراء (ع).
و في ثاني زيارة له لمحافظة خوزستان بعد تحرير خرمشهر، توجّه إلى مدينة الأهواز، وصلّى مع الأهالي صلاة الشكر. وبعد ظهر اليوم نفسه، توجّه بمعية إمام جمعة الأهواز إلى منطقة خرمشهر رغم حرص القادة العسكريين على سلامتهما، وفور ورودهما المدينة توجّه آية الله الأصفهاني إلى المسجد الجامع وتواجد بين قوات الإسلام، وخاطبهم قائلاً: " إنه يوم من الأيام الإسلامية ويوم الله. إن فتح خرمشهر كان إحدى أمنياتي، والحمد لله على بقائي حيّاً وإدراكي هذا اليوم".
و في عمليات مسلم بن عقيل في غرب الجبهات، كان الشهيد لحظة بدء العمليات في مقر العمليات إلى جانب جمع من المسؤولين، وكان يعيش أجواء معنوية خاصة، ولم يستقر له قرار، وكان مشغولاً بالدعاء والمناجاة حتى الصباح. وفي الصباح انفجرت قذيفة قرب خيمته، فأصرّ عليه القادة العسكريون بترك المنطقة، إلاّ أنه رفض قائلاً: "إنني لا أترك المكان وأنا مستعد لأية مسألة، ودمي ليس أكثر احمراراً، وروحي ليست أغلى من أرواح هؤلاء المقاتلين الأعزاء. وعليّ أن أبقى هنا حتى انتهاء العمليات".
و كانت له نشاطات قيّمة خلف الجبهات، ومنها افتتاح حساب مصرفي لدعم الجبهات مالياً، وكذا افتتاح حساب مصرفي آخر لدعم مهجّري الحرب، وحساب مصرفي ثالث لإعادة إعمار منطقة گيلان غرب.
و كان الشهيد يولي موضوع الوحدة بين الشيعة والسنة أهمية بالغة، وكان لإقداماته في هذا المجال تأثير بالغ.
و بعد استشهاده أصدر الإمام الخميني (ره) بياناً مهماً بمناسبة استشهاد هذا العالم المجاهد و الشيخ العارف، جاء فيه:
"كم هم سعداء و منتصرون أولئك الذين لم يسقطوا في مكائد الشيطان و الوساوس النفسانية طوال حلو الحياة و مرّها، و خرقوا آخر حجاب بينهم و بين المحبوب بشيب مخضب بالدماء ، و دخلوا مقر المجاهدين في سبيل الله.
وكم هم سعداء و محظوظون أولئك الذين هجروا الدنيا و زخرفها، وقضوا عمراً بالزهد و التقوى ، و فازوا بآخر درجات السعادة في محراب العبادة و محل إقامة الجمعة على يد أحد المنافقين و المنحرفين الأشقياء ، و التحقوا بأعلى شهيد للمحراب عرج إلى الملأ الأعلى على يد أشقى الأشقياء.
و شهيد المحراب العزيز في هذه الجمعة ، كان من الشخصيات التي كنت مريداً و لازلت لشخصه السامي.
عرفت هذا الوجود المبارك و الملتزم منذ ستين عاماً ، المرحوم الشهيد العظيم حجة الإسلام و المسلمين الحاج عطاء الله أشرفي ، عرفته في هذه الفترة الطويلة بصفاء النفس و سكينة الروح و اطمئنان القلب ، عرفته فارغاً من الأهواء النفسانية تاركاً هواه مطيعاً لأمر مولاه جامعاً للعلم المفيد و العمل الصالح ، و في نفس الوقت كان مجاهداً ملتزماً و قوي النفس ، و كان من جملة الأشخاص الذين كانوا سبباً في رفع معنويات الشباب المجاهد في جبهات الدفاع عن الحق ، و مصداقاً بارزاً لـ ( صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) .
و برحيله ثلم في الإسلام ثلمة ، و خيّم الحداد على شريحة العلماء.
نسأل الله أن يجعله في زمرة شهداء كربلا ء، و يلعن قاتلي أمثاله من الرجال.
و العار الأبدي على أولئك الذين اغتالوا أمثال هذا الشخص الصالح الذي لم يطل أذاه حتى نملة، وعرّفوا أنفسهم لدى الساحة الربوبية المقدسة ولدى شعبنا المضحّي على أنهم الأكره والأكثر إجراماً.